رغم امتلاك الكويت نحو 7% من احتياطيات النفط العالمية، وهي واحدة من أغنى دول العالم ومصدر رئيسي للطاقة، كما تعد واحدة من كبرى الدول المصدرة للنفط في العالم، ولديها صندوق ثروة سيادي بقيمة 980 مليار دولار، إلا أن هذه الإمكانات لم تكن كافية لإنهاء أزمة الانقطاعات المتكررة للكهرباء خلال فصل الصيف، وهو الأمر الذي يرجعه الخبراء إلى عدة عوامل؛ منها التغيرات المناخية والاعتماد على الغاز وسوء الإدارة الحكومية.
وانقطاع التيار الكهربائي في الصيف ليس جديدًا في الكويت؛ فقد حدث بانتظام منذ عام 2006، ولكن هذا العام زادت وزارة الكهرباء والماء والطاقة المتجددة من قطع “التيار الكهربائي المبرمجة” حسب تصريحات الهيئات الحكومية المسؤولة عن إدارة ملف الكهرباء في البلاد.
وفي منتصف شهر حزيران/ يونيو الماضي، لجأت الحكومة لتطبيق خطة لتخفيف الأحمال بعد ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات غير مسبوقة، دفعت الطلب على الكهرباء إلى مستويات تاريخية، لم تتمكن محطات التوليد من الوفاء بها، وتعرضت 40 منطقة في الكويت إلى الإظلام، بعد خروج وحدة توليد في محطة الزور الجنوبية بسعة 300 ميغاواط عن الخدمة؛ إذ تراوحت مُدد انقطاع التيار بين ساعة وساعتين يوميًا، وفق الحاجة.
الخبير الاقتصادي الكويتي، خالد العجيل، يرجع السبب الرئيسي إلى ارتفاع الحرارة لمستوى غير مسبوقة، وهو الأمر الذي أدى إلى زيادة الأحمال على المحطات الكهربائية، وتعاملت الحكومة على توفير طاقة كهربائية من خلال الشبكة الكهربائية الخليجية عبر خدمة الربط الكهربائي لدول الخليج العربي.
وأضاف العجيل، لـ”مواطن”، أن هناك خططًا لبناء محطات كهرباء جديدة، وذلك لمواجهة الزيادة السكانية والتوسع العمراني الذي يضغط على شبكة الكهرباء الحالية، ويتسبب في حدوث الأعطال الصيفية، لأن إنشاء مناطق سكنية جديدة يزيد الطلب على الطاقة الكهربائية وزيادة الأحمال.
قطاع الكهرباء في الكويت
تعتمد الكويت بنسبة 99.78% على النفط والغاز لتوليد الكهرباء، بينما تمثل الطاقة المتجددة النسبة المتبقية، وهي 0.22%، بحسب بيانات جمعتها وحدة أبحاث الطاقة من مركز أبحاث الطاقة النظيفة (إمبر)، أظهرت الأرقام الصادرة عن تقرير المراجعة الإحصائية السنوي لمعهد الطاقة في يونيو/ حزيران الماضي، أن استهلاك الفرد في البلاد من الطاقة نما 0.4٪ في 2023، ليبلغ 365.9 جيجاجول، مقارنة مع 364.6 جيجاجول في 2022، بينما كان النمو سالبًا في آخر 10 سنوات (2013-2023)، بمعدل -1.3٪، واحتلت الكويت بذلك المرتبة الثالثة خليجيًا بعد قطر والإمارات.
عتمد الكويت بنسبة 99.78% على النفط والغاز لتوليد الكهرباء، بينما تمثل الطاقة المتجددة النسبة المتبقية، وهي 0.22%
ونما توليد الكهرباء 5.7٪ من 83.5 تيراواط ساعي في 2022 إلى 88.3 تيراواط ساعي في 2023، أو 3.8٪ في السنوات العشر الماضية، وكان توليد الكهرباء في البلاد قد تراجع خلال عام اندلاع جائحة كورونا (2020) إلى 74.8 تيراواط/ ساعة، مقابل 75.1 تيراواط/ ساعة خلال عام 2019، وعاد للارتفاع في عام 2021 إلى مستوى 80.8 تيراواط/ ساعة، ليواصل حجم توليد الكهرباء في الكويت الصعود إلى 83.5 تيراواط/ ساعة خلال 2022.
بينما ارتفعت واردات البلاد من الغاز الطبيعي المسال في ذات الفترة بـ 5.4٪؛ إذ استوردت 8.9 مليار متر مكعب؛ في حين بلغت وارداتها 14.6٪ خلال الفترة بين 2013-2023.
وذكر تقرير لجريدة نيويورك تايمز الأميركية، أن مشاكل الطاقة في الكويت لها أسباب عديدة؛ فمع ارتفاع درجة حرارة الكوكب، تجاوز الطلب المتزايد قدرة الشبكة الكهربائية القائمة؛ في حين أعاقت التأخيرات البيروقراطية الجهود الرامية إلى توسيعها.
كما تحولت الكويت إلى حد كبير بعيدًا عن حرق النفط لتوليد الطاقة -وهي طريقة أكثر تلويثًا- لصالح استخدام الغاز الطبيعي، وبما أن البلاد تنتج كميات قليلة نسبيًا من الغاز الطبيعي؛ فإنها تحتاج إلى استيراده.
إن انقطاع التيار الكهربائي في الكويت هذا الصيف يؤكد التحديات التي تواجهها حتى البلدان الغنية في المنطقة، مع إعادة تغير المناخ ترتيب الحياة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
التوسع في استيراد الغاز
وفي أغسطس/ آب الماضي، قالت رويترز إن مؤسسة البترول الكويتية تجري مباحثات مع “قطر للطاقة” بشأن إمدادات جديدة طويلة الأجل من الغاز الطبيعي المسال، للمساعدة في تلبية الطلب المتزايد على توليد الطاقة في الدولة الخليجية، خمسة قطاعات تجارية وصناعية.
وبموجب الصفقة تزوّد قطر الكويت بـ 3 ملايين طن متري سنويًا من وقود الغاز المسال المنقول بحرًا، على مدار 15 عامًا من مشروع حقل الشمال القطري، والذي من المتوقع أن يدخل حيز التشغيل في عام 2026.
ويقول الخبير الاقتصادي، عامر الشوبكي، إنه بالفعل هناك تغير مناخي أدى إلى ارتفاع درجات الحرارة، وهناك توسع عمراني وزيادة في عدد السكان، وهناك بعض محطات توليد الكهرباء بحاجة إلى صيانة، أدت إلى هذه الانقطاعات، كما أن هناك خللاً في تزويد الغاز الطبيعي لهذه المحطات، والآن هناك بعض الخلل في محطات الإسالة التي تزود هذه المحطات بالغاز المستورد، وانخفاض جودة الغاز التي تنتجه الكويت والذي تعمل من خلاله على محاولة تزويد المحطات بالطاقة.
وتابع الشوبكي، لـ”مواطن”، أن الحكومة الكويتية تعاملت مع هذا الوضع من خلال إجراء قطع مبرمج الكهرباء، واستيراد مزيد من الكهرباء من دول مجلس التعاون الخليجي، الذي ترتبط معه بشبكة كهرباء متصلة؛ حيث رفعت الاستيراد إلى قرابة 500 ميجاوات، منها 300 ميجاوات من عمان و200 ميجاوات من قطر، لمحاولة تغطية حاجتها المتنامية من الكهرباء.
وأشار إلى إحجام الكويت عن تشغيل محطات الكهرباء التي تعمل على زيت الوقود والنفط مرتفع الثمن، بالمقارنة مع الغاز كوقود، واعتقد بأن هذا لتخفيف عجز الموازنة وتخفيف النفقات التي تنفقها الكويت على تشغيل محطات الكهرباء.
خطط توجيه الدعم
في يوليو/تموز الماضي، توقع وزير المالية ووزير الدولة السابق للشؤون الاقتصادية والاستثمار الكويتي، أنور المُضَف، تراجع إيرادات موازنة البلاد للسنة المالية (2024-2025) بنسبة 2.8% إلى نحو 18.9 مليار دينار (61.6 مليار دولار).
وأضاف الوزير في مقابلة على تلفزيون الكويت، أن إجمالي المصروفات المتوقعة في الموازنة العامة (2024-2025) قُدر بـ24.5 مليار دينار (79.9 مليار دولار)، بانخفاض 6.6% عن السنة المالية السابقة. وأوضح أنه من المتوقع أن تسجل الموازنة عجزًا بـ 5.6 مليار دينار (18.2 مليار دولار).
ويبحث مجلس الوزراء الكويتي أكثر من سيناريو لإلغاء دعم الوقود، يتراوح بين الإلغاء الجزئي، الذي يشمل إعفاء المواطنين فقط من زيادة أسعار البنزين، أو التحرير الكلي والبيع بالأسعار العالمية، ومن المقرر أن تُقدم الحكومة الكويتية دعمًا ماليًا إلى المواطنين نظير استهلاك الوقود، بما يعوّض الزيادة التي ستُطَبَّق، لتجنيبهم تحمل أي زيادة في الأسعار، وفق ما نشرته القبس.
مشاكل الطاقة في الكويت لها أسباب عديدة؛ فمع ارتفاع درجة حرارة الكوكب، تجاوز الطلب المتزايد قدرة الشبكة الكهربائية القائمة؛ في حين أعاقت التأخيرات البيروقراطية الجهود الرامية إلى توسيعها.
وفي أبريل/نيسان الماضي، قال رئيس قطاع الشؤون المحلية الناطق الرسمي باسم الحكومة، عامر العجمي، إن إلغاء دعم الوقود في الكويت قيد البحث والدراسة في اللجنة الوزارية للشؤون الاقتصادية.
وفي 24 سبتمبر/ أيلول، كشفت صحيفة القبس الكويتية، أن الحكومة تتجه لزيادة أسعار الوقود في ظل اتّجاه الدولة إلى إلغاء دعمه وبيعه بالأسعار العالمية؛ ما من شأنه تحقيق وفورات مالية قد تصل إلى ملياري دولار أميركي، وأشارت القبس إلى أن الزيادة لن تشمل المواطنين، وستكون على “الوافدين فقط”، وستقر الحكومة دعمًا ماليًا للمواطنين نظير استهلاك الوقود لتجنيبهم تحمل أي زيادة في السعر.
ويرى الخبير الاقتصادي عامر الشوبكي، أن خطط توجيه الدعم للمواطنين التي ستقوم بها الحكومة الكويتية لتخفيف العجز في الموازنة العامة، وتوجيه الدعم للمستحقين تبدأ من المشتقات النفطية، وتوقع أن تشمل مجالات أخرى قريبًا على رأسها الكهرباء، وستصل إلى سلع أساسية منها القمح.
وأضاف الشوبكي، لـ”مواطن”: “أعتقد أنه سيكون هناك خطط مستقبلية لرفع أسعار الكهرباء على المستهلكين، وربما تكون البداية على المقيمين من غير الكويتيين، وستقوم بإجراء يغطي حاجة الكويتيين ربما من خلال تقديم كوبونات بأسعار مدعمة للمواطنين على العدادات التي يستخدمها الكويتيون، وترفع الدعم عن سائر الشرائح كون عدد المقيمين يتجاوز عددهم ضعف عدد المواطنين، لأن الكهرباء التي يستهلكها المقيمون حتى الآن مدعومة بشكل كبير”.
بدوره يقول الأمين العام للمنبر الديمقراطي الكويتي، عبد الهادي السنافي: “إنه لا شك أن ارتفاع أسعار البنزين والمحروقات سيكون له الأثر المباشر على المواطن؛ حيث سترتفع أجور النقل، وبالتالي ارتفاع أسعار البضائع وكذلك ارتفاع أسعار الأيدي العاملة؛ خصوصًا إن صحت الأخبار بأن الزيادة ستكون على الوافدين دون المواطنين، ورغم أن سعر البنزين في الكويت من أقل الأسعار في العالم، ولكن تعتبر مساحة الكويت نوعًا ما صغيرة، ودولة تعتمد أساسًا على النفط في إنتاجها، لذلك على الحكومة إن كانت جادة بزيادة الواردات للميزانية العامة، البحث عن حلول أخرى، من خلال إيجاد مواقع الهدر في الميزانية، وكذلك إعادة توجيه الدعم لمستحقيها؛ خصوصًا فيما يتعلق بملاك العقارات وأصحاب الشركات الكبرى ذوي الدخول المرتفعة، وإعادة النظر في أسعار تأجير بعض المرافق والأراضي.
وأضاف السنافي، لـ”مواطن”، أن برنامج الإصلاح الاقتصادي يجب أن يكون حزمة إصلاح اقتصادي أو برنامجًا متكاملاً لا قرارات كأنها ردّات فعل متسرعة، كما يجب أن يرافق القرار دراسة شاملة لأثر هذه الزيادة، ودراسة جميع الجوانب المتعلقة بها، وهناك قصور حكومي كبير بشرح وتوضيح القوانين قبل طرحها بشكل متكامل حتى يتسنى إبداء الرأي الفني كاملًا.