يرى الكثير من الباحثين أن البشرية مرت بطورين متمايزين عبر تاريخها الطويل؛ في الطور الأول، ارتفع شأن الإناث عن الذكور، وتولت النساء مقاليد السلطة السياسية والكهنوتية. سُميت تلك العصور بالحقبة الماتريركية/ الأمومية واستمرت لقرون طويلة. بعدها، انتقلت السيادة للذكور، وصار الرجل هو الحاكم والمسيطر. هُمشت المرأة وتم الحط من شأنها. عُرفت تلك العصور بالحقبة البطريركية/ الأبوية.
بشكل عام، ظهرت الأديان الإبراهيمية الثلاث -اليهودية والمسيحية والإسلام- في العصور البطريركية، على الرغم من أن مضامين تلك الأديان قد دعت للمساواة والعدل بين الجنسين؛ فإن الكثير من النصوص المقدسة قد فُهمت وفُسرت في ضوء سياق مجتمعي عام يدعو لتكريس السلطة الذكورية على المرأة. نلقي الضوء في هذا المقال على مكانة المرأة في النصوص والتفاسير الدينية الإبراهيمية، لنرى كيف عمل الفقهاء ورجال الدين على إخضاع المرأة لسلطة الرجل من خلال الاحتكام للنصوص المقدسة متغافلين عن السياق التاريخي الذي ظهرت فيه تلك النصوص.
الانتقال من الماتريركية إلى البطريركية
يعتقد أغلب الباحثين في مجالي الأنثروبولوجيا والتاريخ، أن المجتمعات البشرية قد عرفت تفوق الإناث في ميادين السلطة والحكم في العصور المبكرة. بحسب ذلك الاعتقاد، تمحورت الأسرة حول الأنثى/ الأم؛ فكان الأطفال يُنسبون إلى المرأة، وكان الزوج يهجر عشيرته ليقيم بين أهل زوجته. كان السبب الرئيس في ذلك، أن البشر في تلك الفترة التاريخية الموغلة في القدم، اعتبروا أن الأم هي المسؤولة الوحيدة عن التكاثر والولادة، ولم يروا للذكر دورًا يُذكر في تلك العملية. في تلك المرحلة، عرف الإنسان القديم عبادة العديد من الآلهة الإناث، وصنع لهن الكثير من التماثيل المختلفة في الشكل والحجم، بحسب ما يذكر الباحث السوري فراس السواح في كتابه “موسوعة تاريخ الأديان”. في السياق نفسه، تولت النساء وظائف الكهانة والنبوة والعرافة والسحر باعتبارهن الأكثر قدرة على التواصل مع الآلهة المقدسة، واعتاد الباحثون أن يطلقوا على تلك الحقبة اسم العصر الماتريركي/ الأموي، ولا نعرف على وجه اليقين طول تلك الفترة وظروفها، بسبب أنها -أي العصر الأمومي- قد سبقت ظهور الكتابة والتدوين في الألف الرابع قبل الميلاد.
ظهرت الأديان الإبراهيمية في العصر البطريركي، وكان من الطبيعي أن تُفسر النصوص والأوامر الدينية المقدسة وفقًا لظروف هذا العصر. ومن هنا، لم يكن من الغريب أن نجد أن مدونات تلك الأديان قد حفلت بالعديد من الإشارات التي يُفهم منها ازدراء المرأة وتهميشها.
مع اكتشاف الزراعة وتطور المجتمعات البشرية، لاحظ الرجال أن لهم أدوارًا مهمة في عملية الإخصاب، وتزامن ذلك مع ارتفاع مكانتهم في المجتمع بسبب تعدد أدوارهم في ميادين الحرب والفلاحة والرعي من جهة، وانصراف النساء للرعاية والاهتمام بالأطفال الصغار من جهة أخرى. مع مرور الوقت، انتقلت السلطة إلى الذكور، وتولوا دفة القيادة والحكم. وبشكل تدريجي تحول التصور الإنساني للآلهة ليميل باتجاه الذكورة. وبدأت الثقافة العامة في تهميش ذكرى تسلط المرأة؛ فعلى سبيل المثال، نُظر للحيض كنوع من أنواع النجاسة بعدما كان رمزًا مقدسًا في العصر الأموي، ومُنعت النساء من الاقتراب من السلطة، كما أُبعدن عن مُجالسة الذكور في المعابد وأثناء إقامة الشعائر الدينية المقدسة.
وبذلك تم تدشين المجتمع البطريركي، وهو “المجتمع الذي تقضي ثقافته بجعلِ السيطرة والسلطة بين أيدي كبير العائلة أو الجماعة القرابيّة، والاعتقاد بتفوّق الرجل بدنيًّا واجتماعيًّا، وبانخفاض مركز المرأة، وطبقًا لهذا النظام ينتسب الأولاد إلى الأب، وتقيم الزوجة حيث يوجد مسكن الزوج، ويحمل الأولاد اسم الأب”، وذلك بحسب ما يعرفه الدكتور أحمد زكي بدوي في كتابه “معجم مصطلحات العلوم الاجتماعيّة”.
كما هو معروف، ظهرت الأديان الإبراهيمية في العصر البطريركي، وكان من الطبيعي أن تُفسر النصوص والأوامر الدينية المقدسة وفقًا لظروف هذا العصر. ومن هنا، لم يكن من الغريب أن نجد أن مدونات تلك الأديان قد حفلت بالعديد من الإشارات التي يُفهم منها ازدراء المرأة وتهميشها.
اليهودية
يتحدث العهد القديم في سفر التكوين عن الخطيئة الأولى التي وقع فيها آدم وحواء، ويؤكد السفر أن الله أمر الزوجين بالابتعاد عن الشجرة المحرمة وعدم الأكل منها: “وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله: لا تأكلا منه ولا تمساه لئلا تموتا”، ولكن حواء هي التي سمعت لإغواء الحية أولًا؛ “فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضًا معها فأكل…”. من هنا تتحمل حواء في السردية اليهودية عبء الخطيئة الأولى؛ فهي التي سقطت في غواية الشيطان، وهي التي دفعت زوجها لعصيان أوامر الله.
تظهر القوانين التميزية بين الرجل والمرأة في أكثر من موضع من العهد القديم. جاء في الكثير منها التأكيد على نجاسة المرأة في حالات الحيض والنفاس، ووصل الأمر إلى القول بنجاسة كل الأشياء التي تلمسها المرأة الحائض أو النفساء، وكأنها -أي المرأة الحائض- أصبحت في حد ذاتها مصدرًا للنجاسة. ورد في سفر اللاويين “وَإِذَا كَانَتِ امْرَأَةٌ لَهَا سَيْلٌ، وَكَانَ سَيْلُهَا دَمًا فِي لَحْمِهَا، فَسَبْعَةَ أَيَّامٍ تَكُونُ فِي طَمْثِهَا. وَكُلُّ مَنْ مَسَّهَا يَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ”. في الإصحاح الثاني عشر من السفر نفسه تمت الإشارة إلى التفرقة القائمة على نوع المولود؛ “إذا حبلت امرأة وولدت ذكرًا تكون نجسة سبعة أيام، وإن ولدت أنثى تكون نجسة أسبوعين…”. ولم توضح النصوص سبب التفرقة في زمن الطهر في الحالتين.
في سياق آخر، نصت الشريعة اليهودية على حرمة امتداد يد المرأة لعورة الرجل بغض النظر عن الظروف. ورد في الإصحاح الخامس والعشرين من سفر التثنية: “إِذَا تَخَاصَمَ رَجُلاَنِ، رَجُلٌ وَأَخُوهُ، وَتَقَدَّمَتِ امْرَأَةُ أَحَدِهِمَا لِكَيْ تُخَلِّصَ رَجُلَهَا مِنْ يَدِ ضَارِبِهِ، وَمَدَّتْ يَدَهَا وَأَمْسَكَتْ بِعَوْرَتِهِ؛ فَاقْطَعْ يَدَهَا، وَلاَ تُشْفِقْ عَيْنُكَ”. عمل القمص تادرس يعقوب في كتابه تفسير الكتاب المقدس على شرح ذلك النص بقوله: “مهما كانت الظروف؛ فإن المرأة التي تفعل ذلك، ولو بقصد إنقاذ زوجها، تكشف عن فقدانها الحياء تمامًا، وفقدان حياتها الفاضلة وكرامتها، تُقطع يدها بلا رحمة، حتى لا يتسرَّب عدم الحياء إلى غيرها؛ فإنَّه خير لها أن تبقى مقطوعة اليد عن أن تعثر الفتيات والنساء…”. يوضح هذا التفسير ارتفاع قيمة “الحياء الأنثوي” بشكل كبير في العصر البطريركي الذكوري، الأمر الذي يمكن فهمه كمحاولة ذكورية للتسلط على جسد الأنثى، والسيطرة التامة على مشاعرها وأحاسيسها، ودفعها دفعًا للكبت والانزواء.
بشكل عام، قُدمت الإناث في الثقافة اليهودية على كونهنّ جنسًا أقل مكانةً وشأنًا من الذكور؛ فمُنعت النساء من التعيين في أي منصب من المناصب الكهنوتية في اليهودية، واقتصرت تلك المناصب على الرجال من سبط لاوي دون غيرهم. مُنعت أيضًا المرأة من دخول هيكل سليمان -أهم وأعظم معابد اليهود-، وسُمح لهن فقط بدخول الرواق الخارجي المُلحق بالمعبد للصلاة، بعيدًا عن الرجال، أما ما يخص القوانين اليهودية؛ فلم يُعتبر بشهادة النساء في المحاكم الحاخامية الدينية، كما ظُلمت المرأة أيضًا في الميراث، وكان من المعتاد أن يرث الابن دون البنت، ولم ترث الابنة إلا في حالة عدم وجود أبناء أو أحفاد من الذكور.
المسيحية
بشكل عام، أيدت المسيحية النظرة اليهودية التي تلقي باللائمة على حواء، وتعدّها السبب الرئيس لخروج الإنسان من الجنة، كما وردت الكثير من النصوص التي تدعو النساء للخضوع المطلق لأزواجهن؛ على سبيل المثال جاء في الإصحاح الخامس من رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس: “أيتها النساء، اخضعن لرجالكن كما للرب، لأن الرجل هو رأس المرأة، كما أن المسيح أيضًا رأس الكنيسة، وهو مخلص الجسد. ولكن كما تخضع الكنيسة للمسيح، كذلك النساء لرجالهن في كل شيء”. وجاء في الإصحاح الثاني من رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس: “لِتَتَعَلَّمِ الْمَرْأَةُ بِسُكُوتٍ فِي كُلِّ خُضُوعٍ. وَلكِنْ لَسْتُ آذَنُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ وَلاَ تَتَسَلَّطَ عَلَى الرَّجُلِ، بَلْ تَكُونُ فِي سُكُوتٍ، أَنَّ آدَمَ جُبِلَ أَوَّلًا ثُمَّ حَوَّاءُ، وَآدَمُ لَمْ يُغْوَ، لكِنَّ الْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي التَّعَدِّي”.
في سياق الأحكام التمييزية التي أقرتها الثقافة المسيحية بين الطرفين، أكد الإصحاح الحادي عشر من رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس، أن هناك فارقًا مهمًا في هيئة الصلاة عند كل من الرجل والمرأة؛ حيث لا يضع الرجل شيئًا على رأسه، أما المرأة؛ فوجب عليها تغطية رأسها”. فإن الرجل لا ينبغي أن يغطي رأسه لكونه صورة الله ومجده، وأما المرأة فهي مجد الرجل، لأن الرجل ليس من المرأة؛ بل المرأة من الرجل. ولأن الرجل لم يخلق من أجل المرأة؛ بل المرأة من أجل الرجل”. في سياق آخر؛ أكدت المسيحية على ما نصت عليه الشريعة اليهودية من رفض تعيين النساء في المناصب الكهنوتية، ولم يختر المسيح أي امرأة لتصبح واحدة من تلاميذه ورسله الذين تحملوا عبء نشر المسيحية من بعده.
الإسلام
تلقي النصوص القرآنية باللائمة على كل من آدم وحواء، وتعدّهما مسؤولين عن الوقوع في الخطيئة والخروج من الجنة. تذكر الآية رقم 36 من سورة البقرة: “فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ…”. يظهر في الآية أن الزوجين وقعا في الخطيئة، وأن الشيطان تمكن من إغوائهما معًا.
على الرغم من ذلك، قدمت الأحاديث والروايات وجهة نظر مخالفة؛ على سبيل المثال ورد في صحيح مسلم الحديث المنسوب للنبي: “لولا حواء لم تَخُن أنثى زوجها الدهر”. تناول ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري بشرح صحيح البخاري هذا الحديث بالشرح والتفسير، فقال: “فيه إشارة إلى ما وقع من حواء في تزيينها لآدم الأكل من الشجرة حتى وقع في ذلك؛ فمعنى خيانتها أنها قبلت ما زين لها إبليس حتى زينته لآدم…”. يتوافق ذلك الرأي مع التناول الكتابي -اليهودي المسيحي- للمسألة، رغم مخالفته للرؤية القرآنية بشكل واضح.
قُدمت الإناث في الثقافة اليهودية على كونهنّ جنسًا أقل مكانةً وشأنًا من الذكور؛ فمُنعت النساء من التعيين في أي منصب من المناصب الكهنوتية في اليهودية، واقتصرت تلك المناصب على الرجال من سبط لاوي دون غيرهم
لم تخل الثقافة الإسلامية من بعض الروايات التمييزية التي تظهر فيها التفرقة بين الذكر والأنثى. على سبيل المثال ورد في سنن أبي داود: “يُغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام”. لم تقدم كتب الحديث تفسيرًا مفهومًا لتوضيح تلك التفرقة. من جهة أخرى، أُبعدت النساء من المناصب الدينية الأهم في السردية الإسلامية، وأكد معظم الفقهاء أن أمر النبوة والرسالة قد اختص به الرجال دون النساء، وشذ عن ذلك الرأي فريق من العلماء الذين ذكروا اختيار بعض النساء لمنصب النبوة دون الرسالة. في السياق نفسه، رفضت أغلبية الفقهاء السماح للمرأة بتولي وظائف الإمامة أو الخلافة أو القضاء. ولم يقبل جمهور الفقهاء شهادة النساء مع الرجال في الحدود والجنايات والقصاص. فيما انتشرت الكثير من الروايات التي أكدت على علو مقام الرجل عن المرأة. على سبيل المثال، ورد في سنن الترمذي القول المنسوب للنبي: “لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها”. في السياق نفسه، قيدت العديد من الروايات حق المرأة في الزواج بموافقة وليها. من ذلك ما ورد في سنن الترمذي: “أيُّما امرأةٍ نَكَحَت بغيرِ إذنِ وَلِيِّها فنِكاحُها باطِلٌ، فنِكاحُها باطِلٌ، فنِكاحُها باطِلٌ؛ فإنْ دخَلَ بها فلها المَهرُ بما استحَلَّ مِن فَرجِها، فإن اشتَجَروا فالسُّلطانُ وَليُّ مَن لا وليَّ له”.
بشكل عام يمكن رصد عدد من الآراء الفقهية الإسلامية التي ظهر فيها التأكيد على خضوع المرأة لسلطان الرجل بشكل مطلق. من ذلك ما ورد في سياق تفسير الآية الرابعة والثلاثين من سورة النساء: “الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا…”.
اُعتبرت مسألة القوامة من المسائل المهمة في الفقه الذكوري بشكل عام، وتناسى الفقهاء العديد من الآيات القرآنية التي تؤكد على المساواة بين الجنسين، وتغافلوا عن الكثير من الأحاديث النبوية التي جاء فيها أن “النساء شقائق الرجال”. وتمسكوا بمفهوم القوامة واعتبروه مفهومًا دينيًا إلهيًا، متناسين السياق التاريخي والاجتماعي الذي ظهر فيه. وأنه -أي مفهوم القوامة- لم يكن أكثر من مفهوم عرفي مُقيد بظروفه الوقتية ليس إلا. يقول ابن كثير في تفسيره شارحًا آية القوامة “أي الرجل قيم على المرأة، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت…”. يستشهد بعدها ابن كثير بمجموعة من الآثار التي تثبت حق الزوج في ضرب زوجته إن رأى منها ما يسيئه. من تلك الآثار “جاءت امرأة إلى النبي تستعديه على زوجها أنه لطمها، فقال رسول الله: “القصاص”، فأنزل الله: (الرجال قوامون على النساء)، فرجعت بغير قصاص”. ومنها “أتى النبي رجل من الأنصار بامرأة له؛ فقالت: يا رسول الله، إن زوجها فلان بن فلان الأنصاري، وإنه ضربها فأثر في وجهها، فقال رسول الله: “ليس ذلك له”. فأنزل الله: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض) أي: قوامون على النساء في الأدب. فقال رسول الله: “أردت أمرًا وأراد الله غيره”. تظهر مسألة تقويم الزوج لزوجته بالضرب في تلك الروايات عن كونها أمرًا إلهيًا أُنزل من فوق سبع سماوات، وأنه لا يحق لأحد من البشر -حتى الرسول نفسه- الاعتراض عليه.
اُعتبرت مسألة القوامة من المسائل المهمة في الفقه الذكوري بشكل عام، وتناسى الفقهاء العديد من الآيات القرآنية التي تؤكد على المساواة بين الجنسين، وتغافلوا عن الكثير من الأحاديث النبوية التي جاء فيها أن "النساء شقائق الرجال"
تذكر المصادر التاريخية الكثير من المواقف التي تعرضت فيها النساء المسلمات للضرب المبرح. أورد الطبري في كتابه تهذيب الآثار عن أسماء بنت أبي بكر “كنت رابع أربع نسوة تحت الزبير؛ فكان إذا عَتِبَ على إحدانا، فكَّ عودًا من عيدان المِشْجَب -وهو عود توضع عليه الثياب- فضربها به حتى يكسره عليها”. يذكر ابن العربي المالكي في كتابه أحكام القرآن، أن الزبير كان في بعض الأحيان يريد أن يعاقب أسماء وضرتها؛ “فعقد شعر واحدة بالأخرى ثم ضربهما ضربًا شديدًا، وكانت الضرة أحسن اتقاء، وكانت أسماء لا تتقي؛ فكان الضرب بها أكثر…”. يذكر ابن سعد في الطبقات الكبير أن أسماء كانت تشتكي لأبيها من ضرب الزبير لها، وأن أبا بكر كان يصبرها على ما هي فيه من الأذى؛ فيقول: “يَا بُنَيَّةُ اصْبِرِي فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ صَالِحٌ ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا فَلَمْ تَزَوَّجْ بَعْدَهُ، جُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي الْجَنَّةِ”.
في السياق نفسه، جاء في بعض الروايات أن النساء اشتكين للنبي من ضرب أزواجهن لهن، وعندها قال النبي لصحابته “لا تضرِبوا إماءَ اللَّهِ”؛ فجاء عمر بن الخطاب للنبي واعترض قائلًا: “ذئرَ النِّساءُ علَى أزواجِهِنَّ”، وكان يقصد أن الزوجات أصبحن يتمنعن عن طاعة الرجال؛ فرخص الرسول في ضرب الزوجات مرة أخرى. في سنن ابن ماجة وردت إحدى الروايات المشرعنة لضرب الزوج لزوجته. جاء في الرواية أن أحد الضيوف بات عند عمر بن الخطاب ذات يوم؛ فسمع عمر يضرب زوجته، فلمّا قام ليحجز بينهما، قال له عمر إنه سمع من النبي “لا يُسأل الرجل فيم يضرب امرأته”.
ضرب الزوج لزوجته لتأديبها لم يكن الملمح الوحيد لخضوعها لسلطته؛ بل تحدثت الروايات أيضًا عن حق الزوج المُطلق في الاستمتاع الجنسي بالزوجة. ورد في صحيح البخاري القول المنسوب للنبي: “إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته، فبات غضبان عليها؛ لعنتها الملائكة حتى تصبح”، وورد المعنى نفسه في صحيح مسلم: “والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه، إلا كان الذي في السماء ساخطًا عليها حتى يرضى عنها”. يبني ابن حزم الظاهري في كتابه المُحلى، على تلك الروايات حكمًا فقهيًا يمنع المرأة من الامتناع عن فراش زوجها بدون عذر قاهر؛ فيقول: “وفرض على الأمة والحرة أن لا يمنعا السيد والزوج الجماع متى دعاهما، ما لم تكن المدعوة حائضًا أو مريضة، تتأذى بالجماع أو صائمة فرضًا؛ فإن امتنعت لغير عذر فهي ملعونة”. أما يحيى بن شرف النووي فيعلق على الأحاديث السابقة في شرحه على صحيح مسلم، فيقول موسعًا من دلالتها: “هذا دليل على تحريم امتناعها من فراشه لغير عذر شرعي، وليس الحيض بعذر في الامتناع، لأن له حقًا في الاستمتاع بها فوق الإزار…”.
- الآراء الواردة في هذا المقال تُعبّر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة مواقف وآراء “مواطن”.