يتواجد مئات ألوف العراقيين كمقيمين في سوريا بشكل دائم منذ ما بعد الغزو الأميركي لبلدهم عام 2003، بعد أن وصلوا في ذروتهم إلى أكثر من مليون ونصف المليون عشية الحرب السورية (2011)، يضاف إليهم المتنقلون بتناوب بين بلدين؛ فهناك بحسب وزارة السياحة السورية نحو مليوني زائر عراقي دخلوا وخرجوا من سوريا بين عامي 2019 و2024.
كل أولئك مع بعضهم خلقوا علاقة طويلة الأجل، تكتسب درجة المتانة مع أهل البلد المستضيف، علاقة تطورت لعلاقات اتخذت أشكالًا تجاريةً واقتصادية وعلميةً ومعرفيةً وفكريةً ودينيةً واجتماعية، والأخيرة تلك انضوت في مرّات على محاسن، وفي مرّات على أخطار كان ثمنها كبيرًا للغاية.
وَرَثةُ مقام (الصبا)
أُعجِب الوافدون العراقيون ببنات الشام، وصف الرحالة والمستشرقون عبر التاريخ حسنهنّ بالأخاذ، الحُسنُ الأبيض مع الشعر المسدل والضحكة الغنّاء والطبخ الشهي ودماثة الأخلاق، وذلك لا يقلل في ثانيةٍ من شأن فتيات بلاد الرافدين، لكن قدر السيدات هناك أنّهنّ ورثنَ أحزانًا أكبر من أعمارهنّ، وآلامًا في الأفئدة ستظهر مثلها على بنات الشام بعد عقود قليلة. لا شك؛ فالحرب هي الحرب، وكلا البلدين دفع ثمنًا كبيرًا، إلّا أنّ واحدًا سبق الآخر بكثير، وإلّا فلماذا العراقيون هم ورثة مقام (الصبا) الحزين في الغناء؟
تلك الصفات في فتيات سوريا شجعت العراقيين على الزواج منهنّ، وشجعت السوريات أكثر على القبول بعروض الزواج تلك، بأيّ عرضٍ يبدو جيدًا، والحق –كما يقلنَ-معهنّ؛ فأين شباب بلدهنّ وقد أرخوا ضفائرهن على الليل ينتظرنَ ولا زوج دقّ الباب؟
الحرب هي السبب في قبول وإقبال كل تلك الفتيات على الزواج نحو الخارج؛ فالحرب أرخت بظلّها الثقيل عنوسةً على أجيالٍ وأجيالٍ من السوريات، وكذا نشرت البطالة وجعلتها تتحكم بمصير شعب بأكمله، إذ وصلت البطالة في سوريا أواسط العقد الماضي، أي بعيد بضع سنوات من الحرب، إلى 50 %، لتكون النسبة الأعلى حول العالم حينها.
لم ينقضِ وقت طويل حتى عرفت لمياء أنّها ليست زوجة، وبأنّه جيء بها لتكون خادمة في منزل زوجها الجديد
تراجع مهول في معدل الزواج
لم تجعل الحرب العنوسة والبطالة وحدهما تتفشيان قسرًا؛ بل أفقرت الناس، أفقرت الجميع تقريبًا، حتى أولئك الذين انتموا ذات حينٍ للأثرياء البسطاء، أو للطبقة الوسطى التي كانت الأوسع والأشمل بين طبقات المجتمع السوري.
أحالت الظروف الاقتصادية الجميع معًا إلى ما تحت خط الصفر والحاجة، تكرر الأمم المتحدة في كل مناسبةٍ أنّ 90٪ من السوريين صاروا تحت خط الفقر، والسوريون يشككون بالنسبة قطعًا؛ فأنّى تلفت السوريّ وجد الفقر والفاقة والحاجة وأناسًا يأكلون من القمامة، إلّا طبقة أقلّ من قليلة صارت أمراء حربٍ وامتلكت مقدرات البلد بما فيه ومن فيه.
جعلت تلك العوامل السوريّ يلهث صبح مساء ليعمل ويكسب قوت يومه؛ فيعمل ويعمل ويعمل ثم بالكاد يعيل نفسه؛ فيصير عاجزًا عن بناء أسرةٍ، أدى ذلك لتراجع مهول في أعداد الزيجات، اطلعت “مواطن” على بعض المراجع القضائية الشرعية التي تبين تسجيل 20 ألف حالة زواج في دمشق فقط عام 2021، و15 ألف حالة في 2022، وحوالي 10 آلاف في 2023، أي بتراجع بلغت نسبته 50٪ بين 2021 و2023؛ في حين أنّ الزواج المسجل في كلّ سوريا وصل قرابة 800 ألف عقد زواج عمومًا في عام 2008. (الحرب بدأت في آذار 2011).
بلدٌ مهجّرة وفتيات صرنَ (شيئًا)
وبين كلّ ذلك لا يمكن التغاضي عن وجود 7 ملايين سوري مهجر خارج بلده، وذات العدد تقريبًا نازحٌ داخله، وذلك وفق تقديرات من الأمم المتحدة، ورغم ذلك تظلّ تقديرات غير دقيقة، وترشح منظمات معنية بحقوق الإنسان والشأن السوري أن يكون العدد أكبر؛ ما خلق أزمة مركبة ومضافةً من مخلفات الحرب، عنوانها البسيط: هل ظلّ هناك شباب في البلد؟
إن كان الحديث عن الحرب وما فعلته بالبلد وأهلها؛ فإنّ الكلام لن ينتهي، ولا الخوض في شرح الأزمات وراءها سينتهي، ولكنّ انعكاسها على فتيات سوريا لا شك كان قاتلًا؛ فالفتاة في الشرق منتزعة الحقوق، ولا تمتلك مقومات القيام بنفسها، وضمنًا الصراع في سوق العمل واختيار المبادرة بالزواج وغير ذلك، ليصنع منها المجتمع (شيئًا) يسعى ليكلل حياته بالزواج والأسرة، وعليه؛ فقد صار اتجاه الزواج نحو العراق حلًّا.
داخل مكتب السفريات
أواسط العام الماضي ذهبت ريما عنين، وهي خريجة جامعية لقبض مبلغٍ مالي من أحد مكاتب تنظيم الرحلات والسفر إلى العراق، موقع المكتب في دمشق (جرمانا)، يقدم تلك الخدمات بنقل المسافرين والأغراض وبعض الأموال بين البلدين.
لريما أختٌ تعمل في العراق مهندسة إنشائية، وترسل لأهلها شهريًا مبلغًا من المال بالدولار لتعينهم على شظف العيش، خلال زيارة ريما في ذلك اليوم للمكتب، تعرفت هناك على مقاولٍ عراقي اسمه إياد، كان بدوره في زيارة طبية إلى سوريا، أعجب بها وحصل على رقمها من المكتب، تواصل معها مطولًا والتقاها مرارًا واتفقا على الزواج والعيش في بغداد.
تقول ريمه التي تقضي إجازتها هذه الأيام في دمشق خلال حديث مع “مواطن”: “بداية كنت متخوفة جدًا؛ خصوصًا أنّه من جنسية أخرى، ورأيته أول مرة في مكتب رحلات، ويكبرني بـ 15 عامًا، ولكنّه كان جادًّا من اللحظة الأولى، كذلك كما أحبني منذ رآني، حاولت أن اختبره بالكثير من التفاصيل لأتأكد من حبه؛ فوافق حتى أن نعيش في دمشق وينقل عمله إلى هنا، وهنا بدأت أطمئن له أكثر”.
وتضيف: “اكتملت ملامح جديته حين جاء بأهله من العراق ليخطبوني، وليطلب مني أنا وأهلي أن نسافر معه لنرى كيف هي حياته هناك، وليطمئن قلبي أكثر ولأرى المنزل حيث سنسكن، وبالفعل حصل كل ذلك، الآن بعد عام ماذا سأقول؟ أنا جدًا سعيدة معه وسعيدة بالعراق وأهلها، وفي ذات الوقت يعتصرني حزن لا مثيل له على قرينات سوريات لي أسمع عن قصص تلمّ بهنّ وأخجل حتى من روايتها، ليكن الله بعونهنّ، ليس كل الرجال كمثل إياد، سوريات كثيرات خُدعن وصرنَ ضحية شبكات دعارة وتعنيف”.
"غانيةٌ" له ولرفاقه
إن كانت قصة ريما تحمل في طياتها أبعادًا إنسانية مشرقة، ومثلها آلاف القصص؛ فهذا لا يعني أنّ كل تلك الزيجات سواء؛ فثمّة عالم مظلم حاق بفتيات كثيرات، بعضهنّ كنّ بلا حول ولا قوة، وأخريات صارعنَ، وثالثات نجحنَ بالهرب.
“كان يريد فتاة ليل، لا زوجة”. بهذه الجملة تبدأ نور حديثها، وهو اسم مستعار لشابة خاضت الأهوال في العراق حتى عادت إلى سوريا؛ فتاة تزوجت من شاب عراقي وسافرت معه، استسلمت معه للأحلام الموعودة ولعمرها الذي قارب الـ 35، وهناك حين صاروا في البلد الجديد اكتشفت زوجًا جديدًا.
تقول نور: “منذ وصلنا بدا كل شيء غريبًا، كان عليّ أن أرقص له كل ليلة وهو يحتسي الخمر ويسكر، بعد قليل صار عليّ أن أرقص له ولرفاقه”.
بتهكمٍ ممزوج بدمعة تقاوم لتكمل نور حديثها: “لكنّ به شرفًا كبيرًا؛ فكان ممنوعًا أن يلمسني أصحابه؛ فقط هو يلمسني، ولكن كان مسموحًا لهم أن (يرشوا الأموال) فوق رأسي وأنا أرقص لهم كغانية بملابس حقيرة، ووشاح مربوط على الخصر”.
وتضيف لـ”مواطن”: “أربعة أشهر لم أذق بهم طعم النوم إلا بعد أن تبتل وسادتي بالدموع، بعد أن أبصق على نفسي وشرفي في المرآة، وذلك طبعًا بعد أن يذهب الرفاق ويربطني ويعنفني ويمارس معي الجنس الزوجي الحلال بكل حيوانية لا يصدقها عقل، حتى إنني لا أتذكر أني استيقظت نهارًا دون كدمات في جسدي”.
تعرضت نور لمختلف صنوف وأنواع الإهانة النفسية والجسدية والجنسية، وحاولت التحمل دون أن تتوقف ثانية عن التفكير في النجاة، نجت بالفعل، وجدت طريقها لذلك بمساعدة سيدة سورية أخرى تمكنت من التواصل معها.
قد تكون التجربة مرّت، ورحلة عذاب العودة تكللت بالنجاح، ولكن في سنين قادمة من سيمسح دموع نور، ومن سيزيل من قلبها آثار المرار ذاك؛ بل ومن سيضمن ألا تستيقظ نهارًا لتجد نفسها لا تجيد سوى الرقص بين الرجال؟ وهي ابنة العائلة الشامية المغرقة في محافظتها.
رسالة مبطنة بأسلوب مرمّز
قد تبدو قصة الشابة لمياء شكور أقلّ قسوة من قصة نور، ولكنها تتشابه معها في سياقها العام المرتبط بالاستغلال، لمياء الخريجة في كلية الأدب الإنكليزي وقعت ضحية شباك مهندس عراقي قبل سنوات، صوّر لها الدنيا بأجمل ما يمكن، فعشقته وأغمضت عينيها وسارت معه إلى بلاده.
لم ينقضِ وقت طويل حتى عرفت لمياء أنّها ليست زوجة، وبأنّه جيء بها لتكون خادمة في منزل زوجها الجديد، زوجها المتزوج من سيدة أصيبت بشلل نصفي، ولكنّها تملك الكثير من الأموال لتنفق عليه وتبقيه سعيدًا؛ فقرر مكافأتها بخادمة سوريّة، ولكن بصيغة زوجة مع امتياز أنّها لن تتقاضى أموالًا لقاء خدماتها وعنايته بالزوجة المحتاجة، والأطفال الصغار.
تقول لمياء: “ماذا أقول؟ عمّ أتحدث؟ عن أول صفعة، أم شتيمة؟ أم انتهاك لجسدي بالضرب المبرح؟ كان عليّ أن أنظف زوجته وأدرّس لأطفاله وأقوم بكل مهام الخادمة، وحتى أن أنام في غرفة مصممة لخادمة، حتى جنسيًا كان ممنوعًا عليه الاقتراب مني وفق شروط زوجته، التي كان مشروطًا عليّ مناداتها سيدتي، علمًا بأنّي كنت أعرف أنّه يخونها ويخونني خارج المنزل”.
وتتابع لـ”مواطن”: “لم أكن في أي لحظة زوجة، لم يكن لديّ حقوق، ولكن لديّ آلاف الواجبات، وإن أخطأت فسأحظى بأشنع عقاب، حتى زوجته كانت تحقرني وتشتمني بأقذع الألفاظ، كان مسموحًا أن أتواصل مع أهلي عبر واتس آب من هاتفه فقط، وإن كان بصورة يومية، ولكن ممنوع أن أخبرهم شيئًا، والأسوأ أنّه كان ممنوعًا عليّ مغادرة باب المنزل خشية الهرب”.
استخدمت لمياء أسلوبًا ذكيًا جدًا في الخروج من مأزقها، كان مسموحًا لها بالحديث مع صديقة أو اثنتين بين وقت وآخر، وطبعًا تحت مراقبة لصيقة، ورغم تلك المراقبة نجحت لمياء الأكاديمية في إيصال رسائل مشفرة لا يمكن حلّها بسهولة.
كان يريد فتاة ليل، لا زوجة ... منذ وصلنا بدا كل شيء غريبًا، كان عليّ أن أرقص له كل ليلة وهو يحتسي الخمر ويسكر، بعد قليل صار عليّ أن أرقص له ولرفاقه".
في إحدى المحادثات الطبيعية مع صديقتها، قالت لمياء لرفيقتها: “أنا سعيدة للغاية بحياتي هنا، كذلك اشتاقكم جميعًا، وبالمناسبة هل تتذكرين حين كنا صغارًا ونحضر برامج الأطفال؟ هل تتذكرين سالي كم كانت جميلة وكيف كانت حياتها؟ أنا أعيش ذات حياتها بالتفصيل الآن. أنا الآن سالي”.
كانت تلك الكلمات كفيلة لتدق جرس الإنذار لدى صديقة لمياء التي فهمت الرسالة المبطنة فورًا، واستشعرت الخطر الذي تعيشه صديقتها، وسالي هو برنامج أطفال كرتوني شهير يتحدث عن فتاة كانت ثرية جدًا ثم تصبح بطريقة ما فقيرة، وتجبرها إحدى السيدات على العمل كخادمة وتحول حياتها إلى جحيم.
وهكذا، أنقذت “سالي” لمياء عبر صديقتها، صديقتها التي أبلغت أهلها على الفور ليتواصلوا مع أشخاص كثر وصولًا إلى رجل أعمال نافذٍ في العراق، تمكن من حلّ المشكلة، وإعادة الفتاة إلى أهلها بناء على رغبتها القطعية.
ثمن البكارة
استيقظت هيفاء في منزل زوجها العراقي في كركوك بعد 11 يومًا عاريةً تمامًا فوق سرير، واضح أنّه شهد ليلةً حمراء، ولكنّها لا تذكر شيئًا عنها، 11 يومًا سابقًا انقضت دونما أن يلمسها زوجها أو يفض بكارتها أو يقترب منها، إلا ما كان مداعبةً فقط، ظلّت هيفاء في السرير لساعات تقلّب الأفكار في رأسها غير قادرةٍ على استذكار ما حصل، سوى أنّ زوجها طلب منها تحضير عشاء له ولصديق سيزوره، كان ذلك آخر شيء قبل أن تغط في سبات عميق.
شعرت هيفاء بأنّ شيئًا كبيرًا قد حصل، خرجت إلى الغرفة المجاورة ووجدت زوجها مستلقيًا، بدأت تصرخ بكل صوتها وآثار الثمالة وثقل الحركة باديةٌ عليه، عرفت أنّ صديقه هو من انتزع بكارتها مقابل آلاف الدولارات بعد تخديرها.
الزوج المتثاقل هددها إن أبلغت أهلها فإنّه قد صورها في شريط فيديو وسيفضحها ويرسله لبلدها، ويسلمه للشرطة في بلده ويتهمها بـ “الزنا”.
تقول لـ”مواطن”: “حسنًا، الآن انتهى كل شيء، انتهت الأحلام، حين عرفته في حلب وعدني بجنّة تجري من تحتها الأنهار، لم يمسسني، لكنّي صرت وجبة أصدقائه لأشهر عدة، وكلٌّ منهم يدفع بمقدار مختلف، لم أتمكن من الوصول إلى السفارة، ولم يكن معي هاتف، وأطبق عليّ حصارًا منعني من الوصول إلى الخارج”.
وتضيف: “كان يتغيب أحيانًا عن المنزل. في إحدى المرّات خطر على بالي إضرام حريق في المطبخ لألفت انتباه الجوار والسلطات، وستكون أنسب فرصة للهرب، وبالفعل نجحت، ولكن وجدت نفسي بعد ساعات مشردة؛ فبماذا أعمل؟ عملت بأشياء لا أريد ذكرها لشدة قبحها، ستة أشهر حتى عدت إلى سوريا وأخبرت أهلي بطلاقي دون أي تفاصيل إضافية”.
اللحم الأبيض
تبدو عينا “لمى” خلال حديثها حياديةً للغاية، ولمى اسم مستعار لضحية أخرى في العراق؛ في الموصل تحديدًا، ظلّت لمى تتعرض للتعنيف كلّ ليلة بعد مغادرة الزبون على مدار ثمانية أشهر وثلاث محاولات انتحار فاشلة، الفتاة التي تبدو الكدمات واضحة بأثرها على الخصر والظهر حتى الآن، واضحة لدرجة أنّها لا تبالي برفع ردائها لتستعرض هول ما عاينته.
خضعت لمى -حرفيًا- للشراء، الفتاة الجامعية التي تنتمي إلى مدينة حمص، كان والدها غارقًا في الديون قبل أن تتعرف على شريكها المستقبلي مصادفة حيث تبادلا الحديث وتطورت العلاقة، سدد 5 آلاف دولار دينًا عن والدها، وكتب لها مهرًا 4 آلاف دولار، وحمل إليهم الكثير من الورود والحلويات، قبل أن يأخذها ويسافر وإياها إلى الموطن الجديد.
كثير من السوريات وقعن في فخاخٍ متعددة، من بينها شبكات الدعارة وإساءة المعاملة، وأكثر منهنّ بكثير تمتعن ويتمتعن بزواج طبيعي وسالم وهانئ
تبدو لمى في لحظة كمن يريد البوح بالكثير من الأسرار، وفي لحظة أخرى كمن لا يريد الحديث عن شيء في الحياة، تغاصب نفسها لتقول شيئًا عن تجربتها، تجاهد بعناء، تشيح نظرها بالأفق وتسأل: “هل الظلم مكتوب علينا بالتساوي؟” وتتابع: “لو أستطيع فقط تذكر كم شبه رجل تعاقب على جسدي، وكم صرت أقرف من الرجال، وكم أمقتكهم، كانوا يضربونني ويشتمونني، يفعلون معي أشياء قذرة ومقرفة ومعيبة ولا أجرؤ على تذكرها”.
وتكمل خلال حديثها لـ”مواطن”: “في آخر ليلة، وبعد مغادرة آخر زبون، حان دوره كالعادة، ضربني بحزامه، ثمّ بخرطوم مياه قديم، اغتصبني ونام؛ فضربته على رأسه بقضيب معدني وعدت هاربةً إلى بلدي الحنون بكل جنونه وظلمه، ورفعت دعوى طلاق”.
جزء بسيط
كثير من السوريات وقعن في فخاخٍ متعددة، من بينها شبكات الدعارة وإساءة المعاملة وغيرها، وأكثر منهنّ بكثير تمتعن ويتمتعن بزواج طبيعي وسالم وهانئ، وإن كان ثمة ممارسات خاطئة لأزواج أو تجّار عراقيين؛ فثمّة ممارسات أسوأ من قبل سوريين يعيشون في بلادهم، الخير والسوء يعمّان الحياة بنسب متفاوتة؛ حيث لا يمكن إطلاق أحكام نهائية في ذلك الصدد.
استمعت “مواطن” إلى الكثير من القصص، حاولت استعراض وذكر أبرزها وأهمها بعد الانتقاء من بينها، ولذا كان لا بدّ من اللجوء لأسماء مستعارة في قصص معينة؛ في قصص صاحباتها غالبنَ دموعهنّ مرارًا ليروين ما مررن به، ولعله جزء بسيط؛ فقصص كتلك تحتاج مساحات واسعة تُحكى فيها عن تجاربهنّ تلك يومًا بيوم.
الزواج قانونيًا
هناك شروط قانونية متعددة ومغرقة في التفاصيل على العراقي إنجازها ليتزوج من سوريّة، عليه أولًا أن يثبّت زواجه في المحكمة الشرعية عبر محامٍ يتم توكيله، ومن ثم يجري التثبيت في المحكمة المدنية، ولاحقًا يتم تسجيل الزواج في دائرة النفوس (السجل المدني) الذي تتبع له الفتاة وعائلتها.
وأيضًا يتم وضع المعلومات والبيانات لدى مختار الحي الذي تسكنه الفتاة وفق سجلات صادرة حديثًا عن السجل المدني، ترد فيها المعلومات اللازمة، ليصار إلى إرسالها لفرع الأمن الجنائي في المحافظة لتوثيقها، ومن ثم التوجه إلى وزارة الخارجية السورية لتصديق عقد الزواج، ولمراسلة الخارجية العراقية لتمنح فيزا زوجة للسورية المتزوجة من عراقي.
وبناء على تلك المجريات القانونية، منح المشرّع السوري الفتاة السورية إمكانية رفع دعوى الطلاق على الزوج الأجنبي (العراقي ضمنًا) داخل أروقة المحاكم الشرعية السورية، عبر توكيل محامٍ يتولى تبيان تفاصيل الطلب وموجبات الطلاق، ليتسنى للمحكمة الناظرة في القضية البتّ فيها بصورة قانونية تكتسب الدرجة القطعية