في مفاجأة سارة لقادة الخليج، عاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب للحكم مرة أخرى بعد الفوز على منافسته الديمقراطية “كامالا هاريس”، في الانتخابات التي جرت في 5 من نوفمبر/ تشرين الثاني، وشهدت ولاية الرئيس “جو بايدن” توترات مع الدول الخليجية، لكن عودة ترامب تشير إلى احتمالية عودة المياه لمجاريها من جديد في العلاقات الأميركية الخليجية.
“الأمر يشبه الارتياح بعد ثقل استمرّ أربع سنوات على الأكتاف، ثقل بايدن أو ثقل الديمقراطيين”، حسب وصف الكاتبة البحرينية وفاء العم، التي تكمل: لطالما كان تاريخ الإدارات الديمقراطية حافلًا بالتوترات والشد والجذب مع قادة الخليج، وليست بسنوات بعيدة؛ حيث يمكن استحضار فترة حكم “باراك أوباما”، الذي استخدام المنظمات الدولية كأداة لحل المشاكل بشكل غير مباشر، بدلًا من التدخل المباشر، ووضع هذا الكثير من الضغوط على دول الخليج فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية، وبالمجمل فهذه المنهجية هي سمة عامة للديمقراطيين، وليس ذلك فحسب؛ فما عرف حينها بالسياسة الانسحابية لــ “أوباما“، وضع الخليجيين أمام تحدي تحقيق الأمن بشكل ذاتي، بعد أن كانت تعتمد اعتمادًا شبه كلي على واشنطن في منظومتها الدفاعية.
وتضيف “العم” لـ”مواطن”: “ليأتي بعدها ترامب الجمهوري ليصل ما قد تآكل في العلاقة بين الطرفين؛ حيث ارتكزت سياسية ترامب على أمرين أساسيين؛ استعداد أميركي للدفاع عن الخليج بمقابل، وهذا ما كان يقوله صراحة في خطاباته للداخل الأميركي، “ليدفع الخليجيون لأن لديهم أموالًا طائلة”، وهذا هو الواقع، وإن اعتبره البعض إيغالًا في إذلال الخليجيين علانية؛ إذ يضطر القادة إلى التغاضي عما يعتبرونه خطابًا شعبويًا للاستهلاك الأميركي الداخلي مقابل خطوات عملية تضمن أمنهم؛ فبالنسبة للخليجيين فإن ملف الأمن يأتي أولًا في ظل استمرار التحديات الأمنية الكبرى التي اجتاحت دولًا عربية عدة، تحت ما سمي بـ”الربيع العربي”، وأدى إلى كثير من الفوضى في المنطقة، وعمومًا هذه كانت تركة أوباما لترامب.
"ليدفع الخليجيون لأن لديهم أموالًا طائلة".. هذا ما كان يقوله ترامب صراحة في خطاباته للداخل الأميركي
ومن جانب آخر استطاع الخليجيون بناء علاقات شخصية جيدة مع ترامب، مما أعطى العلاقة بين الطرفين جرعة لا بأس بها من الارتياح، أما فيما يتعلق بملفات مثل حقوق الإنسان والديمقراطية؛ فقد بدأ واضحًا أن الرجل لا يضع الأمر في سلم أولوياته. وهذا بالنسبة للقادة الخليجيين أمر مريح، لأنه يعطيهم هامشًا أكبر لإدارة شؤونهم الداخلية دون ضغوط دولية تضعهم تحت مجهر المراقبة؛ فيما يتعلق بحقوق الإنسان وضمان المشاركة السياسية الشعبية. لذا يمكن اعتبار عودة ترامب هي عودة للمربع المريح، بحسب الكاتبة البحرينية.
السياسات الدفاعية
ووفق تقرير لصحيفة “فورين بوليسي”، تمتعت دول الخليج بمستويات غير مسبوقة من الدعم الأميركي، من خلال صفقات الأسلحة وموقف واشنطن المتشدد ضد إيران، ويسعى ولي العهد السعودي إلى تحقيق تفوق عسكري على جيرانه الإقليميين. ويهدف المكون الدفاعي للاتفاقية إلى تعزيز العلاقات العسكرية بين الولايات المتحدة والسعودية من خلال التدريب المشترك، والبرامج الاستشارية وزيادة مبيعات الأسلحة.
وتحرص الرياض على تأمين أنظمة دفاع جوي متقدمة لمواجهة تهديدات الطائرات بدون طيار والصواريخ من الخصوم الإقليميين، وخاصة إيران ومحور المقاومة، ويتمتع ترامب بسجل حافل في تقديم العطاءات؛ ففي عام 2017، سهلت إدارته صفقة أسلحة كبرى مع الرياض، بقيمة 110 مليار دولار، وربما عززت هذه الخطوة بشكل كبير القدرات العسكرية السعودية والهيمنة الإقليمية.
وتضيف الصحيفة، أن تفضيل الإمارات لترامب متجذر في الاعتبارات الدبلوماسية والأمنية والجيوسياسية لرئيس الإمارات محمد بن زايد، وتشمل الأهداف الاستراتيجية لأبوظبي اكتساب ميزة عسكرية على جيرانها، وهو الأمر الذي ساعدت إدارة ترامب البلاد فيه في الماضي، وكجزء من جهود ترامب لحمل الإمارات على التوقيع على اتفاقيات إبراهيم، وعد ببيع طائرات مقاتلة من طراز F-35 للبلاد، وتوقعت أبو ظبي أن تشهد قدراتها العسكرية دفعة نتيجة لذلك. ولكن بايدن جمد البيع في البداية بسبب مخاوف أمنية إقليمية وقضايا حقوق الإنسان، وتم رفع التجميد في أبريل/نيسان 2021 بعد مراجعة، كما سعت أبو ظبي إلى تحقيق طموحاتها مع القليل من التدخل، مستفيدة من السياسة الخارجية للرئيس الأميركي السابق، والتي أعطت الأولوية للصفقات الاقتصادية على المخاوف السياسية.
حول ذلك تقول المحللة السياسية الأميركية إيرينا تسوكرمان، لـ”مواطن”: “من المرجح أن يستعيد ترامب الود في العلاقات مع دول الخليج، ومن المتوقع إجراء المزيد من الزيارات رفيعة المستوى، واستعمال نبرة أكثر ودية للمناقشات مع قادة الدول في هذه البلدان، وسيشمل التركيز الأولي لترامب على استعادة التجارة الدفاعية وتحسين التعاون، والتوصل إلى إجماع بشأن التعاون في مجال الطاقة وتعزيز الصفقات الإضافية في مجالات التكنولوجيا وغيرها من المجالات الرئيسية، ثم توسيع اتفاقيات إبراهيم مع معالجة الأزمة في الشرق الأوسط في نفس الوقت.
وتتوقع المحللة الأميركية أن ترامب سيكسب بسرعة دعمًا من بعض دول الخليج، على الأقل في استعادة العقوبات على الحوثيين وحرية الملاحة في المنطقة، واتخاذ إجراءات سياسية واقتصادية أكثر صرامة ضد إيران وغيرها من المنظمات التابعة لها، ومع ذلك؛ فإن الوضع السياسي الحالي في الشرق الأوسط يختلف عن ولايته الأولى.
منافسة الوجود الصيني
وقال تقرير لشبكة “سي إن إن”، إن دول الخليج كانت تتوقع عودة ترامب مرة أخرى، لذلك واصلت التعامل معه بعد مغادرته المنصب قبل أربع سنوات، ويرى المحللون أن هذا قد يكون مثمرًا بالنسبة لهم؛ حيث ازدهرت العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة في فترة ولاية ترامب الأولى؛ فقد سجل تاريخًا باختياره الرياض لأول زيارة خارجية له كرئيس في عام 2017، ووقف إلى جانب ولي العهد محمد بن سلمان خلال الأزمة المحيطة بقتل الصحفي جمال خاشقجي في عام 2018، عندما واجه الوريث السعودي عزلة عالمية.
وتشير “سي إن إن”، إلى أن أحد التحديات التي قد تواجهها السعودية والإمارات في عهد ترامب هي إدارة علاقتها الوثيقة مع الصين وعلى مدى السنوات الماضية، ووسّعت الدول المنتجة للنفط علاقاتها التجارية والتكنولوجية مع الصين على الرغم من المنافسة بين واشنطن وبكين، وتمت دعوة السعودية والإمارات للانضمام إلى مجموعة “البريكس” للدول النامية، كما مُنحت السعودية وضع شريك الحوار في منظمة شنغهاي للتعاون -وهي كتلة أمنية واقتصادية آسيوية تقودها الصين-، وقد استخدمت الرياض وأبو ظبي التكنولوجيا الصينية في البنية التحتية الرئيسية، وعلى الرغم من التعهدات بالحد من نفوذ بكين على قطاعات الذكاء الاصطناعي الناشئة؛ فقد اعتمدوا بشكل متزايد على الخبرة الصينية.
وترى تسوكرمان، أن روسيا والصين بشكل خاص أحرزتا تقدمًا كبيرًا في مجالات الأعمال التي كانت تهيمن عليها الولايات المتحدة ودول غربية أخرى سابقًا، بما في ذلك الاتفاقيات التعاقدية المتعلقة بالاتصالات وبناء البنية الأساسية وإدارتها، والتي كانت مدعومة سابقًا من قبل المقاولين الأميركيين، لم تحدث هذه التطورات بين عشية وضحاها، لكن “كوفيد 19” عجل بها، ونمت بشكل كبير خلال إدارة بايدن. لن يكون من السهل التراجع عنها وعكسها، ومع ذلك يمكن أن تكون ضارة بمصالح الولايات المتحدة في المنطقة إذا تركت دون معالجة.
وتضيف: “إنه يمكن لترامب أن يحاول عقد صفقات موازية في العلاقات متجاهلًا الوجود الصيني، ولكن عاجلًا أم آجلًا سيصبح عقبة عملية أمام التجارة في التقنيات الحساسة والدفاع، وفي مجالات النفوذ الاقتصادي التي يريد أن يكون للأميركيين الأفضلية فيها”.
تحديات اقتصادية
ويشير تقرير “الجريدة” الكويتية، إلى أن ملف النفط يعد واحدًا من أهم الملفات الاقتصادية التي تهم ترامب ومنظومته الانتخابية؛ فهو داعم أساسي لزيادة إنتاج النفط الأحفوري، سواء أكان التقليدي أو الصخري، بما يسهم في تعزيز عمليات شركات الطاقة الأميركية وخفض أسعار البنزين على المستهلكين، أي خفض أسعاره عالميًا، مع إمكانية العمل لإعادة تدفق أكبر للنفط الروسي إلى الأسواق، والتي فرضتها الحرب الروسية -الأوكرانية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الحزب الجمهوري غالبًا ما يكون داعمًا لتبنّي ما يعرف بقانون «نوبك»، الذي يعتبر منظمة أوبك احتكارية تتحكم في أسعار وكميات النفط العالمية، مما قد يفتح الباب لفرض عقوبات وغرامات على المنظمة ودولها.
لا يحظى ترامب بالثقة الكاملة لدول الخليج بعد فشله في اتخاذ تدابير لمنع هجوم أرامكو المدعوم من إيران خلال فترة ولايته، وعلى الرغم من النبرة الأكثر إيجابية على المستوى السياسي؛ فمن المرجح أن تستمر دول الخليج في التحوط بشأن لاعبين آخرين في المنطقة
ويضيف التقرير، أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار أن الحروب التجارية ترفع من حالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي، وبالتالي تخفض وتيرة تدفق الاستثمارات والأموال الأجنبية للأسواق الصغيرة أو حتى الناشئة إلى الأسواق الأكبر، أو الأكثر تحمّلا للصدمات، مما يعني تضرر اقتصادات دول الخليج من آثار أي حرب تجارية محتملة يقودها ترامب، بين الولايات المتحدة والصين، ومع التأكيد على وجود احتمال -وهو على الأرجح ضعيف- بألا يكون ترامب في رئاسته الثانية مماثلًا في سياساته لرئاسته الأولى؛ فإن أمام دول الخليج تحدي التعامل مع ما يمكن أن تخلّفه سياسات ترامب على النفط وتحولات الطاقة والتجارة العالمية والاستثمارات والإنفاق العسكري، من خلال وجود مشروع خليجي تتبناه دول مجلس التعاون بشكل جماعي لا بشكل فردي، كما هي الحال لزيادة درجة مرونتها تجاه التقلبات الاقتصادية العالمية الآن؛ فدول الخليج بما تملكه من ثروات طبيعية وسيادية وموقع جغرافي، مؤهلة لقيام اتحاد اقتصادي على مستوى مجموعة آسيان أو بريكس أو حتى الاتحاد الأوروبي، متى ما اقترنت جودة الإدارة مع سلامة الأهداف.
فيما ترى صحيفة “عمان” العمانية، أن التوقعات تشير إلى أن فترة ترامب الجديدة، قد تشهد تصعيدًا على الجبهة مع إيران؛ خاصة وأن التوترات وصلت إلى حد المواجهة المحدودة بين إيران وبين إسرائيل، وهذه المواجهة/ التصعيد لو حدثت كما يتوقع البعض؛ فإنها قد تؤدي إلى تأثيرات قوية على قطاع الطاقة وعلى الملاحة فـي منطقة الخليج العربي، وهذا ما لا يريده ترامب قطعًا، ولا يريده حلفاؤه في الاتحاد الأوروبي، الذين يسعون إلى نهج أكثر دبلوماسية؛ خاصة بعد التوترات الكبيرة التي حصلت مع روسيا نتيجة الحرب مع أوكرانيا.
وتقول المحللة الأميركية تسوكرمان: “إن ترامب لا يحظى بالثقة الكاملة بعد فشله في اتخاذ تدابير لمنع هجوم أرامكو المدعوم من إيران خلال فترة ولايته، وعلى الرغم من النبرة الأكثر إيجابية على المستوى السياسي؛ فمن المرجح أن تستمر دول الخليج في التحوط بشأن لاعبين آخرين في المنطقة، وهو ما سيكون من الصعب عكسه بسبب الأطر والاتفاقيات القائمة”، مشيرة إلى وجود “تنافس اقتصادي وسياسي داخلي مستمر بين دول الخليج، يؤثر على مجالات العلاقات الدولية الأخرى التي تهم الولايات المتحدة؛ مثل العمليات والحروب المختلفة في أفريقيا والمجالات الاقتصادية وما إلى ذلك”. كما أن إدارة هذه المنافسات الجديدة ستشكل تحديًا إضافيًا للولايات المتحدة، ولن يكون من السهل إنهاء حالة الصراع في الشرق الأوسط.
ومن المرجح أن يرغب ترامب في متابعة شكل من أشكال “الصفقة الأفضل” مع إيران؛ خاصة وأن معظم دول الخليج قد طبعت معها بالفعل، أو هي في صدد القيام بذلك، لكن هذا من شأنه أن يؤثر سلبًا على خطته لتعزيز اتفاقيات إبراهيم. علاوة على ذلك، تواجه الاتفاقيات والعلاقات الأخرى بين إسرائيل ودول الخليج تحديات بسبب الحروب في غزة ولبنان؛ وخاصة بسبب غياب الولايات المتحدة كقوة سياسية رئيسية في الشرق الأوسط، قد يتحدث ترامب بشدة عن إنهاء الحروب بسرعة”.