من الدراسة والحصول على الدكتوراه في السياسة المقارنة من جامعة جورج تاون بواشنطن، وتحصيل ماجستير في الفلسفة السياسية من الجامعة الأمريكية في واشنطن، إلى شغل منصب باحث غير مقيم في معهد دول الخليج العربية، بالإضافة إلى الدراسة والتدريس في جامعة هارفارد، رحلة طويلة وما زالت مستمرة للأكاديمي الإماراتي، د. عبد الخالق عبدالله، والذي دون أبرز محطاته الأكاديمية في كتابه اعترافات أكاديمي متقاعد، كما صك أحد أبرز المصطلحات عن حاضر ومستقبل دول الخليج العربي، في كتابه لحظة الخليج في التاريخ العربي المعاصر، لم يكن المسار مغلقًا على العمل الأكاديمي والسياسة؛ إذ يعرف أيضًا بتواجده النشط على منصة إكس (تويتر سابقًا)، وحبه للسفر واستكشاف الطبيعة وممارسة تسلق الجبال، والتي كان إحداها مصدر إلهام لتأليف كتاب آخر إماراتي في نيبال، حول حاضر ومستقبل دول الخليج، والخطر الإيراني والعلاقات مع إسرائيل، ومسار التطبيع، وآثار ذلك على المنطقة والقضية الفلسطينية، وغيرها من قضايا هامة وشائكة، يجيب عنها د. عبد الخالق عبدالله في هذا الحوار، لمواطن.
نعم، أنا أؤيد القول بأننا نعيش “لحظة الخليج” في التاريخ المعاصر، وقد عبّرت عن هذا الرأي منذ عشر سنوات عندما نشرت بحثًا باللغة الإنجليزية بالتعاون مع London School of Economics (LSE)؛ حيث استخدمت مصطلح “The Gulf Moment”.
اعترافات أكاديمي متقاعد
1- كيف أثرت فيك تجربة الدراسة والتدريس في هارفارد؟
على مدار أكثر من ثلاثين عامًا من العمل الأكاديمي، كانت تجربتي في جامعة “هارفارد” رحلة معرفية وأكاديمية عميقة، أثرت في حياتي بشكل كبير، كما دفعتني إلى تأليف كتاب بعنوان “رحلة إلى هارفارد”. محظوظ هو كل من تتاح له الفرصة لأن يكون طالبًا أو باحثًا أو زائرًا أكاديميًا في هذه الجامعة. أُتيحت لي فرصة تدريس مساق عن الخليج العربي، كما شاركت في إعداد ورقة بحثية بالتعاون مع باحثة مساعدة. جامعة هارفارد، هي الأكبر في الولايات المتحدة، وأفضل جامعة في العالم اليوم، هي مركز لتجمع العقول المبدعة في مختلف التخصصات، كانت تجربتي فيها غنية وهامة، وما زلت أحافظ على صلات وثيقة بـ هارفارد حتى الآن.
2- ما الذي دفعك لكتابة “اعترافات أكاديمي متقاعد”، بعد مسيرة طويلة في العمل الأكاديمي؟ هل كانت هناك لحظات أو أحداث معينة ألهمتك القيام بذلك؟
مرة أخرى، هذا الكتاب “اعترافات أكاديمي متقاعد”، قد صدر قبل حوالي عشر سنوات، بعد أن أنجزت الكثير وأعطيت كل ما لديّ لجامعة الإمارات في مجال التدريس، وبلغت مرتبة الأستاذية لفترة طويلة. جاء هذا الكتاب بعد حوالي سنة من تقاعدي، لأجد نفسي وقد أخطأت في اختيار العنوان؛ فالأكاديمي لا يتقاعد؛ بل يستمر في الكتابة والقراءة وإلقاء المحاضرات وما إلى ذلك. العنوان الأنسب ربما كان “اعترافات أكاديمي يرفض التقاعد”.
كتبت هذا الكتاب لأنني وجدت نفسي في حالة جديدة لم أعشها من قبل؛ حالة التقاعد التي تمنحك حرية تامة، بلا قيود ولا مواعيد ولا ضوابط ولا مسؤوليات، واكتشفت أن هذه الحالة من الحرية تجلب سعادة لم أكن أتخيلها.
يتضمن الكتاب مشاعري الوجدانية وتجربتي الحياتية، لكنه يركز على فترة ما بعد التقاعد، وليس ما قبلها. إنه من الكتب التي تقع ضمن أدب السيرة الذاتية، وهناك ندرة في كتب أدب السيرة الذاتية في المنطقة العربية، وبالتالي يأتي هذا الكتاب لإثراء هذا الأدب، وليضيف مساهمة عربية قيمة في هذا المجال.
3- هل تتفوق دول الخليج اليوم في الحقل الأكاديمي عن سائر الدول العربية؟ وإن كان هناك تفوق؛ فهل يجاري التطور الأكاديمي الغربي، ولماذا من وجهة نظرك؟
تعيش دول الخليج اليوم دورًا بارزًا في التاريخ العربي المعاصر؛ ليس فقط على الصعيد الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي؛ بل أيضًا في المجالات المعرفية والأدبية والثقافية. في كتابي “لحظة الخليج في التاريخ العربي المعاصر”، تناولت بعض المؤشرات التي تبرز هذا التقدم، ومن بينها ما يتعلق بالجامعات الخليجية. نجد اليوم أن الجامعات الخليجية؛ سواء أكانت سعودية أو إماراتية، تتصدر قائمة أفضل الجامعات العربية، متفوقة على جامعات عريقة مثل جامعات بيروت وبغداد والقاهرة، مما يعكس التطور الكبير في مؤسسات التعليم العالي في الخليج؛ في حين أن تلك الجامعات العريقة لم تتراجع، لكنها لم تحرز نفس مستوى التقدم.
وعند النظر إلى براءات الاختراع والأبحاث المنشورة في المجلات العالمية، نجد أن معظمها يأتي من دبي والسعودية ودول الخليج الأخرى، وليس من الدول العربية التي كانت في وقت من الأوقات مراكز علمية وثقافية للعالم العربي.
أما على صعيد الاقتصاد المعرفي، وهو معيار شمولي هام؛ فهناك تقدم ملموس لدول الخليج؛ حيث تتفوق اقتصاداتها المعرفية؛ سواء أكان في التعليم أو الإنتاج أو البحث أو النشر، على كافة الاقتصادات العربية؛ بل وتتفوق على بعض الدول الأوروبية المتقدمة. بناءً على هذه المؤشرات، وبدون مبالغة، يمكننا القول بأنّ هناك اليوم تقدمًا خليجيًا واضحًا في هذه المجالات.
والثقل الإعلامي والسياسي والاقتصادي والمعرفي اليوم، يتركز في قطر، الإمارات، والسعودية، بعد أن كانت تلك المراكز في بيروت، القاهرة، وبغداد، مما يجعل دول الخليج محور الثقل العربي الجديد. وأنا أدرك أن هذا قد يكون مثيرًا للجدل، لكن الواقع الحالي يظهر أن قيادة الأمة العربية هي قيادة خليجية، وستظل كذلك إلى إشعار آخر. بعبارة أخرى، لحظة الخليج ليست عابرة، قد تمتد خمس سنوات، عشر سنوات، وربما أكثر من ذلك. أي أن المكانة الحالية محطة لما هو أبعد بكثير.
4- أشرت في كتابك ‘لحظة الخليج”، كيف أصبحت دول الخليج مركز الثقل العربي الجديد إلى الصعود كمركز ثقل عربي، وخلق تحول منظومة القيادة العربية. ما العوامل الرئيسة التي ساهمت في نقل مركز القيادة العربي؟ وما آثار هذا التحول؟ وإلى أين يقود العالم العربي من وجهة نظرك؟
نعم، أنا أؤيد القول بأننا نعيش “لحظة الخليج” في التاريخ المعاصر، وقد عبّرت عن هذا الرأي منذ عشر سنوات عندما نشرت بحثًا باللغة الإنجليزية بالتعاون مع London School of Economics (LSE)؛ حيث استخدمت مصطلح “The Gulf Moment” بشكل متكرر. يعود ذلك إلى اعتقادي أن جميع الوقائع تشير إلى معادلة بسيطة، مفادها أن هناك ست دول خليجية (الكويت، قطر، البحرين، الإمارات، السعودية، وعُمان)، أصبح تأثيرها ونفوذها يفوق تأثير 16 دولة عربية مجتمعة.
الخليج.. بين إيران وإسرائيل
لدينا تواصل وعلاقات تمتد لأكثر من 3000 أو 4000 سنة. على مرّ هذا التاريخ، كانت إيران جارة لنا، ولكنها جارة مثيرة للقلق ولا تبعث على الاطمئنان؛ بل تمثل خطرًا.
5- كيف تقيّم السياسات الخارجية لدول الخليج تجاه الصراعات الإقليمية، مثل الحرب في اليمن والأزمة السورية؟
عند النظر إلى الجوار الجغرافي القريب والبعيد لمنطقة الخليج ضمن النطاق العربي والشرق الأوسط، وكذلك عند التوجه نحو القرن الإفريقي ومناطق أخرى، نرى أن دول الخليج العربي أصبحت تمثل عواصم القرار العربي الجديدة. يعود هذا الوضع إلى أنها تعمل كمجموعة متكاملة؛ حيث يتوفر بينها حد أدنى من التنسيق، وإن لم يكن تنسيقًا كاملًا.
فلا توجد دول عربية أخرى تحافظ على هذا الحد الأدنى من التمثيل المشترك والتنسيق، وفي كثير من الأحيان تتحدث دول مجلس التعاون بصوت واحد، ورغم وجود بعض الخلافات والاختلافات في الرؤى، نجد أنها غالبًا ما تتعامل مع القضايا المختلفة بتنسيق أمني وسياسي وعسكري واضح، بالإضافة إلى التنسيق في مجالات أخرى.
أصبحت منطقتنا العربية غارقة في الفوضى؛ حيث الدول التي تعاني فشلًا، وأخرى تعاني من انعدام الاستقرار. وفي نهاية المطاف، تُعتبر دول الخليج جزءًا من هذه المنطقة المتأثرة بقوة الفوضى، مما يحمّلها مسؤولية تاريخية. إن إعادة الاستقرار إلى منطقة دخلت في نفق مظلم من الاضطرابات تُعتبر أولوية. لذا فإن المشروع السياسي للخليج، -إن صح التعبير- يسعى إلى إعادة الاستقرار إلى المنطقة.
6- هل تعتقد أن إيران هي الخطر الأكبر على دول الخليج؟ وكيف ترى الصراع الإيراني-الخليجي بشكل عام؟
نحن أقرب الدول إلى إيران؛ حيث نعيش على بُعد 100 كيلو متر فقط من هذا الشريط الخليجي. وبحكم التاريخ والجغرافيا، لدينا تواصل وعلاقات تمتد لأكثر من 3000 أو 4000 سنة. على مرّ هذا التاريخ، كانت إيران جارة لنا، ولكنها جارة مثيرة للقلق ولا تبعث على الاطمئنان؛ بل تمثل خطرًا. يعود ذلك إلى عوامل عديدة؛ منها الإمبراطورية الفارسية في التاريخ البعيد، والجمهورية الإسلامية، بالإضافة إلى عوامل تاريخية أخرى تمتد إلى الحاضر.
عندما نفكر في التهديدات التي تواجه أمن الخليج العربي، كان الخطر في السابق يأتي من الاتحاد السوفيتي، ثم من التنظيمات الإرهابية. أما اليوم؛ فإن الخطر الأكبر والأول يتمثل في إيران. ومع ذلك؛ فلدينا خبرة في التعامل مع إيران؛ سواء أكان في حالة الوفاق أو الصدام، وهما الجانبان الرئيسان في هذه العلاقة. على الرغم من ذلك؛ فهناك علاقات تجارية وتفاهمات سياسية قائمة، كما أود أن أذكر أن وزير خارجية إيران كان في الرياض بالأمس لإجراء حوار والتواصل مع المسؤولين السعوديين بهدف تخفيف التوتر في الخليج العربي، وتجنب صدامات مشابهة لتلك التي وقعت في اليمن.
7- كيف تقيّم الدور الإماراتي في حرب غزة؟ وهل ترى أن الدور الخليجي الحالي كافٍ، أم كان يتطلب جهودًا أكبر؟
تشهد غزة مأساة إنسانية غير مسبوقة بفعل حرب إبادة تقودها حكومة نتنياهو؛ حيث خلّفت هذه الحرب أكثر من 42 ألف ضحية مدنية، معظمهم من الأطفال والنساء، وأدت إلى نزوح أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون في ظروف قاسية داخل مخيمات اللجوء. وربما تكون هذه الكارثة أكثر إيلامًا من نكبة 1948.
لكن، ماذا فعل العالم إزاء هذا الوضع؟ خرجت مظاهرات حاشدة في معظم الدول، وصدر عدد من القرارات عن مجلس الأمن، بينما بذلت دول مثل مصر ودول أخرى في المنطقة جهودًا مكثفة بالتنسيق مع الولايات المتحدة لوقف الحرب. لذلك، القول بأن العالم أدار ظهره لغزة يبدو تبسيطًا وغير دقيق.
فعلى سبيل المثال، لم تتوقف الإمارات منذ بداية الحرب عن إرسال مساعدات غذائية وطبية وإنسانية بشكل يومي، وسخّرت كل إمكاناتها لدعم مليوني فلسطيني يعانون تحت الحصار والقصف. وكذلك، قامت دول الخليج بأدوار مهمة ضمن حدود إمكانياتها.
أما فيما يتعلق بعدم وقف الحرب؛ فإن المشكلة تكمن في الدعم الكبير الذي تحظى به إسرائيل من الولايات المتحدة ودول الغرب، مما يجعل أي جهود دولية لوقف الحرب شبه مستحيلة، حتى من قِبل قوى مثل الصين أو روسيا أو الهند، أو حتى منظمات مثل محكمة العدل الدولية.
8- هل التطبيع الخليجي مع إسرائيل قادر على تحقيق الاستقرار في المنطقة، أم أنه يساهم في خلق التوترات؟ ولماذا؟
شهدت السنوات الأخيرة انضمام ست دول عربية رسميًا إلى مسار التطبيع مع إسرائيل، وهي: مصر، والأردن، والمغرب، والإمارات، والبحرين، والسودان. لكن هذا لا يعني أن التطبيع مقتصر على دول الخليج فقط؛ إذ إن هناك ست دول عربية أخرى تتمتع بعلاقات واسعة مع إسرائيل وإن كانت غير رسمية؛ فضلًا عن ست دول إضافية تُقيم علاقات خفية معها. وبذلك، يمكن القول بأن 18 دولة عربية، بشكل مباشر أو غير مباشر، تُقيم علاقات مع إسرائيل؛ ما يجعل انتقاد دول الخليج وحدها وكأنها تخلت عن القضية الفلسطينية، أمرًا غير منصف.
خاض العرب أربع حروب ضد إسرائيل على مدار العقود الماضية، ولم تحقق أيٌّ منها نصرًا حاسمًا أو استعادة للأراضي المحتلة. كما أن المقاطعة العربية والإسلامية التي فُرضت على إسرائيل لعقود لم تمنعها من تحقيق نمو وازدهار. أما المقاومة الفلسطينية، بمختلف أطيافها؛ فلم تنجح حتى الآن في تحرير شبرٍ واحد من الأرض.
لذا؛ فمن الطبيعي أن تبحث بعض الدول عن مسارات جديدة لمواجهة هذا الواقع. من وجهة نظري، الدول التي اختارت التطبيع رأت أن الخيارات التقليدية من حروب ومقاطعة لم تؤثر على قوة إسرائيل أو توسعها، وأن التطبيع قد يفتح مساحات جديدة للتأثير والعمل الدبلوماسي. ولا يعني هذا التخلي عن القضية الفلسطينية، التي ستظل القضية المركزية للعرب.
موقف دول الخليج، على وجه الخصوص، ظل ملتزمًا بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، وبدعم صموده ومقاومته. وبعد انتهاء الحرب الحالية، أعتقد أن دولًا عربية أخرى قد تنضم إلى مسار التطبيع، بناءً على قراءتها للواقع الجيوسياسي المتغير، مع الإبقاء على دعمها الثابت للحقوق الفلسطينية.
9- ما حدود التطبيع مع إسرائيل؟ هل تراه اقتصاديًا وسياسيًا فقط، أم أن هناك مجالًا للتطبيع الثقافي والشعبي؟ ولماذا؟
التطبيع له مساران؛ خيار لدول المنطقة، والتطبيع لشعوب المنطقة، ويجب الفصل بينهما، أيضًا يجب توضيح أنه لا المقاطعة بطولة، ولا التطبيع خيانة، من أراد أن يطبع فليطبع، ومن أراد أن يقاطع فليقاطع، الدول لها ضرورات أمنية وسياسية واقتصادية قد تدفعها للتطبيع، أما الأفراد فلديهم خيارات، وعن نفسي لا أرى إسرائيل سوى أرض فلسطينية مسروقة، هذه وجهة نظر شخصية، وقد يكن لحكومة بلدي رأي أخر وفقًا للضرورة السياسية، ويجب أن نفرق بين خيارات الأفراد، والضرورات والسياسية.
10- ما الرؤية الخليجية عامة، والإماراتية خاصة، لحل الصراع العربي الإسرائيلي؟
لا مجال ولا حل سوى قيام دولة فلسطينية مستقلة، وهناك إجماع عالمي على هذا الحل، ولا توجد رؤية أخرى، ولكن في ظل الظروف الحالية تجد هذه الرؤية صعوبات، على الرغم من هذا الإقرار بالوضع الحالي أن هناك حكومة إسرائيلية فاشية لا تؤمن بهذا الحل؛ فهل تأتي حكومة معتدلة في إسرائيل -إن جاز التعبير- مثل حكومة رابين؟ الإجابة لا، لا أعتقد أن هناك حكومة معتدلة قادمة خلال المستقبل القريب، سنرى المزيد من الغطرسة.
تحولات الخليج
قضية المناخ والتغيير البيئي قضية عالمية وليست قضية محلية، وذلك أخطر من القنبلة النووية على كوكب الأرض، وكذلك الحلول يجب أن تكون على مستوى العالم، والتعامل يجب أن يأتي بشكل جماعي عالمي وليس فرديًا؛ إماراتيًا أو خليجيًا.
11- في ضوء التحولات الحالية؛ هل تعتقد أن دول الخليج ستكون قادرة على التعامل مع الضغوط المتعلقة بتنويع مصادر الدخل؟ وكيف تقيّم نجاح هذا التحول في الإمارات بشكل خاص؟
دول الخليج عاش معظمها على النفط، وارتبط اقتصادها عضويًا به خلال آخر سبعين سنة، ودائمًا ما تحاول دول الخليج تنويع مصادر الدخل، وتختلف التجارب من دولة لأخرى، ومن فترة لأخرى، لتكون أحيانًا ناجحة وأحيانًا غير ناجحة، أعتقد أن الإمارات أسبق من غيرها في تجاوز النفط، ويشكل النفط اليوم في الدخل القومي الإماراتي ما يعادل 24%، يعتمد الاقتصاد الإماراتي على مصادر متنوعة والأكثر تنوعًا بين دول الخليج. إذا وضعنا معيار 1 إلى 10 بمدى القرب والبعد عن الاعتماد على النفط، على أن يكون 1 أكثر اعتمادًا، و10 أقل اعتمادًا، يمكن أن يكون مؤشر الاقتصاد في الإمارات 8، وتجربة الإمارات ليست نفسها تجربة دول الخليج؛ فاقتصادات الخليج ليست شيئًا واحدًا، تصور على أنها ريعية أو نفطية وما إلى ذلك.
12- هل تعتبر السياسات البيئية الحالية كافية لمواجهة التحديات المستقبلية؛ خاصة في ظل التغير المناخي، والتوقعات التي تشير إلى تهديدات وجودية لبعض المناطق والسواحل في الإمارات؟
قضية المناخ والتغيير البيئي قضية عالمية وليست قضية محلية، وذلك أخطر من القنبلة النووية على كوكب الأرض، وكذلك الحلول يجب أن تكون على مستوى العالم، والتعامل يجب أن يأتي بشكل جماعي عالمي وليس فرديًا؛ إماراتيًا أو خليجيًا.
ترى الإمارات أهمية التحول إلى الطاقة المتجددة والنظيفة، والبعد عن الطاقة الكربونية، كجزء من الحل، ومساهمة وطنية في مشكلة عالمية؛ فهناك شعور فعلي بالمسؤولية؛ خاصة بعد استضافة كوب 28، ودول الخليج الأخرى ليست بعيدة عن نفس المسار والرؤية.
13- تناولت أيضًا مفهوم الحراك الثقافي في الخليج في كتابك “لحظة الخليج”، إلا أن هذا الحراك مع انفتاح وتطور مجتمعات الخليج يطرح تساؤلًا حول الدور الثقافي الخليجي وما الذي يقدمه.
هناك اليوم أكبر معارض الكتب العربية، وأكبر الجوائز العربية الأدبية والثقافية. وبمعيار القراءة وبيع الكتب؛ فالخليج يشهد تفوقًا على مستوى الصناعة قراءة ومبيعًا وإبداعًا، هذا بالإضافة إلى الفعاليات الثقافية والمهرجانات الفنية، وتسعى دول الخليج لاستعادة مشروع النهضة العربية واستكماله. ومن هنا نقول إنها لحظة الخليج، نظرًا لدور دول مجلس التعاون في استكمال المشروع النهضوي، بعد أن تعطلت العواصم العربية الكبرى.
الإمارات والإسلام السياسي
14- كيف ترى موقف الإمارات تجاه الإسلام السياسي بشكل عام؟ وهل هناك تباين داخل هذا الموقف كرفض تيارات وقبول أخرى؟ وما أسبابه؟
الإمارات كانت متصالحة مع تيار الإسلام السياسي، وكانت هناك رموز إخوانية في الإمارات، وأعتقد أن الخصومة جاءت من جهة تيار الإسلام السياسي ضد الإمارات، وشنت عليها حربًا شعواء. كما أن الإمارات ليست وحدها في الصراع؛ فهناك مصر وتونس، وأينما تواجد هذا التيار؛ دخل صراعات مع الحكومات، وحتى الاتجاهات المختلفة في المجتمع، تجدهم يكفرون الناس، هو تيار مشاكس يعتبر نفسه أفضل على أساس أنه ممثل الدين، ويدعي المظلومية طيلة الوقت.
15- لماذا هذا الربط الإعلامي بين ما يسمى بالدين الإبراهيمي والإمارات؟ كيف ترى الأمر؟
هناك الكثير من الشائعات تتداول عن الإمارات عندما تنظر لوسائل التواصل الاجتماعي، تجد 99% مما يتداول ليس صحيحًا، وهي تأتي من جماعة الإخوان وتيار الإسلام السياسي، وأي عاقل يمكن أن يقول إن الإمارات تسعى لتأسيس دين جديد، كل ما في الأمر أنها دعوة للتركيز على المشترك بين الديانات الثلاث؛ اليهودية والإسلام والمسيحية، وأن المشترك الرئيس، هو النبي إبراهيم. مثلما يحدث في مصر مثلًا حين تجد الكنيسة جوار المسجد.
آخر إماراتي في نيبال
هناك فرق بين أن تقرأ عن العالم وبين أن تشاهده، هذه المناطق النائية والبعيدة، عندما تدخل الغابات وتتسلق الجبال، وتذهب لأماكن لا تخطر على البال مثل القطب الشمالي ونيبال وبيرو، هذا الاستكشاف يجعلك ترى العالم بمنظار أوسع.
16- كيف أثرت تجربة الزلزال في نيبال على رؤيتك للحياة، والمخاطر التي قد يواجهها الإنسان في مثل هذه الظروف؟
أنا لدي هواية التسلق وصعود الجبال، صعدت معظم القمم العربية في الشرق الأوسط والعالم؛ في 2015 كنت ذاهبًا إلى قمة إيڤرست، اهتز الجبل وحدث زلزال بشدة 7.4 ريختر على ارتفاع 3500 متر فوق سطح البحر، وتوفي إثر ذلك 16000 شخص في نيبال، كانت تجربة زلزالية بحق، كانت لحظة الحياة والموت؛ فقدنا الاتصال بالعالم، ووثقت التجربة في كتاب آخر إماراتي في نيبال، لأنه كان هناك 8 إماراتيين تم إجلاؤهم، وكنت الإماراتي الأخير.
17- كيف ترى العلاقة بين الإنسان والطبيعة في سياق تجربتك؟ وحدثنا أكثر عن تجربة مثل تسلق الجبال.
هناك فرق بين أن تقرأ عن العالم وبين أن تشاهده، هذه المناطق النائية والبعيدة، عندما تدخل الغابات وتتسلق الجبال، وتذهب لأماكن لا تخطر على البال مثل القطب الشمالي ونيبال وبيرو، هذا الاستكشاف يجعلك ترى العالم بمنظار أوسع، تتسع رؤيتك للعالم وتنوعه، أيضًا هناك سعادة خاصة بالاستكشاف تختلف عن مشاهدة العالم من ناشيونال جيوجرافيك، بالإضافة إلى وجود الجمال في العالم والكائنات والطبيعة، هذا الجمال حولك لن تجده في أكبر متاحف الدنيا، التسلق يجعلك تشعر باختبار نفسك ونعمة الصحة والقدرة، وأهم من هذا وذاك، رحلات الصعود؛ حيث تذهب في رحلة إلى قمة جبل خلال 5 أو 6 أيام، عندما تصعد للقمة تكتشف أن هناك قمة أعلى، ولكي تذهب لهذه القمة الأعلى، عليك الهبوط للوادي، هي تجربة أشبه بالحياة صعودًا وهبوطًا، كما أن كل فرد منا يتطلع إلى قمته، البعض يثابر من أجل الوصول لها، والبعض الآخر يتكاسل ولا يصل إلى قمته.
18- حدثنا أكثر عن اهتماماتك خارج السياسة والعلاقات الدولية والحديث عنهما.
كما ترى، الكتب على يمين وشمالي وخلفي، والقراءة مصدر المعرفة والنضج، ولا أملّ من وجود الكتب حولي، ومكتبتي بها تنوع، أعشق قراءة الرواية، وأقرأ القائمة القصيرة للبوكر كل عام، وأحيانًا الطويلة قبل أن يعلن الفائز.