أثار حفيظتي منذ فترة منشور لصديقتي الشاعرة أحلام عثمان، على صفحتها الشخصية على فيسبوك، تنتقد فيه بشكل أو بآخر عمل النساء، معتبرةً أنّ العمل أسوأ ما قد تقوم به امرأة يومًا. راقبت التعليقات ووجهات النظر المختلفة من النساء والرجال، والحقيقة أنّ استيائي بدأ يتحول لمجموعة من الأسئلة؛ أولها لماذا قد تصل امرأة عاملة لمثل هذا الاستنتاج، ولماذا ما زال عمل المرأة في مجتمعاتنا العربية محل نقاش واختلاف وجدال، وحتى استغراب في بعض الأماكن. وليس آخرها، هل فعلًا المشكلة بالعمل بحد ذاته، أم بالظروف المحيطة بنا، وهل أصبحت النساء العربيات ودون أن يشعرن أمام عبء جديد يضاف إلى قائمة طويلة من المسؤوليات، من أين يبدأ الخلل؟ وهل نتحمل نحن النساء جزءًا من المسؤولية؟
تريدين العمل؟ فلتتحملي
قدّرت منظمة العمل الدولية نسبة النساء المشاركات في سوق العمل في العالم العربي ب 18.4%، ومن المهم جدًا هنا الإشارة إلى أن هذه النسبة التي تُعدّ الأدنى عالميًا، مخيفة جدًا؛ فهي تعني ببساطة أنّ أكثر من 80% من النساء العربيات غير عاملات، وبالتالي غير مستقلات ولا صاحبات قرار؛ فلا أحد يستطيع إنكار أن القوة المالية والاقتصادية تتبعها قوة في جميع المناحي الأخرى؛ فعندما تأخذ المرأة مصروفها من زوجها أو أبيها أو أخيها، ستصبح تابعة بشكل أو بآخر.
على العموم، نحن الآن بصدد الحديث عن الـ 18,4 %، عن تلك النسوة العاملات، عن اللواتي أنزلن عن ظهورهنّ الحمولة الثقيلة التي أشرفت الأمهات والجدات بأنفسهن على وضعها، عن اللواتي يغلقن باب المنزل صباحًا وينطلقن سعيًا للحرية المنشودة والاستقلالية التي يمنحها العمل في الخارج؛ فهل فعلًا هذا ما يحدث؟
تقول ريم 29 عامًا، وأم لأربعة أطفال، تعمل في وزارة النقل إنها تعود من عملها إلى المنزل في الثالثة بعد الظهر، ومن لحظة وضع قدمها داخل المنزل، تبدأ بتنفيذ واجباتها المنزلية، تجهز الغداء، تنظف، ترتب، ثمّ تدرّس الأولاد، بعدها تعود للغسيل والترتيب والكي وتجهيز العشاء ثم التنظيف مجددًا، ومساعدة الأولاد على الاستحمام، وبعد نوم الأولاد، تجهز لغداء الغد.
هذا الملخص ليومها يمكن تعميمه على مدار السنة؛ فهي تقوم يوميًا بذات الأعمال، دون أي مساعدة تذكر من زوجها. وعندما سألتها عن حجته في عدم مساعدتها، تجيب وهي تهز رأسها وتبتسم بسخرية بعيون دامعة “بيرجع تعبان من الشغل”.
والحقيقة هذا ليس حال ريم فقط؛ بل حال كثيرات من النساء اللواتي يتم التعامل مع عملهن في الخارج تحت شعار: تريدين العمل فلتتحملي إذًا. وإضافةً لذلك، يُنظر لهنّ على أنهنّ حصلن على ميزة إضافية لمجرد أن الزوج يسمح لهن بالعمل خارجًا.
حال ريم أفضل بكثير من حال علا، 27 عامًا. تعيش علا في منزل مؤلف من غرفتين؛ فقط، غرفة للنوم وغرفة أخرى للجلوس، تتحول أغلب الأحيان إلى قاعة تدريس خصوصية. تبدأ علا تدريس الطلاب من الساعة الواحدة ظهرًا، أي بعد عودتها إلى المنزل من المدرسة بساعة واحدة فقط، تستغلها بتحضير الغداء ووضعه على طاولة المطبخ ليكون متاحًا لطفلتها التي تبلغ من العمر 6 سنوات. تقول علا: “عندما تجوع طفلتي تدخل لتأكل وحدها، وغالبًا ما تأكل طعامها باردًا، وكثيرًا ما تنام على الكنبة قبل أن أنتهي من تدريس طلابي”.
ماذا أضاف عمل المرأة لنضال النسويات في العالم إن كن سيتملصن من واجباتهن الأسرية، ومسؤولياتهن المادية تجاهها؟
يعمل زوج علا موظفًا في البلدية، يضع أول كل شهر مرتبه كمصروف للمنزل ناقصًا فقط ما يكفيه ثمن سجائر لشهر، معتبرًا أن مهمته المالية قد انتهت هنا؛ فهو لا يفكر بأي عمل إضافي لسد العجز الحاصل في ميزانية الأسرة، والناتج عن تدهور الوضع الاقتصادي بسبب ظروف الحرب. وهذا ما اضطر علا للعمل هي بنفسها العمل الإضافي مع أدائها لواجباتها المنزلية كاملة، إضافة لوظيفتها الحكومية؛ فزوج علا أيضًا لا يشاركها أيًا من أعمال المنزل، وعلى حد قولها بأنه يفضل الموت مثلًا على أن يراه أحد الجيران ينشر الغسيل.
إذًا؛ فالتعاطي مع موضوع عمل المرأة لا يختلف عن التعاطي مع أي موضوع آخر يخص المساواة في مجتمعاتنا؛ فما يتم نقاشه والبحث فيه، يبقى في القشر دائمًا؛ في حين يترك اللب جانبًا ولا نصل إليه أبدًا. التشاركية الحقيقية، توزيع الأدوار والأعمال، وتنظيم الأمور المالية بشكل عادل لا يلحق الظلم بأي طرف، من الأمور التي نادرًا ما يتم الحديث عنها؛ فإما أن نكون أمام عبارة المرأة للمنزل والرجل للعمل في الخارج، أو تحملي العمل مع واجباتك الأخرى. ها نحن إذًا أمام استقلالية وحرية بالشكل الخارجي وعبودية مُقنّعة وعصرية، وشكل جديد من أشكال الاستغلال للمرأة في الجوهر. فحتى الحكومة تتملص من واجبها بشكل أو بآخر، ولا تتخذ بعض الإجراءات المساعدة للأمهات العاملات، كتجهيز حضانات مثلًا في المؤسسات الحكومية لتخفيف العبء المالي الذي يتطلبه وجود جليسة للأطفال.
تؤكد أمل، 30 عامًا لـ”مواطن” حبها لعملها، لكن بنفس الوقت بات هذا العمل يشكل عبئًا عليها؛ فحتى ماديًا تجد أنها تدفع جزءًا كبيرًا من راتبها لجليسة أطفال في ظل غياب أي دُور حضانة تابعة للمؤسسة التي تعمل بها، كما أنها تعتقد أن أطفالها في مرحلة عمرية يكون فيها دور الأم كبيرًا جدًا؛ فهي تفضل البقاء في المنزل على العمل، لاعتقادها أن رعاية أطفالها وصحتهم النفسية والجسدية أولى بها؛ في ظل غياب أي حلول منصفة.
عمومًا؛ فقد سبقتنا المجتمعات الغربية إلى الحل؛ فنظام الأسرة عندهم قائم على التشاركية وتوزيع الواجبات بعدل؛ فالرجل يشارك بأعمال المنزل، ليتحمل عبء تدريس الأولاد، أو أي واجبات أخرى. ولكن هل ينجح مثل هذا الحل عندنا؟ وهل تسمح عقلية الرجل الشرقي له بذلك؟
فأحمد 35 عامًا، ويعمل سائقًا، أكدّ لـ”مواطن” أنّه لا يأخذ ليرة من زوجته، وبالطبع هي لا تفكر بالموضوع على حد تعبيره؛ فهو يعتبر مشاركتها في مصروف المنزل انتقاصًا من رجولته، وأنه هو المسؤول عن تأمين كل حاجات المنزل وحتى عن مصروفها، ولكنه بالمقابل لا يتساهل مع أي تقصير تجاه أولادها أو تجاه المنزل، أما عن راتبها فيقول أحمد بأنه لا يسألها حتى أين تذهب به.
تجارب ناجحة
حاولت أثناء إعداد التقرير البحث عن نماذج تثبت أن التشاركية حل لا تشوبه، شائبة، وأنه يخفف العبء الكثير عن الجميع، وأن الأمر لا يحتاج أكثر من التفكير ببساطة، والبحث عما يحقق جدوى وراحة في المرتبة الأولى. فقد جعلتنا طبيعة الحياة اليوم -دون أن ندري- كائنات مستهلكة بدرجة مرعبة، وهذا ما زاد بشكل مضاعف العبء المالي على الرجل؛ فحاجته لوجود شريك يساعده بات أمرًا محتومًا، ولكن في المقابل عليه القبول بهذه التشاركية.
وفي هذا الصدد يقول محمد الرفاعي مستشار قانوني، عند سؤاله عن مدى جدوى مشاركة النساء لزوجها في العمل في الخارج مقابل مساعدتها لها في أعمال المنزل:
“تفكك هذه الأسئلة الرَّاهنة “أسطورة الرَّجل الصيَّاد”، وتنزع عنها الحصانة التاريخية المنتجة للأعراف الاجتماعية، بالقدر الذي تكون فيه الإجابات المقابلة أو المفسِّرة لها، هادمةً للأدوار الموكولة إلى كلا الجنسين: الرجل، والمرأة. أعتقد أنه كلما هَمَّ وعينا إلى إيجاد هامش وظيفي للرجل يتجاوز فيه “جهة الخارج الأكثر خطورة” نحو “فضاء الداخل الأكثر أمنًا”، ضاقت المفاهيم البدائية المتوارثة عن قدرات وخصوصية الجسد، وقلَّ أثرها الصارم على انتقاء المكان المؤهَّل له أو المتناسب مع فيزياء مادته.
ليس ثمة ما يمنع من الاعتراف بالإمكانية الأخلاقية أو الجمالية في أن يُسنَد للرِّجال -إلى جانب مهامهم في العمل- وظائفَ إضافية تسمح لهم في مشاركة النساء على مستوى البيئة الداخلية أو القريبة للأسرة: كأن يغسلوا صحون الطعام أو يكنسوا الغبار عن سجادة البيت، وسوى ذلك من الأعمال التي غالبًا ما تُكلَّف بها المرأة، باعتبارها أعمالًا آمنة وخالية من المشاق؛ بالنظر إلى ما تكتنفه “جهة الخارج المأهولة بالأذقان “من مصاعب ومفاجآت لا تنتهي”.
ومن الطبيعي أن هذا الاعتراف بتلك الإمكانية الأخلاقية / الجمالية الممنوحة للرجل، يوفِّر في المقابل سببًا مشروعًا لاعترافٍ آخر، يخصّ مهام المرأة. أليس كذلك؟
"هي أيضًا تطمح إلى انتزاع سهامها من أجساد الطَّرائد"
وهذا الحديث عن التشاركية يمثل إلى حد ما تجربة حواء فاعور، التي حصلت على الشهادة الجامعية بعد الزواج، ولم يمانع زوجها أن تدخل في خضم الحياة العملية. تجربة حواء مع العمل في تلك الفترة كانت تجربة رائعة، كما عبرت لمواطن، لأن التشاركية والمساعدة كانت أسلوبًا لحياتها مع شريكها؛ في ذلك الوقت كان لدى حواء طفلة واحدة، كانت وزوجها يتقاسمان العمل، حتى الأعمال المنزلية والاهتمام بالصغيرة؛ فزوج حواء كان متعاونًا وجاهزًا لأية مساعدة، كما أن حواء كانت تعتبر أن مالها هو مال العائلة، وما تستطيع تقديمه، تقدمه دون أي منّة.
ما زلنا كمجتمعات عربية، بحاجة إعادة النظر في الكثير من المفاهيم السائدة والتي نتوارثها عن أجدادنا دون أن نحدث أي تغييرات فيها لتتناسب مع طبيعة الحياة المعاصرة.
يتابع محمد الرفاعي: “الورقة الاقتصادية المقروءة في كتاب الحياة الزوجية، لا بدَّ وأن تُكتَب بريشتين اثنتين، شأنها شأن سائر الأوراق الأخرى المرصوصة داخل ذلك (الكتاب الأسود). مَن يقرِّر أن يشارك شخصًا ما، المرحاض ذاته في البيت ذاته، عليه أن “يفكِّر” في شراء لوح صابون جديد كلما أصبح أصغر حجمًا بين أصابعه المبلَّلة؛ لأنه ما كان سيذوب سريعًا لو أنَّ يدًا واحدة فقط كانت تستعمله بمفردها.
وممِّا لا شكَّ فيه هو أن كليهما متساويان في النزول تحت الأحكام اللغوية والاشتراطات الإنسانية لهذا الفعل: ( يفكِّر). الأمر الذي يجعلنا لا نخطئ البتَّة في إنشاء نظام تبادلي بينهما متناظر في ملاحظة المشاكل/ التحديات المختلفة، والعمل على حلّها؛ سواء أكانت متعيِّنة خلف الجدران أم خارجها.
وبالفعل بدأت معاناة حواء مع غياب الشريك بسبب وفاته؛ حيث تحول العمل إلى إنهاك تام؛ فعلى عاتقها أصبحت كل المسؤوليات في الدخل والخارج. وهنا أدركت حواء أهمية وجود الشريك المتعاون والمتفهم، ودوره في تخفيف الصعوبات، ولم تتوقف المعاناة هنا؛ فمجرد كونها امرأة جميلة أضيف عليها عبء إضافي؛ فهي بشكل أو بآخر تشكل هدفًا لكثير من الذكور الذين يشاركونها سوق العمل، وهذا ما يفرض عليها التعامل بجدية دائمة ويضطرها لوضع الحدود، وهنا بدأت تعتقد أو ترجح أن وظيفة المرأة الأساسية في ظل هذه العقليات الذكورية المسيطرة على المجتمع، وفي حال كان هناك كفاية مالية؛ هي أن تكون أمًّا. فمن الصعب جدا العيش دائمًا وكأنك في حرب، تحاولين إثبات بها نفسك وقدراتك؛ فما علينا القيام به، علينا القيام به دون النظر لرأي الآخرين.
هل يتحمل الرجال فقط المسؤولية؟
لماذا يأخذ الرجال موقفًا من عمل النساء أو من مشاركتها في المصاريف؟ حاولنا البحث قليلًا في هذه الفكرة، لأننا في نهاية المطاف نبحث عن حلول ولا نهدف لشن حرب على الرجال.
في الحقيقة، يمنع الكثير من الرجال زوجاتهنّ أو بناتهن أو أخواتهن من العمل، بحجج كثيرة؛ أهمها التقصير في أداء واجباتها. وفي عام 1942 صدر في أميريكا كتاب لاقى صدى كبيرًا في الأوساط الاجتماعية الأميريكية، بعنوان المرأة العصرية: الجنس الضائع، لفارنهام ولندبرغ، يعتقد الكاتب فيه أن العمل وممارسة المرأة للمهن وحصولها على التعليم العالي يهدد أنوثتها ويصبغها بصفات ذكورية، ويؤثر على التزامها بواجباتها تجاه منزلها وأولادها، كما أن هذا العمل يمنعها عن إشباع حاجات زوجها الجنسية. تمثل وجهة النظر هذه رأي الكثير من الرجال في العالم العربي، ورأي الكثير من النساء أيضًا. تقول سارة 25 عامًا: “ليس من واجبي العمل، هذه مسؤولية زوجي في المستقبل، ما أبحث عنه هو أن أكون مدللة كما كنت في بيت أهلي، وكل طلباتي تصل إليّ”. وسعاد 32 تقول لمواطن: “مملكتي منزلي فقط، ولن أخرج منه لأصبح كالرجل”.
هذه عينة صغيرة جدًا من الآراء التي قالها نساء شاركت في الإجابة على السؤال على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد اعتبرن أن العمل خارج المنزل ليس من ضمن مسؤولياتهن وأنّ العمل فقط للرجال، وأنهنّ بالكاد يستطعن الانتهاء من أداء واجباتهنّ المنزلية وتدريس أطفالهن، وأن المرأة مكانها المنزل. وهذا ليس غريبًا قياسًا على الثقافة السائدة في مجتمعاتنا ونمط التربية التي يحصل عليها كلّ من الرجال والنساء على حدّ سواء.
ولكن هل هذا حقًا ما يجول داخلهن؛ ففي نهاية المطاف تشعر المرأة بأنّ دورها الاجتماعي ينمو؛ في حين تتضاءل هي، وأنّ إحساسًا بالنقص يسيطر عليها، والمخيف أنّ الزوج والأولاد وحياة الأسرة والجلسات النسائية الصباحية والاجتماعات العائلية لم تستطع سد هذا النقص؛ فالنقص الحاصل يخصّ كينونتها كإنسان فقط. فعبارة: “رح امشي وما حدا يعرف وين أراضيّ”، تتشارك بها أمهات الوطن العربي كله”. وعن هذا الشعور بالضبط تحدثت بيتي فريدان في كتابها اللغز الأنثوي.
مواضيع ذات صلة
وهذا ما تحدثت عنه الشاعرة نينا عامر لمواطن: “لا يمكن أن نسأل لماذا تعمل المرأة دون أن نتساءل لماذا يعمل الرجل؟ في رأيي، العمل واجب على كلّ فرد بالغ وعاقل وقادر جسديًا، سواء أكان رجلًا أو امرأة؛ فالاستقلالية المادية ضرورة للجميع، لأنها تعزز القدرة على الاعتماد على الذات وتحقيق الكفاية الشخصية”،
في مكان آخر، تعتبر الكثير من النساء أن عملهن في الخارج مِنّة لعائلاتهن، ويُقدِّمن هذا العمل على أنه تضحية منهنّ في حال شاركن بمصروفات المنزل، وهذا يثبت فعلًا أننا أمام أزمة أدوار حقيقية، لأنّ مثل هذه السلوكيات تضع إشارات استفهام كبيرة حول جدية المرأة، بتقديم نفسها كشريك حقيقي للرجل، وتجعلنا نتساءل: ماذا أضاف عمل المرأة لنضال النسويات في العالم إن كن سيتملصن من واجباتهن الأسرية، ومسؤولياتهن المادية تجاهها؟ مثلًا تعليقات النساء على فيديو “المؤثرة” إيمان عفيفي، والتي تشرح به إتيكيت دفع الحساب في المطعم، مؤكدة أن الرجل هو فقط من عليه الدفع. تأكد أن بعض النساء مازالت رغم تحررها الظاهري تعتقد بشكل أو بآخر أنها وطعامها ولباسها ومكياجها من مسؤوليات الرجل.
ترجع حواء عدم مشاركة المرأة أموالها إلى نقص ما، ناتج عن تربية غير صحيحة، ونظرة غير واضحة للمسؤولية التي تقع على عاتق المرأة؛ في العلاقة الزوجية الناجحة لا يوجد شيء اسمه (مالي أو ماله) في العلاقة الحقيقية، يجب أن يكون مالنا، لا أحد يحاسب الآخر أو يتعفف عن المشاركة.
وترى “نينا“ أنّ الآراء تختلف حول موضوع مشاركة المرأة مصاريف المنزل، ولكنها تعتقد أن المرأة المتزوجة التي تتحمل جزءًا كبيرًا من مصاريف المنزل قد تؤدي إلى تقاعس الزوج عن أداء مسؤولياته، مما قد يرهقها ويتسبب في اختلال التوازن داخل العلاقة، حين تتحمل المرأة عبئًا زائدًا، قد تطغى طاقتها الذكورية على أنوثتها، وهذا ما قد يؤثر سلبًا على العلاقة الزوجية. لذلك، إذا كنت امرأة متزوجة؛ فالأفضل لي أن لا ألتزم بتغطيات نفقات المنزل بشكل كامل؛ بل أقدم مساهمات، وفي حال كنت أعيش مع عائلتي فسأشعر بالمسؤولية تجاه المساهمة في المصاريف؛ خاصة إذا كنت أتمتع بوظيفة مستقرة وراتب جيد.
بناء على كل ما سبق، يظهر بوضوح أننا نعاني من فهم حقيقي وموضوعي لفكرة عمل المرأة كأحد مخرجات العصر الحديث؛ فإما أن نكون أمام استغلال حقيقي لها يجعلها المسؤول الأول عن كل حاجات المنزل، ليصبح العمل عبئًا لا يطاق، وإما أن نكون أمام عمل بالشكل الخارجي دون أي مساهمة فعلية في دعم اقتصاد الأسرة، وإما أن تمنع المرأة نهائيًا من العمل بحجج كثيرة. وفي كل الحالات ما زلنا كمجتمعات عربية، بحاجة إعادة النظر في الكثير من المفاهيم السائدة والتي نتوارثها عن أجدادنا دون أن نحدث أي تغييرات فيها لتتناسب مع طبيعة الحياة المعاصرة.