في مشهد يثير القلق بشأن حرية التعبير في البحرين، أصدرت المحكمة حكمًا بحبس الصحافي صالح العم لمدة عشرة أيام، على خلفية نشره مقاطع فيديو ينتقد فيها أداء أحد أعضاء مجلسٍ بلديٍ في المحافظة الشمالية. وجهت له تهم “إهانة موظف عام، السب والقذف، وإساءة استخدام الهاتف”، بناءً على شكوى رفعها عضو مجلس البلدية.
السلطات البحرينية تحبس الإعلامي صالح العم 10 أيام على ذمة التحقيق لانتقاده اذلال المواطن لحظة استلام أكياس القمامة. pic.twitter.com/w92N8Zcqii
— يوسف الجمري 🇧🇭 (@YusufAlJamri) November 29, 2024
لم تتوقف القضية عند هذا الحد؛ إذ أضافت الرئيسة التنفيذية لبلدية المحافظة الشمالية قضية أخرى ضده، تمخضت أيضًا عن حكم بالحبس لمدة عشرة أيام إضافية، ثم خفضت فيما بعد من قبل محكمة الاستئناف إلى العقوبة بأشغال يدوية. وعن الحالة القانونية للقضايا، توضح الابنة والمحامية دعاء العم، لمواطن: “في كلتا القضيتين، انتهت المحكمة إلى أن الأمر تعدى مسألة حرية التعبير والنقد وإبداء الرأي؛ بل وصلت العبارات المستخدمة للسب والقذف”.
وأضافت: “الحكم الأول بصدور حكم الاستئناف لم يكن قابلًا للطعن أمام محكمة التمييز خلال 30 يومًا، وفي حال عدم الطعن خلال هذه الفترة يصبح الحكم نهائيًا غير قابل للتغيير، كما أن القضية الثانية مؤجل نظر الاستئناف فيها حتى تاريخ 10 من ديسمبر/كانون الأول الجاري”.
توضيح بشأن حبس والدي الصحافي صالح العم!
— Wafa Alamm (@wafaalamm) November 30, 2024
جاء الحبس بحكم من المحكمة لمدة عشرة أيام وذلك على خلفية نشره مجموعة من الفيديوهات ينتقد فيها احد أعضاء مجلس بلدي الشمالية وادائه، متهما إياه بالتقصير.
العضو البلدي رفع قضية يتهمه فيها بإهانه موظف عام، والسب والقذف، واساءه استخدام الهاتف.… pic.twitter.com/qbaqvcUe82
وتثير هذه الأحكام تساؤلات حول هامش الحرية الممنوح للصحافيين والمواطنين في انتقاد أداء المسؤولين في المجال العام؛ خاصة أن العمل البلدي، كغيره من المواقع العامة، يجب أن يكون عرضة للرقابة والنقد، لما له من تأثير مباشر على حياة المواطنين. وما أثار انتقادات لدى بعض الناشطين على السوشيال ميديا، هو وضع “العم” في السجن مع مرتكبي الجرائم الجنائية؛ خاصة مع معاناته من أمراض مزمنة، تشمل مرض السكري وارتفاع ضغط الدم، ويتعرض بين فترة وأخرى لأزمات قلبية تهدد حياته.
قضية سجين الرأي صالح مهدي أحمد العم
— ALI AL HAJEE (@ELHAJEE) December 2, 2024
يُعرض غدًا الثلاثاء، 3 ديسمبر 2024، سجين الرأي العم أمام محكمة الاستئناف العليا للنظر في احدى القضايا المرفوعة ضده. يُذكر أن العم صدرت بحقه أحكام بالسجن لمدة 10 أيام لكل من القضيتين المرفوعتين ضده، على خلفية توجيهه انتقادًا مباشرًا للمسؤولين… pic.twitter.com/ByN6iiTRdC
وتوضح الابنة الأخرى لصالح العم لــ “مواطن”، وهي الصحافية والإعلامية وفاء العم، قائلة: “بعد سنوات طويلة لوالدي من العمل في الصحافة، مؤخرًا لم يعد يعمل في أي صحيفة، وأصبح صحفيًا غير ممارس، ويستخدم مواقع التواصل الاجتماعي لمواصلة نشاطه الصحفي، أو كمنصة للتعبير عن رأيه كناشط اجتماعي أيضًا، ويتناول من خلال الفيديوهات قضايا تخص الشأن العام والمجتمع، ومنها الفيديوهات التي حبس بسببها”.
وتتساءل: “كيف يتم سجن صحفي بالسجن إلى جانب مجرمين جنائيين في سجن الحوض الجاف؟ ويفترض أنه لا جرم على حديث أو نقد وإبداء رأي؟”، وتستكمل الحديث: “هنا الأمر لا يتعلق بوالدي؛ إنما بمسألة المحاسبة بحد ذاتها؛ فهذا الأمر فيه تأسيس لأعراف خطيرة، لأن الأمر لا يقتصر على منع انتقاد السلطة السياسية؛ وإنما أيضًا يمنع انتقاد مسؤولين في مؤسسات خدمية؛ بل ما هو أسوأ من ذلك؛ فإنك قد تتعرض للسجن لمجرد انتقادك لعضوٍ بلديٍ منتخبٍ، وهذا يُرسِّخ عُرفًا خطيرًا، والتأسيس لثقافة عامة تُفضي إلى سجن المنتقدين من المواطنين على يد شخصيات عامة، من المفترض أنها معنية بخدمة المواطنين بشكل مباشر، وبدلًا من أن يخشى المسؤول من انتقاد المواطن وأن يعمل على تحسين أدائه، يشعر بأنه يمكنه استخدام القانون لملاحقة مواطن مارس النقد”.
وتقول: “عدم قدرة عضو بلدي، تم انتخابه من الناس، أو حتى موظف عام في موقع المسؤولية على تحمل النقد -حتى لو اعتبره نقدًا شخصيًا- ودفعه باتجاه سجن مواطن لمجرد الانتقاد، يُعَدُّ أمرًا غريبًا وغير مقبول”.
بينما ترى أيضًا عدم توازن بين الفعل والعقوبة؛ “فليس من المنطقي، أنه إذا افترضنا أن النقد وُجِّه لأحد الموظفين أو المسؤولين، أن يكون النقد الذي هو فعل لفظي بحت، يقابَل بالسجن؛ لا يوجد توازن بين الفعل والعقوبة. فالسجن على رأي أو نقد يُعتبر إجراءً غير منطقي”.
وتختم حديثها: “إذا كانت هناك ضرورة لتنظيم هذه العملية؛ فليكن اقتصار العقوبات على الغرامات أو التعويضات، ولكن ليس على سجن المواطنين أو النشطاء في المجال العام لمجرد ممارستهم النقد.
وهناك تجارب كثيرة للعديد من الدول في هذا الشأن، وليس أمرًا جديدًا؛ خصوصًا أن مسألة النقد هي مسألة فضفاضة وواسعة، تتعلق بموقع الشخص المسؤول أو أدائه وليس بشخصه. ويجب أن نضمن ألا تُستخدم هذه الأعراف لتكميم أفواه المواطنين من قبل المسؤولين الذين يُفترض أن وظيفتهم خدمة المواطنين”.
فيما يعتبر الحقوقي البحريني، علي الحجي، أن واقعة توقيف صالح مهدي أحمد العم، الذي يصفه بـ “سجين الرأي”، على خلفية انتقاده للأداء الحكومي ليست حالة معزولة؛ بل تأتي في سياق سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها السلطات البحرينية ضد شخصيات عامة وناشطين، بسبب ممارسة حقهم المشروع في التعبير عن الرأي”.
ويضيف: “من الأمثلة الأخرى على هذا النهج، توقيف الأمين العام السابق لجمعية “وعد”، إبراهيم شريف، الذي واجه ملاحقات قضائية عدة بسبب تصريحاته الناقدة لأداء السلطات وسياساتها. إبراهيم شريف كان يدعو دائمًا إلى الإصلاح السياسي وتحقيق العدالة الاجتماعية، وهو ما جعله عرضة للمضايقات، بما في ذلك الاحتجاز على خلفية التعبير عن الرأي بطرق سلمية.
ويستطرد: “كذلك، شهدت البحرين مؤخرًا توقيف الناشط السياسي فاضل عباس، الذي اعتُقل بسبب انتقاداته الموجهة إلى أداء الحكومة، التي يرأسها نجل ملك البحرين. ويعرف فاضل عباس بمواقفه الجريئة ودعواته للإصلاح، إلا أنه وجد نفسه في مواجهة اتهامات تتعلق بانتقاده المباشر للسلطات، مما يسلط الضوء على البيئة السياسية المغلقة التي تُمارَس فيها السلطة دون تحمل النقد أو المساءلة”.
بينما اختلف مصدر قانوني فضل عدم ذكر اسمه؛ إذ يرى أن كل ذلك يدخل في منظور وجهة النظر، وما صدر من كلام صالح العم يراه البعض حرية، ويراه آخرون تجاوزًا، وأوضح المصدر: “شخصيًا أعتقد أنه في مرحلة ما قد تجاوزت بعض العبارات الحد وقد تكون جارحة لشخوصهم”.
وأشارت “مواطن” إلى واقعة توقيف فاضل عباس، الأمين العام السابق لجمعية التجمع الديمقراطي الوحدوي، في الـ 13 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على خلفية تغريدة طالب خلالها بضرورة الإصلاح السياسي بالبلاد، في تقرير بعنوان “اعتقال فاضل عباس”.. فصل جديد من قمع المعارضة وحرية التعبير في البحرين، كما أشارت من قبل إلى واقعة توقيف إبراهيم شريف إثر انتقاده سياسات الإنفاق الحكومي؛ في مارس/آذار الماضي.
ويعتقد الحجي أن “توقيف هؤلاء الناشطين وغيرهم، يعكس سياسة ممنهجة تستهدف إسكات الأصوات الناقدة في البحرين، مما يُثني المواطنين عن ممارسة حقهم في المطالبة بتحسين الخدمات أو مساءلة الحكومة. تُظهر مثل هذه القضايا استغلال قوانين فضفاضة؛ مثل تهم الإساءة للمسؤولين أو الإضرار بسمعة الدولة، كأدوات لإسكات المعارضين بدلًا من حماية الحقوق الأساسية”.
ويقترح: “من الضروري أن تعيد السلطات البحرينية النظر في هذه الممارسات، والالتزام بتعهداتها الدولية المتعلقة بحرية الرأي والتعبير؛ فاستمرار توقيف النشطاء والشخصيات العامة بسبب آرائهم، يعكس تراجعًا في احترام الحقوق والحريات الأساسية التي كفلتها المعاهدات الدولية والدستور البحريني”.
يقول الحقوقي البحريني، علي الحجي: "قضية صالح العم، إلى جانب إبراهيم شريف وفاضل عباس، وكذلك احتجاجات السجناء في سجن جو، كلها تؤكد الحاجة الملحة لإصلاح شامل في المنظومة القانونية والحقوقية في البحرين، بما يضمن احترام الحريات الأساسية وحقوق الإنسان"
وتعيش البحرين حالة من الجمود السياسي بداية من أعوام 2011 و2012 ، جراء الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت بالتوازي مع التظاهرات، والتي عرفت بالربيع العربي. وحظرت الحكومة البحرينية، ما بين 2012 و2017، جمعية الوفاق، التي تُعدّ حزبًا سياسيًا بقيادة شيعية، وحققت أكبر نجاح انتخابي من أي حزب آخر في ظل الدستور البحريني الحالي. وحزب المُعارَضة أمل، الذي كان ينافس جمعية الوفاق على كسب أصوات الناخبين الشيعة، وجمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد). كما مُنِع أعضاء هذه الأحزاب السياسية من تقلُّد أي مراكز قيادية لدى منظمات المجتمع المدني.
وفي يونيو/حزيران 2017، تاريخ إغلاق السلطات صحيفة الوسط المستقلة، أصبحت جميع القنوات التلفزيونية ومحطات الراديو والصحف في البلاد؛ إما موالية للحكومة، أو خاضعة مباشرةً لإدارتها. حد وصف منظمة العفو الدولية.
وهو ما يؤكده الحجي قائلًا: “تعيش البحرين جمودًا سياسيًا مستمرًا منذ أحداث الربيع العربي، مما أدى إلى تضييق كبير على الحريات العامة وتصاعد القمع ضد المعارضة. ساهم هذا الوضع السياسي المتأزم في بقاء المئات من السجناء السياسيين، بمن فيهم قادة المعارضة والمدافعين عن حقوق الإنسان، داخل سجن جو المركزي. ويُذكر أن عدد السجناء السياسيين في البحرين حتى الآن يبلغ حوالي 460 سجينًا”.
ويضيف: “منذ مارس الماضي، يشهد سجن جو احتجاجات لعشرات السجناء السياسيين، الذين يطالبون بإطلاق سراحهم. بدأت هذه الاحتجاجات بعد وفاة أحد السجناء السياسيين نتيجة الإهمال الطبي؛ ما أثار موجة من الغضب داخل السجن وخارجه. هذه الاحتجاجات تسلط الضوء على الظروف القاسية داخل السجن، وعلى مطالبات السجناء بتحقيق العدالة واحترام حقوقهم الأساسية”.
وهو ما يقودنا إلى أن “قضية صالح العم، إلى جانب إبراهيم شريف وفاضل عباس، وكذلك احتجاجات السجناء في سجن جو، تؤكد كلها الحاجة الملحة لإصلاح شامل في المنظومة القانونية والحقوقية في البحرين، بما يضمن احترام الحريات الأساسية وحقوق الإنسان”. حسبما ختم الحقوقي البحريني حديثه.