إذا قررت الذهاب في رحلة عمرة؛ فيُمكنك البحث على شبكة الإنترنت، وحينها ستجد إعلانات وعروضًا لعدة شركات؛ منها شركات مُرخصة وأخرى كيانات غير شرعية، أو تتقدم للشركة بناءً على ترشيح من أحدهم، ولكن حين تصل إلى المملكة العربية السعودية، قد تُفاجأ بأن ما تم الاتفاق عليه داخل مصر كان مجرد”وهم” أو غير حقيقي؛ فقد تتعرض للخداع والاحتيال من قبل هذه الشركات وتخسر آلاف الجنيهات التي سددتها.
اختلاف أسعار رحلات العمرة ووجود وسطاء (سماسرة)، دائمًا ما ينتج عنه حدوث مشكلات في تنفيذ البرامج المتفق عليها مُسبقًا، وهُنا تبدأ معاناة المعتمرين المصريين داخل السعودية مع الشركات؛ خاصة الكيانات غير الشرعية أو غير المرخصة، وسط محاولات وزارة السياحة السيطرة عليها بتوجيه العقوبات وسحب التراخيص. رصدت مواطن عدة حالات تعرضت للاحتيال من قبل شركات العمرة عند الوصول إلى السعودية، وتواصلت معها لسرد معاناتهم مع هذه الشركات.
يؤكد محمد هلال، مدير التشغيل بأحد الفنادق بمكة المكرمة، على وجود العديد من السلبيات بسبب بعض شركات العمرة؛ منها حدوث تغتير في مستوى الفنادق؛ سواء أكان في مكة أو المدينة، فضلًا عن غياب المناديب عن المعتمرين بمجرد وصولهم إلى الفندق.
ارتفعت العام الحالي أسعار رحلات وبرامج العمرة في مصر عن السنوات الماضية، لتبدأ من 29 ألف جنيه “580 دولار” لبرنامج الـ 15 يومًا للمستوى الاقتصادي، وتزيد تدريجيًا للأعلى حسب مستوى الفنادق وعدد الأسرّة داخل الغرفة، ومدى قرب الفندق من الحرم المكي، كما يتنوع السعر حسب برنامج الشركة؛ سواء أكان بنظام الترانزيت أو الـ 10 أيام ،أو حتى 15 يومًا.
"كسبتوا" رحلة عمرة مجانًا
مكالمة هاتفية” انتوا كسبتوا معانا رحلة عمرة مجانًا، شرفينا في المكتب وهتعرفي أكتر”؛ هذه هي الطريقة التي استقطبت بها إحدى شركات والحج والعمرة بمحافظة القاهرة د. سارة السباعي، أخصائية النساء والتوليد، للاشتراك في رحلة عمرة برفقة زوجها، مع إلزامهما بدفع مبالغ مالية بالتقسيط رغم الإخلال ببنود الاتفاق، ولم تجد أمامها سوى كتابة منشور على فيسبوك في إحدى مجموعات العمرة، وكانت سببًا في التوصل إليها لسرد قصتها مع الشركة.
بالتواصل مع الطبيبة، تقول لمواطن: “بعد تلقي المكالمة الهاتفية من الشركة برحلة العمرة، انتقلت إلى مقر الشركة للتأكد من فحوى هذه المحادثة، لكن تغير الحديث، وردت الشركة بضرورة دفع مبلغ 36 ألف جنيه لأحد المشتركين بنظام التقسيط والآخر مجانًا، مع إمكانية مشاركة شخص ثالث معهم كهدية من الشركة بدون مقابل، بشرط الاشتراك في نفس اليوم، نافية تمامًا أن تكون الرحلة مجانية بالكامل كما ذكرت مندوبة الشركة في المكالمة الهاتفية”.
واستكملت: “تم الاشتراك بالفعل في رحلة العمرة مع هذه الشركة بنظام التقسيط لقرابة العام ونصف العام، وتم دفع المبلغ بالكامل قبل السفر، وتم تحديد موعد الرحلة والاتفاق على البرنامج، على أن تكون الإقامة في فنادق 5 نجوم في مكة والمدينة، ولكن حدث ما هو غير متوقع داخل المدينة المنورة؛ فهو أقل في المستوى والنظافة، ولا يرقى حنى لـ ثلاث نجوم”.
اعترضت طبيبة النساء وتحدثت مع مُشرف الرحلة بضرورة إيجاد حلول، أو رد جزء من المبلغ بعد تغيير الفندق، ولكن رد المُشرف بعدم وجود أماكن للحجز والإقامة في المدينة المنورة، مبررًا وجود الزحام في هذه الفترة من العام، ورد قائلًا: “معلش وحقك علينا، وإن شاء الله المسامح كريم”.
اختفاء المُشرف وتغيّر البرنامج
عقب رحلة عمرة عصيبة، قرر عماد حمدي، محاسب شركة الكهرباء نشر تجربته مع الشركة على “فيسبوك” في إحدى مجموعات العمرة والحج، لتحذير المواطنين من التعامل مع هذه الشركة.
معاناة محاسب الكهرباء بدأت حين قرر الذهاب إلى العمرة برفقة زوجته، اتفق مع إحدى الشركات بمحافظة القاهرة على برنامج الرحلة لمدة 15 يومًا، مع شركة طيران محددة بسعر 36 ألف و500 جنيه لكل فرد (730 دولار)، ثم فوجئ بشركة طيران أقل في المستوى، والانتظار لأكثر من 6 ساعات قبل موعد الإقلاع، وبعد الوصول إلى مكة بيوم واحد قررت الشركة تغيير البرنامج المتفق عليه، والذهاب إلى المدينة رغم رفض المعتمرين، والمكوث بها لقرابة اليومين ثم عادوا إلى مكة مرة أخرى.
"المشكلة الكبرى كانت عند الوصول إلى مكة بملابس الإحرام، توجهنا إلى الفندق لاستلام الغرف مساءً، لكن فوجئنا بغير المتوقع؛ الغرفة بها 9 أشخاص وليس 4"
ومع استلام الغرف في الفندق داخل مكة، فوجئ بزيادة عدد المعتمرين في الغرفة لـ خماسي بدلًا من رباعي لزوجته، حاول البحث عن مُشرف الرحلة لكنه اختفى نهائيًا ولم يؤد مناسك العمرة معهم، ولم يقم بتنفيذ خطة المزارات الدينية؛ سواء أكان في مكة أو المدينة كما هو متفق عليه. قال: “مُشرف الرحلة اختفى، لا يحضر معانا مناسك العمرة ولا ودانا مزارات إطلاقًا، كان وعدنا ببرنامج، لكن أخلف وعده وفوجئنا بالعودة على نفس شركة الطيران غير المُتفق عليها، وانتظرنا لحوالي 8 ساعات بعد تأجيل موعد الرحلة”.
باعت "ذهبًا" من أجل العمر
اختارت هاجر توفيق، والتي تعمل مُعلمة، شركة العمرة داخل محافظة الأقصر عقب بحث طويل على الإنترنت، وقامت ببيع “ذهب” من أجل الذهاب إلى رحلة العمرة، وتم الاتفاق مع الشركة على البرنامج بالكامل، وأهمها عدد المعتمرين في الغرفة على يكون 4 فقط، تم دفع سعر رحلة 34 ألف جنيهًا “680 دولار”.
تستكمل المُعلمة: “عقب العودة من المدينة إلى مكة والتوجه إلى الفندق للراحة، كانت المفاجئة؛ غرفة ضيقة للغاية بها 5 أسرّة متلاصقة لا 4، والتهوية منعدمة تقريبًا، وبعد مناقشات حادة وعدة اتصالات مع مسؤولي الشركة في مصر، وعدوا بتغيير الغرفة، ولكن ليس قبل اليوم الثاني، بالفعل تم تغيير الغرفة مع إجبارنا على الإقامة بنفس العدد غير المُتفق عليه في البرنامج”.
سوء ماحدث من تنظيم في البرنامج أثر عليها وعلى صديقتها المرافقة لها، دون مراعاة احتياجات الـ 5 معتمرين لدخول دورات المياه، أو استخدام مبرد الطعام، أو المرور في الغرفة خلال الـ 10 أيام، قالت: “أخشى أن أكون أضعت عمرتي بسبب ما حدث من توتر و نقاشات حادة”.
تسعة أشخاص في الغرفة بدلًا من أربعة
القدر الأكبر من المعاناة كان من نصيب أحمد بهلول، موظف السكك الحديد بمحافظة أسوان ونجله ياسين ذي الـ 4 سنوات؛ حيث اتفق على الرحلة بقيمة 34 ألف و500 جنيه (690 دولار)، مع الاتفاق على السفر من مطار أسوان، وعدد المعتمرين في الغرفة 3 أو 4 أشخاص، لكن الاتفاق تغير نهائيًا ليقضي رحلته في معاناة مع طفله الصغير.
يقول بهلول، لمواطن: “تم وضعنا أمام الأمر الواقع وإجبارنا على السفر من مطار الأقصر، والذي يبعد عن أسوان قرابة الـ 5 ساعات، فضلًا عن الانتظار داخل المطار 5 ساعات أخرى، ثم وصلنا إلى جدة، وتحركنا بواسطة الحافلة إلى المدينة المنورة، وهناك فوجئنا بوجود 5 أشخاص داخل الغرفة لا كما اتفقنا، ولكن حاولنا التأقلم لحين المغادرة إلى مكة”.
ويستكمل: “المشكلة الكبرى كانت عند الوصول إلى مكة بملابس الإحرام، توجهنا إلى الفندق لاستلام الغرف مساءً، لكن فوجئنا بغير المتوقع؛ الغرفة بها 9 أشخاص وليس 4”. ويضيف: “كان الوضع شديد الصعوبة، تحدثت مع مشرف الرحلة فقال هذه ليست مشكلتي، تواصلت مع مدير الشركة في الأقصر؛ فقال لي نصًا “المشكلة مش عندى ده مشكلة الراجل اللي أخد منك الجوازات”. وأضاف: “قضينا رحلة العمرة في ضغوط نفسية وجسدية في غرفة بها 9 أفراد، لا تتسع لسوى لـ 5 أفراد، افترش أغلبهم الأرض للنوم!، حتى إنني لم أستطع إدخال ابني دورة المياه، واضطر للنزول إلى الاستقبال ليقضي حاجته!”.
غياب المناديب و"سمسرة" الشركات
يؤكد محمد هلال، مدير التشغيل بأحد الفنادق بمكة المكرمة، على وجود العديد من السلبيات بسبب بعض شركات العمرة؛ منها حدوث تغتير في مستوى الفنادق؛ سواء أكان في مكة أو المدينة، فضلًا عن غياب المناديب عن المعتمرين بمجرد وصولهم إلى الفندق، حتى إن المعتمرين لا يجدونه حين يبحثون عنه.
يوضح مدير التسكين أن بعض الشركات تستطيع كسب أرباح مضاعفة من برنامج الرحلة؛ إما بإلغاء ليلة أو ليلتين من البرنامج، أو حجز عدد غرف أقل وضغط المعتمرين في الفندق دون مراعاة للاتفاق المسبق، وقد يتم حجز الغرف في وقت متأخر من موعد وصول المعتمرين للفندق، رغم علمهم مسبقًا بموعد الوصول، ويضطر المعتمر للمكوث في الفندق لـ7 أو 8 ساعات لحين بدء عمليات التسكين.
وألقى عمرو المليجي مدير شركة الأوائل للسياحة، اللوم على بعض الفنادق لتغيير الاتفاق السابق للحجز وعدم وجود غرف عند الوصول، وتضطر الشركة حينها لتغيير الفندق والبحث عن بديل بنفس المستوى أو مستوى أعلى، مع تحمل النفقات الزائدة من حسابها الشخصي.
أرجع مدير الشركة السبب في تغيير الاتفاقات إلى بدء انتشار ظاهرة “سمسرة” الشركات غير المرخصة؛ حيث بدأت تستحوذ على الفنادق وتأخذ أدوارًا كاملة في الفنادق بأسعار مرتفعة، ويقوم الأخير بأعمال السمسرة والتجارة بهذه الأسعار وبيعها لشركات أخرى بأسعار أعلى، محققًا مكاسب كبيرة، وتضطر الشركة المتفقة على سحب الحجز والبحث عن حلول أخرى.
إنشاء "لجنة" للسيطرة على الشركات
واتفق أحمد زكي مدير مجموعة “راما الفندقية” في المملكة العربية السعودية، مع سابق حدوث بعض المشكلات من قبل بعض الشركات، لكنها انخفضت عن السابق نتيجة لشدة صرامة النظام السعودي، حتى إن وزارة الحج والعمرة السعودية أجبرت جميع الفنادق على وضع لوحة تحمل أرقام اتصال مع وزارة الحج، لتقديم الشكاوى ضد الفندق أو الشركة في حال حدوث مشكلات.
ويتابع: “تم تقديم اقتراح لوزارة السياحة المصرية بتكوين لجنة من قيادات الوزارة للسيطرة على تلك الشركات، مع تزايد أعدادها خلال السنوات الماضية، وتوجيه عقوبات للشركات المخالفة، لكن هذا الاقتراح لم تتم الموافقة عليه حتى اليوم”.
وثيقة حقوق المعتمرين بوزارة الحج والعمرة السعودية
أصدرت وزارة الحج والعمرة داخل المملكة العربية السعودية، وثيقة إلكترونية بعدة لغات، ونُشرت عبر موقعها الرسمي على الإنترنت، لتعريف المعتمر بحقوقه وواجبات الشركات تجاهه، تضم عدة بنود؛ منها مسؤولية شركة العمرة عن توفير كافة الخدمات في برنامج المعتمر؛ سواء أكان السكن أو النقل، وفق المواصفات والكميات والفترات الزمنية المتعاقد عليها، ومعالجة أي قصور فيها بدون تحميل المعتمر أي تكاليف إضافية.
تضمنت الوثيقة ايضًا مسؤولية شركة العمرة عن التحقق من جاهزية الخدمات المتعاقد عليها مع المعتمر قبل قدومه للمملكة، ومسؤولية شركة العمرة عن ترتيب إجراءات المغادرة عبر المنافذ الجوية بما يضمن وصول المعتمرين في الأوقات المعتمدة قبل موعد إقلاع الرحلات.
أقرت الوثيقة بحق المعتمر في اللجوء للجهات الأمنية في حال مواجهة المعتمر أية إشكاليات تستدعي ذلك خلال فترة إقامته، ويمكنه التواصل مع الوزارة عبر وسائل التواصل المعتمدة “بريد إلكتروني – sa.gov.haj@mohcc ، الرقم الموحد” 00966920002814 “على مدار أيام الأسبوع.
غرفة شركات السياحة تُعلن: لا شكاوى خلال آخر شهرين
ويؤكد وليد خليل رئيس اللجنة القانونية بغرفة شركات ووكالات السفر والسياحة المصرية، وعضو اللجنة العليا للحج والعمرة، على عدم وجود شكاوى ضد شركات العمرة المرخصة خلال الشهرين الماضيين من العام الحالي، مستعرضًا أبرز المخالفات التي قد تحدث من بعض الشركات ضد المعتمر، منها تغيير مستوى الفندق من المستوى المرتفع إلى الاقتصادي، وخفض عدد أيام رحلة العمرة، أو عدم وجود حافلة لنقل المعتمرين كما هو مُتفق عليه في برنامج الشركة مع المعتمر .
كيف يحصل المعتمر على حقوقه؟
رئيس اللجنة القانونية بغرفة شركات ووكالات السفر يوضح، لـمواطن: “يجب على كل مُعتمر معرفة كيفية حفظ حقوقه أثناء الاتفاق مع شركة العمرة، منعًا لاستغلاله من بعض الشركات، وأهمها تسجيل استمارة حجز الرحلة مع الشركة والتوقيع عليها، والاطلاع على العقد المُبرم بينه وبين الشركة يتضمن برنامج الرحلة، كما يُمكن الاطلاع على العقد الإلكتروني الموجود على بوابة وزارة السياحة المصرية”.
مؤكًدا على جدية القانون المصري حال ثبوت مخالفات من قبل إحدى الشركات، وتوقيع عقوبات على هذه الشركات حسب نوع المخالفة؛ بدءًا من لفت نظر وحتى إلغاء أو سحب ترخيص شركة السياحة، موضحًا الإجراءات التي يجب القيام بها حال وجود شكوى ضد إحدى الشركات. وعقب عودة المعتمر من رحلة العمرة يمكنه تقديم الشكاوى عبر الخط الساخن لوزارة السياحة المصرية، أو الذهاب بنفسه لمقر الوزارة وتقديم شكوى يدويًا، ومن ثم تقوم الشركة ببدء التحقيق الفوري في الشكوى المُقدمة.
أصبحت رحلات العمرة -للأسف- في بعض الحالات مصدرًا للمعاناة بسبب سوء التنظيم واستغلال بعض الشركات غير المرخصة. ومع تزايد الشكاوى، يبقى الأمل معقودًا على تكاتف الجهات المعنية لضمان حفظ حقوق المعتمرين، وتطبيق رقابة صارمة على سوق العمرة. وحتى يتحقق ذلك، يبقى على المواطنين التحري والتأكد من مصداقية الشركات قبل التعاقد، حفاظًا على أموالهم وتجربتهم الإيمانية.