دعا “الجولاني”، حكومات غربية مثل حكومة الولايات المتحدة، إلى إزالة هيئة تحرير الشام من قائمة الإرهاب حتى تتمكن سوريا من إعادة البناء.
يقود أحمد الشرع، المعروف بأبي محمد الجولاني، هيئة تحرير الشام التي أطاحت ببشار من السلطة، مما أنهى حكم عائلة الأسد التي حكمت البلاد بقبضة من حديد على مدار أكثر من خمسة عقود. وبعد هجوم خاطف استمرّ 11 يومًا، تمكّنت فصائل معارضة بقيادة هيئة تحرير الشام من دخول دمشق في الــ 8 من ديسمبر، وإنهاء حكم عائلة الأسد الذي استمر أكثر من نصف قرن وعُرف بالقمع الوحشي.
فكيف ستتعامل الولايات المتحدة مع هيئة “تحرير الشام” التي تصنفها “إرهابية”، وزعيمها، أبي محمد الجولاني/ أحمد الشرع، الذي وضعته من قبل على لائحة الإرهاب؟ وما مصير “قانون قيصر” الذي فرضته على نظام الرئيس السابق، بشار الأسد؟
تساؤلات رافقت وصول الهيئة إلى “سدة الحكم في سوريا”، ويجيب عنها مسؤولون ومختصون أميركيون.
إزالة من "قوائم الإرهاب"؟
عام 2013، أدرجت الولايات المتحدة “الجولاني”، على قائمة الإرهابيين، وقالت إن تنظيم القاعدة في العراق كلفه بالإطاحة بنظام، بشار الأسد، وفرض الشريعة الإسلامية في سوريا. وأكدت أن جبهة النصرة التي انبثقت عنها هيئة تحرير الشام، نفذت هجمات انتحارية قتلت مدنيين وتبنت رؤية طائفية تتسم بالعنف.
بعدها أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض على الجولاني. كما يخضع عدد من أعضاء هيئة تحرير الشام أيضًا لعقوبات الأمم المتحدة” مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة. ومنذ مايو 2014، أُدرجت هيئة تحرير الشام على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي القاعدة وداعش، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.
سوف تتخذ إدارة بايدن خطوات فعلية قريبة "لرفع هيئة تحرير الشام والجولاني من لائحة الإرهاب"، وسوف تتعامل واشنطن مع السلطات السورية الجديدة، بعد الانفصال عن "التنظيمات الإرهابية مثل داعش والقاعدة".
مساعد وزير الدفاع الأميركي الأسبق وكبير الباحثين في مركز التقدم "لاري كورب"
وفي تصريحات لـ”مواطن”، يكشف المتحدث باسم الخارجية الأميركية، سامويل وربيرغ، عن “مراجعة الولايات المتحدة لتصنيفها هيئة تحرير الشام كتنظيم إرهابي”. ويشير المتحدث باسم الخارجية الأميركية، إلى “رسائل وأقوال إيجابية” من هيئة تحرير الشام، لكن واشنطن تنتظر “الأفعال”، ولديها الإمكانية لـ”التواصل المباشر أو غير المباشر” مع كل الأطراف داخل سوريا، بهدف دعم الشعب السوري والتحول الديمقراطي في البلاد.
كما يؤكد وربيرغ، أن واشنطن تركز حاليًا على “دعم الشعب السوري في هذه المرحلة الهشة والانتقالية، لتشكيل حكومة جديدة توفر كافة الخدمات الأساسية للسوريين”. ويضيف أن واشنطن تتابع كافة التطورات اللحظية في سوريا، وتنسق مع الدول المجاورة لسوريا، وخاصة لبنان والأردن والعراق وتركيا وإسرائيل، لـ”ضمان عدم وجود تهديدات من داخل الأراضي السورية لتلك الدول”.
وفي سياق متصل، يشير مساعد وزير الدفاع الأميركي الأسبق وكبير الباحثين في مركز التقدم، “لاري كورب”، إلى “رغبة بعض أعضاء الكونغرس في تقديم الدعم لهيئة تحرير الشام وإزالة الجولاني من قائمة الإرهاب”.
ويؤكد كورب لـ” مواطن”، أن إدارة بايدن سوف تتخذ خطوات فعلية قريبة “لرفع هيئة تحرير الشام والجولاني من لائحة الإرهاب”، وسوف تتعامل واشنطن مع السلطات السورية الجديدة، بعد الانفصال عن “التنظيمات الإرهابية مثل داعش والقاعدة”. كما يرى أن إدارة بايدن سوف تتخذ الخطوات الأولى، و”التعامل وتقديم الدعم للحكومة السورية الجديدة”، ما يمثل “تغييرًا كبيرًا” بالسياسة الأميركية. وسوف تستكمل إدارة الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، “الخطوات اللاحقة”، من أجل الحفاظ على مصالح واشنطن وحلفائها بالمنطقة، وفق مساعد وزير الدفاع الأميركي الأسبق.
ومن جانبه، يؤكد المحلل السياسي وعضو الحزب الديمقراطي الأميركي، مهدي عفيفي، وجود “تنسيق” بين الإدارة الأميركية والفصائل المسلحة بسوريا، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام. كما يشير إلى وجود “تغيير كبير” في تعاطي الولايات المتحدة مع هيئة تحرير الشام؛ في ظل “توجه قائم” برفع الهيئة وقيادتها من “قوائم الإرهاب”، وفق تصريحاته لـ”مواطن”.
ماذا عن "قانون قيصر"؟
في عام 2014، كشف مصور سابق في الشرطة العسكرية، ويستخدم الاسم المستعار “قيصر”، صورًا لجثث أشخاص تعرضوا للتعذيب في مراكز اعتقال في سوريا، التُقطت بين العامين 2011 و2013.
تمكن قيصر من مغادرة البلاد وبحوزته 50 ألف صورة مرعبة، وتحمل صور جثث تظهر عليها آثار وحشية للتعذيب الذي تعرضوا له، وبعض هذه الجثث بلا عيون، ومعظمها عارٍ أو بملابس داخلية.
دفعت تلك الصور إلى إقرار قانون أميركي يسمى “قيصر”، وفي عام 2019 وافقت أغلبية الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الكونغرس، على القانون، ووقعه الرئيس الأميركي حينها، دونالد ترامب، ودخل القانون حيز التنفيذ في يونيو 2020، ليمنح الإدارة الأميركية آلية واسعة النطاق لـ”تشديد الخناق الاقتصادي على النظام السوري وقتها، وينص على تجميد مساعدات إعادة الإعمار”.
ويفرض القانون عقوبات مالية مشددة على أي كيان أو شركة يتعامل مع النظام السوري، وتنطبق العقوبات على الأعمال التجارية في سوريا وأي مواطن يتعامل مع سوريا أو الكيانات الروسية والإيرانية في سوريا.
كما أقر مجلس النواب الأميركي، الأربعاء الماضي، قانون تفويض الدفاع الوطني، ويتضمن تمديد عقوبات “قانون قيصر”، حتى عام 2029.
ومن جانبه، يؤكد المتحدث باسم الخارجية الأميركية، أن الولايات المتحدة “تدرس بالفعل مراجعة العقوبات المفروضة على سوريا”.
وتعتبر واشنطن أن “العقوبات والتصنيفات” وسيلة لـ”الضغط على دولة لتغيير سلوكها”، وتراجع الولايات المتحدة حاليا أيضًا العقوبات على السلطات السورية، أو ما يعرف بـ”قانون قيصر”، بعد سقوط نظام بشار الأسد، وفق وربيرغ.
تشير بعض التقديرات الأولية إلى أن تكاليف إعادة الإعمار قد تتجاوز تريليون دولار، بينما تذهب تقديرات أخرى إلى أن تكلفة إعادة إعمار البلاد تصل إلى حوالي 300 مليار دولار، ما يجعل الدعم الدولي والإقليمي أمرًا بالغ الأهمية
وفي سياق متصل، يتحدث عفيفي، عن توجه أميركي جديد بالسماح بـ”تدفق الاستثمارات” إلى سوريا لـ”دعم الاستقرار بالبلاد”، وإلغاء تطبيق العقوبات تدريجيًا على حكام دمشق الجدد”.
ويرى عضو الحزب الديمقراطي، أن إدارة بايدن ستبدأ في “الرفع التدريجي لبعض العقوبات”، على أن تستكمل إدارة ترامب، بقية خطوات “التقارب مع السلطات السورية الجديدة، ورفع المزيد من العقوبات”.
ويشدد عفيفي على أن واشنطن ستقوم بدعم “التغيير الديمقراطي في سوريا”، للحفاظ على مصالحها في منطقة الشرق الأوسط.
هل من فرص لإعادة الإعمار؟
لا توجد أرقام “دقيقة” عن تكاليف إعادة إعمار سوريا التي تعرضت لدمار كبير خلال 14 عامًا من الحرب الأهلية. لكن بعض التقديرات الأولية تشير إلى أن تكاليف إعادة الإعمار قد تتجاوز تريليون دولار، وهو مبلغ ضخم يعكس حجم الدمار الذي تعرضت له البلاد. بينما تذهب تقديرات إلى أن تكلفة إعادة إعمار البلاد تصل إلى حوالي 300 مليار دولار، ما يجعل الدعم الدولي والإقليمي أمرًا بالغ الأهمية، بحسب تقرير “فيتش سوليوشنز”.
قال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، جير بيدرسن، لمجلس الأمن الدولي الثلاثاء الماضي: “إن التحرك الملموس نحو انتقال سياسي شامل في سوريا، سيكون مهمًّا لضمان حصول البلاد على الدعم الاقتصادي الذي تحتاجه”. وأضاف: “هناك استعداد دولي واضح للمشاركة، الاحتياجات هائلة ولا يمكن معالجتها إلا بدعم واسع النطاق، بما في ذلك إنهاء سلس للعقوبات، واتخاذ إجراءات ملائمة بشأن تصنيف (الجماعات) أيضًا، وإعادة الإعمار الكامل”.
وقدم بيدرسن ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، توم فليتشر، إحاطة لمجلس الأمن الدولي من دمشق؛ حيث التقيا بقادة البلاد الجدد.
كما ناشد توم فليتشر وكيل الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية جميع الدول ضمان “عدم إعاقة العقوبات وتدابير مكافحة الإرهاب للعمليات الإنسانية” في سوريا. وقال للمجلس إن “سوريا كانت بالفعل واحدة من كبرى الأزمات الإنسانية في العالم؛ إذ يحتاج 17 مليون شخص، أكثر من 70% من السكان، لا يقتصر بأن رفع العقوبات يمكن استخدامه وسيلة ضغط لضمان وفاء السلطات السورية الجديدة بالتزاماتها.