يتفرد قطاع العقارات في عُمان عن غيره من دول الخليج باستقرار لافت في الأسعار؛ خاصة وأن هذا الاستقرار متواصل منذ ما بعد أزمة 2008 الشهيرة، والتي سببت هزة في أغلب الأسواق العالمية.
ومن الغريب أن تظل قيمة الإيجارات في مسقط على سبيل المثال تكاد تقارب قيمتها في دبي الأغلى خليجيًا في المستوى العام، وتظل دون مرونة بالنقصان أو الزيادة طوال السنوات الماضية، ودون تأثر بأية متغيرات.
أما على مستوى البيع والشراء؛ فقد تميزت السلطنة أيضًا عن سائر دول الخليج باستقرار مع مرونة بسيطة لا تكاد تُحَس، وبقي سعر المتر المربع يتراوح ما بين 450 إلى 1300 ريال عماني في مراكز المدن و300 إلى 600 ريال عماني في مناطق خارج المدن والمناطق الريفية، بينما تختلف أسعار العقارات بحسب موقع العقار، مساحته، الخدمات المقدمة في المنطقة، الخدمات الداخلية للبناء، حالة العقار (مفروشًا أو غير مفروش) والحالة العامة للعقار.
هذا عن الوضع العام، لكن خارطة القطاع العقاري بالسلطنة تتميز كذلك بسيطرة شبه تامة للشركات الكبرى على أغلب مشاريع التطوير العقاري بشكل عام؛ خاصة تلك التي تقع في مدن مركزية ومناطق عالية الجودة، بينما يكتفي الأهالي بالبناء بشكل فردي للبيوت والشقق معتمدين على القروض البنكية، وعلى رأسها تلك التي يمنحها بنك الإسكان، ما يخلق مشاكل أخرى تتعلق بأعباء القروض وطرق السداد التي تكبل الكثير من العمانيين ويضجون منها بالشكوى.
وبين البيع والإيجار، لا يجد المواطن محدود الدخل أو الوافد (نسبة الوافدين في السلطنة 43%) سوى أن يبحث عن بدائل أرخص في مناطق شعبية ومدن بعيدة.
الكلّ يعاني
يقول حارب الفارسي، مدير شركة، لـ “مواطن” أن كلمة عقارات صارت تصيب المواطن بالغضب كلما تذكرها أو سمعها؛ فليس فينا من لم يعانِ من أزمة العقارات؛ سواء أكان صاحب أرض وتورط في البناء المكلف جدًا، والقروض التي تزيد الأعباء، أو مستأجرًا يضطر لدفع ما يوازي نصف أو ثلث راتبه إيجارًا شهريًا كي يجد ما يأويه وأسرته.
أسعار الأراضي السكنية في جميع الأحوال لا ترتفع عبثًا، لأن العقار السكني مرتبط بشكل مباشر بأنظمة التمويل؛ فليس بالإمكان أن يرتفع العقار السكني عشوائيًا، لأن المطور العقاري أو المستثمر يسعى عند بنائه الشقة أو الفيلا أو حتى المجمع السكني إلى بيعها
يضيف “حارب”: المعاناة متجسدة بشكل كامل في مسقط والمدن الكبيرة؛ مثل صحار وصلالة ونزوى؛ حيث تزيد الكثافة السكانية للعمانيين والوافدين، ولهذا فمن الصعوبة بمكان أن تحصل على شقة إيجارًا متوسطة المساحة بأقل من 200 ريال، وتكون في مناطق سكنية جديدة وبعيدة عن مقار العمل، يحدث ذلك رغم ما نشهده من مشاريع متواصلة لبناء مدن جديدة فاخرة وسياحية، وبالطبع فالأسعار فلكية؛ سواء أكان للبيع أو الإيجار، وبعضها يمكن أن يظل مغلقًا حيث لا تجد الشركات العقارية كثيرين يمكنهم تحمل هذه القيمة، لكن تظل بلا مرونة ولا احتمالات للتراجع أمام قلة الإقبال.
وعن الشراء والبيع، يقول وليد ع ، خبير عقاري لـ “مواطن”: “إن السوق العقاري لم تنخفض أسعاره إلى الآن، ونحن كعقاريين نستشعر التأثر السلبي للعقارات عندما يكون المعروض من الأراضي المميزة، أو البنايات مستمر لفترات طويلة دون إقبال؛ سواء أكانت تجارية أو سكنية، وهو أمر يظهر عادة على فترات متباعدة، ومع استمرار عرض العقار لفترة طويلة ندرك أن الخطر بات محدقًا، ويعكس ذلك أن هناك تخوفًا في السوق، وأن الناس بدأت تحافظ على النقد أكثر من الأصل”.
وأضاف أن أسعار الأراضي السكنية في جميع الأحوال لا ترتفع عبثًا، لأن العقار السكني مرتبط بشكل مباشر بأنظمة التمويل؛ فليس بالإمكان أن يرتفع العقار السكني عشوائيًا، لأن المطور العقاري أو المستثمر يسعى عند بنائه الشقة أو الفيلا أو حتى المجمع السكني إلى بيعها، وفي حقيقة الأمر قد يصل إلى أكثر من 95% من المشترين يشترون عن طريق التمويل، وهذا التمويل من الطبيعي أن يكون له حدود، وسقف معين.
البنك هو المالك الأصلي!
وعلى سبيل المثال، نشرت إحدى الصحف العمانية على مواقع التواصل الإجتماعي خبرًا يقول إن السلطنة تحتل المركز الأول من بين دول الخليج من حيث تملك المواطنين للمنازل بنسبة تفوق 91%، وهو ما نكأ جراح الكثيرين، ولهذا جاءت التعليقات كالتالي:
تقول شيخة: المواطن يبني من عرق جبينه وغارق في ديون، بس عشان يبنيله بيت ويبتعد عن الإيجار. ويعلق يوسف بن علي: من نعم الله تعالى أن العمانيين لديهم ثقافة الاهتمام بالمنزل؛ حيث تجده يأخذ القرض، وكل همه بناء المنزل حتى لو بالدين. وتعلّق زبيدة البلوشية بقولها: معظم البيوت تمتلكها البنوك، يستأجرها مواطن فقير تمنح له ملكية البيت بعد ما يتغطى شعر رأسه بالأبيض كاملًا. أما محمد البلوشي فيقول: أغلب العمانيين بيوتهم من قرض بنك، والبنك موقع معك اتفاقية، لا يعطيك ملكية إلا عندما تدفع المبلغ الذي عليك، ويزعم خالد الشعيلي أن: 80% من الـ 90% المذكورة من البيوت ملك للبنك وليست ملكية حرّة للمواطن، تسحب منه عند أي أزمة بسيطة يمر بها كما حدث للمئات من المواطنين.
معالجة الأزمة
على المستوى الرسمي تعلن الحكومة أنها تسعى عبر برنامج موسع لمعالجة أزمة الإسكان في البلاد للتغلب على التحديات التي تواجه القطاع ومواكبة المتغيرات الإقليمية والدولية، والعمل على تحفيز النمو وبناء الثقة في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. وقالت وزارة الإسكان والتخطيط العمراني إنها مرحلة جديدة في تجسيد مفاهيم صناعة المكان، بما يتواءم مع المرحلة القادمة ويتماشى مع مرتكزات “رؤية 2040” وأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.
وتركز الرؤية الرسمية، بحسب تقرير لبلومبرج 2023، على أن مجال الإسكان يشكّل رافدًا لجذب المزيد من الاستثمارات لقطاع العقارات والإنشاءات، بما يخدم خطط رفع مركز تنافسية السلطنة إقليميًا ودوليًا في سهولة ممارسة الأعمال. ويقول التقرير إن مسقط تريد وضع أهداف طموحة لجذب الاستثمار الأجنبي عبر مراجعة شاملة تهدف إلى تعزيز بيئة الأعمال، ضمن خطط التنويع لمواجهة الأزمة المالية، التي أثرت على البلاد طيلة السنوات الأخيرة.
نجحت الحكومة، حتى الآن؛ في وضع نشاط قطاع العقارات على الطريق الصحيح خلال العامين الماضيين، بعد أن قامت بإزالة القيود التي تكبّل نموّه؛ في إطار برنامج واسع لتسهيل التمويل وتشجيع شركات التطوير من أجل تعزيز دوره في الاقتصاد المحلي. ومنذ تولى السلطان هيثم بن طارق السلطة، شرعت الحكومة في تنفيذ عدة مشروعات بهدف توفير السكن أو إعادة بناء المساكن القديمة، ببلد يبلغ تعداد سكانه 4 مليون و644 ألف نسمة، حسب إحصاء 2023.
ويلفت تقرير بلومبيرج إلى أن برامج الإسكان الحكومية طبقا لبيانات رسمية ركزت في 2021 على مساعدة أكثر من 250 ألف أسرة محدودة الدخل، وإصدار أكثر من 200 ألف ملكية عقارية للمواطنين، وزيادة حجم إقراض بنك الإسكان من 156 مليون دولار إلى 260 مليون دولار.
وأعلنت وزارة الإسكان عن تدشين منصة “إسكان”؛ حيث ستشمل 59 خدمة متنوعة من خدمات السجل العقاري والخدمات الإسكانية والاجتماعية والتخطيطية ونظم المعلومات الجغرافية وإثبات الملكية. ستتوفر كمرحلة أولى 7 خدمات لتمنح المستفيدين سهولة الوصول والتعامل مع البيانات والسرعة في إنجاز المعاملات ودقتها وأمانها، إلى جانب منصة “أملاك”، التي وصلت إلى مرحلة متقدمة بنسبة 75%؛ حيث ستوفر خدمات مركز التطوير العقاري إلكترونيًا.
ركزت برامج الإسكان الحكومية في 2021 على مساعدة أكثر من 250 ألف أسرة محدودة الدخل، وإصدار أكثر من 200 ألف ملكية عقارية للمواطنين، وزيادة حجم إقراض بنك الإسكان من 156 مليون دولار إلى 260 مليون دولار.
كما طرحت مسقط العديد من المبادرات تحت مسمى “التحول الشامل”، تضمنت التحول الرقمي والاهتمام المكثف بجودة الخدمات والقرب من المستفيدين، من خلال الاستماع إلى آرائهم وفتح منصة خاصة لخدمتهم، ومركز للاتصالات. وتعمل الوزارة على تنظيم السوق العقارية لاستقطاب الاستثمارات اللازمة للمساهمة في مشاريع التطوير العقاري، وإيجاد بيئة مناسبة من خلال تنفيذ بعض المشاريع ذات الطابع العالمي بلمسات عُمانية.
كذلك تم تنظيم مزاولة مهنة الوساطة العقارية، وتسهيل إجراءات مراجعة واعتماد مشاريع التطوير العقاري والتنظيم والإشراف على جمعيات الملاك، وتأتي هذه الممارسات بهدف تنظيم قطاع العقارات لمواجهة الطلب المتنامي على السكن لكافة فئات المجتمع، وتوفير البيئة المناسبة من خلال إنشاء أحياء سكنية متكاملة.
ورغم معاناة المواطنين والوافدين من ارتفاع القيمة الإيجارية واضطرارهم للبحث عن بدائل، إلا أن الطلب على الإيجارات في المناطق والعقارات عالية الجودة في سلطنة عمان، شهد زيادة ملحوظة، وشهدت القيمة الإيجارية استقرارًا نسبيًا رغم الزيادة الكبيرة في أعداد الوافدين.. وفقًا للتقرير العقاري لسلطنة عمان 2023 الصادر عن “سفلز”.
أشار التقرير إلى أن قيم الإيجارات شهدت استقرارًا بعد تراجع في متوسطها من العام 2014 وحتى 2021، مع تسجيل بعض النمو في عدد قليل من الأسواق الصغيرة، على غرار منطقة “الموج” مثلًا؛ حيث ارتفع المتوسط بنحو 10 إلى 20% خلال الأشهر الـ18 الماضية. رد التقرير هذا الارتفاع إلى زيادة الطلب مقارنة بالعرض المحدود.
كما لفت التقرير إلى أن عام 2022 كان نقطة تحول في أعداد الوافدين الذين “يهيمنون على سوق الإيجارات السكنية”؛ إذ سجل ارتفاعًا بنسبة بلغت 20% عن العام السابق. واستمر هذا الاتجاه الصاعد خلال العام الجاري، وارتفع بنسبة 33% من أدنى مستوى سجله في 2022، ليصل إلى مستوى قياسي بلغ 2.17 مليون وافد، وذلك كنتيجة لتحسن الظروف الاقتصادية للسلطنة.
وأضاف أن المعروض من العقارات ذات الفئة الأعلى داخل المناطق القائمة، أو المشاريع الكبرى التي توفر نمط حياة أكثر تكاملًا، محدود مقارنة بارتفاع الطلب، منبهًا إلى أن هذا النوع من العقارات أصبح جاذبًا في المدينة نظرًا لجودته ولتطبيقه أساليب الإدارة المتخصصة، ووجود مجموعة كبيرة من محلات التجزئة والمقاهي وأماكن الترفيه في محيطه. كما بيّن أن الطلب على الفلل المعززة بالحدائق والمسابح الخاصة سيظل قويًا.
أما بالنسبة للوحدات السكنية الأدنى؛ فأشار التقرير إلى أنه رغم الطلب القوي من المستأجرين الذين يبحثون عن عقارات منخفضة الإيجارات، للحد من نفقاتهم، إلا أن حجم الطلب لم يكن كافيًا لاستيعاب الزيادة المتواصلة في المعروض؛ في ظل الطرح المستمر للوحدات السكنية من الفئة المنخفضة، وهو ما أبقاها تحت الضغط.