أشاد أحمد الشرع الملقب بـ”أبي محمد الجولاني”، بتجارب دول الخليج، وقال إن “سوريا تطمح للاستفادة من تجاربها التنموية الناجحة”. وأشار إلى أن رؤية المملكة العربية السعودية “التنموية الجريئة تمثل نموذجًا يمكن لسوريا أن تلتقي معه لتحقيق تعاون اقتصادي وتنموي مشترك”.
ويعد الجولاني، “القائد الفعلي لسوريا”، ويقود هيئة تحرير الشام التي أطاحت ببشار من السلطة، مما أنهى حكم عائلة الأسد التي حكمت البلاد بقبضة من حديد على مدار أكثر من خمسة عقود، وعُرف بالقمع الوحشي.
لكن ما وراء تصريحات الجولاني تجاه دول الخليج؟ وما موقف دول مجلس التعاون الخليجي من السلطات الجديدة في سوريا؟
الجولاني والنموذج السعودي
قطعت السعودية، على غرار دول خليجية أخرى، علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا، وأغلقت سفاراتها في فبراير 2012، احتجاجًا على استخدام القوة في قمع احتجاجات شعبية قامت العام 2011، سرعان ما تحولت الى نزاع مدمر. وقدمت السعودية إلى جانب قطر ودول عربية أخرى؛ خصوصًا في السنوات الأولى للنزاع، دعمًا للمعارضة السياسية والمسلحة.
كما دعت المملكة إلى ضرورة تغيير النظام في سوريا، لكن تغييرًا طرأ على العلاقات بين البلدين في السنوات الأخيرة، وعادت الزيارات واللقاءات بين مسؤولي دمشق والرياض. وفي مارس 2023، أعلنت الرياض أنها تجري مباحثات تتعلق باستئناف الخدمات القنصلية بين البلدين.
قادت السعودية بعدها جهودًا دبلوماسية أعادت سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية في قمة جدة، التي حضرها بشار الأسد في مايو 2023. وأعلن البلدان استئناف علاقاتهما الدبلوماسية الكاملة في أكتوبر 2023، قبل أن تسمي الرياض سفيرًا في دمشق في مايو 2024.
وكشف مصدر مقرب للحكومة السعودية لوكالة “فرانس برس”، الاثنين الماضي، أن وفدًا حكوميًا سعوديًا التقى الجولاني، الأحد؛ في دمشق. وقال المصدر الذي فضل عدم كشف هويته لأنه غير مخول بالتحدث إلى الإعلام، إن المحادثات “ركزت على الوضع في سوريا والقضاء على الكبتاغون وغيرها من موضوعات”.
وأضاف أن “المخاوف الرئيسة الآن هي أن تفعل (الإدارة الجديدة) ما تقول”؛ في إشارة ـخصوصًاـ إلى وعود الشرع حول حل الفصائل المسلحة وعدم تشكيل سوريا تهديدًا لجيرانها.
لدى المملكة مشروع "الشرق الأوسط الجديد"، الهادف "التنمية الشاملة والمستدامة للمنطقة"، وستكون سوريا "لاعبًا مهمًا ومحوريًا" في هذا المشروع بما تمتلكه من موانئ وقدرات صناعية وزراعية
ويشكل اللقاء أول تواصل معروف بين الحكومة السعودية والإدارة الجديدة في سوريا، بعد سقوط نظام حكم بشار الأسد.
ولذلك يؤكد أستاذ الدراسات السياسية والاستراتيجية السعودي، محمد بن صالح الحربي، أن دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، “تتعاطف وتتفاعل” مع الشعب السوري، الذي “مل الحروب والدمار والقتل على مدار 13 عامًا”.
ويتحدث لـ”مواطن”، عن “حاجة سوريا للدعم والمساندة الخليجية فيما يخص ملف رفع العقوبات، وتحفيز عودة اللاجئين والمهجرين السوريين إلى بلادهم للمساهمة في مسيرة البناء المستقبلي للدولة”. ويشدّد الحربي على أن دول مجلس التعاون الخليجي سوف تساعد السوريين وتقدم لهم “النفط والمساعدات الإنسانية والإغاثية، وإعادة البناء”، بالتعاون مع تركيا.
ولدى المملكة مشروع “الشرق الأوسط الجديد”، الهادف “التنمية الشاملة والمستدامة للمنطقة”، وستكون سوريا “لاعبًا مهمًا ومحوريًا” في هذا المشروع بما تمتلكه من موانئ وقدرات صناعية وزراعية، حسبما أوضح الحربي.
ويشير أستاذ الدراسات السياسية والاستراتيجية السعودي، إلى رؤية المملكة 2030، والتي تمثل أكبر فرصة لإعادة اندماج دمشق مع “محيطها العربي”، بعيدًا عن إيران وأذرعها التي “لن يكون لها مكان في سوريا الجديدة”.
الجولاني والنموذج القطري
الثلاثاء، دعت قطر إلى الإسراع في رفع العقوبات المفروضة على سوريا، وذلك بعد إطاحة فصائل المعارضة بحكم بشار الأسد في الثامن ديسمبر.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري؛ في مؤتمر صحفي: “ندعو إلى تكثيف الجهود من أجل الإسراع في رفع العقوبات الدولية عن سوريا”. وأضاف الأنصاري أن “موقف قطر واضح”، مؤكدًا أن “من الضروري الإسراع في رفع العقوبات، نظرًا إلى أن الأسباب التي أدت إلى فرضها لم تعد موجودة، وما أدى إلى فرضها هي جرائم النظام السابق”.
وجاءت الدعوة القطرية غداة زيارة وفد رفيع المستوى إلى دمشق؛ حيث أعيد فتح السفارة القطرية، ما أنهى خلافًا استمر 13 عامًا بين البلدين.
والاثنين، وصل وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية، محمد الخليفي، إلى دمشق لإجراء اجتماعات، وذلك على متن أول رحلة تابعة للخطوط الجوية القطرية تهبط في العاصمة السورية منذ الإطاحة بالأسد. وبعد اجتماعه مع المسؤول القطري الكبير، أكد الجولاني أن الدوحة مستعدة للاستثمار في قطاع الطاقة وكذلك في الموانئ السورية.
وقال الشرع للصحفيين، وهو واقف إلى جانب الخليفي، إنهما ناقشا تحديات الفترة المقبلة، وإنه وجه الدعوة إلى أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، لزيارة سوريا. وأضاف الشرع أن الجانب القطري أبدى استعداده لتنفيذ استثمارات واسعة بقطاعات عديدة في سوريا، على رأسها الطاقة الذي لدى قطر خبرة كبيرة فيه، وكذلك الموانئ والمطارات.
ومن جانبه، قال الخليفي إن قطر ستواصل “الوقوف إلى جانب أشقائنا في سوريا في هذا الوقت أكثر من أي وقت آخر”.
ودعمت قطر بقوة عند انطلاق النزاع عام 2011 فصائل معارضة. وبخلاف دول خليجية أخرى، لم تستأنف العلاقات الدبلوماسية مع سوريا في عهد الأسد الذي أطاح به تحالف فصائل معارضة تقوده هيئة تحرير الشام.
وهو ما يؤكده الأكاديمي القطري، محمد المسفر؛ في حديثه لـ”مواطن”، الذي يشير إلى “علاقات مميزة تجمع الدوحة بالمعارضة السورية، وعدم تطبيع قطر علاقتها مع نظام الأسد خلال 13 عامًا من الحرب في سوريا”. ويجزم المسفر أن الدوحة “أقرب دول الخليج والمنطقة إلى القيادة السورية الجديدة، ونظام أحمد الشرع”، بعدما تعاطفت مع “الحركة الوطنية في سوريا” منذ عام 2011.
ولدى قطر مشروع تنموي 2030، قرأه الجولاني جيدًا، ويركز على تطوير قطاع الصحة والبيئة وبناء مجتمع متكامل بعيدًا عن “الطائفية والحزبية والعنصرية”، حسبما يوضح الأكاديمي القطري.
ويرى “المسفر” أن الجولاني وفريقه العام “يتبنى هذا المشروع القطري التنموي”، وسوف يسير عليه، وسوف تقدم له قطر كل الدعم في سبيل تحقيق التنمية في سوريا.
تباين في مواقف الخليج؟
في 8 من ديسمبر، أكدت مملكة البحرين أنها “تتابع عن كثب تطورات الأوضاع المتسارعة في سوريا؛ في سياق حرصها على أمن الدولة السورية، واستقرارها وصون سيادتها، ووحدة وسلامة أراضيها، وحماية المدنيين وفق قواعد القانون الدولي”.
وحثت الخارجية البحرينية على “تغليب المصلحة العليا للوطن والمواطنين، والحفاظ على المؤسسات العامة للدولة وسلامة منشآتها الحيوية والاقتصادية”.
وأكدت مساندة “الجهود الإقليمية والدولية الداعمة للشعب السوري الشقيق، وتطلعاته نحو بناء مستقبل مشرق يسوده الأمن والاستقرار والوحدة والعدالة، وتيسير عودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم في إطار خطة لإعادة الإعمار وبناء المؤسسات الديمقراطية، وتحقيق السلام والاستقرار، واستعادة الدولة دورها الحيوي في محيطها العربي والدولي”.
"نسمع تصريحات معقولة وعقلانية حول الوحدة وعدم فرض نظام على جميع السوريين". وأضاف: "لكن من ناحية أخرى، أعتقد أن طبيعة القوى الجديدة، وارتباطها بالإخوان والقاعدة، كلها مؤشرات مقلقة للغاية".
أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي
والأربعاء، أجرى وزير الخارجية البحريني، عبد اللطيف بن راشد الزياني، اتصالًا هاتفيًا مع وزير الخارجية في الحكومة السورية الانتقالية، أسعد حسن الشيباني. وتم خلال الاتصال، “بحث العلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين الشقيقين، وآخر المستجدات في الجمهورية العربية السورية الشقيقة، بالإضافة إلى الجهود التي تقوم بها الحكومة الانتقالية للحفاظ على الأمن والاستقرار في البلاد”، وفق “وكالة أنباء البحرين”.
والأربعاء أيضًا، بحث وزير الخارجية الكويتي عبد الله اليحيا، مع نظيره السوري الشيباني، سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي تلقاه الوزير الكويتي من نظيره السوري، وفق بيان للخارجية الكويتية؛ في أول اتصال بين الجانبين منذ سقوط نظام الأسد.
وقالت الخارجية الكويتية، إن الجانبين تناولا “التطورات في سوريا، وسبل تعزيز العلاقات الأخوية الوطيدة بين البلدين والشعبين الشقيقين”، دون ذكر المزيد من التفاصيل.
لكن على جانب آخر، عبرت دولة الإمارات العربية المتحدة عن قلقها حيال القيادة الجديدة في سوريا بقيادة الشرع، باعتبارها مقربة من جماعة الإخوان، وتنظيم القاعدة.
وفي وقت سابق هذا الشهر، قال المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي، أنور قرقاش، خلال كلمة في مؤتمر في أبوظبي: “نسمع تصريحات معقولة وعقلانية حول الوحدة وعدم فرض نظام على جميع السوريين”. وأضاف: “لكن من ناحية أخرى، أعتقد أن طبيعة القوى الجديدة، وارتباطها بالإخوان والقاعدة، كلها مؤشرات مقلقة للغاية”.
وخلال السنوات الماضية، استثمرت الإمارات في العلاقة مع الرئيس المخلوع بشار الأسد، وكانت عاملًا أساسيًا في استمالة دول عربية أخرى، وخصوصًا الخليجية، لتطبيع العلاقات مع حكم الأسد.
ولذلك يشير الباحث في شؤون الشرق الأوسط، فادي عيد، إلى “تباين مواقف دول الخليج من الجولاني والقيادة الجديدة في سوريا”.
وهناك تقارب بين الجولاني وحكومته مع “السعودية وقطر”، لكن الإمارات “لا تشعر بالارتياح للسلطات السورية الجديدة”، بينما سلطنة عمان “لا تنظر لما حدث في سوريا بإيجابية”، وفق تصريحاته لـ”مواطن”.
ويرى الباحث في شؤون الشرق الأوسط، أن السلطات في البحرين “مترددة” بين مواكبة “الموقف السعودي أم الإماراتي”، بينما الكويت “تعيش حاليا حالة رعب وحيرة سياسية”، لأن جزءًا كبيرًا من مكونها السياسي مرتبط بجماعة الإخوان، بينما السلطات هناك “متخوفة مما يحدث في سوريا”.
ويرى أن تصريحات الجولاني حول دول الخليج -والسعودية خاصة- هي محاولة لـ”رد الجميل لدول ساعدته في الوصول للحكم، وتعمل على تلميعه حاليا”، على حد تعبيره.