في ظل تسارع وتيرة الأحداث الإقليمية؛ خاصة مع الحرب التي شنّها العدو الإسرائيلي على غزة ولبنان، يقف المشاهد العربي اليوم في مواجهة تحدٍ كبير، يتمثل في استيعاب التطورات المتلاحقة والتمييز بين الحقيقة والتضليل. وبينما أصبحت الحاجة إلى المعلومات الدقيقة والموضوعية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، ورغم التدفق الإعلامي الهائل والمفتوح على شاشات القنوات المحلية والعالمية، يقع الكثيرون في شباك التضليل المعلوماتي، وإن لم يتبنوا موقفًا متحيّزًا؛ فإنهم يواجهون صعوبات جمّة في اختيار الجهة الأكثر مهنية في تقديم وتفسير المجريات؛ خصوصًا أن معظم التحليلات السياسية التي تقدم كمصدر للمعلومات ووسيلة لفهم الأحداث، غالبًا ما ما تكون سلاحًا ذا حدين؛ فهي أداة لفهم الواقع، وأداة لتشكيل سرديات تخدم مصالح معينة.
تزداد أوقات البرامج الحوارية خلال الازمات والحروب؛ حيث تنقل الصراع من الساحة العسكرية إلى شاشات التلفزة، لذلك ليس من المستغرب أن تنتشر الكثير من المعلومات الزائفة التي تدخل ضمن نقاشات المحللين الذين يظهرون بعناوين مختلفة؛ كخبير عسكري أو مختص بالعلاقات الدولية، ومختص بالشأن الإسرائيلي وغيرها، وعلى عكس الصور والفيديوهات التي أصبح بالإمكان رصدها والتحقق من صدقيتها، تظل التحليلات السياسية مجالًا خصبًا للتضليل؛ إذ تُقدَّم المعلومات بشكل انتقائي أو تُدمَج بتفسيرات منحازة لتعزيز مواقف أحزاب أو تيارات سياسية، بهدف رسائل دعائية تسعى إلى حشد الدعم الشعبي وتوجيه الرأي العام؛ خصوصًا وأنّ شعور الناس بالقلق أو الخوف تجاه شيء ما، يدفعهم للعثور على المعلومات التي تمنحهم إحساسًا بالأمان، أو تساعدهم على كيفية استداراك المخاطر والاستعداد لها عن بشكل استباقي.
الـ "توك شو" وجاهزية المحلل السياسي
تواكب برامج الـ«توك شو» التغطيات المفتوحة خلال الحروب، وتزداد مساحتها مقارنة مع الأنواع الأخرى من البرامج، باعتبارها الأكثر قدرة على شرح الأحداث والتعليق عليها بشكل مباشر، ولكنّها تواجه بعض التحديات التي تتعلق بخبرة الضيوف وتخصصهم في الموضوعات التي يناقشونها، تقول الإعلامية حليمة طبيعة، من تلفزيون “الجديد”: “العمل السريع في التلفزيون لا يسمح لنا دائمًا بالتروي في اختيار الضيوف، أو عدم تناسب أوقات الخبراء والمتخصصين مع أوقات البرامج، بالإضافة إلى اعتبارات سياسية أو اقتصادية أخرى”. تضيف “طبيعة” في حديثها لمواطن: “في مثل هذه الحالات، يتم التركيز على الأشخاص الذين يتمتعون بقدرة على تقديم سياق منطقي أو تفسير عقلاني للأحداث؛ خاصة أن بعض الضيوف يحظون بشعبية كبيرة لدى الجمهور، مما يجعل كلامهم مرجعًا، حتى لو كان يتضمن مغالطات، بالإضافة إلى أنه خلال البث المباشر، يصعب على الإعلاميين التدقيق في كل معلومة تُطرح؛ خصوصًا إذا كانت تتعلق بأرقام أو حقائق محددة. لذا، تأتي أهمية التدقيق في هذه المعلومات لاحقًا”.
في ظل غياب التغطية المباشرة في بعض المناطق مثل غزة، تُصبح السرديات التي يروجها المحللون السياسيون مصدرًا رئيسًا للمعلومات؛ خصوصًا أن الكثير من القنوات تعمد إلى استضافة ضيوف إسرائيليين مدربين على هذا النوع من المناظرات السياسية التي تخدم منطق الدفاع عن النفس، وتبرير العمليات العسكرية والإبادة الجماعية. في المقابل يتم استضافة محللين يفتقرون إلى نفس المستوى من المهارات الحوارية أو المعلومات الدقيقة لدحض السردية الإسرائيلية، مما يضع الصحافي في أحيان كثيرة في مواجهة مع أحد الضيفين، محاولًا تصويب الحوار إلى حيث تقتضي سياسة المحطة وأجندتها السياسية.
من الواضح أن تأثير التضليل الإعلامي لا يقتصر على تشويه الأحداث فقط؛ بل يمتد ليؤثر على المعنويات العامة؛ سواء أكان بتهدئة المخاوف أو بتصعيد التوترات؛ حيث يمكن بث الأمل أو الإحباط لدى الجمهور؛ خصوصًا في الفترات الحرجة
في هذا السياق تؤكد الباحثة في علوم الإعلام والاتصال، الدكتورة مي عبد الله، في مقابلة مع مواطن: “إنّ التضليل الإعلامي ليس ظاهرة جديدة؛ بل هو مرتبط بنشوء وسائل الإعلام، وقد استُخدم على مرّ العصور لتحقيق أهداف سياسية؛ خصوصًا خلال الأزمات والحروب. ويتجلى انحياز الوسائل الإعلامية لأجنداتها السياسية من خلال اختيار مواضيع معينة، واستضافة شخصيات دون غيرها، والتركيز على تفاصيل محددة؛ مثل (انتقائية المعلومات، إخفاء السياقات التاريخية أو السياسية للأحداث، التلاعب بالمصطلحات والمشاهد)، كما يلاحظ تضخيم أحداث معينة؛ مثل نجاحات طرف ما أو تقليل خسائره، بهدف التأثير على معنويات الجمهور بما يخدم سياسة القناة”، مؤكّدة: “أن السعي إلى نشر معلومات مغلوطة بهدف الخديعة، يشكل انتهاكًا لحقوق الإنسان، كما يمكن أن يفقد الناس ثقتهم بالسياسات العامة، وربما يضخم التوترات في حالات الطوارئ أو حالات الصراع المسلح”.
التباين في السياسات التحريرية
يبرز التباين في تغطية قناتي الجزيرة والعربية للحرب على غزة؛ حيث ركزت قناة الجزيرة على السردية الفلسطينية مستخدمةً مصطلحات مثل “الاحتلال”، “المقاومة”، و”الشهداء”، وأوْلت اهتمامًا كبيرًا لمعاناة المدنيين من خلال نقل مباشر للمجازر والدمار، مع تسليط الضوء على إنجازات المقاومة الفلسطينية وخسائر الجيش الإسرائيلي، واستضافت خبراء ومحللين اعتمدوا على مصادر فلسطينية ودولية. في المقابل، اتبعت قناة العربية لغةً أكثر حيادية ظاهريًا، أو متوافقة مع الرواية الإسرائيلية، مستخدمةً مصطلحات مثل “جيش الدفاع الإسرائيلي” و”القتلى الفلسطينيين”، وركّزت على الرواية الرسمية الإسرائيلية.
أما في سياق الحرب على لبنان، كانت الشاشات الإعلامية مفتوحة أمام المحللين السياسيين لتشكيل السرديات العامة، وتأطير الحقائق حول أسباب ومجريات الحرب. ولكن هذه السرديات تحولت إلى أرض خصبة للتضليل الإعلامي، وقد ظهرت الانقسامات في التغطية الإعلامية التي تقدمها القنوات العربية والمحلية.
تتنقد الدكتورة مي عبد الله ممارسات شبكة “العربية” السعودية خلال تغطية الحرب على لبنان؛ حيث تبنّت الرواية الإسرائيلية، وادعت أن الاحتلال أقدم على ضرب مواقع عسكرية للمقاومة، وأن ما حصل يعدّ فقط “تمهيدًا” لسلسلة أهداف إسرائيلية أخرى في الداخل اللبناني. وساهمت في زيادة وطأة التهويل التي توّعد بها العدو بتحويل لبنان الى غزة ثانية. بالإضافة إلى تغييب وصول صواريخ المقاومة إلى عمق مدن الاحتلال في ظل الرقابة العسكرية المشددة على الجبهة الإسرائيلية؛ في مقابل التركيز على زوايا أخرى من التغطية والعمل على تضخيمها.
أما على مستوى القنوات المحلية؛ فقد قدمت قناة MTV وقناة “الجديد” خطابًا متضاربًا يُظهر جليًا الخلافات السياسية حول الموقف من المقاومة. وقد استند تحليل قناة MTV في الكثير من التغطيات المباشرة إلى تبرير المستهدفات الإسرائيلية، انطلاقًا من مواقف سياسية توجّه أصابع الاتهام لحزب الله بالتورط في هذه الحرب، مما ساهم في تبرير استهداف المدنيين والأماكن المدنية، على اعتبار أنها بنية عسكرية للحزب.
ناهيك عن إثارة المخاوف المرتبطة بالسلم الأهلي؛ حيث تم تصوير الحرب الإسرائيلية بأنها موجهة ضد الطائفة الشيعية بشكل كامل وخاص، مما أدى الى تصاعد الخطاب الطائفي وزيادة القلق الجماعي لدى هذه الطائفة؛ حيث شعر أبناؤها بأنهم مهددون داخليًا وخارجيًا، الأمر الذي زاد من الشرخ السياسي والاجتماعي؛ خاصة مع تقديم تحليلات تعبوبة تُستخدم لتوجيه الرأي العام نحو مواقف معينة، بدلًا من توحيد الصفوف لمواجهة التحديات.
على النقيض من ذلك، اتخذت قناة الجديد مقاربة مختلفة، من خلال تأجيل النقاشات حول أسباب الحرب وصوابية مساندة غزة، ساعية بذلك إلى تعزيز الوحدة الوطنية في مواجهة العدو، ومساعدة الناس على الصمود وتحمّل الأوضاع الإنسانية الصعبة؛ فقد ركّزت على الجوانب الإنسانية وعلى كيفية مساعدة النازحين ورفع صوتهم ومطالبهم، بالإضافة إلى ذلك، قدمت التغطية المباشرة والمستمرة للهجمات الإسرائيلية على مناطق الجنوب والبقاع وضاحية بيروت، مما أعطى صورة متكاملة عن الوضع الميداني.
التحديات المستقبلية أمام الإعلام المرئي
تؤكّد الدكتورة مي عبد الله أن “التحديات المستقبلية أمام الإعلام اللبناني تكمن في قدرته على تقديم خطاب متوازن، والمساهمة في توضيح المكاسب العسكرية والسياسية والتكلفة الإنسانية والاقتصادية، والمساعدة في إعادة إعمار المناطق المتضررة، وتحقيق استقرار داخلي يخفف من التوترات الطائفية، والحفاظ على العلاقة مع الحلفاء الدوليين والإقليميين مع تجنب عزلة طويلة الأمد”.
من الواضح أن تأثير التضليل الإعلامي لا يقتصر على تشويه الأحداث فقط؛ بل يمتد ليؤثر على المعنويات العامة؛ سواء أكان بتهدئة المخاوف أو بتصعيد التوترات؛ حيث يمكن بث الأمل أو الإحباط لدى الجمهور؛ خصوصًا في فترات حرجة، على سبيل المثال عند الحديث عن قرب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، يواجه المشاهدون تحديات كبيرة عندما يجدون أنفسهم أمام معلومات متناقضة، مما زاد من حالة ضياعهم وضبابية المستقبل الذي ينتظرون فيه انتهاء الحرب.
الضغوط السياسية
وفي هذا الإطار، تؤكد الإعلامية حليمة “طبيعة” أنّ التحليل السياسي يتأثر بشكل كبير بضغوط الأجندات السياسية والإعلامية؛ خاصة خلال الحروب؛ فكل محلل سياسي عادة ما يكون مرتبطًا بجهة تمده بالمعلومات، وتحدد له الخطوط العريضة لتحليلاته، مما يجعله أشبه بالناطق الرسمي لتلك الجهة السياسية أو العسكرية”.
تضيف الإعلامية حليمة طبيعة: “خلال الحرب على لبنان، ظهرت هذه الضغوط بشكل واضح؛ حيث تغير خطاب بعض المحللين تبعًا لتحولات أولويات الجهات التي يمثلونها. ولاحظنا تبدلات جذرية في مواقف بعض الضيوف الذي بدأوا بدعم المقاومة، ثم أعادوا صياغة مواقفهم لاحقًا وفقًا لإعادة تموضع الجهات التي تمدهم بالمعلومات”.
وتعتبر الإعلامية “طبيعة” أنّ هذا السلوك يضع المتلقي أمام تحدٍ كبير؛ حيث يصبح عرضة للتضليل نتيجة هذا التغير في التحليلات، والذي قد يكون مدفوعًا بحسابات استراتيجية بعيدة المدى تتبناها الأطراف المنخرطة في الحرب.”
وترى الإعلامية حليمة طبيعة أنّ المسؤولية على وسائل الإعلام؛ في أن تكون حذرة في اختيار الضيوف ومراجعة محتواهم بعد البث. وعلى الجمهور من خلال تطوير وعي نقدي يمكّنهم من التمييز بين الحقائق والمغالطات ومساءلة ما يُقدَّم لهم.”، وتؤكد في هذا السياق أن التدقيق في المعلومات ليس مجرد أداة تصحيح؛ بل هو خطوة ضرورية لتعزيز مصداقية الإعلام ومواجهة التضليل الذي قد يتسلل عبر هذه التحليلات.
من جهة أخرى، يشير رئيس تحرير موقع بوست 180، الصحافي حسين أيوب إلى أنه خلال الأزمات الكبرى مثل الحرب على غزة، يتعرض الجمهور لسيل من المعلومات المضللة، مما يدفعه للبحث عن الأخبار الموثوقة والمباشرة من مصادر ميدانية بدلًا من التحليلات السياسية. ويؤكد “أيوب” أن هذا التوجه يعكس تراجع اهتمام الجمهور العادي بالتحليل السياسي لصالح الحقائق الملموسة؛ خاصة في ظل مساعي أطراف النزاع لتشكيل السرديات بما يخدم مصالحها، وبالتالي فإن القضية الأهم تتعلق بكيفية غربلة هذه المعلومات لتبيان الحقيقي والمزيف منها، ومن ثم كيف يخضعها الصحافي أو الكاتب لأدوات القياس والتحليل من أجل استنباط أفكار تكون مقنعة له قبل أن تكون مقنعة للقارئ نفسه.
ويؤكّد “أيوب” في حديثه لمواطن: “في سياق الحرب على غزة، أصبح المشاهد مهتمًا أكثر بمعرفة ما يجري على الأرض، وذلك بسبب تعمد الإسرائيلي إقصاء الإعلام العالمي والعربي عن هذه الساحة، لكي يتسنى له تعميم سردياته. ولولا حضور بعض الفضائيات العربية وعشرات المؤثرين الفلسطينيين لكان الوضع أكثر مأساوية”.
إن الحاجة إلى المعلومات الدقيقة أصبحت أكثر إلحاحًا خلال تغطية الحرب على غزة ولبنان؛ خصوصًا مع محدودية المصادر الموثوقة واعتماد بعض الجهات على تشويه الوقائع لخدمة أجنداتها، ورغم محاولات بعض المحللين السياسيين تقديم تحليلات موضوعية تستند إلى مصادر موثوقة، إلا أن وفرة المعلومات وتضارب السرديات تزيد من صعوبة التمييز بين الحقيقة والزيف
وعن دور القنوات التلفزيونية في اختيار محللين لديهم انتماءات سياسية وأيديولوجية واضحة، يفسّر أيوب: “إنّ الانتماء يؤثر بشكل كبير على مقاربة الأحداث، ولذلك فإن المحلل الذي يستطيع أن يبعد انتماءه الحزبي عن تحليله للأحداث يستحق التحية، لأن تقديم التفسيرات بطريقة موضوعية تتطلب جهدًا استثنائيًا، لكن كلما ابتعد المحلل عن الانتماء الحزبي أو التعصب السياسي أو الطائفي أو المذهبي، اتسم تحليله بمنسوب أعلى من الموضوعية. ولذلك فإن التحليل السياسي اليوم بات يؤثر بالنخب وليس في الجمهور العام الذي يرغب بالحصول على المعلومة الحقيقية المباشرة من أرض الواقع”.
لكنّه ومن خلال تجربته في التحليل السياسي، يؤكّد أيوب: “ومن خلال تجربتي في الإطلالات الإعلامية التلفزيونية طوال عقدين من الزمن، لم تطلب مني أي قناة تلفزيونية الالتزام بسقف سياسي معين”.
إعادة لتشكيل الواقع
إن التحليلات السياسية خلال الحروب ليست مجرد وسيلة لفهم الأحداث؛ بل هي أداة لتشكيل الواقع. وبينما يمكن أن تسهم في تعزيز الوعي العام؛ فإنها تصبح خطرًا إذا ما استُخدمت لنشر التضليل أو تعزيز الأجندات. لذا؛ فإن المسؤولية لا تقع فقط على عاتق المحللين أو وسائل الإعلام؛ بل تمتد لتشمل الجمهور الذي يجب أن يكون أكثر وعيًا وانتقائية في التعامل مع المعلومات، وفقًا للإعلامية حليمة طبيعة؛ فإن التدقيق في المعلومات بعد البث المباشر يمكن أن يساهم في الحد من التضليل. ومع ذلك؛ فإن هذه الممارسة ليست شائعة بما يكفي، مما يجعل الجمهور يعتمد بشكل كبير على وعيه النقدي لتمييز الحقائق من المغالطات. هنا تكمن أهمية تعزيز وعي المتلقين؛ حيث يكونون قادرين على التمييز بين المعلومات الموثوقة والتحليلات المدفوعة.
في هذا المضمار، تؤكد الدكتورة مي عبدالله لـ “مواطن”: “إن الدور الأهم للإعلام يكمن في توفير المعلومات الصحيحة، وضمان حق الجمهور في المعرفة. كما يجب تدريب العاملين في المجال الإعلامي على كيفية العمل في فترات الأزمات والحروب، مع وضع ضوابط قانونية وأخلاقية لتنظيم التغطية الإعلامية في الأوقات الحرجة. من الضروري الالتزام بالمعايير المهنية واحترام مواثيق العمل الإعلامي، فضلًا عن أهمية دعم وسائل الإعلام المستقلة ذات النفع العام، لتصبح مصدرًا موثوقًا للمعلومات بالنسبة للمتلقين. لذلك يجب على وسائل الإعلام إعادة مراجعة أدائها الإعلامي المتفلت من الضوابط القانونية، والذي أقبل على بث الدعاية “الإسرائيلية” والسقوط في فخ التعجّل والتسرع والسبق الصحفي. وفي كل الحالات، دفع لبنان ثمنًا معنويًا وأمنيًا كبيرًا من جراء هذا الأداء غير المهني وغير المسؤول؛ في ظرف يتطلب تحملًا أعلى من مستويات المسؤولية الوطنية والإنسانية”.
تضيف “عبدالله”: “كذلك، يقع جزء كبير من المسؤولية على عاتق الجمهور الذي يجب أن يكون أكثر وعيًا وانتقائية في التعامل مع المعلومات في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها المشهد الإعلامي. إلا أن الغالبية العظمى من الجمهور لا تملك الوقت أو الأدوات اللازمة للقيام بذلك، مما يجعلها عرضة لتكون ضحية التضليل الإعلامي. لذلك فمن المهم إبراز الدور الاجتماعي الأسري في بناء جيل واعٍ ومثقف، قادر على التمييز بين الحقيقة والدعاية”.
يتضّح أنّ الحاجة إلى المعلومات الدقيقة أصبحت أكثر إلحاحًا خلال تغطية الحرب على غزة ولبنان؛ خصوصًا مع محدودية المصادر الموثوقة واعتماد بعض الجهات على تشويه الوقائع لخدمة أجنداتها، ورغم محاولات بعض المحللين السياسيين تقديم تحليلات موضوعية تستند إلى مصادر موثوقة، إلا أن وفرة المعلومات وتضارب السرديات تزيد من صعوبة التمييز بين الحقيقة والزيف. لا يقتصر هذا التضليل على تشكيل الرأي العام؛ بل يعمّق الانقسامات الاجتماعية ويزيد التوترات الإقليمية والداخلية. لذلك؛ فإن مواجهة هذا التحدي تتطلب تعزيز الوعي الإعلامي، والاعتماد على مصادر موثوقة، والالتزام بأخلاقيات المهنة من قبل الإعلاميين والمحللين على حد سواء.