تعيش المملكة العربية السعودية لحظتها الأهم بعد سنوات من الضغط الذهني والمادي، فبعد مرور أكثر من عام على كونها المرشح الوحيد لاستضافة كأس العالم 2034، حصلت الدولة الخليجية الكبرى أخيرًا على موافقة الاتحاد الدولي لكرة القدم لاستضافة البطولة، بعد موافقة جميع الدول الأعضاء في فيفا عدا النرويج، وحصول الملف الخاص بها على 419.8 من أصل 500 نقطة، وهو التقييم الأعلى في التاريخ لأي ملف قُدم لاستضافة البطولة، وبحسب ما ذكره انفانتينو رئيس الاتحاد، فإن الملف يحمل “رؤية فريدة ومبتكرة وطموحة لـ “القرن المقبل”.
وعلى الرغم من إصرار الرجل على أن السعودية ستكون راعيًا “مذهلًا” لكأس العالم، إلا أن المتوقع أن تستمر الشكوك حتى ليلة الافتتاح، بالنسبة للبعض، هناك تناقض حاد بين ما يقوله الاتحاد، وبين ما ترتكز عليه منظمات حقوق الإنسان في نقدها للتجربة السعودية برمتها، وبحسب ما قاله ستيف كوكبيرن، رئيس قسم “حقوق العمال” في منظمة العفو الدولية: “كما كان متوقعًا، فإن تقييم الفيفا لملف استضافة كأس العالم يمثل تبرئة مذهلة لسجل البلاد الفظيع في مجال حقوق الإنسان، ولا توجد التزامات ذات مغزى من شأنها منع استغلال العمال، أو إخلاء السكان، أو اعتقال النشطاء والحقوقيين”.
في هذه القصة الصحافية نستعرض تلك المخاوف والتحديات فيما يتعلق بالتنظيم السعودي لكأس العالم 2034.
كأس العام، لماذا؟
لماذا تريد السعودية استضافة كأس العالم؟ بحسب ما ذكرته الحكومة السعودية أن الهدف الرئيس من التوسع في الرياضة، هو خلق فرص أفضل للاستثمار، وتطوير البنية الأساسية الرياضية، إضافة إلى حرص الدولة على تحسين الصحة العامة للمواطنين، بعدما أشارت الإحصائيات إلى أن نحو 60% من سكان المملكة يعانون من زيادة الوزن أو السمنة، كذلك فمن بين الأهداف التي حددها ياسر المسحل، رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم، هو زيادة عدد اللاعبين الذكور المسجلين في البلاد من 21 ألف لاعب إلى أكثر من 200 ألف لاعب، دون أي ذكر للاعبات النساء أو الكرة النسائية.
ويأتي هذا مغلفًا بسعي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى تغيير الطريقة التي ينظر بها العالم إلى بلاده؛ سواء أكان على المستوى الدولي أو المحلي، وبموجب رؤية 2030، وهي سلسلة من البرامج والتطورات التي تهدف إلى تنويع اقتصاد المملكة العربية السعودية بعيدًا عن الوقود الأحفوري، وتعويض سمعة البلاد السيئة في مجال حقوق الإنسان، واسترضاء سكانها الشباب الذين يتزايدون بسرعة، ومن الممكن؛ بل وينبغي أن ننظر إلى غالبية النشاط الجيوسياسي السعودي من خلال هذا المنظور. لقد أصبحت الرياضة أحد ركائز رؤية 2030، وستكون بطولة كأس العالم 2034 بمثابة تتويج لها ليس إلا.
كيف حصلت السعودية على تنظيم كأس العالم؟
في أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعلن الفيفا أن المملكة السعودية هي المرشحة الوحيدة لاستضافة بطولة 2034 بعد قرار أستراليا بسحب طلب الاستضافة، كما أعلن الاتحاد السعودي لكرة القدم عن اهتمامه باستضافة البطولة في نسختها الخامسة والعشرين، معتزمًا تقديم “بطولة عالمية المستوى”، خاصةً بعدما تقرر إقامة البطولة في إحدى دول الاتحاد الآسيوي، الذي تنتمي إليه السعودية وأستراليا، إذ تنص على عدم السماح للدول من نفس القارة باستضافة البطولة في ثلاث نسخ متتالية، وبموجب تلك اللائحة، كانت هناك قارتان فقط قادرتين على التقدم بملفات استضافة 2034، بعدما حصل “اتحاد أميركا الشمالية” على حق استضافة الكأس في 2026، ثم الاتحاد الأفريقي والأوروبي و”اتحاد أميركا الجنوبية” في بطولة 2030؛ حيث ستكون إسبانيا والبرتغال، من أوروبا، والمغرب، من أفريقيا، هم المضيفين الرئيسيين، مع استضافة الأرجنتين وباراغواي وأوروغواي، من أميركا الجنوبية، لمباراة واحدة فقط لكل منهما، بمناسبة الذكرى المئوية لكأس العالم، وبذلك يتبقى اتحادان فقط لبطولة 2034، الاتحاد الآسيوي، واتحاد أوقيانوسيا (أوقيانوسيا، ونيوزيلندا وجزر المحيط الهادئ).
ومن آسيا؛ لم تتقدم إلا دولتان فقط: المملكة العربية السعودية، وأستراليا، إلا أن أستراليا سحبت الملف بعد عامين فقط من بدء التحضير، بسبب التكلفة المرتفعة لاستضافة البطولة، ورغبة البلاد في عدم “إثارة غضب أعضاء الاتحادات الأخرى في الاتحاد الآسيوي”، وبحسب ما ذكره الصحفي الرياضي المصري، والمهتم بالشأن الخليجي، عمرو فكري، من تصريحات خاصة لـ “مواطن”: أن أحد أسباب انسحاب استراليا أيضًا هو استضافتها كأس آسيا للسيدات في عام 2026، وكأس العالم للأندية بعد ذلك بثلاث سنوات فقط، إضافة إلى أولمبياد 2036، وبعد انسحاب أستراليا، لم يتبق إلا السعودية، خاصةً بعدما قدم الفيفا ميعاد تقديم الملف ثلاث سنوات، من 2026 إلى 2023، وحصر “ديدلاين” التقديم في 26 يومًا فقط، ما جعل السعودية هي الدولة الوحيد الجاهزة لتقديم الملف”.
وأيضًا، بحسب ما ذكره الدكتور عادل كُريم، المنسق الإعلامي للاتحاد الافريقي لكرة القدم، في تصريحات خاصة لـ “مواطن“: “هناك بعض التلميحات التي تدفع في اتجاه حدوث هذا بالأمر المباشر من السعوديين، خاصةً وأن هذه هي المرة الأولى في تاريخ كأس العالم التي يتقدم فيها للتنظيم ملف وحيد فقط”. وعند سؤاله عن وجود أية شبهة حقيقية في كل ذلك؟ قال “لا، كلها اتهامات مرسلة لا يمكن إثباتها، ولكن لها ثقلها أيضًا؛ خاصة وأن المتسبب في اقتصار الأمر على آسيا فقط، هي الفكرة العجيبة الداعمة لإقامة أول 3 مباريات في كأس العالم 2030 في أميركا الجنوبية، إضافة إلى أن ضم المغرب لملف البرتغال وإسبانيا، وهو ما فتح الباب لآسيا، ثم المملكة بالتبعية”.
ثم أضاف: “إن الأمر مركب جدًا، فلا نستطيع إثباته، ولن ننفيه كليةً؛ خاصة وأن انفانتينو نفسه ليس بعيدًا عن الشبهات، ولكن من الناحية الأخرى؛ فملف السعودية قوي فعلًا، ولو نفذت بنوده بشكل حرفي، سيصبح كأس عالم أسطوريًا”.
إذن كلها تكنهات بلا أسانيد علمية أو معلومات ذات صلة، وهنا ننتقل للسؤال الثالث: ما سر التخوف من السعودية تحديدًا، حتى يكثر حولها اللغط وتسطع التكهنات؟ ولماذا اتهمت جماعات حقوق الإنسان الفيفا بالتواطؤ مع السعودية لتبييض وجهها رغم أنها مجرد (تكهنات)؟
انتقادات حقوقية للفيفا واتهامات بالتواطؤ
في الشهر الماضي، أعلن تقرير الفيفا لملف المملكة العربية السعودية أن تقييم مخاطر حقوق الإنسان كان “متوسطًا”، وحكم على أن هناك “إمكانات جيدة” للمسابقة للعمل كـ “محفز” للإصلاحات داخل البلاد، وأشار التقرير أيضًا إلى أن العرض الذي قدمته المملكة العربية السعودية قد أظهر “التزامًا جيدًا بالاستدامة”، مع الاعتراف بأن الخطر الوحيد هو “التوقيت الصيفي لكأس العالم” وذلك بسبب مناخ البلاد الحار.
ومع ذلك، وصفت منظمة العفو الدولية ملاحظات الفيفا بأنها “تبييض مذهل” لسجل المملكة العربية السعودية في مجال حقوق الإنسان، كما انتقدت 11 منظمة بارزة في مجال حقوق الإنسان شركة المحاماة العالمية “كليفورد تشانس”، التي أنتجت عملياتها في السعودية وثيقة من 39 صفحة نشرتها الفيفا وقيم المخاطر بناءً عليها؛ حيث ادعت المنظمات الحقوقية أن هذا التقييم هو سبة في حق الشركة وحق الفيفا، كما انتقد الاتحاد النرويجي لكرة القدم عملية تقديم العطاءات لاستضافة نهائيات كأس العالم 2030 و2034، وقال إنها “معيبة وغير متسقة مع مبادئ إصلاحات الفيفا”، وذلك في رسالة رسمية أرسلها إلى الفيفا، طالب فيها “بمزيد من الشفافية والنزاهة والالتزام الصارم بإصلاحات الفيفا المتعلقة بالحكم الرشيد والشفافية”.
1- حقوق العمال
بحسب تقرير صادر عن هيومن رايتس ووتش، يوجد 13.4 مليون عامل مهاجر في المملكة العربية السعودية، وهو ما يمثل نحو 42% من السكان، ومن المتوقع أن يزداد كلا الرقمين بشكل كبير بعد تجهيزات كأس العالم، وقد أثيرت مخاوف متعددة بشأن حقوقهم، مع مزاعم بفرض رسوم توظيف غير قانونية، والتعرض للحرارة الشديدة، وسرقة الأجور، والسرقات التي لم يحقق فيها، على سبيل المثال، نشرت صحيفة “The Athletic”، في وقت سابق، تقريرًا عن ظروف ترقى إلى العبودية الحديثة في مستودعات شركة “نون”، الراعي الرسمي لنادي نيوكاسل يونايتد، في العاصمة الرياض، مستندين في ذلك على شهادات كثيرة من العمال أنفسهم.
وفي إطار هذه الشهادات، أبلغ عمال “نون” عن جميع مؤشرات العمل القسري الـ 11 التي حددتها منظمة العمل الدولية، وقد شاركت صحيفة “The Athletic” تفاصيل الانتهاكات المزعومة مع العديد من الجمعيات الخيرية والباحثين في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك منظمة مكافحة العبودية الدولية، ومنظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، ومنظمة “فيرسكوير”، و”إيكو يديم”؛ حيث أكدت جميعها على أن التقارير تبدو وكأنها أمثلة على العمل القسري داخل سلسلة توريد “نون”، كما حددتها منظمة العمل الدولية، وهو ما يعتبر في القانون الدولي شكلًا من أشكال العبودية الحديثة.
إذ يقول مصطفى قدري، المدير التنفيذي لشركة إيكو يديم: “يبدو أن العبودية الحديثة منتشرة في واحدة من كبرى الشركات في العالم، وهي شركة مملوكة بنسبة 50% لصندوق الاستثمار العام السعودي، بعد رصد ممارسات داخل سلسلة التوريد الخاصة بهم مثل عبودية الديون، ورسوم التوظيف غير القانونية، والإفراط في العمل، والمضايقة وغيرها من أشكال الاستغلال غير المقبولة على الإطلاق، ويجب أن تستبعد شركة “نون” من كونها راعية لأندية كبرى في الدوري الانجليزي، مؤكدًا على أن “هذا هو مصدر القلق الأكبر بشأن الاستثمار السعودي في كرة القدم؛ حيث يتم وضع الأرباح قبل حقوق الإنسان”.
وعندما توصل فريق التحرير إلى المسؤولين عن الشركة، رفض نيوكاسل ومانشستر سيتي، الشركاء الإقليميون لشركة نون، وصندوق الاستثمارات العامة التعليق على أي شيء، واكتفى المتحدث الرسمي باسم الشركة نفي جميع هذه الادعاءات، قائلًا: “ترفض شركة Noon بشدة هذه الادعاءات باعتبارها تحريفات غير دقيقة، مؤكدًا على أن التزام الشركة برفاهية الموظفين أمر أساسي لعملياتها، ونتيجة لذلك، تلتزم شركة Noon بأفضل الممارسات العالمية في الصناعة؛ بل وتتجاوزها حيثما أمكن ذلك”.
"تلتزم الشركة بشكل كامل بمعايير الصحة والسلامة المحلية والقوانين المعمول بها، مدعومة بعمليات تدقيق داخلية ومستقلة صارمة. ويستند نهجنا بالكامل تجاه رعاية الموظفين إلى رؤى حديثة تخص قواعد حقوق الإنسان المعمول بها". بحسب المتحدث الرسمي لشركة نون.
إضافةً إلى المضايقات التي يتعرض لها العمال فيما يتعلق بتأخير الرواتب رغم قيام السعودية بإصلاح قوانين الكفالة؛ حيث قال أحد العمال المهاجرين لـ “هيومن رايتس ووتش” في وقت سابق: “لقد حصلت على أجري في الموعد المحدد خلال الشهرين الأولين، ولكنني لم أحصل عليه بعد ذلك أبدًا، وعندما طلبت من مديري أن يعطيني الأجر، كان يجيبني: مت أولًا، وسأدفع لك الأجر لاحقًا”، وفي ذلك قال مايكل بيج، نائب مدير منظمة هيومن رايتس ووتش في الشرق الأوسط: “إن المحرك البشري الذي يدير بناء المشاريع العملاقة التي تبلغ قيمتها عدة مليارات من الدولارات في المملكة العربية السعودية هو القوى العاملة المهاجرة، والتي تواجه انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان دون أي سبيل للانتصاف”.
2- المرأة
على الرغم من كل الإصلاحات التي شهدتها المملكة في ملف المرأة بالسنوات الأخيرة، ما زالت تواجه الإصلاحيات والناشطات خطر القمع السياسي، ومن بين هؤلاء كانت الناشطة “لجين الهذلول” التي وجهت إليها تهمة “محاولة زعزعة استقرار المملكة”، وتم الإفراج عنها في 10 فبراير 2021، بعد أكثر من 1000 يوم من الاعتقال. ورغم الإفراج بقيت خاضعة لقيود قانونية، مثل المنع من السفر، واستمرار الملاحقة القضائية، وعقبت الشقيقة الحقوقية لينا الهذلول على تقرير الفيفا قائلةً: “لا نستطيع القول إن السعودية دولة ذات مخاطر متوسطة، لأنها أصبحت دولة بوليسية بحتة”.
صرح مرارًا ولي العهد السعودي بأن الحريات المعززة هي جزء من رؤية 2030، وبناءً على ذلك، أقرت السعودية قانون الأحوال الشخصية الجديد عام 2022، ولكن على الرغم من الإشادة به باعتباره إصلاحًا رئيسيًا من قبل الدولة، فقد انتقدته جماعات حقوق الإنسان مثل منظمة العفو الدولية، باعتباره يقنن التمييز ضد المرأة؛ حيث قالت هبة مرايف، المديرة الإقليمية لمنظمة العفو الدولية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “على الرغم من أن ولي العهد وصف قانون الأحوال الشخصية في المملكة العربية السعودية بأنه خطوة نحو التقدم والمساواة؛ فإنه يفشل في احترام قدرة المرأة على اتخاذ القرارات الحاسمة بشأن حياتها وحياة أطفالها، ويقنن التمييز ضدها”.
وعلى الطرف الآخر، يقول المنظمون إن بطولة 2034 ستفيد كرة القدم النسائية في السعودية، حيث ذكروا في تقييم العرض أن البلاد “حققت خطوات كبيرة في تطوير الاهتمام والمشاركة الشعبية للنساء والفتيات على المستوى النخبوي للعبة؛ حيث أنشأت المملكة دوريين للنساء، وسجلت أكثر من 1000 لاعبة جديدة في السنوات القليلة الماضية، ورأت فريقها النسائي يحقق نجاحاته الأولى”، ولذلك لم يرد أي ذكر لحقوق المرأة، خارج تطوير كرة القدم النسائية في البلاد، في تقييم ملف (الفيفا)، وهو ما اعتبره الناشطون بعدًا عن الحقيقة، مما أدى إلى مخاوف بشأن كيفية التعاطي مع تلك الادعاءات في كأس العالم.
3- حقوق الـ LGBTQI +:
“كجزء من استراتيجية حقوق الإنسان، يلتزم مقدم العرض المقدم لتنظيم بطولة كأس العالم، بضمان بيئة بطولة آمنة وشاملة وخالية من التمييز، من خلال تنفيذ السياسات والإجراءات والتدابير التعليمية لمعالجة التمييز في سياق البطولة”
وفقًا لمؤسسة Human Dignity Trust، وهي مؤسسة خيرية تقدم الحماية القانونية لمجتمع LGBTQ+ على مستوى العالم: “فإن هناك أدلة قوية على تطبيق القانون المجرم للنشاط الجنسي المثلي، وتطبيق العقوبة القصوى التي يمكن فرضها، ألا وهي عقوبة الإعدام، عدة مرات في السنوات الأخيرة إضافة إلى عدد من الاعتقالات”. وقد تعرض استخدام السعودية لعقوبة الإعدام لانتقادات واسعة النطاق من قبل المجتمع الدولي؛ حيث أعدم 306 أشخاص في العام الحالي، وهو أعلى إجمالي في تاريخ البلاد، وبناءً عليه؛ أثيرت مخاوف بشأن سلامة الأشخاص المتحولين جنسيًا ومثليي الجنس داخل البلاد أثناء كأس العالم.
ورغم عدم ذكر أي من “ملف السعودية” أو “تقييم الفيفا” حقوق مجتمع الميم على وجه التحديد، إلا أن السعودية نفسها تؤكد أن أي زائر للبلاد مرحب به بالفعل، حتى إنها غيرت الإرشادات الرسمية الصادرة عن هيئة السياحة السعودية ردًا على سؤال بعنوان “هل يُرحب بالزوار من مجتمع المثليين والمتحولين جنسيًا لزيارة المملكة العربية السعودية؟” ليصبح نصها: “الجميع مرحب بهم لزيارة المملكة العربية السعودية، ولا يُطلب من الزوار الكشف عن مثل هذه التفاصيل الشخصية”. ودون تقديم أي ضمانات بشأن ما إذا كان سيتم القبض على الأفراد بسبب أي نشاط جنسي بين أفراد من نفس الجنس.
كما أكد حماد البلوي، رئيس ملف السعودية لاستضافة كأس العالم، لشبكة سكاي سبورتس: “أن أي شخص سوف يحظى بالاحترام والترحيب في المملكة العربية السعودية، وسوف يكون هذا الاحترام والترحيب موجهًا للجميع من جميع أنحاء العالم، ونحن نحترم خصوصية جميع ضيوفنا”، كما تعهد ياسر المسحل، رئيس مجلس إدارة الاتحاد السعودي لكرة القدم، أن تكون بطولة 2034 “نسخة للتاريخ”، بحيث تجمع الجماهير من مختلف أنحاء العالم على أرض المملكة التي “ترحب دائما بالجميع”. وقال، وفقًا لأسوشيتد برس: “إن الفوز باستضافة المونديال بمثابة الحلم الذي تحقق للسعوديين الذين يملكون شغفا كبيرًا بكرة القدم”، وفي نفس السياق، قال الاتحاد الإنجليزي إنه تلقى “ضمانات” من السعودية بأن مجتمع الميم سيكون “آمنًا ومرحبًا به” في كأس العالم 2034، وهو ما يتشابه مع النهج الذي تبنته قطر في كأس العالم 2022.
4- الضمانات السعودية
وقد تضمنت عملية تقييم ملف الاستضافة التي أجراها الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) ادعاءات جريئة بشأن ضمانات حقوق الإنسان التي تقدمها المملكة العربية السعودية. على سبيل المثال، تقول عملية التقييم إن ملف الاستضافة تعهد بالتزامات بشأن “احترام وحماية وإعمال حقوق الإنسان المعترف بها دوليًا”، بما في ذلك مجالات “السلامة والأمن، وحقوق العمل للعمال المهاجرين، وحقوق الأطفال، والمساواة بين الجنسين وعدم التمييز، فضلاً عن حرية التعبير، (بما في ذلك حرية الصحافة)”. وينص القرار لاحقًا على “الالتزام بضمان أن يكون قانون العقوبات في البلاد والإجراءات الجنائية ذات الصلة المتعلقة بالاحتجاز والمحاكمة العادلة متماشيًا مع أفضل الممارسات والمعايير الدولية”.
كما قدمت السعودية تقييمًا مستقلًا لسياق حقوق الإنسان، أجرته شركة المحاماة كليفورد تشانس، لكن هذا التقييم انتقدته على نطاق واسع 11 منظمة لحقوق الإنسان، ووصفته بأنه “معيب”، ويخاطر بربط الفيفا “بالانتهاكات التي تنتج” عن البطولة، لكن الشركة لم تتطرق إلى هذه النقطة ردًا على جماعات الحقوق، أو حتى عندما اتصل موقع The Athletic بها، كما لم ترد على سؤال: كيف يمكن لتقرير كلف به ودفعه الاتحاد السعودي لكرة القدم أن يدعي أنه تقييم “مستقل”، وبالتالي؛ لم يرد الفيفا أيضًا عندما سُئل عما إذا كانت لديه أي مخاوف بشأن نزاهة التقرير.
مقدمة في الحقوق
وبحسب ما ذكره “كُريم” لـ “مواطن“: إن تلك الاتهامات والأحاديث عن كبت الحريات في السعودية، بالرغم من كل هذا الانفتاح المتواجد في البلاد منذ عدة سنوات، ليس إلا نوعًا من أنواع الصلف الأوروبي المعتاد، وبالتالي فهذا الكلام سيظل مرسلًا ومستمرًا مهما قدمت السعودية من ضمانات، والدليل هو ما حدث في قطر؛ والتي نظمت كأس عالم خالٍ من الأخطاء تقريبًا، ومع ذلك لم تسلم من الادعاءات الكاذبة في أغلبها”. وهنا أيضًا يمكن الإحالة إلى موقف لاعب المنتخب الألماني جواو كيميتش من مونديال قطر، فبعد أن وضع المنتخب الألماني يده على فمه أثناء إحدى مباريات كأس العالم في قطر، اعتراضًا على اضطهاد المثليين في البلاد، خرج كيميتش قبل أسابيع قليلة للاعتذار عن هذا الموقف، مؤكدًا أنهم فهموا الأمر بطريقة غير صحيحة، وأنه ما كان ينبغي له ولزملائه التعبير عن أنفسهم بهذه “الطريقة السياسية”.
وعند سؤال “فكري” عن سبب هذه الاتهامات، وعن الفارق بينها وبين الاتهامات التي سبقت مونديال قطر قال: “إن الاتهامات أو الانتقادات أو التخوفات أكبر من قطر، لأن السعودية ذات خلفية إسلامية أكثر من قطر، وبطبيعة الحال، فإن مشكلات السعودية قد تحسنت مع الوقت، بمعنى أن التخوف الغربي من تطبيق الشريعة الإسلامية وكون السعودية دولة متزمتة دينيًا قد تغير فعلًا، ولم يعد هناك عنصرية ممنهجة ضد الأقليات؛ سواء أكان سيدات أو مثليين أو أجانب أو غيره، ، كما أنها تستطيع فعلًا تنظيم مونديال محترم وناجح جدًا، بدليل تنظيمها لأحداث أخرى في رياضات تانية بشكل ناجح وعالمي”.
ثم أضاف: “إن نجاح بطولة قطر غير من وجهة النظر الغربية بعض الشئ، وأبرز دليل على ذلك؛ هو موقف ألمانيا الداعم للمونديال السعودي، أي أن قطر ساعدت السعودية في تخفيف الضغط عليها، ثم ساعدتها في الاستفادة من الخبرة العربية والخليجية في تنظيم الحدث، وأبسط مثال هو تقبل العالم لفكرة نقل المونديال للشتاء بدلًا من الصيف بسبب درجات الحرارة المرتفعة في الخليج، باختصار؛ وجهة النظر الغربية قد تكون مفهومة كتخوفات وليس كهجوم، ولهذا يمكن الرد عليها بسهولة شديدة”.