تشهد دول الخليج منذ عدة سنوات جدلًا مستمرًا بشأن العمالة الوافدة بشكل عام، والعمالة البنغالية التي تتصدر نسب العاملين بالخليج على وجه التحديد، زادت مؤخرًا بسبب تقارير حذرت من مخاطر أمنية واجتماعية للعمال البنغال داخل تلك الدول، بعد رصد العديد من الجرائم الاجتماعية المرتبطة بهم على حد ما أوردته صحف خليجية بشكل مكثف خلال الأشهر الماضية.
ويبدو أن قضية العمالة البنغالية في الخليج قد تجاوزت حالة الجدل المعتادة، إثر تورط عدد من العمال في جرائم رصدتها أجهزة الأمن في البحرين والإمارات ودول خليجية أخرى؛ ما دفع السلطات لإطلاق تحذيرات جدية من مخاطر توغلهم في المجتمع بشكل مباشر.
يشكل البنغاليون أحد الأعمدة الأساسية في سوق العمل الخليجي؛ حيث يسهمون في تلبية احتياجات القطاعات الحيوية مثل الإنشاءات، الخدمات اللوجستية، والصناعات، ومع ذلك، ترافق هذا الوجود مع تحديات متعلقة بالاندماج والقوانين.
وبالمقابل، تدافع منظمات عمالية وحقوقية عن العمال البنغال، وتعتبر أن هذا النوع من الجرائم هو أمر طبيعي ويحدث في كافة المجتمعات، ولا يمكن تعميمه أو توظيفه لفرض قيود أو تشديدات تتعارض مع حقوق الإنسان.
تحذيرات أمنية
في بيان صدر في 22 من نوفمبر/تشرين الثاني، أعلنت وزارة الداخلية في البحرين عن إحصائيات رسمية تفيد بتصدر العمالة البنغالية قائمة الجرائم الخطرة في البلاد، إضافة إلى كثرة مخالفاتها القانونية بشكل عام، وأكدت الوزارة أن هذا الوضع يشكل “تهديدًا على أمن وسلامة المواطنين، مما يثير القلق بين أفراد المجتمع ويؤثر سلبًا على راحته واستقراره، كما أوضح البيان أن العمالة البنغالية ارتكبت عددًا من الجرائم والمخالفات في البحر، كان آخرها حادث بحري أدى إلى إصابة مواطن بجروح خطيرة وفقدان آخر؛ حيث ما زالت عمليات البحث جارية عنه”.
وأشارت الوزارة إلى أن تزايد هذه الجرائم خلق انطباعًا عامًا بأن هذه العمالة لم تعد مرحبًا بها في المجتمع البحريني، وشددت الوزارة على ضرورة احترام قوانين المملكة وعاداتها وتقاليدها الأصيلة، مؤكدة أن أي انتهاك للقانون، بغض النظر عن حجمه أو طبيعته، سيؤدي إلى توقيف المخالف وترحيله وفق الإجراءات القانونية.
بيان الداخلية البحرينية جاء بعد أشهر قليلة من الإجراءات العقابية التي اتخذتها دولة الإمارات العربية المتحدة ضد عدد من البنغاليين، إثر تظاهرهم في منتصف يوليو الماضي احتجاجًا على الأوضاع السياسية في بلادهم.
ويحظر القانون الإماراتي التظاهرات غير المصرح بها، ويمنع انتقاد الحكام أو الخطابات التي يُعتقد أنها قد تشجع على الاضطرابات الاجتماعية، كما يجرم القانون الإماراتي التشهير والإهانات المكتوبة أو اللفظية، والإساءة إلى الدول الأجنبية، أو تعريض العلاقات معها للخطر.
وتقول لـ”مواطن” الكاتبة الصحفية البحرينية المختصة بحقوق العمال المهاجرين، هناء بوحجي: “إن العاملة البنغالية مثلها مثل العمالة الوافدة أو المهاجرة من أي جنسية أخرى تفد إلى الخليج للعمل في القطاعات المختلفة التي لا تُلبَى حاجتها من السوق المحلية، وبالتالي فهي عمالة مهمة إذا علمنا على سبيل المثال أنها تشكل أكثر من 90٪ من عمالة قطاع الإنشاءات، وقد بلغ عددهم 88٫142 عاملاً بحسب إحصائية مارس 2023، وهي تمثل ثاني أكبر جالية بعد الهندية في البحرين.
وتشير بوحجي إلى أنه “قبل عشر سنوات، كشف السفير البنغلاديشي في البحرين عبر وسائل الإعلام المحلية عن وجود 35 ألف عامل بنغلاديشي مخالف، أو يقيمون في البلاد بصورة غير قانونية، وأوضح حينها أن العدد الإجمالي ربما يكون أكبر من ذلك، مشيرًا إلى أن هؤلاء العمال لم يقوموا بتسجيل بصماتهم، ولا يملكون وثائق أو سجلات رسمية؛ بل إن العديد منهم يفتقرون إلى جوازات سفر أو كفلاء محليين”.
وتتساءل “بوحجي”: “من يتحمل المسؤولية عن هذه الظاهرة؟ هل هي دولة الأصل، التي سمحت بسفر هؤلاء العمال، وربما تغاضت عما يضمن حصولهم على إقامة قانونية وفرص عمل ملائمة؟ أم أن اللوم يقع على دولة المقصد، التي ربما تفتقر إلى أنظمة صارمة تضمن قانونية وجود العمالة الوافدة وجدواها، وتحاسب أصحاب العمل المخالفين؟ أم أن المسؤولية تقع على عاتق العمال أنفسهم، الذين أُجبروا على مواجهة واقع معيشي قاسٍ بسبب أوضاعهم الاقتصادية المتدهورة، ومستوياتهم التعليمية المتدنية، مما دفعهم للاستدانة لتغطية رسوم التوظيف عبر الوسطاء الذين يتنقلون بين بنغلاديش ودول الخليج؟
وتنوه الصحفية البحرينية إلى أن هذه الرسوم تُعد غير قانونية؛ حيث تمنع القوانين في عدد من دول الخليج فرض أي رسوم توظيف على العمال الوافدين، ومع ذلك تستمر هذه الممارسات التي تضيف أعباءً إضافية على هؤلاء العمال”.
البنغال في الخليج: أرقام ومخاوف
يشكل العمال والمقيمون البنغاليون شريحة كبيرة من السكان غير المواطنين في دول الخليج العربي؛ حيث تشير الإحصاءات إلى انتشارهم الواسع في مختلف الدول الخليجية، مما جعلهم جزءًا مهمًا من المشهد الديموغرافي والاقتصادي في المنطقة.
تتصدر السعودية دول الخليج في استضافة الجالية البنغالية؛ حيث بلغ عدد البنغاليين المقيمين فيها نحو 2.1 مليون شخص في عام 2022، أي ما يعادل 15.8% من إجمالي السكان غير السعوديين البالغ عددهم حوالي 13.4 مليون نسمة، وفق بيانات رسمية.
كما تستضيف الإمارات حوالي 600 ألف بنغالي، ما يجعلها ثالث أكبر جالية في الدولة، وفقًا لتقارير صادرة عن قناة “بي بي سي عربية”. يعمل البنغاليون هناك في قطاعات متعددة مثل البناء، الخدمات، والتجارة؛ ما يعكس أهميتهم الاقتصادية للإمارات.
تأتي سلطنة عُمان في المرتبة الثالثة من حيث عدد المقيمون البنغاليون؛ إذ كشف السفير العماني لدى بنغلاديش، عبد الغفار البلوشي، في نوفمبر 2023، أن البلاد تستضيف أكثر من 600 ألف عامل ومهني بنغالي يعملون في مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية.
في الكويت، يبلغ عدد الجالية البنغالية حوالي 300 ألف شخص، يشكلون نحو 90%، منهم عمالة هامشية، وفق تصريحات سفير بنغلاديش لدى الكويت، “إم دي عشيق الزمان”، في يناير 2024. يعمل هؤلاء بشكل أساسي في قطاعات مثل التنظيف، البناء، والخدمات المنزلية.
مواضيع ذات صلة
في البحرين، تُعد الجالية البنغالية ثاني أكبر جالية بعد الهندية؛ حيث يقدر عددهم بنحو 160 ألف شخص، وفقًا لما ذكره سفير بنغلاديش لدى البحرين، محمد نذر الإسلام، في تصريح لصحيفة “الأيام” في ديسمبر 2021.
رغم غياب إحصائية رسمية حديثة، تشير التقديرات إلى أن قطر استضافت حوالي 150 ألف بنغالي حتى عام 2020، ومع مشاريع كأس العالم 2022، زاد العدد بقدوم نحو 50 ألف عامل إضافي للمشاركة في بناء المنشآت الرياضية والبنية التحتية.
يقول الإعلامي السعودي خالد مجرشي لـ”مواطن”: “إن العمالة البنغالية في دول الخليج جزء كبير من القوى العاملة الوافدة، ومع ذلك، أثارت هذه العمالة بعض التحديات المرتبطة بتأثيرها على سوق العمل المحلي والجوانب الاجتماعية والأمنية”.
ويوضح مجرشي أن العمالة البنغالية تشكل نسبة كبيرة من إجمالي العمالة الوافدة في دول الخليج. وبحسب الإعلامي السعودي، يتركز معظم العمال البنغاليين في قطاعات منخفضة المهارات؛ مثل البناء والتنظيف والخدمات العامة، وغالبًا ما يتقاضون أجورًا متدنية. يبرز الاعتماد على هذه العمالة بسبب انخفاض تكلفتها مقارنة بعمالة دول أخرى.
وينوه “مجرشي” إلى أن اقتصادات دول الخليج تعتمد بشكل كبير على العمالة الوافدة، إلا أن العمالة البنغالية، مع عددها الكبير، أثارت تحديات تتعلق بالتوازن في سوق العمل المحلي؛ فهي تؤدي إلى زيادة المنافسة في القطاعات منخفضة المهارات؛ ما يعوق فرص المواطنين في هذه القطاعات.
كذلك ينوه إلى أن أبرز التحديات المرتبطة بالعمالة البنغالية في السعودية والخليج قضايا الاتجار بالبشر، وانتهاك أنظمة الإقامة والعمل في السعودية، تم تسجيل حالات عديدة لعمالة بنغالية متورطة في أنشطة غير قانونية مثل التهريب أو تقديم خدمات غير مرخصة.
من جهتها تنوه الصحفية البحرينية هناء بو حجي، إلى أن العمالة البنغالية من بين الأرخص في سوق العمل، وهو ما يرتبط بانتشار أعداد كبيرة من العمال الذين يعملون في أوضاع غير نظامية. الكثير منهم يدخلون سوق العمل عبر نظام “الرخص الحرة” (فري فيزا)؛ حيث يشترون تأشيراتهم من كفلاء بحرينيين مقابل رسوم سنوية، مقابل السماح لهم بالعمل بحرية. ومع ذلك، يواجه هؤلاء العمال صعوبات في تجديد إقاماتهم بسبب عدم قدرتهم على تسديد الرسوم، ما يجعل وضعهم القانوني هشًا ويضطرهم لقبول أي عمل متاح لتأمين معيشتهم.
وتشير إلى أنه نتيجة لوضعهم غير القانوني، يتعرض هؤلاء العمال للاستغلال من أصحاب العمل؛ سواء أكان من خلال فرض أجور منخفضة، أو الامتناع عن دفع أجورهم بالكامل، وهو ما يعرف بـ”سرقة الأجور”؛ فخوف العمال من الترحيل يمنعهم من تقديم شكاوى للجهات المختصة، مما يعزز رغبة أصحاب العمل في توظيفهم؛ خاصة في القطاعات كثيفة العمالة مثل البناء.
ورغم أن العمالة البنغالية ليست معروفة بمهارات متميزة؛ فإن هشاشتها القانونية تجعلها خيارًا جذابًا لأرباب العمل الباحثين عن خفض التكاليف، وفق بوحجي. أما العمالة ذات المهارات الأعلى؛ فهي متوفرة من دول أخرى مصدّرة للعمالة إلى الخليج. ومع ذلك؛ فإن ضمان أوضاع قانونية وإنسانية أفضل للعمال يتطلب مزيدًا من الصرامة من الدول المصدّرة، مما يؤدي إلى زيادة التكاليف. هذه الكلفة تعتبر ضرورية لتحقيق معايير حقوقية وإنسانية مثالية.
"العديد من العمال يضطرون للعمل ساعات طويلة بأجور متدنية، مما يجعلهم عرضة للضغوط النفسية والاجتماعية التي قد تدفع البعض منهم للبحث عن طرق غير قانونية لتحسين أوضاعهم"، أحد ممثلي جمعيات العمالة البنغالية في الكويت، لمواطن.
دور العمالة البنغالية في الاقتصاد الخليجي
يشكل البنغاليون أحد الأعمدة الأساسية في سوق العمل الخليجي؛ حيث يسهمون في تلبية احتياجات القطاعات الحيوية مثل الإنشاءات، الخدمات اللوجستية، والصناعات. ومع ذلك، ترافق هذا الوجود مع تحديات متعلقة بالاندماج والقوانين؛ حيث تواجه بعض الجاليات البنغالية اتهامات متكررة بارتكاب مخالفات قانونية وأمنية؛ ما أثار مخاوف بين السكان المحليين، وأدى إلى تشديد الرقابة القانونية في بعض الدول.
ويرى الخبير الاقتصادي الكويتي نادر العبيد، أن الحديث عن العمالة الوافدة يجب أن يركز على دورها العام في دعم الاقتصاد الخليجي، وليس على جنسية بعينها، مشيرًا إلى أن العمالة البنغالية مثلًا، لا تُصنف كحالة استثنائية؛ بل تمثل جزءًا من منظومة أوسع تعتمد على توزيع المهام بما يتناسب مع احتياجات الاقتصاد وطبيعة المهن.
ويوضح “العبيد” في حديث لـمواطن أن هناك مهنًا في دول الخليج، وخصوصًا في الكويت، لا يعمل بها المواطنون المحليون، مما يستوجب الاستعانة بعمالة متخصصة من دول أخرى، مثل شرق آسيا. وضرب مثالًا بالعمالة الفلبينية التي تلعب دورًا محوريًا في قطاعات مثل المطاعم وقطاع التجزئة، مؤكدًا أن هذه العمالة تمثل قيمة مضافة إذا تم توظيفها بكفاءة ومهنية. وأضاف: “العمالة الوافدة ليست عبئًا؛ بل مكونًا أساسيًا في الاقتصادات الخليجية”.
وأشار “العبيد” إلى أن العمالة الوافدة تبرز بشكل خاص في مجالات مثل القطاع الصحي، القطاع التعليمي، والخدمات العامة. وغالبًا ما يتم استقدامهم بعقود رسمية عبر شركات متخصصة. لكنه حذر من أن غياب الضوابط قد يؤدي إلى مشكلات ثقافية وسلوكية تؤثر على المجتمع.
وعن التأثير الثقافي، أوضح العبيد أن استقدام عمالة من بلاد الشام، شرق آسيا، وغيرها أسهم في تنوع ثقافة المجتمع، مستشهدًا بتأثير العمالة السورية في تطوير قطاع المطاعم في مصر وتركيا، وكذلك العمالة من شرق آسيا التي قدمت أطباقًا جديدة مثل المطبخ الصيني والهندي والكوري.
وعلى الصعيد المالي، أشار “العبيد” إلى أن العمالة الوافدة تسهم في تحويلات مالية كبيرة. ففي الكويت، تُقدر هذه التحويلات بـ4-4.5 مليار دولار سنويًا، ما يعادل نحو مليار إلى مليار ونصف دينار كويتي. وشدد على أن غياب فرض الضرائب على هذه التحويلات يمثل خسارة لإيرادات الدولة، داعيًا إلى تبني سياسات مالية متوازنة لدعم الخزينة العامة.
وأكد العبيد أن تنظيم تدفق العمالة الوافدة ومراقبة مخرجات السوق أمر حيوي لتجنب الآثار السلبية على التركيبة السكانية والبنية التحتية، كما دعا إلى توسيع نطاق استقدام الكفاءات من مناطق أخرى، مثل دول أمريكا اللاتينية، والتي تتميز بمهارات عالية في القطاع الطبي.
كذلك يشدد العبيد على أن العمالة الوافدة تمثل عنصرًا أساسيًا في دعم الاقتصاد الخليجي ونقل التكنولوجيا والمعرفة، مع ضرورة فرض رقابة صارمة لضمان الاستفادة القصوى من هذه الكفاءات دون الإضرار بالنسيج الاجتماعي أو الثقافي.
من جهتها ترى هناء بوحجي أن ضبط القوانين المتعلقة بالعمالة البنغالية، يمثل حلًا جوهريًا لإنهاء المشكلات المتعلقة بها، وتقول لـمواطن: “المعادلة -نظريًا- سهلة جدًا؛ سن القوانين ووضع التشريعات التي تكفل حقوق وواجبات كل من العمال وأصحاب العمل، والتأكد من إنفاذ هذه القوانين، وكذلك الصرامة في معاقبة “سماسرة” الأشخاص أو المتاجرين بالبشر الذين يخدعون الباحثين عن عمل في الدول الفقيرة، ويجلبونهم إلى أوضاع مجهولة، لابد من التأكد من جلب العمالة المتخصصة لكل قطاع، وليس جلب مئات الآلاف من العمالة غير الماهرة وتسريحها لكسب عيشها من الشارع بأي طريقة كانت”.
قلق مجتمعي
ولا يُخفي مواطنو الخليج قلقًا من مخاطر اجتماعية محتملة للعمالة الخليجية، وقد عبر بعض من تحدثنا معهم عن ذلك بشكل صريح، في حين يرى آخرون أن الأمر يحتاج ضبط قانوني ليس أكثر، مع مراعاة حقوق العمالة والوافدين.
يقول عبدالله الكعبي، مواطن من الإمارات، إنه يلاحظ تزايد الأخبار المرتبطة بمخالفات قانونية وجنائية لعمالة وافدة؛ خاصة البنغالية، مثل الاتجار غير المشروع أو السرقات الصغيرة، ويضيف: إن العمالة البنغالية تحديدًا تواجه مشكلات تتعلق بالاندماج واحترام القوانين المحلية، مما يثير قلقه من تأثير ذلك على الأمن المجتمعي. وأشار إلى أن تنظيم العمالة بشكل أكثر دقة وربطها ببرامج تدريبية صارمة قبل استقدامها، يمكن أن يخفف من هذه المشكلات.
كذلك يعبر فهد المطيري من السعودية عن قلقه من تقارير تشير إلى تورط بعض العمالة البنغالية في جرائم مثل التهريب أو التزوير، مشيرًا إلى أن العدد الكبير من هذه العمالة يصعب مراقبته بفعالية، ويضيف أن هناك حاجة لتشديد الرقابة على مكاتب الاستقدام ومراجعة تاريخ العاملين المستقدمين لضمان أنهم ليسوا من أصحاب السوابق الجنائية. ويقول إن هذه العمالة ضرورية لقطاعات كثيرة، ولكنها بحاجة إلى تنظيم وإدارة أفضل.
أما سارة الجابري من البحرين فترى أن العمالة البنغالية أساسية في العديد من القطاعات الخدمية، لكنها تخشى من التقارير التي تشير إلى ارتفاع الجرائم المتعلقة بالعمالة الوافدة بشكل عام، مشيرة إلى أهمية التركيز على توعية هؤلاء العمال بالقوانين المحلية وتحسين أوضاعهم المعيشية لتجنب خلق بيئة تسهم في زيادة معدلات الجريمة.
كيف يرى العمال البنغاليون تلك الاتهامات؟
تحدثت “مواطن” أيضًا مع عدد من العمال البنغال في دول الخليج، عبروا عن رفضهم لتعميم الأحكام عليهم، وتوظيف بعض السلوكيات غير الصحيحة لممارسة انتهاكات بحقهم، مثلًا يقول محمد رحمن (اسم مستعار لأحد ممثلي جمعيات العمالة البنغالية في الكويت): إن العمالة البنغالية تواجه تحديات كبيرة في دول الخليج، أبرزها ظروف العمل القاسية، وعدم توفر الضمانات الكافية لحمايتهم من الاستغلال.
ويشير إلى أن “العديد من العمال يضطرون للعمل ساعات طويلة بأجور متدنية، مما يجعلهم عرضة للضغوط النفسية والاجتماعية التي قد تدفع البعض منهم للبحث عن طرق غير قانونية لتحسين أوضاعهم”، مؤكدًا أن تحسين ظروف العمل وتوفير دعم قانوني أكبر للعمالة يمكن أن يساهم في تقليل المشكلات المرتبطة بهم.
كذلك يوضح عبد الكريم إسلام، وهو عامل إنشاءات في قطر، أن هناك سوء فهم كبيرًا يتعلق بالعمالة البنغالية؛ حيث يتم أحيانًا تعميم التهم على الجالية بأكملها بسبب أفعال قلة من الأفراد، ويؤكد أن غالبية العمال البنغاليين يأتون لدول الخليج للعمل بجد وكسب رزقهم بشكل شريف، ولكن عدم تلقيهم التوجيه الكافي عند وصولهم يجعلهم يواجهون صعوبات في الالتزام بالقوانين المحلية، وطالب عبد الكريم بتقديم برامج تثقيفية للعمالة الوافدة فور وصولهم لتعريفهم بالأنظمة والقوانين.
ويرى أكرم حسين وهو عامل في البحرين، أن السبب الرئيس وراء المشكلات التي يواجهها العمال البنغاليون، هو الاعتماد الكبير على مكاتب استقدام غير منظمة في بنغلاديش؛ حيث يتم وعد العمال بوظائف جيدة وأجور مرتفعة، لكنهم يفاجؤون بواقع مختلف عند وصولهم، وأضاف أن العديد من العمال يواجهون صعوبة في توفير تكاليف الإقامة والإعاشة بسبب الأجور المتدنية، مما يدفعهم للعيش في ظروف سيئة تزيد من معاناتهم.
ختامًا، يبقى مستقبل العمالة البنغالية في الخليج مرهونًا بالتوازن بين حاجة الدول لهذه العمالة وسياسات تنظيم سوق العمل، لضمان تحقيق الاستفادة المتبادلة والحد من التوترات الاجتماعية والقانونية، كما تعكس العمالة البنغالية في الخليج معادلة معقدة بين الإسهام في سوق العمل، والتسبب في تحديات اجتماعية وأمنية. تحتاج دول الخليج، وخاصة السعودية، إلى تعزيز أنظمة استقدام العمالة وتطبيق قوانين صارمة لحماية العمالة وتنظيمها بما يخدم المصلحة الوطنية مع الحفاظ على حقوق العمال الوافدين.