منذ اندلاع حرب غزة عقب عملية “طوفان الأقصى”، أصبحت الدوحة محط أنظار العالم، باعتبارها مركزًا لمحادثات التفاوض حول الأسرى والرهائن وكافة التطورات المتعلقة بالهدنة وشروطها. في العقد الأخير، أبدت قطر اهتمامًا متزايدًا بدعم حركة حماس، سواء أكان ماديًا أو معنويًا، ووفرت لها مكتبًا في الدوحة منذ عام 2012 لإدارة أنشطتها. كما كانت عاصمتها تستضيف فعاليات هامة تتعلق بالمقاومة الفلسطينية، مع حفاظها على علاقات جيدة مع الأطراف المختلفة، بما في ذلك إسرائيل، مما مكنها من لعب دور الوسيط الفاعل.
إلى أي مدى تتمتع السياسة الخارجية القطرية باستقلالية حقيقية؟
إلا أن المشهد تغيّر في نوفمبر الماضي، عندما تداولت الأنباء خبر مغادرة قيادات حماس وعائلاتهم قطر؛ في خطوة أشارت إلى توتر في العلاقة بين الطرفين. تصريح رسمي قطري أكّد انتهاء دور الوساطة؛ حيث أعلن ماجد الأنصاري، المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، أن وجود مكتب لحماس في الدوحة كان مرتبطًا بجهود الوساطة، والتي لم تعد قائمة حاليًا. مع ذلك، امتنع الأنصاري عن توضيح ما إذا كانت قطر قد طلبت رسميًا من مسؤولي حماس مغادرة أراضيها.
ولم تمضِ سوى أيام قليلة حتى تراجعت قطر عن موقفها السابق وأعادت تأكيد دورها كوسيط، وفق ما أعلنته خلال منتدى الدوحة. جاء هذا التحول بعد وقت قصير من الإعلان عن سقوط نظام بشار الأسد وسيطرة هيئة تحرير الشام المسلحة على السلطة في سوريا، وسط ترحيب غربي.
يبدو أن السياسة الخارجية القطرية تتحرك بمرونة وفق التحولات الإقليمية في إطار براغماتية مدروسة. لكن يبقى السؤال: هل كان هذا القرار نابعًا من إرادة قطرية خالصة، أم نتيجة لضغوط أمريكية؟ وإلى أي مدى تتمتع السياسة الخارجية القطرية باستقلالية حقيقية؟
هذا التساؤل يزداد إلحاحًا بالنظر إلى التقارير التي تربط موقف قطر الأول بغضب أمريكي وضغوط لطرد حماس من أراضيها. ومع ذلك، تغيّر هذا الموقف لاحقًا، ربما بسبب التحولات في سوريا ورؤية أمريكية جديدة لدور قطر. قد تكون واشنطن ارتأت أن تلعب قطر دورًا حيويًا في المرحلة المقبلة كهمزة وصل مع الإسلاميين في سوريا، لضمان التناغم بينهم وبين حليفتها إسرائيل، استنادًا إلى الخبرة التي اكتسبتها الدوحة من تجارب الوساطة السابقة.
يشير الباحث مروان قبلان إلى أنه بالرغم من اصطدام قطر بواقع جيوسياسي معقد، تمكنت قطر من توظيف التكنولوجيا المتقدمة ومواردها المالية، إلى جانب قيادة طموحة، لانتزاع دور مؤثر في الساحة الإقليمية.
أوضحت لـمواطن، الباحثة المتخصصة في الشؤون السياسية العربية، صافيناز أحمد، أن الدور السياسي القطري يتأثر بطبيعة علاقتها مع الولايات المتحدة وإدارتها السياسية. ففي ولاية ترامب الأولى، كانت العلاقات الأمريكية-القطرية متوترة، واستغلت دول الخليج تلك الفترة لفرض مقاطعة إقليمية على قطر، متذرعة بدعمها لجماعات صُنف بعضها كإرهابية.
واستطردت: “تعرضت قطر حينها لضغوط مشتركة من دول الخليج والولايات المتحدة، وصلت إلى حد التهديد بعمل عسكري، بناءً على اتهامات بتقديمها الدعم لتلك الجماعات أو إيوائها، إضافة إلى تأثيرها الإعلامي من خلال شبكة الجزيرة. دفعت هذه التحديات قطر إلى التحالف الاستراتيجي مع تركيا لمواجهة هذا التكتل الإقليمي، ما ساهم في إجهاض السيناريوهات التي هددت استقرارها”.
وأضافت: “مع المصالحة الخليجية في السنوات اللاحقة، شهدت المنطقة مرحلة من التهدئة الشاملة؛ خاصة بعد تغير الأوضاع الإقليمية عقب عملية “طوفان الأقصى” عام 2023. تزامن ذلك مع تقارب تركي-مصري وسعودي-إيراني برعاية صينية، مما عكس تحولًا في المشهد الإقليمي مقارنة بفترة ترامب الأولى”.
وأكملت حديثها قائلة: “في هذا السياق، أعادت قطر ضبط سياستها الخارجية؛ حيث أصبح دعمها لبعض الجماعات أكثر هدوءًا وانضباطًا. كما أجرت تغييرات كبيرة على هياكل اتخاذ القرار في وزارة الخارجية، وغيّرت نمط الأداء الإعلامي لشبكة الجزيرة، إحدى أبرز أدوات قوتها الناعمة. يعكس هذا التحول استراتيجية قطرية جديدة في ظل أجواء التهدئة الإقليمية، وهو ما انعكس أيضًا على علاقاتها مع جيرانها الخليجيين بما في ذلك مصر”.
البحث عن دور إقليمي
في كتابه الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات “قطر: دراسة في السياسة الخارجية”، يصف زهير المخ قطر بأنها دولة تتحدى أدبيات العلاقات الدولية التقليدية، التي تعجز عن تفسير نموها السياسي وصعودها الإقليمي. فبرغم صغر مساحتها التي لا تتجاوز 12 ألف كيلومتر مربع، وقلة عدد مواطنيها الذين يمثلون 15% فقط من سكانها، نجحت قطر في فرض نفسها كلاعب رئيس في الشرق الأوسط، متجاوزة دور الفاعل الثانوي الذي يتأثر بسياسات القوى الكبرى.
اعتمدت قطر لتحقيق هذا الصعود على دبلوماسية نشطة تقوم على الوساطة وتقديم المساعدات الإنسانية، مدعومة بعلاقات اقتصادية واستثمارات ذكية. وشهدت مرحلة الربيع العربي صعودًا استثنائيًا للدور القطري إقليميًا؛ حيث حلت الدوحة محل القاهرة والرياض في ملفات حساسة؛ مثل القضية الفلسطينية.
ويشير الباحث مروان قبلان في دراسة له إلى أن قطر خلال هذه الفترة نجحت في تبني استراتيجيات قللت من تأثير القيود البنيوية المفروضة على الدول الصغيرة. وبرغم اصطدامها بواقع جيوسياسي معقد، تمكنت قطر من توظيف التكنولوجيا المتقدمة ومواردها المالية، إلى جانب قيادة طموحة، لانتزاع دور مؤثر في الساحة الإقليمية.
تمكنت قطر من بناء شبكة علاقات إقليمية ساعدتها في مواجهة التحديات الأمنية؛ لا سيما مع الضغوط السعودية التي رفضت استقلال سياستها. ونجحت في موازنة هذا الضغط من خلال تحالفات مع إيران أو تركيا، وأحيانًا مع كليهما. كما استفادت من غياب إعلام عربي حر، لتتحول إلى مركز إعلامي وفكري وثقافي بديل، معززة مكانتها الإقليمية.
إلى جانب ذلك، كان دور الوساطة في النزاعات الدولية والعمل الإنساني في مناطق الأزمات أحد الأدوات الأساسية، التي وظفتها قطر لتشكيل صورة ذهنية إيجابية على الساحة الدولية. وبهذه الاستراتيجيات، حولت قطر دورها الإنساني والدبلوماسي إلى رافعة إقليمية، مكنتها من انتزاع مكانة بارزة بين قوى كبر ى أكثر نفوذًا.
بين الشعارات والتفاهمات الأمريكية
لكن هل يختلف الدور القطري في الصراع العربي الإسرائيلي؟ رغم أن قناة الجزيرة، المنبر الإعلامي الأبرز لقطر، انتقدت العديد من الدول العربية واتهمتها بالتراجع عن دعم القضية الفلسطينية والتبعية للولايات المتحدة؛ فإن السؤال يظل قائمًا: ماذا عن قطر نفسها؟ ألم تكن تحركاتها في ملف الصراع العربي الفلسطيني؛ وخاصة تعاملها مع حركة حماس، تتم تحت أضواء خضراء من الإدارة الأمريكية؟
ينظر القوميون والمتعاطفون مع القضية الفلسطينية إلى قطر باعتبارها “الحضن الدافئ” للمقاومة الفلسطينية، بوصفها البلد العربي الوحيد الذي يستضيف حماس ويدعمها. ورأوا في ذلك تأكيدًا على المكانة التي تحتلها الدوحة كمركز للتفاوض؛ في ظل تراجع أدوار عواصم عربية أخرى مثل الرياض والقاهرة. لكن الوقائع كشفت أن الأمر أكثر تعقيدًا، وأن انتقال ملف المفاوضات والمباحثات بين أطراف الصراع إلى الدوحة ليس انعكاسًا لمكانة قطر بقدر ما هو جزء من حسابات المصالح المشتركة مع واشنطن.
تبدو هذه الحسابات مرتبطة بتفاهمات بين قطر والولايات المتحدة؛ خاصة فيما يتعلق بإدارة العلاقة مع إسرائيل وأسلوب واشنطن في التعاطي مع الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية. يفسر ذلك التحولات الأخيرة في السياسة القطرية، بدءًا من إعلان تخليها عن الوساطة مع حماس، وصولًا إلى التصريح المفاجئ في منتدى الدوحة باستئناف جهود الوساطة من جديد.
من يتابع تطور الدور القطري؛ خصوصًا منذ استقبال مكتب حماس في الدوحة عام 2012 بعد اندلاع الحرب السورية، يلاحظ بوضوح البصمات الأمريكية التي أثرت في هذا التحول. فقد تم نقل مكتب حركة حماس من دمشق إلى الدوحة بناءً على تفاهمات مع الولايات المتحدة وإسرائيل.
وفقًا لما أكده موسى أبو مرزوق، أحد قادة حماس؛ فإن وجود الحركة في قطر جاء بطلب مباشر من الإدارة الأمريكية، التي حثت الدوحة على استضافة المكتب. هذه التصريحات تكشف عن أبعاد الدور القطري الذي لا يمكن فصله عن ترتيبات أوسع ضمن السياسات الأمريكية في المنطقة.
وكما كانت البداية بطلب أمريكي، كان إعلان قطر عن تجميد وساطتها بضغط أمريكي؛ حيث تغير الموقف الأمريكي بعد طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، وذكرت مصادر إعلامية أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أبلغ قطر بضرورة تحذير حماس من أنها تخاطر بالطرد من الدوحة إذا لم توافق على وقف الحرب. وقامت مجموعة بارزة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي بتقديم مطالب عدة؛ منها تجميد الأصول الخاصة بأعضاء حماس في الدوحة. واتهمتهم بأن وجودهم بقطر أتاح لهم التنسيق مع جهات إيرانية. وذكرت صحيفة دولية إلى تصريح أحد أعضاء وفد حماس بأنه أحيط علمًا بطلب أمريكا طردها من قطر. وذكرت “CNN”، أن أمريكا تطالب قطر بالتهديد حماس بالطرد من البلاد كوسيلة ضغط في محادثاتها مع حماس. وفي التاسع من نوفمبر الماضي، أبلغ مسؤول أمريكي أنه لم يعد من الممكن الترحيب بقيادة حماس في عواصم أي شريك أمريكي. وكشفت صحيفة أمريكية أن الدافع الرئيس لطرد حماس من قطر جاء بعد وفاة الرهينة الأمريكي الإسرائيلي هيرس غولبرغ بولين.
وكما بدأت استضافة قطر لمكتب حماس بطلب أمريكي، جاء إعلان الدوحة عن تجميد وساطتها بضغط أمريكي متجدد؛ خاصة بعد أحداث طوفان الأقصى في الـ 7 من أكتوبر 2023؛ فقد أشارت مصادر إعلامية إلى أن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، أبلغ قطر بضرورة تحذير حماس من أنها تواجه خطر الطرد من الدوحة إذا لم توافق على وقف الحرب.
كما دفعت مجموعة بارزة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي بمطالب تضمنت تجميد أصول أعضاء حماس الموجودة في قطر، متهمين إياهم باستخدام وجودهم في الدوحة للتنسيق مع جهات إيرانية. من جهة أخرى، ذكرت شبكة CNN أن أحد أعضاء وفد حماس أكد تلقيه إشعارًا بطلب الولايات المتحدة طرد الحركة من قطر. كما نقلت أن الولايات المتحدة طلبت من قطر استخدام تهديد الطرد كوسيلة ضغط خلال المحادثات مع حماس. وفي الـ 9 من نوفمبر الماضي، صرّح مسؤول أمريكي بأنه لم يعد من الممكن الترحيب بقيادة حماس في عواصم أية دولة شريكة للولايات المتحدة. كما كشفت أن السبب الرئيسي وراء الضغط لطرد حماس من قطر كان وفاة الرهينة الأمريكي الإسرائيلي هيرس غولبرغ بولين.
حسابات جديدة ودور معقد
قالت الباحثة والمحللة السياسية الفلسطينية، د. رهام عودة، لمواطن: “إن هناك قرارًا لوجيستيًا وعملياتيًا يتعلق بتمديد مدة عمل مكتب حماس في الدوحة، بما يتماشى مع الدور القطري في الوساطة بين حماس وإسرائيل؛ حيث يُتيح ذلك فرصة للتشاور المباشر تحت غطاء دولي”.
وأضافت: “إن قطر توصلت في الآونة الأخيرة إلى قناعة بأن قيادة حماس متصلبة في مواقفها، ولن توافق على صفقة مع إسرائيل، مما جعل وجود المكتب في الدوحة غير ضروري. وقررت قطر عدم تحمل عبء مفاوضات الصفقة بمفردها؛ فضلًا عن عدم رغبتها في تحمل المسؤولية الأمنية لحماية قادة حماس بعد تهديدات إسرائيل باغتيالهم”.
وأشارت “عودة”، إلى أن قطر كانت تخشى أن يساء فهم نواياها في قضية غزة؛ خاصة في ظل تدخلها لإيقاف الحرب وحماية المدنيين، من أن تُستخدم ضدها من قبل الإدارة الأمريكية، إذ قد يتهمها ترامب أو عائلات الأسرى الإسرائيليين من ذوي الجنسية الأمريكية بدعم الإرهاب؛ في ظل تصنيف حماس كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة. لذا، قررت قطر عدم الاستمرار في الوساطة مع حماس، لكنها لم تتخل عن القضية الفلسطينية، مؤكدة أن حماس تمثل نفسها فقط وليس الشعب الفلسطيني بأسره. وأضافت أن هناك توقعات كبيرة بأن تستمر قطر في التعاون مع مصر لجهود وقف إطلاق النار وإعادة إعمار غزة.
وفيما يتعلق بدور مصر، أوضحت “عودة” أن قطر وصلت أخيرًا إلى قناعة بأن مصر تمتلك خبرة أكبر في الملف الفلسطيني، ولذلك فضلت أن تقود مصر ملف الصفقة، استنادًا إلى تجاربها الناجحة في صفقة تحرير الأسرى؛ مثل صفقة شاليط. كما أشارت إلى أن قطر كانت تخشى من فقدان دورها كحليف رئيس للولايات المتحدة؛ خاصة في ظل المواقف الحادة من بعض التيارات الديمقراطية في الكونجرس الأمريكي، التي قدمت مشروع قرار ينهي وضع قطر كحليف رئيس لأمريكا في الشرق الأوسط.
وأكملت الباحثة، أن قطر كانت ترد على هذه الضغوط الأمريكية بتحديد دورها في المفاوضات، مشيرة إلى تعنت أحد الأطراف؛ في إشارة إلى الموقف الإسرائيلي. وفي أعقاب هذه الضغوط، أعلنت قطر عن مغادرة قياديي حماس وعائلاتهم، مع تعليق وساطتها في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة. ولكن، وبعد فترة قصيرة؛ فاجأت قطر الجميع بإعلان عودتها للوساطة، وذلك بعد سقوط نظام الأسد في سوريا وسيطرة الجماعات المسلحة على الحكم. هل كان ذلك مجرد مصادفة؟ أم أن الولايات المتحدة كانت قد توافقت مع قطر على هذا التحول في السياسة بعد أحداث غزة؟
قطر والقضية الفلسطينية.. هل قدمت شيئًا؟
أكد لـمواطن، د. ماجد خضير، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بين النهرين، أن التغيير السياسي في قطر منذ تولي الشيخ حمد بن خليفة ومن بعده ابنه الشيخ تميم، وطبيعة انخراطهما في القضايا والأحداث في المنطقة العربية، يبرز دور قطر المهم. وقد استطاعت الدوحة من خلال هذا الدور تحقيق أجندات خارجية، ظاهريًا أمريكية، لكن المستفيد منها في الواقع هو إيران. وأضاف خضير أن قطر كانت تنتقد الأنظمة والشعوب العربية بسبب هزائمهم عام 1967 وغيرها من المحطات التاريخية، بينما كانت تُعيد فتح ملفات قديمة وتستثمر فيها لتأجيج مشاعر الشعوب ضد أنظمتها، مُشيرة إلى برامج تم تقديمها تُسيء للرمز الفلسطيني ياسر عرفات وتحض على تأييد حماس.
وأدان خضير الوساطات القطرية، مُؤكدًا أن قطر لم تُحقق أي نجاح حقيقي في رأب الصدع أو تقديم حلول واقعية؛ بل كانت تُسهم في خلق الخراب والاقتتال. كما أشار إلى أن الدور القطري في أزمة اليمن، خلال “عاصفة الحزم”، أظهر تعاونًا مع مجريات الأحداث العسكرية، معتبرًا أن قطر كانت تنكأ جراحات العرب وتبتز جيرانها الخليجيين. وعن حماس، قال “خضير” إن قطر لم تقدم شيئًا لغزة سوى بيع الشعارات، ولن يكون لحماس أي دور مستقبلي في غزة، حتى إذا عادت؛ فسيكون ذلك دون جدوى.
من جهة أخرى، ترى صافيناز أحمد أن قطر ستسعى في المستقبل إلى التخلص من الضغوط الأمريكية المتزايدة؛ خصوصًا مع قدوم دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مجددًا. وتوقعت أن تسعى قطر لإخراج حماس من أراضيها لتخفيف العبء عن سياستها الخارجية؛ خاصة فيما يتعلق بملف الصراع العربي الإسرائيلي.
أما عن استمرار الدور القطري في المرحلة الحالية؛ فيُرجع خضير ذلك إلى قدرة قطر على التواصل مع قيادات حماس أو ما تبقى منهم، بهدف التأثير في موضوع الرهائن، وهو دور مفروض عليها بسبب الضغوط الأمريكية والإسرائيلية. ونتيجة لذلك، طالبت قطر مغادرة حماس لأراضيها.
وفيما يتعلق بمستقبل السياسة الخارجية القطرية، تقول صافيناز أحمد لمواطن: “في ظل عودة ترامب، سيكون من المهم متابعة ما إذا كانت السياسة الأمريكية ستستمر في كونها تصادمية مع بعض الدول، دون تحديد حدود أو خطوط لتقليص السياسة الأمريكية تجاهها، ومن بينها قطر”. وتُرجح “أحمد” أن السياسة الخارجية القطرية في عام 2025 ستكون متأرجحة بين الترقب والتوازن؛ خاصة في الشهور الأولى، إلى أن يتضح التوجه الأمريكي الجديد تجاهها. ومن المتوقع أن يكون التغيير في السياسة القطرية محدودًا ومحسوبًا؛ حيث ستركز على مرحلة من الانخراط الهادئ في سياسة الوساطة.
وختامًا، تؤكد المعطيات أن الدور القطري كوسيط في الشرق الأوسط يتم بتفاهمات أمريكية-إسرائيلية، مثلما ظهر في التحول السريع من التخلي عن وساطتها مع حماس إلى العودة إليها بعد تطورات الأحداث في سوريا وسقوط النظام فيها، وهو أمر لا يمكن فصله عن السياق العام.
نفس هذا الدور تسعى الولايات المتحدة لتوظيفه في التعامل مع المستجدات في سوريا، وهو ما أكده الدكتور ماجد الأنصاري، المتحدث الرسمي باسم الخارجية القطرية، عندما صرّح بأن أبواب قطر مفتوحة لجميع السوريين، كاشفًا عن وجود تواصل بين الدوحة وجميع الأطراف السورية، بما في ذلك هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الجولاني، التي أُعلن عن فتح قنوات اتصال معها.
يتزامن ذلك مع إعلان الخارجية القطرية إعادة فتح سفارتها في دمشق بعد 13 عامًا من إغلاقها، إثر هجمات شنها مؤيدو الأسد على المجمع احتجاجًا على تغطية قناة الجزيرة لأحداث الثورة السورية. كل هذه التطورات تشير إلى احتمال تولي قطر دور وساطة جديد مع الجماعات المسلحة في سوريا، مستندة إلى خبراتها السابقة، بالتوازي مع وساطتها مع حماس، وربما بارتباط بين الدورين.