“نحن أمام كارثة بيئية”.. بهذه الكلمات يصف الخبير البيئي أنور الشاذلي مدى ضرر ظاهرة الاحتطاب الجائر في اليمن؛ حيث بلغ عدد الأشجار التي قُطعت بغرض الاحتطاب في 18 محافظة من المحافظات اليمنية، بحسب تقرير صادر عن الإدارة العامة للغابات في صنعاء لعام 2022، إلى أكثر من ستة ملايين ونصف المليون شجرة.
ويستطرد الشاذلي في حديثه لـ”مواطن”: الأشجار هيَ رئة الأرض والمخزن الطبيعي لثاني أكسيد الكربون، وهيَ المصدر الرئيس للأكسجين اللازم للحياة؛ فكونك تحتطب أكثر من ٦ ملايين شجرة؛ فهذا يعني إزالة أكثر من 6 ملايين مصدر للأكسجين.
ووفق تقرير الإدارة العامة للغابات، يتم قطع قرابة 19 ألف شجرة يوميًّا، بإجمالي شهري يصل إلى 563 ألف شجرة، بإجمالي مساحة تبلغ قرابة 17 ألف هكتار سنويًا.
لماذا يلجأ الناس للحطب؟
تعاني اليمن من أزمة وقود مستمرة منذ سنوات بسبب الحرب الدائرة في البلاد؛ ما أدى إلى ارتفاع أسعار المشتقات النفطية بشكل كبير، الأمر الذي ألقى بظلاله السلبية على زيادة وتيرة الاحتطاب الجائر؛ إذ أصبح المواطن غير قادر على تغطية تكاليف شراء الوقود؛ سواءً أكان للاستعمال المنزلي أو الاستعمالات التجارية.
محمد الشرعبي، مالك مخبز الهياجم بمحافظة تعز جنوب غرب اليمن، يوضّح لـ”مواطن” سبب استخدامه للحطب بدلًا من الديزل لتشغيل مخبزه قائلًا: “في حال استخدمت الديزل لتشغيل المخبز، أحتاج إلى 60 لترًا يوميًا، بتكلفة 97 ألف ريال يمني، حوالي (49 دولارًا أمريكيًّا) بينما يكلفني شراء حمولة من الحطب 230 ألف ريال يمني (115دولارًا أمريكيًّا)، ولكنها تكفيني لتشغيل المخبز لمدة 8 أيام كحد أدنى”.
وفق تقرير الإدارة العامة للغابات، يتم قطع قرابة 19 ألف شجرة يوميًّا، بإجمالي شهري يصل إلى 563 ألف شجرة، بإجمالي مساحة تبلغ قرابة 17 ألف هكتار سنويًا.
ويضيف الشرعبي، “اضطررت لاستخدام الحطب بدلًا من الديزل، خوفًا من ارتفاع تكلفة الإنتاج، مما قد يضطرني إلى رفع أسعار الخبز على المواطنين الذين يعانون من أوضاع اقتصادية صعبة”.
ويؤكد الشرعبي أن استخدام الحطب له بعض السلبيات، مثل زيادة الوقت اللازم لخبز العيش، وتلوث الهواء، لكنه يرى أنه لا يملك خيارًا آخر في ظل ارتفاع أسعار الديزل.
وبحسب ما نقله موقع “حلم أخضر“ المتخصص بالبيئة، عن مدير التنوع الحيوي والمحميات الطبيعية بالهيئة العامة لحماية البيئة، عبدالله أبو الفتوح، في العام الواحد يتم قطع الأشجار بما يزيد على 860 ألف شجرة سنويًّا، لسد حاجة أفران ومخابز العاصمة صنعاء فقط، والبالغ عددها 722 مخبزًا؛ إذ يتم حرق قرابة 17,500 ألف طن من الحطب سنويًا.
أسباب التصحّر
وفقًا لدراسة أعدها قطاع الدراسات في وزارة التخطيط والتعاون الدولي بدعم من الأمم المتحدة في ديسمبر 2022 حول تأثير التغيرات المناخية على البلاد خلال العقود القليلة المقبلة؛ فإن زيادة نسبة التصحر في اليمن بلغ نحو 86% من إجمالي مساحة الدولة.
وقد أعادت الدراسة أسباب ذلك إلى التغيرات المناخية وسوء استخدام المياه الجوفية، وتدهور الموارد الطبيعية والتوسع العمراني، بالإضافة إلى ندرة الأمطار الموسمية وموجات الجفاف المتكررة، ومؤخرًا التعرية الناجمة عن الفيضانات المفاجئة نتيجة التغير المناخي.
وبحسب البيانات الرسمية تشير الدراسة إلى أن مساحة الأراضي المتصحرة في اليمن تبلغ نحو 405 آلاف كيلومتر مربع، أو 71.6٪ من إجمالي المساحة، بينما تشكل المساحة المهددة بالتصحر 15.9٪ من إجمالي مساحة البلاد.
يشير الخبير البيئي أنور الشاذلي إلى أسباب أخرى تساهم في زيادة رقعة الصحراء في اليمن، كهجرة الكثبان الرملية إلى الأراضي الزراعية، والانجراف المائي الذي يتسبب باقتلاع الأشجار، وتهديم المدرجات الزراعية وغمرها وإخراجها عن نطاق الإنتاج الزراعي.
على الرغم من تعدد العوامل والمسببات؛ إلا أن الشاذلي يؤكد أن قطع الأشجار هو السبب الرئيس للتصحر في اليمن، موضحًا أن قطع الأشجار قد يؤدي إلى التسبب ببعض العوامل الأخرى المؤدية للتصحر؛ فمحاربة عامل هجرة الكثبان الرملية إلى الأراضي الزراعية يتوجب زراعة نباتات تعمل على تثبيت التربة وصد الرياح كأشجار نبات السدر؛ وبالتأكيد قطعها يحول دون ذلك.
الاحتطاب الجائر.. قنبلة موقوتة
تُخلّف ظاهرة الاحتطاب الجائر في اليمن آثارًا كارثية على البيئة اليمنية، يذكر الشاذلي أهمها: انخفاض نسبة الأكسجين وزيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون في الجو، كما يؤدي احتطاب الأشجار وحرقها للاستخدامات المختلفة إلى إطلاق غازات تساهم بشكل كبير في ظاهر الاحتباس الحراري، والذي يلقي بظلاله السلبية على تناوب موجات الجفاف والفيضانات.
من جهته يقول الناشط في مجال البيئة، منير العشملي، أن الاحتطاب الجائر يؤدي إلى تدمير الموائل التي تعد موطنًا للعديد من الأنواع النباتية والحيوانية، مما يسبب انقراض بعض الأنواع وتدهور التنوع البيولوجي.
ويضيف العشملي “لمواطن” أن الأشجار تلعب دورًا مهمًا في تنظيم المناخ المحلي، وإزالتها تؤدي لزيادة درجات الحرارة وتقليل الرطوبة.
كما أن الأشجار تعمل على تحسين جودة الهواء، وإزالة الأشجار تزيد من تركيز الغازات الضارة. يتابع حديثه.
وفي سياق مرتبط يتحدث جميل الشجاع، مدير إدارة الصحة البيئية في مكتب الأشغال العامة والطرق بمحافظة تعز لـمواطن، عن آثار الاحتطاب وحرقه على البيئة والصحة، قائلًا: “إن حرق الحطب في محلات الأفران والمغاسل وغيرها من المحلات الأخرى التي تستخدم الحطب كوقود، يُؤدي إلى انطلاق عوادم الاحتراق، مثل ثاني أكسيد الكربون إلى الجو، إضافة إلى الغبار الذي ينتج عن الاحتراق، مما يُشكل بقعًا على جدران المحلات والمنازل المجاورة لها، تُساهم هذه الممارسات بشكل كبير في تلوث الهواء وزيادة الأمراض الصدرية”.
يشير الشجاع إلى أن استنشاق هذه الحبيبات الصغيرة السوداء (الدخان) الناتج عن حرق الحطب، يُسبب مشاكل صحية خطيرة؛ مثل الربو والتحسس والأمراض الصدرية بشكل عام. ويضيف أن انبثاق غاز ثاني أكسيد الكربون إلى الجو واختلاطه مع عوادم السيارات والمصانع يُؤدي إلى ارتفاع نسبته في الجو، مما يُسبب ارتفاع درجة الحرارة في المنطقة، كما يسبب مع الأيام هطول أمطار حامضية تؤثر في التربة على المدى الطويل نتيجة تفاعل ثاني أكسيد الكربون مع بخار الماء في الهواء.
متضررون آخرون
لا تقتصر آثار الاحتطاب الجائر والتصحر الناتج عنه على البيئة اليمنية فحسب؛ حيث تطال آثاره رعاة الماشية وتضعهم أمام أزمة حقيقية تهدد مصدر رزقهم.
وفي هذا يقول أكرم قاسم، وهو راعي ماشية، لـ”مواطن”: “إن قطع الأشجار بشكل عشوائي والتصحر الذي يتوسع في ريف الحجرية (أحد أرياف محافظة تعز)، أضر بالأراضي الزراعية وإنتاجها، ونتج عنه قلة حصول الأبقار والأغنام على غذائها الأساسي”.
ويضيف أكرم أنه يلجأ لتوفير الغذاء للماشية إلى شراء الوجيم المعروف بـ “العَلف”، موضحًا أن الماشية الواحدة تستهلك 3 عُقد من العَلف يوميًا، والتي يصل سعرها إلى 3 ألف ريال يمني، أي ما يعادل دولارًا ونصف دولار أمريكي؛ ما يزيد من أعباء الرعاة الاقتصادية، ويثقل كاهلهم في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
ويختم أكرم حديثه بالقول: “مع استمرار ظاهرة الاحتطاب الجائر وتوسع رقعة التصحر، يخشى رعاة الماشية من تدهور أوضاعهم الاقتصادية بشكل أكبر، مما قد يجبرهم على ترك الرعي وتسريح مواشيهم”.
للحد من ظاهرة التصحر
يسرد الشاذلي الحلول والمعالجات الممكنة للحد من ظاهرة الاحتطاب وزيادة رقعة التصحر، بدايةً من سنّ تشريعات وقوانين تنظم عملية الاحتطاب، وتجعلها مقتصرة على النموات السنوية للأشجار والشجيرات الطبيعية، وإلى لزوم وجود فرق ميدانية لمراقبة الاحتطاب، وعمل خرائط للمناطق الأكثر احتطابًا في الجمهورية اليمينة.
مساحة الأراضي المتصحرة في اليمن تبلغ نحو 405 آلاف كيلومتر مربع، أو 71.6٪ من إجمالي المساحة، بينما تشكل المساحة المهددة بالتصحر 15.9٪ من إجمالي مساحة البلاد.
بالإضافة إلى اتباع طريقة التناوب في مناطق الري؛ بحيث لا يكون هناك إنهاك للأراضي الزراعية والمراعي، ولا يؤثر على استقرار سكان الريف كون أن سكان الريف، -كما يقول الشاذلي- ليس لديهم مصدر دخل ولا مصدر معيشة سوى أرضهم وماشيتهم.
ويشير الشاذلي إلى أهمية زراعة النباتات الطبيعية المتحملة للظروف المناخية الصعبة؛ خصوصًا ارتفاع درجة الحرارة والجفاف، بالإضافة إلى إدخال نباتات ذات مجموع جذري عميق؛ خاصةً في الأراضي منحدرة المدرجات للحفاظ على التربة الزراعية من الانجراف المائي وحماية الأراضي الزراعية من التصحر.
وإلى مجمل الحلول والمعالجات السابقة، يشير العشملي، إلى أهمية تنفيذ مشاريع إعادة تشجير لتعويض الأشجار المفقودة وتحسين البيئة، وتقديم بدائل مستدامة للخشب مثل الطاقة المتجددة.
بالإضافة إلى نشر الوعي بين المجتمع حول أهمية الغابات، وضرورة الحفاظ عليها من خلال حملات توعوية تعليمية.
ويرى العشملي في ختام حديثه لـ “مواطن”، أن بهذه الإجراءات يمكن تقليل آثار الاحتطاب الجائر والحد من التصحر، مما يسهم في تحسين الوضع البيئي في اليمن.