لم تتوقع فاطمة (اسم مستعار)، 42 عامًا، ربة منزل عاشت طوال حياتها بالكويت، ولا تعرف وطنًا غيره، أن يتم سحب جنسيتها وحرمانها من كافة حقوقها بين عشية وضحاها دون أي ذنب. تقول لمواطن: “حين وصلني الإشعار الرسمي بسحب الجنسية، شعرت وكأن الأرض انهارت تحت قدمي، كنت أعيش حياة هادئة مع زوجي وأطفالي الأربعة، ولم أتخيل أنني سأصبح فجأة بلا هوية”.
وتضيف: “عندما توجهت للاستفسار، أخبروني أن الأمر يتعلق بأوراق حصل عليها والدي قبل عقود، لكنها اليوم تعتبر غير صالحة، كيف يمكن أن أكون أنا وأطفالي الضحايا لهذه الأخطاء؟
يواجه القانون موجة من الانتقادات الحقوقية؛ خاصة بعد القبض على بعض معارضيه، كان أبرزهم النائب السابق في مجلس الأمة والسياسي "صلاح المُلا" الذي أوقفته في الأسبوع الأول من يناير بعد توجيه انتقادات حادة للمرسوم عبر صفحته على (إكس)
حول معاناتها تقول فاطمة: “اليوم، لا أستطيع استخدام بطاقتي المدنية، مما يعني أنني لا أملك الحق في زيارة المستشفيات أو فتح حساب مصرفي، المدارس تطلب تجديد أوراق أطفالي، لكنني عاجزة عن تلبية تلك الطلبات بسبب تجميد وضع عائلتي القانوني، أشعر أنني عالقة في دوامة من الظلم، وأتساءل: هل سيدفع أطفالي الثمن مدى الحياة بسبب هذا القرار؟”.
تشهد الكويت مؤخرًا حالة من الجدل المحتدم حول التعديلات المقترحة على قانون الجنسية؛ حيث أثارت التعديلات نقاشات واسعة بين مؤيدين يرون فيها وسيلة لتعزيز الهوية الوطنية وأمن الدولة، ومعارضين يعتبرونها خطوة تمييزية تهدد حقوق بعض الفئات المجتمعية. تصاعدت هذه التوترات بعد تقارير عن القبض على ناشطين ومواطنين أعربوا عن رفضهم للتعديلات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وكانت الحكومة الكويتية قد كثّفت قرارات سحب الجنسية من الأفراد، بعضهم حصل عليها بطرق غير مشروعة، مثل التزوير أو ازدواجية الجنسية، أو لأسباب أخرى تتعلق بالتعديلات التي تمت على القانون.
ومنذ أواخر أغسطس 2024 وحتى ديسمبر 2024، تم سحب الجنسية من حوالي 17,000 شخص. في نوفمبر 2024 وحده، سُحبت الجنسية من أكثر من 4,600 شخص خلال ثلاثة أسابيع. في 21 نوفمبر 2024، سُحبت الجنسية من 1,647 شخصًا، معظمهم من المطلقات الوافدات اللاتي حصلن عليها دون استيفاء الشروط المطلوبة.
ويقول مصدر حكومي كويتي تحدث في وقت سابق لصحيفة “القبس”: “إن من تم سحب الجنسية منهم كانت غالبيتهم من المطلقات الوافدات اللاتي حصلن عليها بهدف المصلحة، ولم يكملن الشروط المطلوبة بسبب تساهل البعض”.
بحسب المصدر ذاته، من سحبت جنسيتهم سيتم إيقاف العديد من المزايا عنهم؛ ومنها سحب المنازل الحكومية أو المزارع المخصصة لهم، أو إلغاء دورهم في منحهم المنازل الحكومية عن طريق لجنة مشتركة تبحث كل حالة على حدة.
ما تلك التعديلات؟
في ديسمبر 2024، أصدرت الحكومة الكويتية مرسومًا بقانون رقم 116 لسنة 2024، يتضمن تعديلات جوهرية على قانون الجنسية الكويتي الصادر عام 1959، أثارت هذه التعديلات اعتراضات كبيرة من قبل النشطاء الحقوقيين والسياسيين.
تضمنت التعديلات وفقًا لما أوردته وكالة الأنباء الكويتية “كونا”، تقليص حالات منح الجنسية، وتوسيع يد السلطات في إسقاطها، وللمرة الأولى أصبح الزواج من كويتي أو كويتية غير كافٍ للحصول على الجنسية؛ حيث لم يعد بإمكان الزوجة الأجنبية أو الزوج الأجنبي اكتساب الجنسية تلقائيًا بمجرد الزواج.
إلى جانب ذلك، شملت التعديلات منح السلطات التنفيذية الحق في سحب الجنسية الكويتية من المتجنسين في حالات؛ مثل تقديم معلومات مغلوطة عند الحصول على الجنسية، أو ارتكاب جرائم مخلة بالشرف خلال 15 عامًا من التجنس، أو بجرائم أمن الدولة، أو الإساءة للذات الإلهية أو الأنبياء أو الذات الأميرية. وثالثًا، أُلغيت بعض النصوص التي كانت تتيح منح الجنسية بناءً على ظروف خاصة أو استثنائية، في خطوة اعتبرها البعض تقليصًا كبيرًا لمرونة القانون.
ما أوجه الاعتراض عليها؟
يقول المحامي والخبير القانوني الكويتي خالد عبد الحميد الزامل لـ”مواطن”: “إن السبب الذي استندت إليه الحكومة لإصدار مراسيم سحب الجنسية غير سديد ولم يكن صائبًا، لأنه بني على فهم غير صحيح لنصوص قانون الجنسية، ولا يصلح سببًا أو مبررًا لسحب الجنسية الكويتية من آلاف الزوجات وأمهات الكويتيين”.
ويوضح أن المادة رقم (8) من قانون الجنسية، سواء أكان في نصها الأول الوارد في المرسوم الأميري الصادر عام 1959، أو بعد تعديلها في عامي 1966 و1980، لم تشترط إصدار مرسوم لمنح الجنسية الكويتية لزوجة الكويتي.
ويلفت الزامل إلى أن سحب جنسية زوجة الكويتي مخالف للدستور والقانون؛ حيث تنص المادة (27) من الدستور الكويتي على أن “اﻟﺠﻨﺴﻴﺔ اﻟﻜﻮﻳﺘﻴﺔ ﻳﺤﺪدها القانون، وﻻ ﻳﺠﻮز إﺳﻘﺎط اﻟﺠﻨﺴﻴﺔ أو ﺳﺤﺒﻬﺎ إﻻ ﻓﻲ ﺣﺪود اﻟﻘﺎﻧﻮن”، كما تنص المادة (9) من قانون الجنسية الكويتي على: “إذا كسبت الزوجة الأجنبية الجنسية الكويتية وفقًا لأحكام المادتين السابقتين، فإنها لا تفقدها عند انتهاء الزوجية إلا إذا استردت جنسيتها الأصلية أو كسبت جنسية أخرى”.
ويوضح الخبير القانوني أن الاستناد إلى التعديل الذي تم عام 1987 على نص المادة رقم (8) من قانون الجنسية بموجب المرسوم بقانون رقم (40) لسنة 1987، للقول بوجوب صدور مرسوم لمنح الجنسية الكويتية لزوجة الكويتي ليس صحيحًا، كما أن الاستدلال بنص المادة 11 مكرر من قانون الجنسية المضافة بالمرسوم رقم 100 لسنة 1980، للقول بأن أداة منح الجنسية الكويتية لزوجة الكويتي هي المرسوم، هو استدلال غير صحيح ويعكس فهمًا خطأً لنص المادة.
من جهتها، ترى المحامية الكويتية شيخة الشمري أن “موضوع الجنسية وتعديلاته هو من الأمور السيادية المطلقة التي تظل تحت تصرف الدولة، والتي تتمتع بحرية كاملة في منح أو سحب أو تعديل هذا القانون.
وتقول في تصريح لـمواطن: “من المؤكد أن أي تعديل أو سحب أو إسقاط للجنسية يترتب عليه مجموعة من الآثار السلبية والإيجابية، ومع ذلك، من الضروري إجراء تعديلات وتنقيحات في قانون الجنسية، بهدف حماية الهوية الوطنية وضمان مصلحة الأفراد والدولة. لا شك أن الحكومات الرشيدة هي تلك التي تسعى لتحقيق العدالة وتجنب الضرر بشعوبها، وتولي اهتمامًا خاصًا بمصلحة مواطنيها والمقيمين على أراضيها”.
وفي نفس السياق، يقول سياسي كويتي تحدث لـ”مواطن” شريطة عدم ذكر اسمه إن “التعديلات ستترك تأثيرات واسعة النطاق، من أبرزها زيادة معدلات انعدام الجنسية في الكويت؛ لا سيما بين أبناء الأسر المختلطة، وقد تُفاقم التعديلات من أزمة “البدون”، وهي إحدى القضايا الأكثر تعقيدًا في الكويت؛ إذ تعني التعديلات أن بعض الأفراد قد يُحرمون من الجنسية حتى لو كانوا مولودين في الكويت ويعيشون فيها طوال حياتهم”.
ويؤكد أن التعديلات قد تُضعف النسيج الاجتماعي؛ حيث يشعر بعض المواطنين بالتمييز أو التهميش بسبب القوانين الجديدة. تأثير آخر مهم؛ هو ما ستواجهه الأسر المختلطة من صعوبات قانونية واجتماعية نتيجة عدم حصول أحد الوالدين على الجنسية؛ ما يخلق بيئة غير مستقرة للأطفال.
هل يستهدف القانون النساء؟
تعد التعديلات مثار جدل بسبب ما يُعتقد أنه انتهاك لمبادئ العدالة والمساواة، ويرى حقوقيون أن منع الزوجة الأجنبية المتزوجة من كويتي من الحصول على الجنسية يمثل تمييزًا ضد النساء، في وقت يُسمح فيه للرجل الكويتي بإبقاء جنسية زوجته الأجنبية دون قيود، هذا التمييز يُظهر خللًا في مبدأ المساواة بين الجنسين.
كذلك؛ فإن منح السلطة التنفيذية صلاحيات واسعة لسحب الجنسية دون رقابة قضائية كافية، يُثير القلق من احتمالية التعسف واستغلال القانون لاستهداف معارضين سياسيين، ويؤكد حقوقيون آخرون أن التعديلات لا تراعي الأوضاع الإنسانية للأسر المختلطة؛ ما يعرض الأطفال والأمهات لمشكلات قانونية معقدة.
من جهته يوضح الخبير القانوني خالد الزامل أنه “عند منح الجنسية الكويتية للنساء المجنسات بموجب المادة الثامنة، كان ذلك بمثابة تقدير واحترام لهنّ ولأزواجهن وأبنائهنّ الكويتيين، كما كان دعمًا للأسرة وضمانًا لتواجد الأم ضمن النسيج الاجتماعي الكويتي، لتساهم في تربية أبنائها على حب الوطن والتضحية من أجله”.
لكن في حالات شاذة عن هذا النهج، كان من المفترض التعامل مع الأمر بحكمة قانونية وتشريعية لحل المشكلة، أما ما حدث من خلط الأمور وسحب الجنسيات من الجميع، وإلغاء تجنيس زوجة الكويتي في المستقبل؛ فهو يعكس تسرعًا وتخبطًا يتنافى مع مبادئ الإدارة الرشيدة.
ويضيف: “إذا كان قرار سحب الجنسيات بموجب المادة الثامنة قد استند إلى وجود حالات شاذة لا تستحق شرف المواطنة؛ مثل المتزوجات اللاتي حصلن على الجنسية فقط من أجل ذلك ثم طُلّقن دون أولاد، أو من تجنّسن ثم تزوجن من أجانب بعد الطلاق، أو من استغللن الجنسية في المتاجرة بالممنوعات والإقامات، أو اللاتي صدر بحقهن أحكام مخلة بالشرف والأمانة؛ فإن هذه الحالات الشاذة لا تتعدى 500 حالة، ولا ينبغي أن يتحمل سائر الأفراد ذنبها”.
ويتابع: “من غير المعقول أن تُسحب الجنسية من 27,500 امرأة متزوجة ولديها أبناء وزواجها قائم ومستقر، ولم تَثبت عليها أية مخالفات، بسبب 500 امرأة تمثل حالات شاذة استثنائية”.
ويناشد الحكومة أن تركز في سحب الجنسيات على المزورين وأصحاب الجنسيات المزدوجة، وأن تترك زوجات الكويتيين المجنسات وفقًا للمادة الثامنة، لأنهن لم يرتكبن أي خطأ أو تزوير يستوجب المحاسبة، وإذا كان هناك خطأ في الإجراءات؛ فإن المسؤولية عن هذا الخطأ تقع على عاتق الحكومة، ولا يجب أن يتحمل المواطنون تبعاته، ومن غير المقبول معاقبة الناس بسبب أخطاء في الإجراءات ارتكبتها الحكومة.
ويرى “الزامل” أنه من الأفضل أن تتريث الحكومة في إصدار مراسيم سحب الجنسية، وأن تقتصر هذه المراسيم على من حصلوا على الجنسية من خلال الغش أو التزوير فقط، وفي حال رغبت الحكومة في تغيير الأداة المستخدمة في منح الجنسية من قرار إلى مرسوم، من أجل من منحوا الجنسية وفق المادة 8 من قانون الجنسية في السابق، يجب عليها إصدار مراسيم تصحيح تشريعي تمنح الجنسية لجميع الزوجات الأجنبيات اللاتي تم تجنيسهن وفقًا للمادة المذكورة، وذلك إقرارًا للحق والعدالة.
مطالب بتدخل القضاء
طالب المنبر الديموقراطي الكويتي، بإخضاع كافة القرارات المتعلقة بسحب الجنسية لرقابة القضاء، ونأمل بالتراجع عن قرارات سحب جنسية المواطنات المتجنسات طبقًا للمادة الثامنة.
ويقول المنبر في بيان حصلت “مواطن” على نسخة منه: “على مدار الشهرين الماضيين، تابعنا في المنبر الديمقراطي الكويتي الإجراءات الحكومية المتعلقة بسحب الجنسية عن آلاف المواطنات المتجنسات بالتبعية لأزواجهن الكويتيين، وما ترتب على ذلك من تداعيات مالية واقتصادية واجتماعية سلبية على هؤلاء النساء وأسرهن، دون أن تقدم الحكومة حلولاً واضحة لمعالجة أوضاعهن الجديدة بعد التغيير المفاجئ في مراكزهن القانونية.
ويؤكد المنبر أنه لا مبرر للحكومة في اتخاذ قرار سحب الجنسية إذا كان السبب -كما يبدو- هو خطأ إجرائي في منحهن الجنسية في الماضي؛ خاصةً في ظل تباين الآراء القانونية حول صحة التفسير الحكومي للمادة الثامنة من قانون الجنسية، دون إثبات تورط هؤلاء النسوة في أي خطأ إجرائي أو تزوير. وكان من الأجدر بالحكومة أن تقوم بتصحيح هذه الأخطاء دون المساس بمراكزهن القانونية التي استمرت لسنوات، وذلك تطبيقًا للمادة 27 من الدستور التي تحظر إسقاط الجنسية إلا في حدود القانون.
ويوضح البيان أن قرار التنازل عن الجنسيات الأصلية عند حصول هؤلاء النساء على الجنسية الكويتية، يضعهن في موقف صعب؛ حيث يفقدن أحيانًا الجنسية التي تمكنهن من ممارسة حياتهن بشكل طبيعي، مما يخلق أزمة إنسانية واجتماعية جديدة.
ويشير إلى أن هذه الأزمة قد ظهرت جلية في الأنباء الأخيرة حول وقف معاشات المتقاعدات منهن لعدم وجود سند تشريعي، رغم تصريحات المسؤولين بعكس ذلك.
وينوه إلى اتفاق الكثيرين على ضرورة مراجعة ملف الجنسية وتصحيح الأخطاء التي تراكمت على مدار السنوات السابقة، يجب أن تأخذ أي معالجة لهذه القضية في الاعتبار العواقب الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية، لتجنب جعل العلاج أسوأ من الداء، بما يتوافق مع أحكام الدستور التي تكفل الأمن والطمأنينة للمجتمع وحماية الأسرة. وأخيرًا، نطالب بأن تخضع جميع القرارات المتعلقة بسحب الجنسية لرقابة القضاء، لضمان حقوق المواطنين وتحقيق التزامات الكويت الدولية.
وصدر قانون الجنسية الكويتي عام 1959 بموجب مرسوم أميري لتنظيم عملية منح الجنسية وتحديد من يُعتبر مواطنًا كويتيًا. خلال العقود الماضية، خضع القانون لعدة تعديلات لمواكبة التغيرات السياسية والاجتماعية. في بداية إصداره، ركز القانون على منح الجنسية للعائلات الكويتية الأصلية، لكنه توسع لاحقًا ليشمل منح الجنسية لأسباب إنسانية أو استثنائية. تأتي التعديلات الأخيرة في سياق سياسي واجتماعي مضطرب؛ حيث تُعد محاولة لتقييد منح الجنسية وتقليل حالات التجنيس، إلا أنها أثارت تساؤلات حول مدى تأثيرها على مبادئ الهوية الوطنية والمساواة.
انتقادات حقوقية
يواجه القانون موجة من الانتقادات الحقوقية؛ خاصة بعد القبض على بعض معارضيه، كان أبرزهم النائب السابق في مجلس الأمة والسياسي “صلاح المُلا” الذي أوقفته في الأسبوع الأول من يناير بعد توجيه انتقادات حادة للمرسوم عبر صفحته على (إكس)؛ ما أدى إلى حالة غضب واسعة بالأوساط السياسية والحقوقية.
وتُؤكد الحكومة الكويتية على أن قرارات سحب الجنسية تُتخذ وفقًا للقانون، وأنها لا تستهدف أي فئة أو طائفة معينة، وتُرجع الحكومة الكويتية قرارات سحب الجنسية إلى أسبابٍ أمنيةٍ.
ويقول المدير التنفيذي لمركز الخليج لحقوق الإنسان، خالد إبراهيم، لـ”مواطن”: “إن استمرار السلطات في الكويت في سحب الجنسية تعسفيًا من الآلاف المواطنين، تشكل النساء العدد الأكبر من بينهم، يتعارض بشكل صارخ مع المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، والتي تنص بوضوح على أن “لكل فرد حق التمتع بجنسية ما، ولا يجوز تعسفًا حرمان أي شخص من جنسيته ولا حقه في تغيير جنسيته”.
بحسب “إبراهيم”، تشكل هذه الإجراءات سابقة مقلقة تقوض حقوق الإنسان الأساسية. تعد المواطنة أمرًا بالغ الأهمية للوصول إلى الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية.
ويوضح، أن أولئك الذين أصبحوا عديمي الجنسية بسبب مثل هذه التدابير، يواجهون خطر فقدان القدرة على الوصول إلى هذه الخدمات الحيوية، بالإضافة إلى ذلك، قد يتم ترحيل أولئك الذين لا يحملون الجنسية أو احتجازهم، مما يعرضهم لخطر أكبر، وتُعتبر هذه التدابير خطيرة بشكل خاص، لأنها يمكن أن تؤثر على أسر بأكملها، بما في ذلك أفراد الأسرة الذين حصلوا على الجنسية كـ “مُعالين”.
وتُؤكد الحكومة الكويتية على أن قرارات سحب الجنسية تُتخذ وفقًا للقانون، وأنها لا تستهدف أي فئة أو طائفة معينة، وتُرجع الحكومة الكويتية قرارات سحب الجنسية إلى أسبابٍ أمنيةٍ؛ تشمل التورط في أنشطة تُهدّد أمن الدولة، والحصول على الجنسية بطرق غير قانونية، والإضرار بسمعة الكويت.
ويقول خالد إبراهيم إن عملية إلغاء الجنسية تظهر أيضًا نقصًا مثيرًا للقلق في الشفافية، غالبًا ما يتم إصدار الإلغاءات بشكل تعسفي ودون سابق إنذار، مما يُشير إلى أنه قد يتم حرمان الأفراد المتضررين من الحق في الطعن بحرية في هذه القرارات أمام المحكمة.
علاوة على ذلك، غالبًا ما يتم استخدام إلغاء الجنسية في الكويت كأداة لمعاقبة وقمع المعارضين، بالإضافة إلى استهداف المواطنين الذين لديهم آراء تنتقد الحكومة، مؤكدًا أن التعديلات تضمنت إجراءات تمييزية وتعسفية جلية؛ من بينها حرمان زوجة الأجنبي الذي كسب الجنسية الكويتية من حقها في الحصول على هذه الجنسية دون أبنائها الذين تم اعتبارهم كويتيين.
كذلك منحت التعديلات، بحسب “إبراهيم”، الحكومة صلاحيات إضافية لسحب الجنسية من المواطنين المتجنسين، “إذا استدعت المصلحة الدولة العليا أو أمنها الخارجي ذلك.” أو “إذا توافرت الدلائل لدى الجهات المختصة على قيامهم بالترويج لمبادئ من شأنها تقويض النظام الاقتصادي أو الاجتماعي في البلاد، أو عند انتمائهم إلى هيئة سياسية أجنبية”. لا شك أن هذه بمجملها مصطلحات فضفاضة قابلة للتأويل، والسلطات في الكويت لديها خبرة طويلة في توفيرها للنيل من المعارضين.
ويطالب “إبراهيم” الحكومة الكويتية بوقف هذه العملية على الفور، وضمان منح الأفراد المتضررين حق الاستئناف أمام المحكمة. إن استخدام سحب الجنسية كأداة لمعاقبة المعارضين أمر مستهجن تمامًا. ندين هذا الفعل بشدة ونطالب الحكومة الكويتية باحترام حقوق الشعب الكويتي في التعبير عن آرائه، دون مواجهة عواقب انعدام الجنسية، ويجب على الحكومة احترام اتفاقيات حقوق الإنسان وتعديل قانون الجنسية.
ختامًا، تُظهر التعديلات الأخيرة على قانون الجنسية الكويتي مدى تعقّد العلاقة بين السياسة والقانون في قضايا الهوية والمواطنة. وبينما تبرر الحكومة هذه التعديلات بأنها تهدف إلى حماية الهوية الوطنية وتنظيم عملية منح الجنسية، يرى معارضوها أنها تشكل انتهاكًا لمبادئ العدالة والمساواة، وتترك أثرًا سلبيًا على المجتمع الكويتي؛ خصوصًا الأسر المختلطة. يبقى السؤال مفتوحًا حول كيفية التوفيق بين الحفاظ على الهوية الوطنية، وبين احترام حقوق الإنسان في ظل الجدل المستمر حول هذه القضية.