يعاني الاقتصاد العماني من تنامي ظاهرة تعثر الشركات وإفلاسها، مما يترتب عليه الكثير من الخسائر في الوظائف ورؤوس الأموال الوطنية، يأتي ذلك بعد مرور حوالي خمس سنوات على دخول قانون الإفلاس الجديد حيز التنفيذ في سلطنة عُمان.
فما الأسباب التي تؤدي إلى هذه الظاهرة؟ وهل يتعلق الأمر فقط بالتصدي لتنفيذ مشروعات دون دراسة أو استعداد حقيقي، مما يؤدي إلى الإخفاق؟ أم أن هناك أسبابًا تتعلق بالتسرع في اتخاذ القرارات أو عدم دراسة الواقع؟.
في عام 2019 بدأ العمل بقانون الإفلاس الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 53 / 2019، ويهدف قانون الإفلاس إلى إيجاد إطار تشريعي وقانوني يعزز بيئة الأعمال التجارية عبر إعادة هيكلة الإجراءات التي تـُمكن التاجر من تخطي مرحلة الدين، وإعانته على معاودة الانتظام في النشاط الاقتصادي، ويسري ذلك على أفرع ووكالات الشركات الأجنبية داخل السلطنة.
وتضمّن القانون مجموعة من القواعد والأحكام التي تنظم إشهار إفلاس التاجر، وما يسبقه من مراحل وقائية من شأنها مساعدته في الخروج من مرحلة الاضطراب المالي والإداري، وذلك بعد سداد ديونه والتوفيق بينه وبين الدائنين، حسب خطة إعادة الهيكلة التي نظمها المشرع وفقًا لأحكام قانون الإفلاس.
ورغم أن هناك اتفاقًا على أن القانون يعكس فلسفة تشريعية تهدف إلى تعزيز استمرارية المشروعات التجارية بدلًا من تصفيتها، من خلال وسائل مبتكرة مثل إعادة الهيكلة والصلح الواقي، الذي يمنح الشركات التي تواجه اضطرابات مالية، فرصة للتعافي ومواصلة نشاطها، إلا أن الواقع يشير إلى تواصل التعثر وإشهار الإفلاس؛ خاصة وأن إعلان الإفلاس يعد وسيلة للإفلات من سداد الديون.
في عام 2019 بدأ العمل بقانون الإفلاس الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 53 / 2019، ويهدف قانون الإفلاس إلى إيجاد إطار تشريعي وقانوني يعزز بيئة الأعمال التجارية عبر إعادة هيكلة الإجراءات التي تـُمكن التاجر من تخطي مرحلة الدين، وإعانته على معاودة الانتظام في النشاط الاقتصادي
التحايل على معايير الاقتراض
يرى الكاتب الصحفي خلفان الطوقي، أن إفلاس الشركات ظاهرة موجودة بكل مكان في العالم، وأي شخص يمارس التجارة يعلم أنها ربح وخسارة، وهي حاجة مستمرة وستستمر، ولكن هناك بعض الأزمات التي تعجل بسقوط عدد من الشركات، وبالنسبة للسلطنة لابد أن نعرف أن أكثر الشركات التي تعثرت كانت تعتمد على العقود الحكومية والمناقصات الكبيرة، وكلنا يعلم جيدًا أن التوجهات تغيرت، ولم يعد ممكنا الآن التصدي لمشروع بدون دراسة جدوى اقتصادية واجتماعية وأمنية، ودون ذلك لا يتم ضخ أية سيولة مالية للمشروع؛ وخاصة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية.
يضيف الطوقي لـ”مواطن”: يجب أن نعترف أن كثيرًا من الشركات التي تعثرت توسعت بشكل غير مدروس، وبناء على مشاعر وعواطف ووعود، ولكن لا توجد دراسة حقيقية للمشروع، أو تكون الشركات قد توسعت أكثر من اللازم، أو أنها لجأت إلى الاقتراض من البنوك بشكل غير مدروس، وكان هذا سبب التعثر؛ خاصة وأن هناك من يتحايل على معايير الاقتراض.
ويضرب الطوقي مثالاً بما يقوم به بعض المطورين العقاريين عندما يذهب للحصول على قرض لإنشاء مبنى سكني، ويضع أسعارًا مبالغًا فيها بالتنسيق مع المثمن، ليحصل على قرض أكبر مما يستحق من البنك، بناء على أرقام ودراسات غير واقعية، فيقترض 3 مليون مثلاً، في حين أن تكلفة البناء أقل من ذلك ليستغل الفرق في مشروع آخر، ولهذا يحدث التعثر، لكن لن تجد شركة تعثرت بعد أن اتبعت أساليب الحوكمة الحقيقية، قد تحدث خسائر ولكن ليس لدرجة إعلان الإفلاس
أيضا هناك من تعثروا لاعتمادهم علي الشركاء الأجانب، والعماني يكون مجرد اسم فقط يأخذ عمولة، وكثير من هؤلاء اقترضوا باسم العماني وهربوا، وبقي العماني بخسارته وحسرته وقضاياه ولا يجد مخرجًا إلا الاستفادة من قانون الإفلاس بإعلان إفلاسه.
يضيف؛ أعتقد أن درس الكورونا وأيضًا التغيرات التي حدثت بالتوجه الحكومي، هي دروس لنا كلنا، ألا نتصدى لأية استثمارات إلا بعد دراسة مستفيضة لكل استثمار على حدة، والاستعانة ببيوت الخبرة القادرة على وضع دراسات جدوى حقيقية مبنية علي أرقام وأطر علمية صحيحة.
أعباء كبيرة على الاقتصاد
بينما ينبه الدكتور إبراهيم السيابي، الخبير في الشؤون المالية خلال حديثه لـ”مواطن”، على أن إفلاس الشركات في سلطنة عمان له تأثيرات سلبية متعددة على الاقتصاد الوطني وعلى مسيرة التنمية في سلطنة عمان؛ من هذه السلبيات زيادة معدلات الباحثين عن عمل؛ حيث يؤدي إفلاس الشركات إلى تسريح العمالة المحلية والأجنبية، وهو ما يشكل عبئًا كبيرًا على الاقتصاد العماني؛ حيث يصعب على الأفراد المسرحين من أعمالهم العثور على فرص عمل بديلة في ظل ارتفاع أعداد الباحثين عن عمل وقلة الفرص، مما يؤدي في النهاية الى تقليل الاستهلاك المحلي ويزيد من الأعباء الاجتماعية.
كذلك هناك تأثير سلبي آخر يتعلق بالثقة في السوق؛ فعند إفلاس العديد من الشركات، تتأثر الثقة في السوق المحلي، سواء أكان بالنسبة للمستثمرين المحليين أو الأجانب. ينعكس ذلك سلبًا على استقطاب الاستثمارات الأجنبية، مما يؤثر في النمو الاقتصادي، والثقة المفقودة قد تدفع المستثمرين إلى التردد في ضخ رؤوس أموال جديدة في السوق العماني.
يضيف السيابي: هناك سلبيات أخرى يسببها إعلان الإفلاس، مثل تراجع القدرة الإنتاجية للعديد من القطاعات الاقتصادية، مع انسحاب شركات تمثل جزءًا من النشاط الاقتصادي الوطني، مما يؤدي إلى نقص في السلع والخدمات، ويزيد من التضخم ويقلل من مستوى المعيشة.
وهناك أيضًا تدهور العلاقات التجارية والمالية، فالشركات المفلسة قد تتأخر في دفع مستحقات الموردين أو في تنفيذ العقود، مما يضر بالسمعة التجارية للسلطنة، ويزيد من صعوبة الحصول على تمويلات جديدة.
هذا بالإضافة إلى التأثير القطاع المالي والمصرفي؛ حيث تواجه البنوك والمؤسسات المالية صعوبة في استرداد القروض والديون المستحقة، وقد يؤدي ذلك إلى تقليل حجم الإقراض في السوق، مما يؤثر بدوره على قدرة الشركات على التوسع والنمو.
قانون الإفلاس الجديد في السلطنة تم تطبيقه بهدف توفير إطار قانوني يساعد الشركات المتعثرة في تجاوز الأزمات المالية بشكل منظم وآمن، وبالتالي يساعد في تحسين بيئة الأعمال ويدعم الاقتصاد الوطني. لكن كما هو الحال مع أي قانون جديد، قد تكون هناك حالات من سوء الاستغلال أو تحديات في تطبيقه.
كذلك فإن الشركات التي تفلس قد تكون قد شاركت في مشاريع تنموية حيوية، سواء أكان في البنية التحتية أو القطاع الصناعي أو السياحي، وإفلاس هذه الشركات يؤدي إلى تعطيل أو تأخير تنفيذ هذه المشاريع، مما يؤثر في خطط التنمية طويلة المدى، ويزيد من التحديات في تحقيق الأهداف الاقتصادية.
ويشير السيابي إلى أن تضرر الاقتصاد الوطني من إفلاس الشركات يتطلب استجابة حكومية فعالة؛ فقد تضطر الحكومة إلى ضخ أموال إضافية لدعم القطاعات المتضررة، أو لتعويض الأضرار الناتجة عن التسريحات، وهذا يشكل ضغطًا إضافيًا على الموازنة العامة، مما قد يؤثر في قدرة الحكومة على تحقيق مشاريع التنمية الأخرى.
ويضيف أن الشركات المفلسة، خاصة في القطاعات الحديثة مثل التكنولوجيا والخدمات المالية، قد تكون ساهمت في الابتكار والنمو، وإفلاسها يعني فقدان بعض المبادرات الطموحة التي قد تسهم في تحديث الاقتصاد العماني.
وحول التدخل الحكومي يقول الدكتور ابراهيم السيابي: “من الضروري تدخل الحكومة في بعض الأحيان، واتخاذ إجراءات لدعم الشركات المتعثرة حسب الإمكانيات المتاحة ، لتوفير بيئة اقتصادية أكثر استقرارًا وجاذبية للاستثمار”.
استغلال الفجوات في القانون
ويشير السيابي إلى أن قانون الإفلاس الجديد في السلطنة تم تطبيقه بهدف توفير إطار قانوني يساعد الشركات المتعثرة في تجاوز الأزمات المالية بشكل منظم وآمن، وبالتالي يساعد في تحسين بيئة الأعمال ويدعم الاقتصاد الوطني. لكن كما هو الحال مع أي قانون جديد، قد تكون هناك حالات من سوء الاستغلال أو تحديات في تطبيقه.
كما أن بعض الشركات قد تقوم بالاستفادة من قانون الإفلاس لتحقيق مصالح غير قانونية، أو لتحايل على تسديد الديون، مثل قيامها بنقل أو إخفاء أصولها قبل إعلان الإفلاس، مما يؤدي إلى تقليل القدرة على تسديد الديون، أو قد يتم التصرف في الأصول بشكل غير عادل أو غير شفاف، مما يؤدي إلى تقليل حقوق الدائنين والمتعاملين مع الشركة، كذلك هناك حالات قد تسعى فيها بعض الشركات للإفلاس عمدًا لتجنب دفع مستحقات، أو للتهرب من بعض المسؤوليات المالية.
ويضيف أنه مع تطبيق أي قانون جديد، قد تكون هناك بعض الثغرات أو الفجوات التي قد يستغلها بعض الأشخاص؛ مثل استخدام الإجراءات القانونية التي يوفرها قانون الإفلاس (مثل فترة التصفية الطويلة أو الإجراءات المطولة) لتأجيل دفع الديون أو المماطلة في تسوية المستحقات، وقد تستخدم بعض الشركات المتعثرة قانون الإفلاس كوسيلة لتجنب التسوية مع الأطراف الأخرى أو الدائنين، وهو ما يمكن أن يطيل هذا من فترة النزاع المالي ويجعل عملية التسوية أكثر تعقيدًا.