في نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أعلنت روسيا تجميد السعودية انضمامها لمجموعة “بريكس” كعضو كامل، حسب ما نقلته وكالة “إنترفاكس” الروسية عن مستشار الكرملين للسياسة الخارجية، يوري أوشاكوف، وذلك بعد نحو 11 شهرًا من انضمام السعودية للتحالف الذي كان يضم خمس دول: “البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا”، وشمل التوسع حينها أربع دول أخرى “مصر، وإيران، والإمارات، وإثيوبيا”.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، شاركت السعودية في قمة “بريكس” في نسختها الـ16 بمدينة قازان الروسية، تحت شعار “تعزيز التعددية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلَين”، بوفد يترأسه وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، الذي كان قد شارك في يونيو الماضي في اجتماع وزراء خارجية المجموعة في مدينة نيجني نوفغورود الروسية، تحت صفة “دولة مدعوة للانضمام لمجموعة بريكس”.
موقف متذبذب
انضمام السعودية لمجموعة بريكس أتى لتوجيهات مباشرة من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي قال في مقابلة مع قناة فوكس نيوز الأميركية في سبتمبر/ أيلول 2023: “إن مجموعة بريكس ليست تحالفًا سياسيًا. هناك مجموعتان داخل مجموعة العشرين: مجموعة الدول السبع وبريكس، حاولنا الانضمام إلى مجموعة الدول السبع أثناء إدارة ترامب، ولكن كان لبعض الدول في مجموعة الدول السبع اشتراطات للانضمام، ونحن نرى أننا إذا استمررنا لعقد آخر من دون أن نصبح في إحدى المجموعتين في داخل مجموعة العشرين، هذا قد يمثل صعوبات اقتصادية لنا، ولذا بريكس هي خيار. ووجهت لنا دعوة للانضمام ورحبنا بذلك، وبريكس ليست مجموعة مناوئة للولايات المتحدة أو الغرب؛ بل لديك الكثير من الحلفاء في بريكس مثل الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، وهم حلفاء”.
كانت بداية التململ في العلاقات بين السعودية وبريكس في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي؛ حيث رفض الأمير محمد بن سلمان حضور القمة التي أقيمت في روسيا على عكس بقية قادة دول التجمع، وأوفد بدلاً منه وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان لرئاسة وفد بلاده
ورغم إعلان السعودية انضمام انضمامها رسميًا لبريكس عبر التلفزيون الرسمي، وقناة الشرق المملوكة لها، إلا أن هناك الكثير من التصريحات التي خرجت للقول بأن انضمام السعودية لمجموعة بريكس سيكون بصفتها مراقبًا أو شريكًا في الحوار، لأن “بريكس” ليست منظمة رسمية بشكل كبير، وإنما مجموعة فقط، قال الخبير السعودي في التجارة الدولية، الدكتور فواز العلمي، مقابلة مع قناة “العربية”: ” إن الاستفادة من انضمام السعودية لمجموعة بريكس والدول الأخرى ستكون للأعضاء الحاليين، بعكس المفهوم الخطأ، “بريكس” ليست منظمة اقتصادية؛ بل هي مجموعة سياسية بحتة، تجمع رابطة من الدول غير الراضية على النظام أحادي القطب، والمملكة العربية السعودية لا تدخل في هذه المجالات، وهي تقف على مسافة واحدة من الجميع، ولا تهدف لأن تكون شريكًا رئيسًا في مجموعة ليس لديها نظام اقتصادي وتقاليد وتبادل تجاري”، وفقًا للعلمي.
بدوره يقول محمد بن صالح الحربي: “إن السعودية تنظر الى مجموعة البريكس بمفهوم الشراكة والتعاون بمبدأ التوازن الاستراتيجي في العلاقات وفق مصلحتها الذاتية، ومن ثم المصالح المشتركة، وهناك علاقات متنامية بين المملكة ودول مجموعة “بريكس”؛ حيث إن حجم التجارة الثنائية مع دول المجموعة تجاوز 196 مليار دولار في عام 2023، وهو ما يمثل 37% من إجمالي التجارة الخارجية للمملكة”.
وأضاف الحربي، لـ”مواطن”، أن السعودية قلقة من تصاعد التوترات العالمية، وفي هذا الوقت الذي نحن أحوج ما نكون فيه لمواجهة التحديات العالمية، نشهد تصاعدًا للتوتر وتناميًا للاستقطاب والمحاور، مما يضعف من مرونة وفاعلية المنتديات متعددة الأطراف، وتدعم المملكة تعزيز المؤسسات الدولية لضمان تلبية احتياجات جميع الدول، ورغم أن منظمة بريكس هي تكتل اقتصادي مهم في العالم، لكن سياسة السعودية معروفة بالمواكبة للمتغيرات التي حصلت في القرن 21 واقتصادات القرن 21، وتغير الخارطة الاقتصادية والنفطية، ولديها شراكات قوية مع بريكس في إطار التنوع الاقتصادي الذي تسعى إليه المملكة ضمن سياسة مبدأ التوازن بين بوصلتي الشرق والغرب، ويشهد العالم الآن عدة متغيرات اقتصادية أو سياسية، وكان موضوع الانضمام إلى بريكس هو قيد بحث ضمن توجهات المملكة في الفترة الماضية، مشيرًا إلى العلاقات بين السعودية وأميركا، هي علاقات ثابت وراسخة؛ حيث يجرى التعامل على مستوى مؤسسات الدولة ولا تتغير بتغير الرؤساء أو الحزب الحاكم.
الرغبة في الابتعاد
كانت بداية التململ في العلاقات بين السعودية وبريكس في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي؛ حيث رفض الأمير محمد بن سلمان حضور القمة التي أقيمت في روسيا على عكس بقية قادة دول التجمع، وأوفد بدلاً منه وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان لرئاسة وفد بلاده، وقال الكرملين وقتها إن وضع السعودية في المنظمة سيتضح بعد القمة.
في أكتوبر/تشرين الأول، اضطرت روسيا إلى سحب بيان ذكر السعودية كعضو في مجموعة البريكس، وقبيل قمة البريكس في قازان الروسية، سحب الكرملين بيانًا صدر في الأسبوع السابق ذكر السعودية كعضو، وبدلًا من ذلك قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف: “ستعقد القمة الآن، وسنقدم معلومات إضافية حول من سيمثل السعودية، وما إذا كانت ستكون ممثلة في هذه القمة، وسنستخلص استنتاجات من هذا”.
مواضيع ذات صلة
وقال تقرير لمركز مكافحة التضليل -ومقره أوكرانيا-، إن عدم مشاركة ولي العهد السعودي في قمة البريكس يشير إلى أن المملكة حذرة بشأن تعميق العلاقات مع روسيا، ومترددة بشأن دورها المستقبلي داخل مجموعة البريكس، ولا يمكن الفصل بين توجه الرياض بالابتعاد عن بريكس في ظل ارتفاع أسهم عودة ترامب لرئاسة أميركا وقتها، وهو ما جرى، وفاز الرجل الأصفر في الانتخابات؛ ما سبب ارتياحًا في الأوساط السعودية التي تفضل التعامل مع الرؤساء الجمهوريين أكثر، ومن هنا أتت خطوة تعليق عضويتها في بريكس التي نبحث دوافعها وتوقيتها.
حيث تأتي هذه الخطوة بعد أسابيع من تعهد ترامب بفرض تعريفات جمركية بنسبة 100% على أعضاء مجموعة البريكس إذا تبنت الدولة العضو عملة خاصة بها، في محاولة للإطاحة بالدولار الأميركي.
وتقول الباحث السياسية والإعلامية الروسية نغم كباس، لـ”مواطن”، “إنه بالفعل أعلنت روسيا بأن السعودية علقت بشكل جزئي مشاركتها وانضمامها إلى مجموعة البريكس، ونحن رأينا بأن السعودية كانت تتجه نحو بريكس بخطوات ثقيلة إن صح التعبير، لم تكن مندفعة بشكل كبير إلى التحالف، لأنها كانت بانتظار الانتخابات الأميركية ونتائجها، ومن سيعود أو سيصل إلى البيت الأبيض، ربما كانت “هاريس”؛ فإن السعودية ربما تدخل في بريكس بشكل أقوى، لأن العلاقة مع الديمقراطيين ليست كالعلاقة مع الجمهوريين ومع ترامب بشكل شخصي. لأن هناك علاقة طيبة بين المملكة وترامب من ناحية، إضافة إلى أن ترامب صارم اقتصاديًا. من ناحية أخرى، ونجده قد هدد بمعاقبة جميع الدول التي تحاول التعامل بغير الدولار، أو تحاول توجيه ضربة إلى الدولار، أو تحاول إنشاء عملة جديدة كعملة بريكس التي تكون بعيدة عن الدولار.
تأثيرات عودة ترامب
تعتقد “عباس”، أن هناك العديد من الأسباب التي تدرس الرياض خطواتها بشكل هادئ ومتوازن، وحسمت أمرها عندما جاء ترامب بأنها لن تكون شريكًا مطلقًا وكاملاً لمجموعة البريكس، ولا ننسى أيضًا أن المملكة ترتبط بعلاقات تجارية واقتصادية واستثمارية عميقة، إن كان مع الولايات المتحدة الأمريكية أو مع الاتحاد الأوروبي، ولا يمكن مقارنة هذه العلاقة مع المملكة وروسيا. لأن العلاقات بينهما حديثة متنوعة، ولكن ما زالت قليلة، ولا تقارن أبدًا مع الولايات المتحدة الأمريكية، أو الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر هو الشريك التجاري الأول للسعودية في العالم. وهناك علاقات واستثمارات سعودية في الاتحاد الأوروبي وأميركا، ووصلت الاستثمارات المتبادلة بين السعودية والاتحاد الأوروبي 84 مليار دولار خلال سنة واحدة، أيضًا يقال إن الاستثمارات السعودية الحكومية والخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية وصلت إلى 800 مليار دولار، هو رقم خيالي، رقم كبير لا يمكن مقارنته في العلاقات مع روسيا.
وتضيف الباحثة الروسية، أنه من المعروف أن السعودية هواها غربي أكثر مما هو شرقي أو نحو روسيا، والعلاقات التاريخية والاستثمارات منذ عقود وربما منذ تأسيس المملكة هو مع الغرب أكثر مما هو من روسيا. كما أن هناك عددًا كبيرًا من الخبراء الأوروبيين في المملكة العربية السعودية، أكثر من 20 ألف خبير و1300 شركة أوروبية. والولايات المتحدة هي من كبرى أربع شركاء في المملكة. لذلك لا يمكن اليوم فصل المملكة عن الاتحاد الأوروبي أو أميركا. هي متشابكة تشابكًا وثيقًا على المستوى الحكومي والخاص، ولا يمكن فك ارتباطها بأي شكل من الأشكال مع هذه الدول، وتهديد استثماراتها بهذه المبالغ الكبيرة على حساب انضمامها للبريكس.
أن فشل روسيا في إقناع السعودية يكشف عن فجوات عميقة في استراتيجيتها الدبلوماسية. ففي حين تحاول موسكو إعادة تشكيل النظام العالمي لصالحها؛ فإن الدول التي تم الاتصال بها تمكنت من الحفاظ على استقلالها الاستراتيجي
ويتفق هذا الطرح مع تقرير لموقع “كوين تريبيون”، الذي قال إن روسيا حاولت إقناع السعودية بالانضمام إلى هذا التحالف الاقتصادي من أجل زيادة نفوذ مجموعة البريكس على الساحة الدولية، وهدفت هذه المبادرة إلى تعزيز الثقل الاستراتيجي للمجموعة في مواجهة القوى الغربية. ووفقًا لمصادر دبلوماسية، سلطت موسكو الضوء على مزايا كبيرة، بما في ذلك تعزيز فرص التعاون في مجالات التجارة والطاقة. وعلى الرغم من هذه الوعود؛ فقد أسفرت المساعي الروسية عن رفض الرياض في نهاية الأمر، لكن السعودية، -على الرغم من أنها تحافظ على علاقات اقتصادية وثيقة مع أعضاء مؤثرين في مجموعة البريكس مثل الصين- ترى أن المشاركة بشكل أكبر في التحالف من شأنه أن يعرض علاقاتها الاستراتيجية للخطر مع الغرب؛ وخاصة الولايات المتحدة.
ويضيف التقرير، أن فشل روسيا في إقناع السعودية يكشف عن فجوات عميقة في استراتيجيتها الدبلوماسية. ففي حين تحاول موسكو إعادة تشكيل النظام العالمي لصالحها؛ فإن الدول التي تم الاتصال بها تمكنت من الحفاظ على استقلالها الاستراتيجي. فالسعودية، التي تحافظ على علاقاتها الاقتصادية مع الصين وتعززها، تواصل تقدير علاقاتها التاريخية مع الولايات المتحدة، وتوضح مثل هذه الخطوة اهتمامها بالتوازن بين كتلتين متنافستين.
ضعف الفائدة الاقتصادية
بدورها ترى المحللة الاستراتيجية الاميركية، إيرينا تسوكرمان، أن التوجه السعودي نحو التعاطي مع دعوة مجموعة بريكس للانضمام لها، كان سببه عدم اليقين السياسي والاقتصادي بشأن الانتخابات المتوقعة في الولايات المتحدة، ومسار الصراعات المختلفة، ودور مجموعة البريكس في الاقتصاد العالمي. من ناحية أخرى كان توسع مجموعة البريكس في السنوات الأخيرة مرتجلًا إلى حد كبير، وغير متسق ويركز على بناء رؤية اقتصادية موحدة بدلًا من مواجهة النفوذ الأمريكي، من خلال إيماءات محددة؛ مثل آليات كسر العقوبات وآليات التجارة الداخلية وتطوير التكنولوجيا. والفوائد المشكوك فيها لهذه المعاملات لا تفوق تكاليف الالتزام بخطط سياسية أو اقتصادية غير واضحة.
وعلى الرغم من إحجام المملكة العربية السعودية عن قبول العضوية؛ فقد اعتبرت روسيا الرياض عضوًا علنًا، مؤكدة أن توسع البريكس لم يكن يهدف إلى تعزيز العلاقات وبناء أرضية مشتركة بين الأعضاء؛ بل كان يهدف إلى تحدي الولايات المتحدة وإغراء حلفائها في العلن. ولا ينبغي أن يكون مفاجئًا أن تعلن المملكة العربية السعودية في أول فرصة تعليق عضويتها. فالسعودية لم يكن لديها الكثير لتكسبه من تحالف البريكس مقارنة بروسيا وجنوب أفريقيا ودول أخرى غارقة في عدم الاستقرار الاقتصادي والصراعات والعزلة الدولية، بحسب تسوكرمان.
وتشير المحللة الأميركية، إلى أنه على مدى تاريخها الحديث، كانت السعودية مرتبطة اقتصاديًا بالغرب، والانضمام إلى البريكس على حساب العلاقة الأكثر ثقة مع دولها الغربية، كان بمثابة هدف بعيد المنال بالنسبة للبلد الذي يفتخر بالبرجماتية الاقتصادية والسياسية في الشرق الأوسط. وبصراحة تامة، ليس لدى أعضاء البريكس الكثير من القواسم المشتركة، وانعدام الثقة بينهم كبير.
وتستشف تسوكرمان، أنه علاوة على ذلك؛ فإن الدافع للبقاء بعيدًا أكبر من الدافع للانضمام، وكان التهديد المبكر لدونالد ترامب بفرض تعريفة جمركية بنسبة 100٪ على تعريفة أعضاء مجموعة البريكس وتصوره للتحالف باعتباره معاديًا للمكانة الاقتصادية للولايات المتحدة في العالم، جزءًا من هذا الدافع بالتأكيد. وتعد التجارة بين السعودية والولايات المتحدة أحد أهم العوامل المساهمة في اقتصاداتها واستثماراتها؛ ومن شأن التعريفات الجمركية المرتفعة أن تسبب ضربة، وتعزز زعزعة الاستقرار المحتملة وسط المشاكل الاقتصادية المستمرة.