تقول الألمانية مونيكا شتاب، المدير الفني للمنتخب النسائي السعودي: «عملت حول العالم لمدة 18 عامًا في 90 دولة، ولم أر اتحادًا يعمل ويدعم كرة القدم النسائية أكثر مما هو هنا في المملكة العربية السعودية».
في 19 يناير 2025، نشرت شركة نيوم، بالشراكة مع الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، تقريرًا شاملًا يُسلط الضوء على المشهد الحالي لكرة القدم النسائية في المملكة العربية السعودية؛ حيث يكشف التقرير عن الرحلة الملهمة للنمو الهائل الذي حققته هذه الرياضة في المملكة العربية السعودية، نعم؛ لقد تحولت كرة القدم النسائية في المملكة إلى حافز يساعد على إعادة تعريف المجتمع بالرياضة النسائية، و”كرسي في كلوب” الأعراف المجتمعية؛ فالأمر لا يتعلق بكرة القدم فقط؛ بل يتعلق بتوفير المزيد من الفرص للنساء، وإظهار التأثير البعيد المدى الذي يمكن أن تحدثه رياضة مثل كرة القدم على الأفراد والمجتمعات.
حيث قالت عالية عبد العزيز الرشيد، رئيسة اتحاد كرة القدم النسائية: “لقد كانت رحلة رائعة حقًا لكرة القدم النسائية على مدار السنوات الست الماضية، منذ إنشاء قسم مخصص لكرة القدم النسائية في الاتحاد السعودي لكرة القدم، ثم إنشاء أربع فرق وطنية، وخمس مسابقات، ووجود ما لا يقل عن 77000 فتاة يلعبن في دوري المدارس السنوي، وستة مراكز تدريب إقليمية للفتيات، والعديد من برامج لتطوير مهنة التدريب والتحكيم”. كما قالت جان باترسون، المديرة الإدارية لشركة نيوم سبورت: “يعد هذا التقرير، طريقتنا في فهم المشهد الحقيقي، أين نحن؟ وما العقبات التي تنتظرنا وكيف يبدو المستقبل؟”. وبناء على ذلك؛ انطلقنا في لمحاولة فهم السياسات المتبعة في كرة القدم النسائية السعودية، ما الذي يحدث بالضبط؟ وما تأثيرها على الدولة والمجتمع؟
البداية
كانت البداية مع تأسس نادي “اتحاد الملوك” عام 2006، كأول نادٍ نسائي لكرة القدم في البلاد، مع وجود ضوابط وشروط خاصة للالتحاق، أهمّها الحصول على موافقة ولي أمر اللاعبة، ودفع رسوم الاشتراك البالغة 10 آلاف ريال شهريًا، كما أن الفريق كان يقبل عضوية أية فتاة شرط أن تكون مقيمة في مدينة جدة؛ حيث بدأ الفريق تدريباته في مدينة جدة برعاية الأمير الوليد بن طلال، الذي قدم للفريق مكافآت نقدية بلغ مجموعها 115 ألف ريال على إدارة ولاعبي الفريق، وذلك لقاء النتائج والبطولات التي حققها النادي، ولم يكن ذلك هو النادي الوحيد؛ إذ أُنشِئت بعض الفرق النسائية الأخرى في مدن مثل الرياض والدمام، وبعد ذلك؛ عُقدت أول دورة خيرية في عام 2008 مع وجود 7 فرق للتنافس، ثم وقعت أول مباراة بين فريقين نسائيين في البلاد في يناير 2008، عندما تغلب فريق جامعة الأمير محمد بن فهد، على كلية اليمامة في مباراة أقيمت على ملعب الأمير محمد بن فهد في الدمام.
وفي مارس 2009، عُقدت مباراة كرة قدم خيرية للسيدات بين فريقي “الجامعة” و”برشلونة”؛ حيث فازت الجامعة بنتيجة 1-2 وحصلت على 81000 ريال سعودي، ما يعادل 21,598 دولار، لتوجيهها إلى الأشخاص ذوي الإعاقة في الجزء الشرقي من المملكة، وفي عام 2012 بدأ فريق “اتحاد الملوك” المكون من 35 لاعبةً تتراوح أعمارهن بين 13 و 35 عامًا، في تنفيذ خطة تدريبية لثلاث مرات أسبوعيًا تحت قيادة مدربة الفريق آنذاك، ريما عبد الله، والتي كانت أيضًا مهاجمة الفريق، ورغم وجود النادي منذ عام 2006؛ فلم تتوفر أي بيانات عن عدد لاعبات كرة القدم للسيدات في البلاد؛ بل والأدهى من ذلك، أن أصبح هناك ضجة دولية بعدما سعت السلطات السعودية لمنع النساء من حضور مباراة بين المنتخب السعودي لكرة القدم والمنتخب السويدي.
وفي عام 2014 بدأ النقاش الفعلي حول إمكانية حضور النساء إلى الملاعب، وفق ضوابط الشريعة الإسلامية والعادات والتقاليد، وقد وضعت الجهات المعنية 5 شروط للسماح للعنصر النسائي بدخول مباريات كرة القدم:
- أن يكون حضور النساء عائليًا وليس بشكل فردي.
- أن تجهز لهذه الأسر أماكن منفصلة.
- ألا تتعرض لأي نوع من أنواع الاختلاط مع الرجال في الملعب.
- رابعها تخصيص مداخل ومخارج ومواقف سيارات منفصلة لتلك العائلات.
- وجوب توافر خدمات خاصة للنساء كدورات المياه وغيرها.
وبالرغم من أن كرة القدم كانت هي الرياضة الأكثر شعبية بين السيدات في السعودية، لم تكن هناك أكاديميات أو أندية أو اتحادات كرة قدم رسمية، ورغم نجاح المرأة السعودية في إنشاء أكثر من 10 فرق (ترفيهية) في جميع أنحاء البلاد، تتركز في المدن الكبرى مثل الرياض وجدة والخبر؛ فقد ظلت بلا أي نشاطات أو صلاحيات رسمية، وظل الأمر كما هو، وجود على الأرض، وبلا تواجد رسمي، حتى عام 2018، عندما بدأت قيادات الفرق النسائية السعودية في تنظيم بطولات خاصة لبعض الفرق المعروفة؛ مثل اليمامة والتحدي ونسور جدة وأمواج جدة.
انفجار
وفقًا لما ذكره يوسف حمدي، الكاتب الرياضي بموقع “فيفا”؛ في تصريحات لمواطن: “أن الأمور ظلت كما هي، حتى بدأت الثورة النسوية في الملاعب منذ عام 2018، عندما بدأت النساء في حضور مباريات كرة القدم بشكل رسمي بعد سنوات طويلة من الرفض”، وهو ما أكدته “دعاء نائل”، الصحفية المختصة بكرة القدم النسائية في موقع “جول”؛ حيث قالت في تصريحات لـ “مواطن”: “إن الحدث الفيصلي، وبداية انطلاق تلك الثورة، كان السماح لدخول السيدات المدرجات عام 2018، وبعدها تغير المشهد بشكل كبير؛ من إطلاق دوري السيدات الممتاز، إلى الاعتراف الرسمي بالمنتخب الوطني النسائي السعودي في تصنيفات الفيفا العالمية للمرة الأولى”، وتصف شيماء الحسيني، المديرة التنفيذية في الاتحاد السعودي، المشهد الحالي لكرة القدم النسائية باعتباره “تحولاً كاملاً وملهمًا في كل شيء داخل المجتمع”، وفي وقت قياسي لا يتعدى الخمس سنوات.
كما أكد يوسف: “أن كرة القدم النسائية في المملكة شهدت “تحولًا ملحوظًا” منذ ذلك الحين؛ حيث تشارك الآن أكثر من 70 ألف فتاة على مستوى القاعدة الشعبية، وأكثر من 1500 لاعبة مسجلة على مستوى البلاد، إضافة إلى إنشاء دوريات النخب ومسارات تطوير اللاعبات، ويتجلى ذلك أيضًا في وجود أكثر من 1,500 لاعبة مسجلة، منهن أكثر من 940 لاعبة سعودية”، إضافة إلى استقطاب العديد من المدربين/ات الدوليين/ات البارزين/ات إلى المعترك السعودي، مثل مونيكا ستاب ولويس كورتيس، إلى جانب مدربات سعوديات ناجحات؛ مثل دونا رجب؛ خاصة بعد تطوير أكثر من 50 دورة تدريبية للنساء في اتحاد كرة القدم السعودي، وتطوير أكثر من 1,000 مدربة وأكثر من 35 حكمًا نسائيًا للعامين الماضيين فقط.
كما شهد دوري المدارس للفتيات في موسمه الأول 2022/2023 مشاركة أكثر من 48,000 لاعبة من 3,660 فريقًا، ثم ارتفع هذا العدد في الموسم الثاني إلى أكثر من 70,000 لاعبة، في زيادة تقدر بنسبة 46% سنويًا، مما يعكس الارتفاع السريع لكرة القدم النسائية على الصعيد الوطني؛ خاصة مع وجود تسهيلات تتعلق بالمرافق الرياضية وتطوير المسابقات المحترفة، ووجود ستة مراكز تدريب إقليمية، إضافة إلى ذلك؛ فقد وصلت بطولة كأس اتحاد كرة القدم السعودي للسيدات إلى مرحلة دور الـ16 هذه السنة، مما يوفر فرص مشاركة لجميع الأعمار في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية.
ومع وجود رؤية السعودية 2030 كعامل محفز، بدأت كرة القدم النسائية في كسب أراضٍ جديدة كل يوم، متحدية بذلك الأعراف الاجتماعية، ومُخلفةً مسارات جديدة للتواجد النسائي في بلد يضم أكثر من 32 مليون شخص؛ خاصةً مع وجود فرصة فريدة للاستفادة من التحول الثقافي الناشئ باستخدام رؤية كرة القدم المتزايدة لإلهام الأجيال القادمة، وإعادة تشكيل الإمكانيات النسائية، وبناءً على تقرير نيوم، يمكن تلخيص الثورة في كرة القدم النسائية في المملكة العربية السعودية في النقاط التالية:
- 2008: إطلاق أول دوري هاويات للسيدات.
- 2016: إطلاق رؤية المملكة 2030 وإصلاح القطاع.
- 2018: بدأت السعوديات في حضور مباريات كرة القدم، وتعيين أول امرأة “عدوى العريفي” في مجلس إدارة اتحاد كرة القدم السعودي.
- 2019: تأسيس قسم كرة القدم النسائية في اتحاد كرة القدم السعودي.
- 2021: إطلاق المنتخب الوطني للسيدات، وإطلاق أول مركز تدريب إقليمي للفتيات في الرياض؛ حيث شارك أكثر من 700 امرأة في تجارب الاستكشاف.
- 2020: إطلاق أول دوري للسيدات.
- 2022: إطلاق دوري السيدات الممتاز والدوري الأول التابع لاتحاد كرة القدم السعودي، إضافة إلى إطلاق دوري المدارس للكرة النسائية، وفي تلك السنة أيضًا، فاز المنتخب النسائي في المباراة الأولى له ضد سيشل بهدفين للاشيء.
- 2023: إطلاق أول صفقة بث عالمية لدوري السيدات الممتاز التابع لاتحاد كرة القدم السعودي مع شركة “DAZN”، وتأسيس منتخب تحت 17 وتحت 20 عامًا، وتعيين أول حكم سعودية من قبل FIFA، أنود العصيمي، ومدربة سعودية ذات ترخيص A، دونا رجب.
- 2024: أُعلنت شركة Rexona كشريك رسمي لبرنامج المنتخب الوطني للسيدات السعودي، إضافة إلى إطلاق دوري السيدات الدرجة الثانية.
A family's pride 👨👩👧
— Saudi 2026 (@Saudi2026Bid) May 4, 2023
Celebrating @FIFAcom ranking 💪
Dreams of #Saudi2026 😍
🇸🇦 Saudi U17 Starlet @Majd_6676 shares her inspiring story ⚽️#TogetherForAsia pic.twitter.com/F8lJaTMiE0
تلك الثورات، كان لابد لها من ثورة مالية توازيها أيضًا، وهو ما حدث بالفعل؛ إذ تتراوح رواتب اللاعبات في الدوري السعودي من 60000 دولار إلى 120000 دولار سنويًا معفاة من الضرائب، وهو رقم أعلى بكثير من متوسط الأجور في الدوري النسائي الأميركي البالغ 36400 دولار، وأعلى من متوسط الرواتب في دوري السيدات البريطاني البالغ حوالي 56000 دولار، ويقول بعض وكلاء اللاعبات الذين تفاوضوا على العقود السعودية لصحيفة “ذي أثلتيك”، إن العقود عادةً ما تشمل الرحلات الجوية والإقامة والتنقل؛ إذ يمتلك البعض منهن سيارات فارهة للتنقل، بينما يستأجر آخرون سائقين على حساب النادي لأغراض التنقل، إضافة إلى الانفتاح الدائم على تلبية رغبات اللاعبات الترفيهية مثل العطلات أو السفر إلى أوروبا.
وسيحصل الفائزون بالدوري السعودي للسيدات هذا العام على حوالي 2 مليون ريال سعودي (442000 جنيه استرليني، 533000 دولار) كما التزم صندوق الاستثمار بدفع مبلغ 49.9 مليون ريال سعودي (11 مليون جنيه استرليني، 13 مليون دولار) للأندية في الدوري الإنجليزي الممتاز والدرجة الأولى للسيدات و (الدرجة الثانية) كدعم للدوري من أرباح التعاقدات، وهو رقم أعلى من الموسم الماضي، بينما يحصل كل فريق في الدرجة الأولى على 50000 ريال سعودي (11000 جنيه إسترليني، 13000 دولار) من أرباح عقود البث.
حجر في المياه الراكدة
خلال السنوات الأربع الماضية، سمحت الإصلاحات الاجتماعية للنساء بالحصول على جوازات سفر خاصة بهن، والسفر إلى الخارج والعيش بشكل مستقل عن الأوصياء الذكور، لكن الحقوق المقيدة للنساء ما زالت قائمة؛ إذ يجب عليهن الحصول على إذن من ولي أمر ذكر للزواج، أو الإجهاض القانوني، أو مغادرة ملجأ العنف الأسري أو السجن، بالنسبة لبعض النساء؛ فعلى سبيل المثال، تم اعتقال عدد من الناشطات اللائي طالبن بحق المرأة في القيادة قبل شهر من رفع الحظر في عام ،2018 ولم يتم إطلاق سراحهن إلا في عام 2021، ومنذ ذلك الحين، ظللن تحت عقوبات مع وقف التنفيذ وحظر السفر.
أضف إلى ذلك قصة المواطنة السعودية سلمى الشهاب، طالبة الدكتوراه في جامعة ليدز في إنجلترا، والتي عادت إلى بلدها لقضاء عطلة في يناير/كانون الثاني 2021، وتم اعتقالها بعد ذلك بوقت قصير بسبب رسائل نشرتها على تويتر لدعم حقوق المرأة، وحُكِم عليها بالسجن لمدة 34 عامًا، وفي تقرير الفجوة بين الجنسين العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي العام الماضي، جاءت المملكة العربية السعودية ضمن الدول العشرة الأخيرة، وهي إحصائية مذهلة بالنسبة لدولة تحاول تطوير كرة القدم النسائية، أضف إلى ذلك طرق التظلم المنغلقة في السعودية، وعدم وجود رابطة محترفة يمكن اللجوء إليها عندما تواجه أي لاعبة، أية نزاعات بشأن العقود أو المعاملة من أنديتهن.
🚨 خُفِّض مؤخرًا حكم السجن الصادر بحق الناشطة الحقوقية #سلمى_الشهاب من 27 عامًا إلى أربع سنوات (مع تعليق التنفيذ لأربع سنوات).
— القسط لحقوق الإنسان (@ALQST_ORG) January 15, 2025
نتوقّع الإفراج عن الشهاب في غضون الأيّام القليلة المقبلة، ونحثُّ السلطات #السعودية على ضمان منحها الحرّيّة الكاملة.
⬅️ https://t.co/dkKILQa4Zq pic.twitter.com/8JWTgOcKjz
ويعني هذا أن التطوير في كرة القدم النسائية، ليس إلا حجرًا واحدًا في مياه راكدة منذ سنوات طويلة، ويحتاج للمزيد من العمل لإزالة ركام التقاليد القبلية، وبحسب ما ذكرته “دعاء نائل”: “إننا لو عدنا إلى التقارير منذ سنتين فقط، والتقارير الحالية، سنجد أن المؤشر يتحسن بشكل غير طبيعي، ربما بدأ الأمر بمحاول استغلال الكرة النسائية لتبييض وجه المملكة، ولكن هذا كان قديمًا، أما الآن فهناك وعي وتصميم لدى العاملين في المملكة لتحسين حياة النساء بشكل عام، وكرة القدم هي التجلي الأكبر لتلك الظاهرة، بعدما فتحت الأبواب لعدد كبير من السيدات للحرية والعمل والظهور؛ خاصة وأن كل شيء مقرون بالاستثمارات، الذي هوعصب المملكة العربية السعودية”.