بعد مرور أكثر من عشرين عامًا على إنشاء سلطنة عمان لوزارة السياحة، لتكون البلد الخليجي الأول الذي ينشىء هذه الوزارة، وذلك لحاجة البلاد لتنويع موارد اقتصادها بجانب النفط، ورغم اتخاذ الكثير من الإجراءات وإقامة العديد من المشاريع السياحية التي تعدت في ميزانيتها المليارات، لكن الواقع يقول إن مساهمة قطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي لم يزد حتى الآن عن 3%، وفقًا لآخر تصريحات وزير التراث والسياحة العماني، سالم بن محمد المحروقي، على هامش مشاركته مؤخرًا في سوق السفر العالمي بالعاصمة البريطانية في لندن؛ حيث قال إن السلطنة تستهدف رفع مساهمة قطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي من 3% حاليًا إلى 10%، ورفع عدد السياح إلى 5.3 مليون سائح وفقًا لمستهدفات “رؤية 2040”.
مما يعني أن السلطنة لم تقترب من هدفها المنشود؛ حيث لم يتعدَّ عدد زوار سلطنة عمان 3 ملايين زائر خلال عام 2023 طبقًا لبيانات الوزارة، رغم كل المحاولات التي لم يكن آخرها فتح المجال أمام التأشيرات السياحية لأغلب دول العالم وبرسوم بسيطة، مما جلب إلى السلطنة آلافًا من الوافدين من جنسيات مختلفة، جاءوا بحثًا عن فرصة عمل وليس من أجل السياحة.
كما قدمت السلطنة تسهيلات للسياح بالإعفاء من تأشيرات الدخول لمواطني 103 دول، وأنشأت ألف منشأة فندقية خلال السنوات الماضية ضمن “رؤية عمان 2040، حسب تأكيد وزير التراث والسياحة العماني خلال مؤتمر “عُمان والعالم”، الذي نظمته وزارة الإعلام في يناير الماضي.
وتتمتع سلطنة عمان بتنوع سياحي فريد بين عدد من المقومات والوجهات والثروات الطبيعية والتاريخية؛ ما بين شواطئ تمتد مئات الكيلومترات، وجبال وقمم شاهقة ووديان وطقس متنوع بين الشمال والجنوب، وحصون وقلاع وآثار مختلفة.
وتركز الإحصاءات الصادرة عن وزارة التراث والسياحة على تنوع خيارات المنشآت الفندقية في سلطنة عمان، والبالغ عددها بنهاية عام 2023 نحو 813 منشأة بـ 32 ألفًا و 821 غرفة فندقية.
وهو ما يجب أن يترجم بوجود صناعة سياحة قادرة على المساهمة برقم كبير في الدخل القومي لتحقيق الهدف الأسمى، وهو تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط فقط.
إلا أن الواقع يقول إن مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي ما زالت أقل بكثير من الجهود المبذولة والآمال المعقودة على القطاع.
ورغم أن الوزارة منذ تأسيسها قبل 21 عامًا، تحاول قدر الإمكان الدفع بصناعة السياحة لتأخذ المكانة المأمولة كرافد مهم من روافد الدخل القومي، إلا أن فرص تحقق تلك الأمنيات على أرض الواقع ما زالت بعيدة.
وتركز الإحصاءات الصادرة عن وزارة التراث والسياحة على تنوع خيارات المنشآت الفندقية في سلطنة عمان، والبالغ عددها بنهاية عام 2023 نحو 813 منشأة بـ 32 ألفًا و 821 غرفة فندقية.
وبلغ عدد الفنادق من فئة 5 نجوم 29 فندقًا، تضم 6 آلاف و267 غرفة فندقية، و40 فندقًا من فئة 4 نجوم، و57 فندقًا من فئة 3 نجوم، و74 فندقًا من فئة النجمتين، في حين بلغ عدد الفنادق فئة نجمة واحدة 91 فندقًا، كما تضم المنشآت الفندقية في سلطنة عمان 164 شقة فندقية.
وتضم المنشآت الفندقية أيضًا المخيمات التي بلغ عددها 24 مخيمًا، والاستراحات البالغ عددها 39، إضافة إلى النزل التراثية والخضراء وبيوت الضيافة.
خطوات جيدة ولكن غير كافية
يقول حارب بن مفتاح الفارسي، أحد العاملين بقطاع السياحة لـ”مواطن”: رأيي من خلال حصيلة خبرتي في القطاع السياحي، والتي امتدت لقرابة 25 سنة، ومن خلال البيانات الصادرة من المجلس الوطني للإحصاء، أن سلطنة عمان قطعت خطوات جيدة في تطوير السياحة؛ مثل الترويج للوجهات السياحية الطبيعية والتراثية وإنشاء الفنادق، وتقديم الدعم اللازم لرجال الأعمال العاملين في القطاع السياحي، لكنها لم تصل بعد إلى مستوى يجعل من قطاع السياحة مساهمًا رئيسيًا في الدخل القومي، مقارنةً بقطاعات مثل النفط لوجود تحديات كبيرة تتمثل في ضعف الترويج الدولي مقارنة بالدول المجاورة، ومحدودية خطوط الطيران المباشرة مع الأسواق السياحية الكبرى.
من التحديات أيضًا أن السياحة في السلطنة موسمية؛ حيث تركز الزيارات على موسم الشتاء أو موسم خريف صلالة.
مواضيع ذات صلة
يضيف الفارسي: على الرغم من أن لعمان إمكانيات كبيرة تشتمل على طبيعة خلابة، مواقع أثرية، وثقافة غنية، ولكن هناك حاجة كبيرة وماسة إلى ضخ استثمارات أكبر في البنية التحتية وخدمات السياحة.
كذلك هناك حاجة إلى الترويج الفعال عبر الإعلام الرقمي والمعارض السياحية الدولية، وتنويع المنتجات السياحية مثل السياحة البيئية، الثقافية، والمغامرات.
ويذكر “حارب” عددًا من الاقتراحات يضعها على طاولة القائمين على الملف السياحي لتنشيط السياحة وزيادة أعداد السائحين، وتتمثل في الاهتمام أكثر بالترويج الرقمي، واستخدام منصات التواصل الاجتماعي والإعلانات الرقمية لزيادة الوعي بالوجهات العمانية.
إضافة إلى تنويع الأسواق السياحية المستهدفة والتركيز على السياحة الأوروبية والآسيوية، بالإضافة إلى دول مجلس التعاون الخليجي.
ويكمل بالقول: أقترح أيضًا تسهيل التأشيرات من خلال تقديم تسهيلات مثل التأشيرات الإلكترونية أو المجانية لفئات معينة، وتنظيم الفعاليات الدولية: مثل مهرجانات الثقافة أو الرياضة لجذب الانتباه العالمي.
هناك أيضًا تحسين البنية التحتية من خلال تطوير النقل الداخلي وزيادة الفنادق الاقتصادية لجذب الفئات المختلفة من السياح، وتعزيز الشراكات مع شركات الطيران، لزيادة الخطوط المباشرة من الأسواق الرئيسية، والترويج للثقافة العمانية: عبر تقديم تجربة سياحية مميزة تشمل الحرف التقليدية، الطعام العماني، والفنون المحلية.
خطة للبنية التحتية والمرافق
بينما يقول حمود الطوقي، رئيس تحرير مجلة الواحة العمانية لـ”مواطن”: “إن تقييم الأداء في خطط ومشاريع التنمية السياحية في السلطنة، يمكن أن يتم من خلال مجموعة من المعايير والمؤشرات؛ مثل زيادة أعداد السياح من خلال قياس أعداد الزوار سنويًا وتحليل النمو مقارنة بالخطط الموضوعة، إضافة إلى تعزيز العائد الاقتصادي للقطاع السياحي، برفد القطاع بمشاريع ذات قيمة مضافة تساهم في زيادة إيرادات القطاع السياحي، والتوظيف للكوادر الوطنية والكفاءات بعدد الوظائف المستحدثة في القطاع السياحي.
ويضيف الطوقي: يتطلب الأمر وضع خطة لتحسين البنية التحتية، وتهيئة وتحسين المرافق السياحية لكي تنافس نظيرتها في الوجهات السياحية الأخرى؛ مثل الفنادق، الطرق، المطارات، والخدمات المساندة.
إضافة إلى الاهتمام بالتسويق الدولي من خلال المشاركة في المعارض وتقييم فعالية الحملات الترويجية لجذب السياح من الخارج، والاستدامة البيئية من خلال التأكد من توافق المشاريع مع خطط الحفاظ على البيئة والتنمية المستدامة.
ويؤكد الطوقي، أن السلطنة أحرزت تقدمًا في بعض المجالات مثل تطوير البنية التحتية السياحية، تعزيز الترويج الثقافي والتراثي، وتحقيق نمو ملحوظ في أعداد الزوار؛ خاصة خلال الفعاليات الكبرى مثل مهرجان صلالة السياحي وسباقات القوارب الدولية.
على الرغم من أن لعمان إمكانيات كبيرة تشتمل على طبيعة خلابة، مواقع أثرية، وثقافة غنية، ولكن هناك حاجة كبيرة وماسة إلى ضخ استثمارات أكبر في البنية التحتية وخدمات السياحة.
ولكن، ما زال هناك تحديات مثل ضعف الترويج في الأسواق العالمية، وقلة الاستثمارات في المشاريع الكبرى، والاعتماد الكبير على مواسم محددة كالسياحة الشتوية أو الخريفية. ويشير الطوقي إلى أن السلطنة تمتلك مقومات فريدة مثل الطبيعة المتنوعة: الجبال، الشواطئ، الصحارى، والكهوف.
ولديها القلاع، الحصون، والفعاليات التقليدية، والبيئة المستقرة، التي تتمثل في الأمان وانخفاض معدلات الجريمة، ولكن هذه الإمكانيات بحاجة إلى استثمار أكبر من خلال بناء المزيد من الفنادق العالمية والمنتجعات، وتسهيل إجراءات التأشيرة، وتطوير وسائل النقل العام وربط الوجهات السياحية ببعضها.
ويضع الطوقي عدة اقتراحات لتنشيط السياحة وزيادة أعداد السائحين؛ مثل إطلاق حملات دعائية مبتكرة تستهدف أسواقًا جديدة؛ مثل الصين والهند وأوروبا، وتطوير برامج سياحية مستدامة مثل رحلات تسلق الجبال وزيارات المحميات الطبيعية، وتقديم تجارب جديدة مثل السياحة الرياضية، سياحة المغامرات، والسياحة العلاجية، وإنشاء تطبيقات سياحية تفاعلية تقدم معلومات شاملة عن الوجهات، وتقديم منتجات وخدمات محلية أصيلة لجذب السائحين، وتقديم حوافز للمستثمرين الأجانب والمحليين في قطاع السياحة، واستضافة مؤتمرات ومعارض دولية ومهرجانات ثقافية وسياحية.
المزيد من التسويق ثم التسويق ثم التسويق
بحسب خلفان الطوقي؛ فالسياحة العمانية قد تطورت كثيرًا؛ ففي التسعينات وحتى بداية الألفية الثانية، كان احتمال الحصول على تأشيرة سياحية دون المرور بوكالات السفريات أمرًا شبه مستحيل، ولكن تغيرت الأوضاع منذ عام 2004 عندما أصبحت السلطنة أول دولة خليجية تنشئ وزارة للسياحة، وأصبح من الممكن لرعايا العديد من البلدان الحصول على تأشيرة لدى الوصول إلى المطار، دون أي حجز مسبق.
وحسب الأرقام المذكورة رسميًا، حققت السياحة العمانية نجاحًا لكنه غير مرضٍ على المستوى العام مقارنة بما تمتلكه السلطنة من تنوع جغرافي وطبيعي رائع، إضافة إلى مزايا أخرى مثل الكرم العماني والاستقرار والأمان، كما تشكل المواقع الأثرية في سلطنة عُمان الضاربة في عمق تاريخ الحضارة الإنسانية عامل جذب إضافي لأفواج من الزوار والسياح المهتمين بسياحة الآثار والسياحة الثقافية، ولا ينقصنا إلا المزيد من التسويق ثم التسويق ثم التسويق، وأتمنى أن تأخذ الحكومة المبادرة وتضع السياحة على رأس أولوياتها.
كما أن السلطنة ليست بمعزل عن اللحاق بركب الدول السياحية الكبرى؛ كونها تمتلك مقومات سياحية تاريخية وطبيعية خاصة، تميزها عن الكثير من الدول؛ حيث توجد فيها أودية خلابة، وجبال شاهقة، وشواطئ طويلة هادئة ونظيفة، وأجواء متنوعة، وتضاريس نادرة، أضف إلى ذلك تاريخها الأصيل الذي يعرفه القاصي والداني، والعادات والتقاليد الغنية، وتراثها الثري، وآلاف الشواهد من القلاع والحصون والأبراج والحواضر القديمة، إضافة إلى كرم العماني الذي عرف عنه الترحاب والضيافة والانفتاح على الآخر.
ويضع الطوقي عدة مقترحات ويقول: تتمثل المقترحات في الاستفادة القصوى من دول مجلس التعاون، وفيها 50 مليون شخص بين مواطن ومقيم، وكلهم قريبون من السلطنة ويجب علينا أن نستقطبهم، أضف إلى ذلك السوق العربي الذي يحتاج أن نقوم فيه بالتسويق أكثر من دول أخرى، ويجب على الحكومة أن تبدأ في ضخ خطط وأموال إضافية للتسويق طويل ومتوسط وقصير المدى.