عام 2011 كانت سوريا تنبض بالحياة، ورغم التحديات الاقتصادية والسياسية التي كانت تلوح في الأفق؛ فقد استمر السوريون يطوون أيامهم دون ضجيج متمسكين بقدرتهم على العيش بأبسط الحقوق، ومع اشتداد الظروف القاسية وانتشار البطالة، كان السفر لدول الجوار أمل الكثير من شبابها؛ فحتى حلم الحصول على وظيفة لم يعد متاحًا في أرض الزيتون، وهنا اتخذ محمد، “اسم مستعار” قراره بالسفر إلى السعودية بتأشيرة حرة، كان يحمل في قلبه أملًا بمستقبل أفضل، تمامًاكآلاف ممن سبقوه، كان ذلك قبل اشتعال الثورة السورية وقبل أن تحكم القيود قبضتها على السوريين الراغبين في دخول دول الخليج.
في المملكة العربية السعودية؛ عاش محمد سنوات من العمل والتجارب التي قد يراها البعض مجرد محطات عابرة، لكنه كان يعلم أن كل خطوة في هذه الرحلة تحمل في طياتها اختبارًا لقدرة الإنسان على التكيف والبقاء رغم الصعاب.
ومع تسارع الأحداث بالمنطقة العربية واشتداد الصراعات أكدت السعودية على دعمها للأشقاء السوريين داخل المملكة وتقديم الخدمات لهم بالمجان، فيما يشير محمد إلى اختلاف سياسات المملكة في التعامل مع اللاجئين، يقول لـ”مواطن”: “بداية رحلتي كانت في عهد الملك عبد الله، وعلى مدار سنوات كانت أبواب السعودية مفتوحة للباحثين عن فرص العمل، وكانت فيزا الزيارة كافية لدخول المستشفيات الحكومية والحصول على العلاج بالمجان، وحتى التعليم بداية من الصف الأول حتى الجامعة مجاني، لكن مع اشتداد الصراع بسوريا وتولي الملك سلمان الحكم انقلب كل شيء”.
منذ عام 2014 تواجه دول الخليج العديد من الاتهامات بسبب منع دخول اللاجئين السوريين إلى بلادها، كما فشلت السعودية في الحصول على مقعد في مجلس حقوق الإنسان، وذلك بسبب اتهامها بقتل مئات المهاجرين وطالبي اللجوء الإثيوبيين، أثناء محاولتهم عبور الحدود اليمنية السعودية وفق ما ذكره موقع “Human rights watch“، بالإضافة إلى استمرار تمويل الإمارات للدعم السريع بالسودان.
ويشهد الشرق الأوسط أكبر موجة نزوح في تاريخه؛ حيث تخطت الأعداد ما شهدته المنطقة من نزوح للفلسطينيين عام 1948، وقد تركز معظمهم في مصر، وعندما تتجه الأنظار إلى دول الخليج العربي، ذات الذهب الأسود، تبدو الطرق المؤدية إليها مغلقة أمام اللاجئين.
صعوبات السفر لدول الخليج
منذ عام 2011 انتقلت عدسات الكاميرات من مناطق النزاع في سوريا إلى اللاجئين العالقين على المناطق الحدودية، واستمرت الأزمة لسنوات طويلة، ومع زيادة حدة الصراع بالسودان اختلفت الملامح واللهجة إلا أن المصير واحد.
تقول أميرة (اسم مستعار)، “السفر لدول الخليج العربي رحلة غير مكتملة؛ فمع اشتداد الحرب في السودان عام 2023 قررت السفر للسعودية بتأشيرة حرة للبحث من هناك عن عقد عمل، وهنا ظهرت أول مشكلة؛ فجميع دول الخليج أغلقت سفاراتها في السودان، وحتى عند فتحها كانت مدة التقديمات قصيرة جدًا ولم تسمح بإصدار تأشيرات عمل أو حرة، وهنا كان يجب علي السفر أولاً لمصر أو إريتريا أو إثيوبيا أو البحرين، من أجل إكمال الأوراق، ومنها إلى الخليج، لذلك قررت الذهاب لمصر؛ فالتأشيرة مجانية، حتى إنها قبلت دخول النساء بجواز السفر فقط أو حتى ببطاقة شخصية؛ فمعظم السودانيين فقدوا أوراقهم الثبوتية بسبب النزوح، وحينما شعرت أن السفر للسعودية ليس بالأمر السهل، بدأت أفكر بالذهاب لقطر، ورغم أنها لم تكن في خطتي، إلا أنها قد تكون بديلاً ومكانًا أشعر فيه بالأمان خارج نطاق دولتي التي هزمها الصراع، لكنها أوقفت استقبال السودانيين بعد شهرين فقط من الحرب”.
منذ عام 2014 تواجه دول الخليج العديد من الاتهامات بسبب منع دخول اللاجئين السوريين إلى بلادها، كما فشلت السعودية في الحصول على مقعد في مجلس حقوق الإنسان، وذلك بسبب اتهامها بقتل مئات المهاجرين وطالبي اللجوء الإثيوبيين، أثناء محاولتهم عبور الحدود اليمنية السعودية
ويرى سيف البروف، رئيس تحرير شبكة سودازول، أن السبب وراء عدم ذهاب السودانيين لدول الخليج يعود إلى إنها دول وليدة غير موقعة على اتفاقية شؤون اللاجئين، وبالتالي ليس لديها مقرات للأمم المتحدة، وعند تقديم طلب اللجوء يجب السفر لدول لديها مكاتب رئيسية لمفوضية شؤون اللاجئين؛ فالدول الصغيرة تساعد اللاجئ على التسجيل فقط، أما قرار التوطين يأتي من المكتب الإقليمي بالأردن، بالإضافة إلى عدم رغبة مجلس التعاون الخليجي بتحمل أعداد إضافية؛ حيث إن مسألة اللجوء تضيف عبئًا على الدولة؛ فهي ملزمة بتخصيص موارد لهم، والعمل مع منظمات شريكة لاستضافتهم وتوفيق أوضاعهم، كما أنها تخاف على بنيتها التحتية وعاداتها وثقافتها وأفكار شعوبها؛ فاللاجئ قادم من مناطق حرب وثورات،ولديه طباع وأفكار مختلفة.
شهد عام 1951 وضع اتفاقية شؤون اللاجئين، والتي تلزم الدول الموقعة عليها بحماية اللاجئين من الطرد أو الرد لحدود إقليمية يكونون فيها مهددين لأسباب سياسية أو عرقية، كما تمتنع عن تحميل اللاجئ أعباء الرسوم أو الضرائب، وإصدار بطاقة هوية شخصية لكل لاجئ موجود في إقليمها، لا يملك وثيقة سفر صالحة، وحتى الآن لم توقع أي من دول الخليج العربي عليها، ولا يوجد لديهم مفهوم للجوء، وقد اعتمدت في تعاملها مع المهاجرين والعمال على نظام الكفيل، رغم مطالبات الأمم المتحدة بوقف التعامل بذلك النظام.
العيش تحت سطوة الكفيل
يتيح قانون الكفيل تفويض مسؤولية المهاجرين والرقابة عليهم إلى مواطنين أو شركات خاصة؛ حيث تمنح الحكومة الكفلاء مجموعة من الصلاحيات القانونية للسيطرة على العمال؛ فبدون إذن صاحب العمل، لا يمكن للعامل تغيير وظيفته أو الاستقالة أو حتى مغادرة البلاد، وفي حال ترك وظيفته دون إذن؛ فإن صاحب العمل لديه السلطة لإلغاء إقامته، وبذلك يصبح وضع العامل غير قانوني، وغالبًا ما يضطر العمال الذين تلغى تأشيراتهم إلى مغادرة البلاد عن طريق الترحيل، وقد يضطر الكثير منهم لقضاء بعض الوقت خلف القضبان، وهو ما وصفته جماعات حقوق الإنسان بقانون “العبودية الحديثة”؛ خاصة مع عدم وجود قانون واضح لمحاسبة الكفيل في حال أخل بالاتفاق مع العمال، بحسب ما ذكره موقع “migrant“.
ويشير محمد إلى أن الكفلاء لا يلتزمون بعقود؛ فمن الممكن الاتفاق معهم على الراتب وعدد ساعات العمل والإجازات وبمجرد وصولك لمقر الشركة تجد الأمر مختلفًا، كما أنه لا يجوز العمل بمكان آخر، وذلك لعدد ساعات الدوام الطويلة، وحتى لو كانت ساعات العمل تسمح بذلك وعلم الكفيل يحق له وقفك ومعاقبتك.
وتابع “في بداية رحلتي للمملكة العربية السعودية، كان الكفيل صديق والدي، وقد جنبني ذلك دفع ثمن التأشيرة وتكاليف الإجراءات الأخرى، لكن مع مرور الوقت، اضطررت إلى نقل عملي مع كفيل آخر بعقد عمل جديد، وبعد خمس سنوات من الالتزام، حدث خلاف بيننا، وقررت تقديم شكوى لمكتب العمل من أجل الحصول على مستحقاتي المالية؛ خاصة المتعلقة ببدل الإجازات السنوية؛ فعلى مدار سنوات لم أسافر لسوريا ولا يمكنني فعل ذلك أصلاً، بالإضافة إلى مستحقات نهاية الخدمة، وقد طلبت من المحكمة 65 ألف ريال، غير أنها أصدرت الحكم بمنحي 20 ألف فقط، وهو مبلغ لا يكفي حتى تكاليف رفع الدعوى والمحامي”.
رفع محمد القضية عام 2018، وقد صدر الحكم في 2022 وحتى الآن لم يحصل على مستحقاته، مشيرًا إلى حدوث بعض التعديلات في القانون؛ فأصبح الحكم يصدر في مدة لا تزيد عن 21 يوم.
تمييز عنصري
وفق تقرير لموقع” cfr“؛ فإن نظام الكفيل يلعب دورًا في التمييز العنصري للعمال الأفارقة وجنوب آسيا ذوي البشرة الداكنة، وقد عانى العمال الأجانب في قطر من أن رواتبهم تعتمد على عملة بلدانهم الأصلية، ورغم حصولهم على شهادات جامعية، يتم تحويلهم إلى وظائف ذات دخل منخفض، يعمل بها عمال من نفس الجماعة العرقية أو الإثنية.
ولفت محمد، إلى أن العنصرية لا تقتصر على الإجراءات الحكومية فقط؛ فالشعب نفسه يمارسها طوال الوقت؛ فحق اختيار الطاولات في المطاعم ملك للسعوديين فقط، ومشهد متكرر أن تجلس على طاولتك ويأتي شخص يأخذها منك، وأمر طبيعي أن أقف في دوري أنتظر استلام وجبتي التي دفعت ثمنها مثلهم؛ فتجد أحدهم يناديك يا سوري أرجع ورا، أو يا أجنبي، رغم أننا عرب ونتحدث نفس اللغة، إلا أن الأفضلية دائمًا لهم، ولا يتوقف الأمر عند السوريين فقط؛ بل مع جميع الجنسيات”.
وعن التعليم يقول محمد، “هنا لا يمكننا تسجيل أطفالنا في المدارس، ببساطة لأنك سوري، وعند السؤال عن السبب، فالأوراق والإجراءات صحيحة ووضعنا قانوني، تكون الإجابة لا يوجد مكان لكم، حينما ينتهي طلابنا من التعليم سوف نسجل أطفالكم، لذلك اضطررنا لتسجيلهم بالمدارس الخاصة، وتتكلف الدراسة بالإنترناشونال 22 ألف ريال، وهو مبلغ ضخم على عائلة سورية مهجرة”.
ولا يقتصر الأمر على الدراسة وعقود العمل؛ فحتى أداء مناسك الحج والعمرة أصبحت مقيدة بل ومرفوضة لبعض الجنسيات، وهو ما أكدته خلود “اسم مستعار” من السودان؛ فقد ظلت لسنوات تدخر المال للحصول على تأشيرة العمرة، ولم تكن تعلم بأن الحياة بعد الحرب ستفرض عليها السعي خلف إجراءات معقدة، تقول لـ”مواطن”: “كانت أولى الصعوبات،هي إيجاد ضامن سوداني داخل المملكة؛ فبدونه لن أحصل على التأشيرة، ورغم وجود المال والضامن المسجل على منصة أبشر، إلا أنه تم رفضي، بكيت كثيرًا وتمسكت بالدعاء وحاولت مرة أخرى دون جدوى، ثلاث مرات أسعى في الإجراءات وتكلفة الذهاب للمكاتب، وعند سؤالي لماذا يتم رفضي؛ فقد وفرت المال والضامن، تكون الإجابة هي غلق السعودية لموقع التقديم بشكل مفاجئ، بالإضافة إلى تحديد عدد المتقدمين من السودان؛ حيث لا يزيد عن 250 فقط؛ في كل مرة بكيت كثيرًا، وشعرت بالإحباط وخفت على ضياع المال أو فقدان قيمته فقمت بشراء ذهب، ولا أعلم إن كنت سأحاول مرة أخرى وأنا على يقين أن الرفض حليفي؛ فلماذا نحن تحديدًا مجبرون على إيجاد ضامن والسير في كل هذه الصعوبات”.
ويؤكد “البروف”، على أن التعامل بعنصرية يعاني منه اللاجئون في كل مناطق الخليج، غير أن الخطر الأكبر يكمن في الصراع على الموارد، لذلك تسعى الإمارات لتمويل الدعم السريع من أجل السيطرة على موارد السودان وضمان وصول حصتها من الخضروات والماشية؛ فالسودان إحدى الدول المركزية، وتعد قلب إفريقيا، وتربط ما بين الشمال والغرب والوسط والشرق، ولديها مساحة كبيرة على البحر، كما أنها من الدول الغنية بالذهب، وقد سيطرت الإمارات على 80% من إنتاجه، ويحصل السودان على 20% فقط.
ماذا قدم الخليج العربي للاجئين
عام 2018، بدأت قطر سن أول قانون للجوء، وذلك بحسب ما ذكره موقع Human rights watch؛ حيث يظهر القانون التزام قطر بحقوق اللاجئين، لكنه لا يفي بواجباتها الدولية، ولا سيما بخصوص قيودها على حرية الحركة والتعبير، مؤكدة على ضرورة التزامها بحقوق اللاجئين من خلال الانضمام إلى اتفاقية اللاجئين وبروتوكولها عام 1967.
أما البحرين؛ فقد وقعت اتفاقية بقيمة مليون دولار أميركي مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لدعم السوريين في الأردن.
فيما أظهر موقع المساعدات السعودية للاجئين والنازحين، أن نسبة اللاجئين داخل المملكة العربية السعودية وصلت إلى 5.5% من إجمالي عدد السكان السعوديين، وتشمل ثلاث جنسيات فقط، السوريين واليمنيين واللاجئين الروهنغا، مشيرة إلى أن المبلغ الإجمالي للمساعدات داخل المملكة حوالي تسعة عشر مليارًا ومائة مليون، كما أن المبلغ الإجمالي للمساعدات خارج المملكة يصل تقريبا إلى مليار ومئتي مليون، مؤكدة على إتاحة الفرصة للعلاج والتعليم المجاني في المدارس العامة.
توزيع اللاجئين
مع تفاقم الأزمة في السودان، طالبت مفوضية شؤون اللاجئين الدول بإبقاء حدودها مفتوحة أمام الفارين من السودان، وينطبق ذلك على المواطنين السودانيين والرعايا الأجانب، وتظهر البيانات بموقع dataunhcr، إلى أن الدول التي نزح لها السودانيون، كانت تشاد وجنوب السودان ومصر وليبيا وأوغندا وإثيوبيا، وجمهورية إفريقيا الوسطى، ولم تظهر البيانات استقبال أي من دول الخليج للسودانيين.
وتشير دراسة تحليلية عبر موقع washingtoninstitute، إلى أن معظم السوريين يعيشون في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، مشيرًا إلى أن أعداد المقيمين في السعودية يبلغ حوالي 500 ألف سوري، مما يدل على أن غالبيتهم عاشوا هناك قبل اندلاع الحرب، وفي 11 من سبتمبر أصدرت وزارة الخارجية السعودية بيانًا تؤكد فيه على أن بعض مئات الآلاف من السوريين قد منحوا الإقامة القانونية منذ اندلاع الصراع، كما قالت المملكة في نفس يوم صدور البيان في 11 من سبتمبر إنها قبلت 2.5 مليون سوري منذ عام 2011، وقد يشمل هذا التقدير كافة عمليات دخول المواطنين السوريين القادمين من أي بلد ولأي غرض خلال هذه الفترة، بمن فيهم رجال الأعمال والحجاج.
مع تفاقم الأزمة في السودان، طالبت مفوضية شؤون اللاجئين الدول بإبقاء حدودها مفتوحة أمام الفارين من السودان، وينطبق ذلك على المواطنين السودانيين والرعايا الأجانب، وتظهر البيانات بموقع dataunhcr، إلى أن الدول التي نزح لها السودانيون، كانت تشاد وجنوب السودان ومصر وليبيا وأوغندا وإثيوبيا، وجمهورية إفريقيا الوسطى، ولم تظهر البيانات استقبال أي من دول الخليج للسودانيين.
أما الكويت فقد اتخذت الموقف الأكثر تقييدًا للسوريين الذين يبحثون عن العمل أو اللجوء؛ ففي عام 2011، منعت دخول السوريين الجدد إضافة إلى خمس جنسيات أخرى شهدت بلدانها أزمات، وكان الهدف من القانون الجديد وقف تدفق السوريين وغيرهم من اللاجئين الذين يريدون الانضمام إلى أسرهم، وبمرور الوقت خففت الكويت من هذه السياسة قليلًا، وصرحت بأنها لن ترحل السوريين حتى بعد انتهاء تأشيراتهم، وقد شكل السوريون على مدى عدة سنوات ثاني أكبر جالية من المهاجرين العرب في الكويت.
فيما تؤكد الدراسة على أن الكثير من اللاجئين لم يتمكن من البقاء بسبب عدم عثورهم على عمل، بالإضافة إلى رفض دخول البعض الآخر منذ البداية، ولم يحاول غيرهم الذهاب بسبب الشعور العام بأن أبواب الخليج لم تكن مفتوحة أمامهم، مؤكدة على أن الكثير من السوريين الذين سمح لهم بالعيش في دول الخليج منذ عام 2011، هم من أفراد أسر المقيمين حاليًا في المنطقة، ورجال أعمال أو غيرهم من ذوي المعارف الجيدة.
النظر للاجئ كمستثمر
وعن موقف مجلس التعاون الخليجي من استقبال اللاجئين على أرضها، يشير موقع “mepei” إلى أن منطقة الخليج لديها القدرة على حل أزمة توطين اللاجئين؛ خاصة وأنها تشهد حالة من التطور والإنشاءات الضخمة، بالإضافة إلى قدرة المملكة العربية السعودية على استضافة ملايين الحجاج كل عام، ولديها القدرة على التعامل مع الأعداد الكبيرة من الوافدين، كما أن نصيب الفرد من الناتج المحلي أعلى من نصيب الفرد في العديد من الدول الأوروبية، وقد استثمرت كل أنواع الدعم من أجل سقوط نظام الأسد، واللاجئون هم أولئك الأفراد الذين يعانون على أيدي قوات النظام المناهضة له، ورغم ذلك لا تبذل سوى القليل من الجهود لتخفيف معاناة النازحين.
وأشارت الباحثة السياسية السورية “بيان المالح”، إلى أن دول الخليج العربي تقبل بالفئات ميسورة الحال، وقد حصرتها بفئتي المستثمرين أو الكفاءات العلمية، لذلك نجد العديد من السوريين اختاروا الإمارات وقطر كمكان للاستقرار؛ فقد سهلت الإقامات لفئة معينة وكانت انتقائية جدًا، وقد تغير الأمر فيما بعد وأصبحت لا تستقبل سوريين من المنطقة الشرقية، “الرقة، دير الزور، الحسكة، القامشلي”، وذلك لأسباب أمنية، أما الكويت فكانت داعمًا كبيرًا للسوريين، ولكنها لم تستقبل أعدادًا جديدة؛ فالسوريون المتواجدون فيها غالبيتهم من المقيمين قبل الثورة.
وأضافت، إن تقديم المساعدات للسوريين ولدول الجوار لم يكن الهدف منها إنسانيًا فقط؛ بل كانت بغرض إبعادهم عن دول الخليج؛ فهم غير مهيئين لاستقبالهم، وربما يعود الأمر لأسباب عقائدية بالمنطقة؛ فقد ظهرت بسوريا فصائل تتبنى الفكر السلفي الجهادي، ودول الخليج لديها تخوف منه، رغم أنها دعمته وسهلت وصول المجاهدين الخليجيين إلى سوريا.
فيما يقول محمد: “لفترات طويلة، أوقف الخليج منح التأشيرات للسوريين، ويرددون دائمًا لا يوجد لدينا لاجئون، نحن نعاملهم كضيوف؛ فهم غير مسجلين بالأمم المتحدة، وأصلاً لا يوجد سبب للتسجيل؛ فنحن نعمل ونأكل بمجهودنا، أنت فقط اعفني من الرسوم والضرائب المبالغ فيها”.
ولفتت أميرة، إلى أن السفر لدول الخليج لم يعد الخيار الأول للاجئين، وذلك بعد تعرض العديد منهم للعنصرية، وبشكل شخصي لن أفكر مرة أخرى بالذهاب إلى هناك، سأظل في مصر على أن تكون تذكرتي القادمة للسودان، مشيرة إلى أن الحرب أظهرت لنا حقيقة الدول المجاورة، وعند تحرير السودان سنغير من طريقة تعاملنا مع الأجانب؛ حيث يمكن لهم إقامة مشاريع داخل الدولة، لكن لا يجوز لهم احتلال الأماكن الاستراتيجية مثلما فعلت الإمارات.
وعن مساعدات الخليج يقول البروف، “أنت تدعمنا بمليارات ونحن في مناطق غير آمنة؛ فالهدف الأساسي هو تفكيك النسيج الاجتماعي والتخلص من الهوية السودانية، لخلق جيل مشتت في جميع البلاد لا يعرف هويته، ومع استمرار الحرب سيندمج السودانيون تلقائيًا مع ثقافات ولغات أخرى، مشيرًا إلى أن السودان يدفع ثمن مواقفه البطولية في الماضي؛ حيثرفض التطبيع أو الاعتراف بإسرائيل، كما كتب على جواز سفرها يدخل جميع دول العالم عدا إسرائيل، وهو موقف شجاع أثر سلبًا على مستقبل السودان منذ الستينيات، واليوم تصر الإمارات على دعم مليشيات ليس لديهم انتماء غير المال، حتى يصلوا إلى الحكم بدلاً من دعم المؤسسة العسكرية التي لها قيم ومبادئ وأصول شعبيه، وهذا لن يحدث إلا بتدمير الشعب وبناء هوية جديدة على أنقاض الحرب”.
وتابع، الحرب أصبحت تجارة رابحة؛ فالأمم المتحدة نفسها تعتبرها جزءً من السياسة العالمية، وذلك من أجل السيطرة على الموارد وتنفيذ أجندتها الخاصة، ودول الخليج ما هي إلا أيادٍ مستخدمة من الدول الغربية؛ فالسودان وسوريا وليبيا وغيرها، مطمع لأوروبا والخليج، غير أن المحرك الأول هو أمريكا، لذلك نجد الأسلحة المستخدمة في اليمن إيرانية، وفي السودان أمريكية، بالإضافة إلى الصراع على المياه حيث تعد إسرائيل إحدى الدول القائمة عليه، والدليل على ذلك دعمها لجنوب السودان وإثيوبيا من أجل بناء سد النهضة، لكنها لا تتدخل مباشرة؛ بل تستخدم دولًا أخرى حليفة لها مثل الإمارات وقطر.
وفي ظل الصراعات السياسية المعقدة تستمر معاناة اللاجئين وتزداد صعوبة، خاصة بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتجميد المساعدات الأمريكية، وعلى مدار سنوات كانت الولايات المتحدة أكبر داعم لبرامج الإغاثة الإنسانية، وحسب ما ذكره موقع Un فإن ممثلة الاتحاد الروسي عبرت عن استيائها من تسييس قضايا اللاجئين والنازحين، مشيرة إلى أن الدول الغربية تتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية إشعال الصراعات حول العالم، ورغم ذلك تتردد في تقديم التمويل لبرامج مفوضية شؤون اللاجئين، كما حذر المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من أن عمال الإغاثة يقتربون من نقطة الانهيار وأن تصاعد الصراعات وعدم احترام قواعد الحرب الأساسية سيؤدي إلى تفاقم الأزمة وجعل الواقع أصعب بكثير.