يفتخر مبارك زعبنوت (يمني من المهرة) بحصوله على الجنسية العٌمانية هو وعدد من أفراد أسرته بموجب مرسوم سلطاني، يقول لـ”مواطن“: “نحن وغالبية قبائل المهرة نعتبر أنفسنا عُمانيين لأننا والقبائل العمانية تجمعنا أخوة في كل شيء؛ فلغتنا المهرية واحدة، وعاداتنا وتقاليدنا واحدة، وديننا واحد وتفكيرنا واحد، حتى إننا كنا ننتقل بين أراضي المهرة وعمان بسهولة دون تأشيرات أو تعقيدات، لذا ليس من المستغرب أن نحصل على هذه الجنسية”.
تتمتع المهرة بموقع استراتيجي هام؛ فبجانب كونها ثاني أكبر المحافظات اليمنية مساحة، وفيها أطول شريط ساحلي؛ فإنها المحافظة اليمنية الوحيدة المحاذية لسلطنة عُمان. هذا الموقع، إضافة إلى عوامل أخرى، دفع السلطنة إلى تركيز اهتمامها على البوابة الشرقية لليمن، وقاطنيها.
زاد هذا التركيز عقب اندلاع الحرب التي تشهدها اليمن منذ العام 2015؛ حيث سعت السلطات العمانية إلى التقرب من الأهالي هناك، عبر سلسلة من الإجراءات المتخذة، ومنها تجنيس مواطنين وشخصيات قبلية وسياسية نافذة، والسماح لهم بالاحتفاظ بجنسيتهم اليمنية بجانب العمانية.
يتفق بعض اليمنيين من أهالي المهرة مع “مبارك” في أن السياسات العمانية تُعد ترجمة للعلاقات الايجابية والروابط المشتركة بين القبائل المهرية والعمانية، بينما يرى آخرون أن هذه الإجراءات وراءها أهداف سياسية خفية للسلطات العمانية، تتعلق بالمصالح العمانية، أولًا والصراعات الإقليمية على فرض النفوذ في الأراضي اليمنية ثانيًا.
المهرة وعُمان: علاقات قربى وهوية متداخلة
تشترك محافظة المهرة اليمنية مع سلطنة عُمان بعدد من المنافذ الحدودية، من بينهم معبران رئيسيان، هما معبر شحن اليمني، مع معبر المزيونة العماني في الشمال، ومعبر حوف اليمني مع معبر صرفيت العماني في الجنوب، ويبلغ طول الشريط الحدودي بين المهرة ومحافظة ظفار العُمانية 288 كيلومترًا، يبدأ من ساحل مديرية حوف اليمنية وينتهي في قلب الصحراء، على المثلث الحدودي بين اليمن وعُمان والسعودية.
وبحسب مصدر قبلي تحدث لـ”مواطن” مفضلًا عدم ذكر اسمه؛ فإن من أبرز القبائل المهرية التي تم تجنيس عائلاتها في سلطنة عمان في الثلاثة أعوام الماضية، هي قبائل زعبنوت وقبيلة ثوعار وقبيلة رعفيت وبلحاف وبعض من قبائل الكثيري، منها خوار والراشدي. كما انحصر تجنيس المهريين في الآونة الأخيرة على أبناء القبائل المحاذية للحدود اليمنية العمانية، وهي القبائل التي تسكن مناطق شحن وفوجيت والبوادي المحيطة لتلك المناطق.
يرى بعض اليمنيين من أهالي المهرة أن السياسات العمانية تُعد ترجمة للعلاقات الايجابية والروابط المشتركة بين القبائل المهرية والعمانية، بينما يرى آخرون أن هذه الإجراءات وراءها أهداف سياسية خفية للسلطات العمانية
بحسب الناشط الحقوقي والإعلامي هزاع المهري، يمكن تصنيف العلاقة بين القبائل المهرية والعمانية بأنها إيجابية؛ إذ إن معظم قبائل محافظة ظفار العمانية تعود أصولهم الى المهرة؛ فيما تربط البعض منهم علاقة مصاهرة مع القبائل اليمنية.
كما يشير مدير مكتب الآثار والمتاحف بمديرية سيحوت المهرية، مبروك جمعان نصيب، إلى وجود الكثير من أوجه التشابه في عادات وتقاليد القبائل المهرية وبعض القبائل العُمانية، من بينها اشتراكهم في لغات خاصة بهم كاللغة المصرية والشحرية والجلبية.
يضيف نصيب لـ”مواطن”: “يوجد في المهرة عدد من القرى يرى ساكنوها أنه لا فرق بين المهري والعماني؛ فهم يعتبرون عيال عمومة، حتى في تجارتهم ومشترياتهم يتعامل بعض المهريين بالريال العماني”.
يؤيد الباحث المهري محمد حسين بلحاف ما ذكره جمعان، واصفًا لـ”مواطن” العلاقة بين القبائل اليمنية والعمانية “بالإيجابية”. لكن بعض السياسيين اليمنيين يرون عكس ذلك، ويصفون السلطات العمانية بالطامحة إلى احتلال المهرة وإعادة حكم الإمبراطورية العُمانية ـالتي وصلت ذات يوم إلى السواحل الأفريقية- عبر سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها هذه السلطات، حتى منذ ما قبل اندلاع الحرب الجارية في اليمن.
هل تسعى عُمان لـ"تغيير ديمغرافي"
أصدرت السلطات الحكومية العمانية في يوليو/ تمّوز 2017، مرسومًا قضى بمنح الجنسية العمانية لعدد 69 شخصًا من أبناء أسرتي القيادي الجنوبي حيدر أبو بكر العطاس وسلطان المهرة الشيخ عيسى بن عفرار .
وفي ديسمبر/كانون الأول 2018، أصدرت السلطات العمانية مرسومًا سلطانيًا نشر في الجريدة الرسمية العمانية، قضى بالترخيص بالجمع بين الجنسية العمانية والجنسية اليمنية، وفي ذات المرسوم، مُنح أحد شيوخ قبائل محافظة المهرة الشيخ مبارك ناجي هادي عجيم وعائلته الجنسية العمانية، مع الترخيص لهم بالجمع بين الجنسيتين.
ومنحت الجنسية العمانية لعدد من شيوخ القبائل المهرية، أبرزهم الشيخ محمد بن كده والشيخ عيسى آل عفرار، وآخرون لم يتم الإعلان عنهم عبر وسائل الإعلام العمانية، بحسب تأكيد مصدر قبلي يمني تحدث لـ”مواطن”.
كما تستضيف السلطات العمانية عددًا من القيادات السياسية اليمنية، من بينها قيادات في جماعة الحوثي؛ مثل كبير المفاوضين الحوثيين محمد عبدالسلام، وقيادات في الحراك الجنوبي مثل حسن باعوم، وقيادات سياسية أخرى مثل نائب رئيس مؤتمر الحوار الوطني الشيخ أحمد الصريمة، والسياسيين محمد علي أحمد وأحمد مساعد حسين، واحتضنت مسقط نائب الرئيس اليمني السابق علي سالم البيض عقب فراره من بلاده صيف 1994 ومنحته الجنسية قبل أن تسحبها منه بعد عودته لممارسة النشاط السياسي.
ولتعزيز استمالتها لشخصيات من المهرة واليمن بشكل عام وضمان ولائهم لها، اتخذت السلطنة عددًا من الإجراءات بحسب حديث مصدر قبلي مهري لـ”مواطن”؛ منها المساهمة في تمويل “المهرية”، وهي قناة فضائية معنية بمحافظة المهرة واليمن تروج للدور العماني كمنقذ لليمن، إضافة إلى تقديم معونات غذائية للفقراء ومبالغ مالية للتربويين ومعلمي المدارس في المهرة.
مواضيع ذات صلة
بالمقابل تتهم شخصيات مهرية سلطنة عُمان بدعم جماعة الحوثي من خلال دعم أنشطة تهريب المعدات العسكرية ومكونات صناعة الطائرات المسيرة إلى الجماعة الحوثية، وفي ذات الوقت تقدم السلطات العمانية المساندة والتسهيلات لمركز خاص بصناعة الأطراف الصناعية والعلاج الطبيعي لجرحى القوات الحكومية المناوئة لجماعة الحوثي، هذا الدور المتناقض للسلطات العمانية جعلها في مرمى الشكوك حول أدوارها الحقيقية في اليمن، كما يقول المحلل السياسي أحمد زين في حديثه مع”مواطن”.
ويرى عبدالسلام محمد، رئيس مركز أبعاد للدراسات الاستراتيجية، أن سلطنة عُمان ليست مثل سائر دول الخليج التي تربطها مصالح مشتركة مع اليمن، وترغب في خلق نفوذ قوي في الأراضي اليمنية فقط، ولكن السلطنة تحاول التواجد؛ ليس على مستوى التأثير في المناطق الحدودية في محافظة المهرة اليمنية؛ بل تعمل على خلق تغيير الديموغرافي.
يقول عبد السلام: “مشكلة سلطنة عمان أن علاقتها مع المليشيات المحاربة للدولة اليمنية ومع الحوثيين أقوى من علاقتها مع الدولة اليمنية، هذه هي المعضلة، صحيح أن عُمان لديها مشاكل وخلافات وتباينات مع السعودية أو دولة الإمارات. لكن الفرق هو أن السعودية تقف مع الدولة اليمنية”.
يضيف لـ”مواطن”: “الأصل هنا أن تدخلات عُمان في اليمن خطيرة؛ فهي تسعى لتغيير ديموغرافي، وهذا لا تقوم به جهات أو دول تبحث عن نفوذ أو تأثير ، هذا أشبه بالاستعمار، إضافة إلى أن علاقاتها مع إيران تجعل أدوارها في اليمن خطيرة جدا”.
أشباح ثورة ظفار!
في ستينيات القرن المنصرم، كانت منطقة حوف بالمهرة محطة لانطلاق العمليات العسكرية لجبهة تحرير ظفار، بهدف استقلالها عن سلطات السلطان سعيد بن تيمور والد السلطان قابوس، وامتدت هذه العمليات إلى عام 1975، وقد التزم حكام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وهم حكام المناطق الجنوبية والشرقية من اليمن، بما فيها محافظة المهرة، التزموا بدعم الثوار العمانيين في ظفار، وكان يجمعهم مع الجبهة الشعبية لتحرير ظفار أنهم ضمن جناح اليسار في حركة القوميين العرب.
وقد دعم اليمنيون المعارضة العمانية من خلال توفير قواعد عسكرية لهم في كل من حوف والغيضة والمكلا وعدن، وتقديم وسائل التدريب العسكري، بالإضافة إلى تحمل حكومة اليمن الجنوبي جزءًا كبيرًا من ميزانية الجبهة، كما كانت أغلب الوسائل الإعلامية للجبهة تقع على الأراضي اليمنية في المهرة وعدن وحضرموت.
لكن عقب إعلان دولة الوحدة اليمنية، وبالتحديد في الثاني من شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 1992، تم التوقيع على الاتفاقية الحدودية بين اليمن وعُمان في العاصمة اليمنية صنعاء، وبموجبها رسمت الحدود الدولية اليمنية العمانية البالغة 3.392 كيلومترًا من معبر المزيونة شمالاً إلى رأس ضربة جنوبًا على بحر العرب.
عُمان ليست مثل سائر دول الخليج التي تربطها مصالح مشتركة مع اليمن، وترغب في خلق نفوذ قوي في الأراضي اليمنية فقط، ولكن السلطنة تحاول التواجد؛ ليس على مستوى التأثير في المناطق الحدودية في محافظة المهرة اليمنية؛ بل تعمل على خلق تغيير الديموغرافي
ولم تشهد العلاقات اليمنية العمانية أي توتر؛ بل إنها ازدهرت منذ قيام دولة الوحدة، حتى اندلعت الحرب الأهلية في اليمن العام 2014، والتدخل السعودي الإماراتي في الشأن اليمني، وقد كانت القبائل العمانية القاطنة في المناطق الحدودية تعتبر أراضيها بأنها أراضٍ مشتركةٌ مع المهرة؛ فعلى سبيل المثال؛ ترى قبيلة زعبنوت في المزيونة أن أرضها كما هي جزء من منطقة شحن في الداخل اليمني.
يؤكد الناشط الحقوقي في محافظة المهرة هزاع بن عامر لـ”مواطن”، أن العلاقة بين أهالي المهرة والسلطات العمانية كانت مبنية على احترام حُسن الجوار، ولكن الوضع اليوم قد اختلف؛ حيث إن السواد الأعظم لأبناء المهرة، أصبحت علاقتهم مع سلطات عُمان ليست جيدة بسبب موقفها الداعم للحوثي”.
الرياض وأبوظبي ومسقط.. سباق النفوذ
في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وصل ضباط وعسكريون سعوديون إلى مطار الغيضة عاصمة محافظة المهرة، يرافقهم 21 ضابطًا من أبناء المهرة تم تدريبهم في السعودية، بزعم مكافحة الإرهاب، حينها منعت حراسة المطار هذه القوة من السيطرة علىه واشتبكت معهم، ودعمت قبائل المهرة موقف قوات الأمن في حينها، لكن الغلبة كانت للقوات السعودية التي تزايدت أعدادها في أوقات لاحقة لتصل إلى الآلاف، وكان وصول السعوديون للمهرة بعد أن سحبت دولة الإمارات قواتها من المجمع الحكومي بمديرية الغيظة.
في المقابل، يرى العمانيون أن من حقهم التقرب من أهالي المهرة وتكثيف عمليات تجنيس شيوخ وأبناء القبائل المهرية من أجل ضمان الدفاع عن أمنهم ومصالحهم؛ فالعلاقات العمانية السعودية من جهة، والعلاقات العمانية الإماراتية من جهة أخرى شهدت توترات خطيرة عقب محاكمة خلية تضم خمسة أشخاص من دولة الإمارات بينهم ضباط، بالإضافة إلى متهمين عمانيين مدنيين بتهمة التجسس في سلطنة عمان في مارس /آذار 2019.
وعلى الرغم من عدم إدلاء المسؤولين العمانيين أية تصريحات توحي بخشيتهم من التدخل السعودي الإماراتي في محافظتي المهرة وسقطرى اليمنيتين، إلا أن شيوخ بعض القبائل المهرية وكلت إليهم مهام التصدي لهذا التدخل في المهرة، من خلال تجمعات لجنة الاعتصام بقيادة الشيخ القبلي على الحريزي.
وبحسب الدكتور عادل الشجاع أستاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء؛ فإن السلطات العُمانية تتسابق مع السلطات السعودية على استمالة المهريين ليكونوا في خدمتهم، لا يحدث هذا الأمر في محافظة المهرة فقط؛ بل في أرخبيل سقطرى أيضًا. ويقول “الشجاع” لـ”مواطن”: هذا السباق الخطير سيخلق انقسامًا داخل المجتمع المهري والمجتمع اليمني عامة في المستقبل، لن يكون لهؤلاء الأشخاص الذين جنستهم السلطات العمانية مكان، وسيورثون أبناءهم الازدراء، لأن هذا التجنيس لم يكن عفويًا ومنزها من الغرض.
كما يشير مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط في تقرير له، إلى أن حرب اليمن قد فتحت الباب على مصراعيه أمام حالة من الاستياء الشعبي والمنافسة الإقليمية في محافظة المهرة العالقة في خضم لعبة من ثلاثة أطراف: السعوديين والإماراتيين والعُمانيين.
وبين الماضي المشترك الذي يجمع قبائل المهرة وعُمان، وطموحات رسم خرائط نفوذ جديدة، يقف أبناء المهرة أمام مفترق طرق ديموغرافي وسياسي معقد، قد يرسم ملامح شرق اليمن لعقود قادمة.