حينما تُهان كرامة الشعوب، ويتم الاستهانة بمطالبها، وحينما يتم تغييبها عن القرار السياسي ، والتلاعب بأرزاق أفرادها، والعمل دائما على انتهاك حريّاتهم، والتشهير بهم، والتسلي بتناقل خاصيّاتهم، هل تعتقدون حقا أن هذا الشعب سيأبه لاحترام رأس السلطة السياسية أو قيادييها أو أيّ أطرافها؟
لا بد أن يتم الإقرار، إلى عدم تأييدنا لأي طرح فكري أو سياسي، ينال من مقام السلطان، وأننا في خضم صراعنا الفكري المستمر مع العقلية السياسية للدولة والحكومة التي ترفض الإقرار بوجود الخطأ، وتعالج الخطأ بخطأ، وتتعمد إهمال آراء الشباب، وتعمل على إقصاءهم من القرار السياسي والتلاعب بالوقت واستمراره؛ لأجل أن تجد لها الفرصة في فرض سيطرتها على كافة التحركات الاحتجاجية والمعارضة، عبر توظيف عيونها هنا وهناك وعبر تجنيد الشباب لأجل نقل المعلومة والحركة لهم، وعبر توظيف كتّاب السلطة المغاليين دائما وأبدا في الوطنية التي يرونها حقا عليهم وحدهم، ورداءً لا يتناسب إلا مع هيكلية فكرهم وعملهم. إلا أننا لا نرضى بالمقابل أن نجد مقالا يسخر فيه من السلطان وينال منه في حركة أو شكل أو عمل! ولأننا نؤمن بانتقادنا؛ فإننا نطرح دائما البديل للآخرين، وهذا البديل في الفكر والعمل، يتطلب علينا إظهار الجانب الأخلاقي قبل الفكري، لا لشيء، فقط كي نحافظ على الفكرة خالية من أيّ تداخل عاطفيّ أو أخلاقي يضيع المسار والطريق إليها.
ماذا بعد “خزعبلات” السلطة؟
ماذا بعد “جرّ” الرأي العام من قضية إلى أخرى؟
لا أحسب مسألة “القفزات” الاعلامية الخطيرة التي تتصدر بعض الصحف المحسوبة على المؤسسة الرسمية بجديدة، خاصة حالما تحتل هذه القفزات لاحقا مساحة واسعة لها في إعلام الشبكات الاجتماعية؛ فمنذ إبريل 2012،وحين صدمتنا “جريدة عمان” بقضية أراضي بوشر، اتضح لنا يقينا مدى تعمّد المؤسسة الرسمية الى افتعال قضايا ربما تكون من جهتها القانونية “وهمية” ولا وجود لها، فقط للتوضيح للرأي العام، أن الحكومة تسعى لإقامة العدل والقصاص والقضاء على الفساد. الحكومة التي “تربى” المسئولين الفاسدين بين كفّيها، ولا زالت تمارس عليهم ولهم دور الحماية والتستر، تُريد أن تخبرنا أنها توّد “القضاء” على الفساد.
وهنا نعود تدريجيا لبعض القضايا التي أثارت الرأي العام، دون أن يكون لها لاحقا أيّ نتيجة مهمة، مثل:
أراضي بوشر، اختلاسات أموال الدولة، مبنى وزارة التربية والتعليم، مسئولو الإسكان، وآخراً وليس أخيرا قضية الحديقة العامة المعروضة للبيع. هل يتفضل أحد القرّاء عليّ، ويذكر لي اسم أحد المتهمين في أحد القضايا المذكورة أعلاه؟؟؟
فيما يبدو، أن المسألة لا تتعدى رغبة السلطة أيّا كانت الجهة إلى “احتواء” أو “توجيه” الرأي العام عبر أساليبه الجديدة، أي إثارة موضوع ما يتم تناقله والعيش على فتاته في شبكات التواصل الاجتماعية، طالما أنه سيشغل حيّزا جيدا من النقاشات سيطول مداه، الأهم: الخروج بسمعة جيدة وهي أن السلطات الأمنية تعمل ليل نهار على مراقبة أداء المسؤولين وتطهير البلاد من الفساد!!!
ليس كلّ من يتصنع “محاربة الفساد” هو بالفعل يسعى لمحاربة الفساد، فإما أن يُحارب الفساد وينتهي “تطاول” المسؤولين في استغلال وظائفهم لنهب “خزائن” وزاراتهم، وليُوسّد الأمر لأهله.
تحدث الاقتصاديين والصناعيين والأكاديميين…إلخ، وقالوا أنّ البلاد تحتاج إلى تنمية تعني بالإنسان قبل الحجر، وأقيمت الندوات والمحاضرات التي خرجت بتوصيات تعني بضرورة تنمية المواطن، وتطوير الأداء الحكومي، والتخلص من المركزية في أداء المؤسسات،وتقليل الانفاق الحكومي،والسعي إلى إيجاد حكومة “كفاءات“، ورفع المستوى المعيشي للمواطن، ومراقبة السوق بما يتيح منع محتكري الأسواق من التلاعب بالأسواق و… و… و…
لكننا نقطع شوطا طويلا في أمر ما لنواجه الفشل أمام هذا الأمر، بسبب فساد المسؤول الفلاني، أو سوء تنفيذ الخطة.
كيف لبلد في عصر يبحث فيه الإنسان في كواكب المجرة عن أماكن مناسبة للعيش، لا يوجد فيه دستور غير نظام أساسي، تخترقه الدولة بنفسها وتتجاوز العديد من بنوده!
كيف لبلد، في عصر يتعلم فيه الطفل في مدارس العالم حقوقه قبل واجباته، لا يكون فيه رئيس وزراء أو حكومة كفاءات!!
كيف لبلد، في زمن ما تركت فيه التكنولوجيا “خرم إبره” إلا ونفذت منها، ونحن لا نعلم فيه صادرات البلد من النفط والغاز كم تبلغ قيمتها الحقيقية، وكم يتم الاجتزاء منها، قبل أن يُترك للشعب القليل ليُصرف على مؤسساته السيادية والخدمية، والتي لا تسلم حتى من فساد مسؤوليها!!.
كنّا نهاب كل مسؤول سابقا، وكنّا نضع فيهم ثقتنا، لأننا كنّا نعتقد أنّهم جديرون بمناصبهم، وأنهم أعلم المؤسسات بشؤون المؤسسات، ولكن ممّا تبدّى لنا أن وضع المسؤول في منصب ما، قائم على لعبة “الغميضة” أو “رمي حجر النرد“!. وأصبحنا كلما نرى مسؤولا أمامنا يصيبنا الغثيان، ويتبادر في الأذهان مباشرة حجمي “جيبه” وكرشه” قبل وبعد الوزارة!!!