لماذا تركنا المعلم يضرب عن العمل، لأجل أن يساوى بمن علمهم، وهل يعقل أن يكون المعلم أدنى مكانة – مادية ومعنوية – من غيره؟ . العالم المتحضر الذي يقدر قيمة المعلم ومكانته، ويعرفه حق معرفته، يجعله في الصف الأول دوماً، ثم يجعل جميع العاملين الآخرين في الصف الثاني والثالث والذي يليه.
القضاة الألمان يطالبون بالمساواة مع المعلمين في الرواتب والامتيازات، والمعلم الياباني في مكانة الوزير من حيث الحصانة والامتيازات، والمعلم العماني لا يحلم أن يساوى بموظف عادي، لا يحمل اي مؤهلات ولا يملك أي امكانات، عدا أنه يعمل في الديوان أو الدفاع أو الصحة أو الجامعة او شركة من الشركات الخاصة أو الحكومية. هل يعقل أن يكون راتب المعلم وقد عمل لمدة عشرين عاما متواصلة أقل من نصف راتب ابنه الذي توظف اليوم في احدى تلك المواقع؟، وهل موظف ديوان البلاط السلطاني تابع لدولة والمعلم تابع لدولة أخرى؟، أم أن كل هؤلاء يتبعون دولة واحدة تسمى عمان، وينعمون بخيراتها الوفيرة وثرواتها وكنوزها العديدة، ويخضعون لجهة واحدة وهي القطاع الحكومي؛ فلماذا التمييز في الرواتب والعلاوات والمكافآت بين موظفي البلد الواحد. إن كان هناك تمييزا؛ فيجب أن يكون لصالح المعلم؛ فهو من يستحق أن تكون مكانته الأرفع من حيث الرواتب والعلاوات والامتيازات وحتى الحصانة. لو اننا وضعنا المعلم في المكانة التي يستحقها، لتسابق الجميع للعمل كمعلمين، وبذلك حصلنا على أكفأ القدرات والعقول، وخرجّنا أفضل الأجيال ولكننا وضعنا المعلم في أدنى المراتب؛ فلا بد أن يدخل سلك التدريس من ضاقت به الارض بما رحبت، ثم تكون نتائج ذلك التدريس بما يتناسب مع نوعية المعلمين، الذين اردنا أن يكونوا، والامكانات الضئيلة المتاحة لهم.
إن نظام الخدمة المدنية نظام قديم وعقيم ومتكلس، يجعل موظف الحكومة يعيش في غيابة الجب، من حيث الرواتب والعلاوات والامتيازات. ونظام تقاعد الخدمة المدنية لا يقل عقماً عنه، بينما تزخر الأنظمة الحكومية الأخرى العسكرية منها والمدنية للسلطنة بغاية العناية والحب؛ فترفع لها الرواتب، وتغدق عليها العلاوات والامتيازات، وتخضع لنظام تقاعد مرن ومريح؛ فلماذا هذا التمييز لنفس البلاد والعباد؟. ألا يمكن اخضاع الجميع لنظام رواتب واحد، ثم تمنح العلاوات بمن هو أولى بها، وهو المعلم ثم الطبيب ثم من يليهم؟، ولماذا لا يوجد صندوق واحد للتقاعد في جميع مؤسسات السلطنة، بدل أن يكون هناك اكثر من سبعة صناديق بإدارات وقوانين واستثمارات مختلفة؟، ولماذا لا تخضع جميعها لقانون واحد وادارة واحدة واستثمار واحد.
اضراب المعلمين تعبير واضح وصريح عن رفض التمييز بين أفراد المجتمع، وتحقيق العدالة في البلد الواحد، وإعطاء المعلم المكانة الحقيقية التي يستحقها بصفته مربياّ للأجيال، ومنحه المكانة الاولى من حيث التسهيلات المادية والمكانة الاجتماعية، وهو حق مكفول، كفلته كل الأنظمة والقوانين، التي تقدّر قيمة الانسان وتعلي مكانته، والاسلوب الأمثل لحل مثل هذه القضايا المتمثلة في الاضرابات العمالية هو التأطير القانوني للاضراب، والسماح لكل أفراد المجتمع بالتعبير عن آراءهم في كافة المهن والأعمال، من خلال نقابات عمالية مرخصة يتم التحاور معها، وتفهم مطالبها، وحلها وفق الامكانات المتاحة، بما يضمن إعطاء الحقوق وتحقيق العدالة والمساواة بين الجميع.
إن إنشاء النقابات العمالية وأهمها نقابة المعلمين، التي تضم أكبر شريحة من موظفي الحكومة يعد أمراّ بديهيا تعارفت عليه دول العالم منذ سنون، وهو أمر منطقي وملح؛ ليسهل التحاور والتعرف على مطالب النقابات المختلفة، وييسر حل القضايا المتجددة بطرق أكثر سرعة وسهولة وتنظيم؛ فلماذا لا يسمح بتأسيس أي مؤسسة مجتمع مدني وان كانت جمعية خيرية؟ بينما يلام المعلمون حين يعبرون عن آراءاهم حول واقع المعلم والتعليم بالاضراب والاعتصام وغيره. لماذا لا تنشئ نقابة مستقلة للمعلمين تمثل هذه الشريحة الكبيرة من أفراد المجتمع الأعزاء وتتحاور معهم، وتخلص العمل في حل قضاياهم وتسهيل مهامهم في خدمة البلاد وبناء الاجيال؟.
لماذا لا يتم اصلاح جذري للتعليم من خلال وضع استراتيجية متكاملة لتطوير التعليم؟. لقد سمعنا بمجلس التعليم وبوزارات وهيئات تهتم بالتعليم ومنها وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والمجلس الاعلى للتخطيط ومجلس البحث العلمي وجامعة السلطان قابوس وغيرها كثير. لكن، هل توجد استراتيجية موحدة واضحة شاملة لتطوير التعليم في البلاد؟، ولماذا لا توجد هذه الاستراتيجية حتى الآن؟، وأين دور مجلس التعليم وغيره من المؤسسات؟، وهل يعقل أن يعمل في مجال التعليم، دون رؤية واضحة واستراتيجية محكمة، تعدل مسار التعليم وتسير به بالاتجاه الصحيح، الذي نتمناه لوطننا وشبابنا؟.
هل يعقل أن يصرف على التعليم 10% من ميزانية الدولة، بينما يصرف 28% على الأمن والدفاع، وهذا لا يحدث في اي من دول العالم المتحضر حتى تلك التي تمتلك ترسانة من الأسلحة الأكثر تقدما وفتكا بالعالم؛ فلو أننا عكسنا ذلك، وأعطينا التعليم 28% والدفاع 10% وصبرنا على ذلك عشر سنين، وصرفنا ذلك فيما يستحقه المعلم والتعليم من تحسين الوضع المادي والمعنوي، وتطوير المناهج التعليمية، وإنشاء مراكز وكليات وجامعات متقدمة لتأهيل وتدريب المعلمين، ووفرنا كل سبل ووسائل التعليم الحديثة للطلبة من مدارس نموذجية وتجهيزات وغيرها. لو كنا فعلنا ذلك، لرأينا ما سيحدث للأجيال الجديدة من شبابنا، وللإنتاج والتقدم والبناء لوطننا.
قضية اضراب المعلمين، قضية خاصة وحساسة لشريحة تمثل أكثر من خمسين الف موظف الدولة، وهي قضية عامة تمثل نظام متكامل، غير مرن. نظام الخدمة المدنية لا يتناسب في وضعه الحالي مع واقع الحال الاجتماعي والاقتصادي؛ فإعادة النظر وبالسرعة الممكنة في هذا النظام، ومنح مهن معينة اهتماماّ خاص، يتناسب مع أهميتها يحقق توازنا بين أفراد المجتمع، ويضاعف من نوعية الانتاج والابداع، وأهم تلك المهن: التعليم، الذي يعني ببناء الاجيال التي ترقى بالوطن وترفع من شأنه ومكانته، والسماح بإنشاء نقابات عمالية وجمعيات ومؤسسات مجتمع مدني مستقلة، لا تدار من قبل الحكومة، كما يحدث لبعض المؤسسات الحالية مثل لجنة حقوق الانسان المعينة سلفا، سيساهم بشكل كبير في التقليل من تفاقم المشكلات، ويقرب وجهات النظر بين جميع الاطراف. كما أن الاسراع في وضع استراتيجية متكاملة للتعليم، تسخر لها كل الامكانات المادية والفنية، يحقق رؤية واضحة للعمل المستقبلي، ويطور من أداء التعليم الحالي الذي هو ركيزة كل بناء وتقدم؛ فالهروب من الواقع وتجاهله، أو دس الرؤوس في التراب لن يحل القضية، قد يؤجل انفجارها إلى حين، ولكن حين تنفجر قد يعم صداها الجميع.