مع الامكأنات المادية والسيولة المالية الهائلة التي تتمتع بها دول الخليج العربي، إلا أن غياب الاستراتيجية المتكاملة لتحقيق الأمن الغذائي أدى إلى اتساع حاد ومستمر في الاحتياجات الخليجية من الغذاء، ومثلت نسبة الاكتفاء الذاتي الخليجي من الغذاء 10% فقط؛ حيث أنخفضت مساهمة القطاع الزراعي الخليجي في الناتج القومي الإجمالي من 12% عام 2001م الى 8% عام 2012م، كما زادت الفجوة الغذائية من 9 مليار دولار عام 2001م إلى 23.5 مليار دولار عام 2012م.
لقد ساهمت السلطنة في توفير 8% من نسبة الإنتاج الغذائي الخليجي؛ بينما ساهمت السعودية بنسبة 74% والإمارات 12%، كما ساهمت بقية الدول على النحو الآتي: الكويت: 4%، قطر: 0.9%، البحرين: 0.4%، ومن المتوقع أن يرتفع عدد سكأن دول الخليج من 42 مليون حاليا الى 50 مليون عام 2017م، مما يعني زيادة كبيرة في الطلب على الغذاء الذي يتجاوز حاليا 50 مليون طن سنويا.
أما بالنسبة للإنتاج الزراعي والسمكي والاكتفاء الذاتي للسلطنة، فأن مساحة الأراضي الزراعية للخضروات هي 8.2% من إجمالي المساحة المزروعة وكمية الإنتاج هي 15.5% من إجمالي الإنتاج الزراعي، ونسبة الاكتفاء الذاتي للخضار هي 57.4% لعام 2010م، بينما إجمالي المساحة المزروعة بالفواكه (غير النخيل) هي 10.6% من إجمالي الأراضي المزروعة ونسبة الإنتاج للفواكه هو 7.1% من إجمالي الإنتاج الزراعي، ونسبة الاكتفاء الذاتي هي 16%، أي أن إجمالي المساحة المزروعة بالخضار والفواكه (غير النخيل) هي 19%، والإنتاج للخضار والفواكه أيضا هو 24% من إجمالي الإنتاج الزراعي، بينما المساحة المزروعة بالأعلاف هي 25% والإنتاج هو 52.7% من إجمالي الإنتاج الزراعي، أي أن المساحة المزروعة بالأعلاف في السلطنة هي أكثر بكثير من المساحة المزروعة بالخضار والفواكه، أما إنتاج الأعلاف فهو يفوق ضعف إنتاج الخضار والفواكه في السلطنة، ويمثل الاكتفاء الذاتي للحليب نسبة 41%، وللبيض 47%، وللحبوب 5.6%، بينما يصل الاكتفاء الذاتي للأسماك 146%، أي أن الفائض من الإنتاج السمكي للسلطنة يزيد عن ثلث الإنتاج، ولكن نتيجة النسبة العالية لتصدير الاسماك، والتي وصلت الى 61% من الإنتاج السمكي لعام 2012م، فأن 116 الف طن من الاسماك تم تصديرها من إجمالي الإنتاج السمكي لهذا العام وهي 191 الف طن من الاسماك. وفي المتوسط العام، فإن نسبة الاكتفاء الذاتي من الغذاء للسلطنة (2009-2012م) لم تتجاوز 40% تقريبا.
ورغم الدعم الهائل للإنتاج الزراعي في كثير من دول العالم، حيث يصل الى 100 مليار في الولايات المتحدة، و64 مليار في البرازيل، و265 مليار في الاتحاد الأوروبي، فإن نسبة الدعم للقطاع الزراعي لا تكاد تذكر لدينا مقارنة بهذه النسب الهائلة من الدعم الذي تحظى به الدول الاخرى.
ومع انخفاض الموارد المائية وندرتها، وتراجع مساحة الأراضي الزراعية نتيجة التصحر، وشيوع الطرق التقليدية للإنتاج ومنها ارتفاع نسبة الإنتاج الزراعي المستهلك للمياه بكميات كبيرة – مع ضعف اهميته الغذائية – بالإضافة الى التغيرات المناخية والبيئية وارتفاع اسعار السلع الغذائية، مما يتطلب وضع استراتيجية خليجية مشتركة لتحقيق التكامل في مجال الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي، وذلك لن يتحقق إلا من خلال الإيمان بأهمية وضرورة تحقيق الأمن الغذائي، وتوفير المناخ الاستثماري المناسب، وتشجيع الإنتاج الزراعي وزيادة التسهيلات والحوافز لهذا القطاع، والاستفادة من تجارب الدول الرائدة في تحقيق الاكتفاء الذاتي كالبرازيل ودول الاتحاد الأوروبي، كما أن ربط الأمن الغذائي بالأمن المائي يعد امرا ضروريا، وذلك من خلال تنظيم استهلاك المياه، وخاصة المياه المستخدمة في الزراعة والتي تمثل 90% من استهلاك المياه، وذلك باستخدام طرق حديثة للري، واستخدامها في ري المزروعات التي لا تحتاج الى كميات كبيرة من المياه، والمزروعات ذات الإنتاج عالي القيمة الغذائية والاقتصادية.
أما بالنسبة للسلطنة، فإنه بات من الضروري بمكان وفي المرحلة الحالية من تحديد جهة بعينها، تكون مسؤولة عن تحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي، تصدر منها الاحصاءات الرسمية الدورية الموثقة، ونسب الاكتفاء الذاتي، حيث توجد جهات كثيرة معنية بهذا الموضوع ومنها، وزارة الزراعة والثروة السمكية وهيئة الاحتياطي الغذائي وغرفة تجارة وصناعة عمان ووزارة التجارة والصناعة، لكن لا توجد أي جهة محددة مسؤولة مسؤولية واضحة وصريحة ومعتمدة عن هذا الموضوع، كما أن البيانات الصادرة عن نسب الاكتفاء الذاتي تختلف من جهة لأخرى، كما أنها قد تكون متناقضة في بعض الأحيان، لذا فمن الضروري تحديد جهة محددة مسؤولة عن تحقيق الاكتفاء الذاتي للسلطنة، بالتعاون والاشتراك مع الجهات الأخرى المختصة، وفق لجان وفرق عمل محددة، كما أنه ومن الضروري بمكان، تحديد خطط عمل واستراتيجيات واضحة متوسطة وطويلة الامد، لتحقيق الاكتفاء الذاتي، حيث أن المتتبع لنسب الاكتفاء الذاتي منذ عام 1996-2010، لا يجد تغيرا جوهريا لصالح زيادة الاكتفاء الذاتي، كما يوجد انخفاضا لنسب الاكتفاء الذاتي لبعض المواد الغذائية الرئيسية مثل الحبوب، التي انخفضت خلال العشر سنوات الاخيرة من 7%الى 5%، كما انخفضت نسبة الاكتفاء الذاتي من البيض خلال الخطة الخمسية السابقة (2006-2010) عن تلك التي سبقتها (2001-2005) من 50%الى 47%، مما يتطلب وضع خطط لتحقيق الاكتفاء الذاتي لكل نوع من المنتجات الزراعية والحيوانية والسمكية، اضافة إلى تنفيذ مشاريع زراعية وسمكية وحيوانية ذات إنتاجية عالية تقوم على استخدام أحدث الوسائل، واعتماد القيمة المضافة للمنتجات، مع توازيها مع المشاريع الصناعية والتحويلية للمنتجات الزراعية والسمكية. لا بد أيضا من السعي لتغيير التركيبة المحصولية للمزارع الحالية، لصالح زيادة رقعة المساحات المزروعة بالخضار والفواكه والحبوب، والتي تستهلك كميات اقل بكثير من المياه، وتحقق نسب اعلى للاكتفاء الذاتي، ويمكن انشاء مزارع حديثة نموذجية مدعومة بأحدث وسائل الإنتاج الزراعي، حيث يتم من خلالها تشغيل قوى عاملة وطنية مدربة، كما لا بد من تقليل تصدير الثروة السمكية للخارج من النسبة الحالية والتي تزيد عن 60% من الإنتاج السمكي في السلطنة الى 30-40% فقط، من خلال تنظيم وتشجيع تسويق الاسماك في داخل السلطنة أولا، بالإضافة الى تشجيع ودعم الاستزراع السمكي، الذي يمثل 50% من الإنتاج العالمي للأسماك، بينما نسب إنتاجه في السلطنة لا تكاد تذكر.