كان يجدر بالصحفيين والعاملين في القطاعات الاعلامية المختلفة ايصال هموم البشر وقصص حياتهم اليومية، وترسيخ العمل الإعلامي القائم على ايصال صوت من لا صوت له؛ لكن الوضع في سلطنة عمان – الناشئة إصلاحيا إبان نسمة ربيع عربي كانت انطلاقته في فبراير 2011م- يسير في خلاف المعتاد. فالصحفي في سلطنة عمان بات يشكي هموما، ويئن متوجعا قبل أن يشكي هم البشر، وباتت مشكلات الصحافة وثقلها التاريخي يتسلل إلى الحاضر والمستقبل معا، ولا بصيص أمل!.
لمن هذا القانون؟
منذ مارس 2012م، وهي الفترة التي أعلنت الحكومة ما كان يُعتقد أنه إصلاح إعلامي بجلب وزير جديد ذو خلفية أكاديمية ونشاط بحثي واسع المدى في السلطنة، بديلا عن الوزير السابق وإعلان رغبة هذا الوزير الانطلاق بتغيير سينهي كل المعادلات الصعبة التي أثارها إعلاميي تلك المرحلة، عبر تغيير جذري لقانون المطبوعات والنشر العماني الصادر في 1984م، والراكد ركود البيروقراطية المؤسساتية في عمان إلا ما رحم من بعض التعديلات، منذ تلك الأيام ونحن ندخل عامنا الرابع؛ فلا صوت لذلك القانون ولا تعديل يُذكر عليه ولسان حال الإعلامي : يا قانون ما أبعدك !.
أتحدث عن القانون الذي بات الانتقاص والانتقاد لبنوده ومواده الشغل الشاغل للمثقفين والمفكرين بل وعامة المواطنين قبل الصحفيين أنفسهم. قانون باتت مواده كالبيت المهجور فلا أقفال معلومة لتلك الأبواب التي تكدس الغبار والتراب خلفها؛ فأضحى ذكرى هذا البيت حدثا من الماضي. إنه القانون الذي باتت مواده لا تتعاطى إلا مع الشكل القديم للصحافة: التلفزيونية والإذاعية والورقية، ولم تتوصل حتى الآن إلى الشكل الإلكتروني الذي صار مجال الاهتمام في عمان. القانون الذي أصبحت عمومية بنوده شكلا يدفع للسخرية، في وقت توسعت فيه أبواب العمل الصحفي وتنوعت وسائله، فلا أنت تدرك مثلا ما يعنى بحظر نشر كل ما من شأنه المساس بسلامة الدولة أو أمنها الداخلي أو الخارجي (من المادة 26 من القانون) ، ولا تستطيع الوصول للمعنى المخصص من الجملة العمومية في البند ال 27 من القانون : لا يجوز نشر ما من شأنه الإضرار بالعملة الوطنية أو يؤدي إلى بلبلة الأفكار عن سوق المال بالسلطنة أو الوضع الاقتصادي.إنه القانون الضعيف الذي ترك الصحفي ضحية تنهش به المعايير اللاموضوعية للجهات الأمنية، فلا حماية من الحبس أو التهديد أو حجب النشاط أو منع الصوت من الوصول للناس.
تلك هموم قانونية لم نكن نجزم أن السنوات ستمضي دون أن نتداركها، ولم نحسب أننا سنقف على مسافة بعيدة جدا من تحقيقها لما استبشرنا بالوزير الجديد خيرا. وفي القريب تتراكم هموم أخرى تتعلق بالممارسات اليومية، والأحداث التي تمس حريات التعبير في مجتمع جزمنا أنه يلبي صوت المدنية عبر مؤسساته؛ فها هو الشهر الرابع يمر لعدد من الشباب الذي ينتظرون اعادة السماح لنشاطهم بالاستمرار بعد إغلاق أحد الصالونات الثقافية في ولاية صحار العمانية دون سابق إنذار- صالون إكسير الثقافي- في حادثة سبقت تعمد مضايقة ومحاولات ايقاف عمل صالون آخر ثقافي في مسقط – مبادرة نور وبصيرة الثقافية-.
جمعية بلا صحفيين
وليس بعيدا، كان هم آخر يضاف إلى سلسلة الهموم الطويلة للصحفي العماني، هم المؤسسة التي اعتقدنا أنها هي الأخرى ستباشر العمل لتلبية احتياجات هذا الوسط الضعيف تكوينا وتشريعا، وتدفع بقوة نحو تدعيم فضاءات تؤمن بتعدد الآراء وحرية العمل الصحفي. جمعية الصحفيين العمانيين – الناشئة بقرار حكومي عام 2004 وأعضائها المنتخبون والذين يزاولون مهنة الصحافة بشكلها التقليدي منذ أعوام ماضية- ظهرت بموقف مخجل وغير موفق للعمل المدني؛ فالجمعية لا تزال تحمل قانونا ضعيفا يقصي عددا كبيرا من الصحفيين من التمتع بمزايا السخاء الحكومي الذي تنعم به، ولا تزال في بيروقراطيتها وتعنت العاملين عليها عاجزة عن تلبية احتياجات العمل الصحفي؛ لتشكل بذلك حاجزا يمنع من استغلالها لخدمة الصحافة في السلطنة. استمرت الجمعية – الممولة حكوميا- في ركل كافة المحاولات للتغيير عبر إفشال مساعي التطوير وتعمد اقصاء الأفكار الجديدة، وبات العمل فيها “أشبه بالعمل الرسمي البروتوكولي” الذي يدفع للتشاؤم من مستقبل صحفي تسير نحوه البلاد.
زرعنا الأمل بإخلاص
لا يمكن بمثل هذه المؤشرات أن نتكهن بنتائج إيجابية أو نستبشر حالا أفضل للصحافة العمانية؛ فالقوانين هي ذاتها متحدثة بلغة الماضي، والمؤسسات الحكومية لا تزال تمارس تدخلها السافر في تفاصيل الصحافة العمانية. لكن بصيص أمل سيحسب لهذه المرحلة المؤرقة، الأمل الذي زرعت ثمرته بإخلاص مجموعات شبابية نهضت بجهودها الإلكترونية الذاتية، واستطاعت أن تصل بصوتها وفكرها لكل العمانيين ناقلة صورة مختلفة لعمان الوطن والإنسان لعلها تشرق شمسا في حريات مرحلة قادمة. خمس مشاريع صحفية -تنوعت بين الصحف والمجلات الإلكترونية والمبادرات الثقافية والفكرية هي: مشروع صحيفة البلد الإلكترونية ومجلات مواطن والفلق ونوت التعليمية ومبادرة أكثر من حياة الثقافية- لا تزال أمام تحديات تستهدف وجودها ومشروعيتها في غياب قانون للنشر الالكتروني، قادر على اضفاء الشرعية لها نحو استمراريتها وسط ممولين اقتصاديين لا يعترفون بغير الرسمي والمشروع ممثلا للصحافة.
لسنا نرجو في هذه المرحلة التي يحتفل فيها العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يصادف الثالث من مايو؛ إلا أن يلتفت المشرع العماني خصوصا والخليجي عموما إلى الانتكاسات المستمرة المؤرقة للصحفي في هذه الدول، وأن يسعى الجميع للعمل على تشكيل دعامة حقيقية تحمي حق الصحفي وتمثله مدنيا وقانونيا لتؤمن المجتمع من مخاطر الانتكاسات الأخرى التي تمس حرية التعبير والرأي، وتضع شروطا موضوعية لمحاسبة أي تعدي يمس استقرار الشعوب والدول.