تحتفل الأمم المتحدة في الثالث من مايو من كل عام باليوم العالمي لـ حرية الصحافة، حيث تقدم أبرز المؤشرات الفعلية لواقع الصحافة في أغلب دول العالم، وفي هذا المقال أستعرض أبرز مؤشرات الصحافة العمانية خلال 5 أعوام الماضية.
تراجع تصنيف حرية الصحافة في عمان
شهدت الأعوام الماضية تراجعا ملحوظا في مؤشرات حرية الصحافة، بحسب التقارير الصادرة من منظمة مراسلون بلا حدود. وتقدم المنظمة في كل عام مؤشرات للمناطق الحرجة والمناطق الآمنة والمتوسطة في ما يتعلق بحرية الصحافة والإعلام في جميع دول العالم. حيث احتلت السلطنة في عام 2015 المركز 127 في مؤشر حرية الصحافة بتحسن طفيف عن العام الماضي، وفي عام 2010 وقبل الاحتجاجات التي انتشرت في أغلب محافظات السلطنة، كان المؤشر قد وضع السلطنة في المرتبة 119 بين عدد من الدول الفقيرة والمتراجعة اقتصاديا بينها تنزانيا والكاميرون وغانا. وفي عام 2013 احتلت السلطنة المرتبة 141 في التصنيف، مسجلة “أكبر خسارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحسب التقرير”، وعزى التقرير هذا التراجع لحملة المضايقات والاجراءات والقوانين الحكومية لإسكات المطالب الشعبية منذ عام 2011م.
تنامي الصحافة الإلكترونية
تشكل الصحافة الإلكترونية مشهدا منفردا في عمان منذ عام 2011م، وتنامت بصورة واضحة أعداد الصحف والمؤسسات الإلكترونية في البلاد مستفيدة من المناخ الايجابي الذي فرضته الاحتجاجات منذ عام 2011م . وتنتشر في عمان خلال الفترة الحالية عدد من الصحف والمجلات والمشاريع الإعلامية الإلكترونية، والتي تحظى بنسب متابعة مرتفعة لاسيما عبر الشبكات الاجتماعية، وتتخذ من المناخ الافتراضي منصة لها، ومن هذه المشاريع: مجلة مواطن ومجلة الفلق ومجلة نوت وصحيفة البلد وصحيفة أثير.
واستفادت معظم المؤسسات الصحفية والإلكترونية الجديدة والتقليدية من المنصات الاجتماعية التي أحدثتها شبكات التواصل الاجتماعي. وباتت ظاهرة تواجد وسائل الإعلام التقليدية والجديدة على هذه الشبكات أحد ابرز الظواهر التي تؤكد استفادة هذه المؤسسات من المناخ التفاعلي للمنصات الاجتماعية كموقعي فيس بوك وتويتر ويوتيوب، حيث تحاول عدد من هذه المؤسسات تتبع التفاعلات التي تحدث عبر هذه المنصات، والاستفادة من محتوى الشبكات الاجتماعية لإيجاد مواد صحفية يومية، وتتبع أكثر المستخدمين تأثيرا عبر الشبكات الاجتماعية.
محاكمة أكثر من 50 مواطنا بتهم تتعلق بإساءة تقنية المعلومات
في عامي 2011 و 2012، شهدت المحافظات العمانية حملت احتجاجات غاضبة مستفيدة من أحداث الربيع العربي التي سادت دول مصر وتونس واليمن. وانتشرت الاحتجاجات في محافظات مسقط والباطنة وظفار والظاهرة، حيث طالبت بالإصلاحات السياسية والاقتصادية، وتحسين منظومة الإعلام والقضاء، واستحداث دستور تعاقدي في البلاد.
استجاب السلطان قابوس لهذه الاحتجاجات وأعلن عن عدد من الاصلاحات شملت إقالة وزراء في الحكومة، وتوفير فرص عمل، وزيادة الرواتب، واستحداث قوانين منظمة للعمل الإداري، لكن السلطات القضائية لاحقت حينها أكثر من 50 مواطنا ومواطنة بتهم تتعلق بإساءة استخدام تقنية المعلومات والنيل من مكانة الدولة وإعابة ذات السلطان، لتبدا سلسلة من المحاكمات والاستدعاءات، والتي انتهت بعفو سلطاني في عام 2013.
استمرار المضايقات الأمنية
تستمر السلطات الأمنية في عمان بحملة من الاستدعاءات والتحقيقات التي تشمل عددا من الاعلاميين والمدونين ومستخدمي الشبكات الاجتماعية في السلطنة. ولا تتوفر الأرقام الحقيقية حول أعداد من تم استجوابهم خلال 5 سنوات الماضية، لكن جهات دولية ومراكز حقوقية رصدت عددا من التحقيقات والاستدعاءات خلال السنوات الماضية بينها استدعاء رئيس تحرير المجلة محمد الفزاري والتحقيق معة عدة مرات ثم سحب وثائقه نهاية العام الماضي، والتحقيق مع المدون والناشط سعيد جداد، واستجواب المدون والكاتب معاوية الرواحي، واحتجازه لأيام طويلة واستجواب عدد من المواطنين المتعاطفين مع عضو مجلس الشورى الدكتور طالب المعمري والمحكوم عليه بالسجن بتهم تتعلق بالتجمهر.
وعمدت السلطات في البلاد خلال ديسمبر الماضي إلى سحب الوثائق الرسمية لرئيس تحرير مجلة مواطن محمد الفزاري دون تقديم أي معلومات أو توجيه تهما له. كما نشر الصحفي زاهر العبري مسؤول تحرير الموقع الالكتروني لجريدة الزمن عبر حسابه على تويتر عددا من التغريدات حيث أشار إلى أن السلطات قامت أيضا بسحب هويته بعد التحقيق معه وذلك بعد توجيه تهم له ترتبط بنشاطه الصحفي ومنشورات على تويتر.
وفي عام 2011م شهدت السلطنة أيضا تقديم صحيفة الزمن العمانية للقضاء إبان نشرها لتفاصيل قضية موظف يعمل في وزارة العدل اتهم الوزير والوكيل بالخداع والتسويف حيث قام الوزير لاحقا بتقديم الصحيفة للقضاء لتواجه أحكاما بالغلق.
قوانين قيد الدراسة
في السلطنة، يعتبر قانون المطبوعات والنشر أحد أهم القوانين المنظمة للعمل الصحفي في البلاد. وخلال الأعوام الخمس الماضية ، توالت التصريحات الحكومية حول السعي لتعديل التشريعات الخاصة بهذا القانون ثم إصدار قانون جديد يتعلق بالاعلام بشكل عام متضمنا الإعلام الإلكتروني الذي لا يحمل تشريعا واضحا في البلاد حتى الآن. ويعتبر الصحفيون والعاملون في وسائل الإعلام إلى أن تراجع وقدم البنود المرتبطة بقانون المطبوعات والنشر تشكل تحديا كبيرا أمام تطور الإعلام في البلاد لاسيما بما يتعلق بتنظيم الصحف في البلاد وسياسات الاجراءات المتبعة وتنظيم الصحف الالكترونية التي تنتشر يوما بعد يوم، ورغم مرور ما يزيد عن أربعة أعوام على البدء بدراسة هذه القوانين إلى أنها لا تزال قيد الدراسة دون أن تحمل الأيام المقبلة أية مؤشرات على إصدار قوانين تنظم العمل الصحفي في السلطنة. وكان العام 2011 قد شهدت تعديلا في القانون، وذلك في المادة 26 والتي نصت على ما يلي: حظر نشر كل ما من شأنه المساس بسلامة الدولة او امنها الداخلي والخارجي وكل ما يتعلق بالأجهزة العسكرية والأمنية وأنظمتها ولوائحها الداخلية واية وثائق أو معلومات أو أخبار او اتصالات رسمية سرية سواء أكان النشر خلال وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة أو من خلال استخدام شبكة المعلوماتية أو وسيلة من وسائل تقنية المعلومات إلا بإذن من السلطات المختصة في البلاد.
واعتبر عدد من الصحفيين والناشطين حينها أن التعديل ليس سوى اتجاه حقيقي لتقييد حرية تداول المعلومات والنشاط الصحفي الاستقصائي في البلاد تزامنا مع حركة الاحتجاجات المنتشرة. وفي فبراير من ذات العام، أصدرت السلطات قانونا جديدا لمكافحة جرائم تقنية المعلومات حيث شمل عددا من البنود التنظيمية للنشر وانشاء المواقع الالكترونية والتعبير عن الرأي والتعاطي مع مؤسسات الدولة عبر الوسائل التكنولوجية، وعبر القانون استطاعت السلطات توجيه تهم اساءة التقنية والتحريض والنيل من مكانة الدولة لعدد من المواطنين.