بحسب تقديرات البنك الدولي فأنه يتوقع أن تتكبد دول الخليج عموما خسائر بنحو 215 مليار دولار إذا استمرت أسعار النفط في الهبوط، ولا تزال الدول الخليجية تعتمد ميزانياتها بنسبة كبيرة على النفط، إذ تعتمد ميزانية السلطنة على النفط بنسبة تفوق 84%، بمبلغ إجمالي قدرة 8.920 مليار ريال عماني، وبما لم يحقق تقدما منذ سبعينيات القرن الماضي بينما تبلغ الإيرادات النفطية 2 مليار ريال فقط.
كشوب : خلال سنوات، إنفاق الدولة استقر على مصاريف إدارية ولم يهتم بتنويع الدخل
وحول أسباب تأخر تنويع مصادر الدخل يقول الإعلامي في قضايا الاقتصاد أحمد كشوب: منذ الطفرة الاقتصادية وحدوث فائض مالي لدى الحكومة لم يتم توجيه ذلك إلى الاحتياطي العام أو إلى مشاريع تحقق عائدا وإنما أغلبه توجه إلى مصاريف عمومية وإدارية وتلك أحد نقاط الضعف وهي تكمن في عدم إدارة الفرص بالأسلوب الأمثل الذي يجنبنا كثيرا من تلك الأزمات. فيما يرجع الكاتب سعود الزدجالي المشكلة لعقلية المخطط و”عدم فهم ماهية الخطط التنموية الشاملة، من حيث إن الشخصيات القائمة على هذه الخطط هي شخصيات غير علمية، ومستهلكة، والدليل على ذلك يتضح عبر تجاوز الحكومة للخطة الاستراتيجية السابقة دونما مراجعة أو إنجاز” ، مضيفا “الدليل على ذلك يتضح عبر تجاوز الحكومة للخطة الاستراتيجية السابقة دونما مراجعة أو إنجاز، ومما يزيد هذا الزعم وضوحا وجود خطط متناثرة بين مؤسسات متعددة حكومية وكأنها في إطار صرخة أو صيحة دونما إطار واضح، فالتعليم يضع خطة، والصحة تضع خطة أخرى وهكذا، وليس وراء ذلك من برهان على أن المسؤولين لا يدركون أن الخطط الاستراتيجية توضع في إطار تنمية اقتصادية شاملة وواضحة ومتحدة”.
ويرى أحمد الخروصي -مهتم في الشؤون الاقتصادية- أن “ما يحصل حاليا هو تغير هيكلي في آلية عمل السوق، وحول ما إذا كانت هذه الأزمة كسابقاتها أم أنها تختلف قال: في السابق كانت الأولوية للحفاظ على الأسعار في مستوى مقبول للمنتجين و المستهلكين، أما الآن فالصراع على الحصص في السوق والمنافسة بين النفط التقليدي الرخيص و الصخري المكلف” ، وأضاف “أما غير الجديد هو استمرار تأثرنا بتذبذب أسعار النفط كون عوائد بيع الخام منه تشكل معظم الدخل واعتمادنا في الدخل على سلعة واحدة وبيعها بشكل أولي”.
سعود الزدجالي: نحن نتحمل تبعات اقتصادنا الريعي
وفي إطار ذلك يعزو الزدجالي تفاقم الأزمة إلى “الاقتصاد الريعي، الذي لا ينظر إلى النمو الاقتصادي المتنوع والشامل، ولكنه ينظر دائما إلى حجم العائدات النفطية وصرفها في الوقت ذاته”، وأضاف قائلا إن ” في حالة العجوزات لا تنظر إلى الحلول الجذرية وإنما تنظر في حل المشكلات الآنية المفردة”،
معتبرا “أن سوء توزيع الثروات، وانعدام التخطيط الجيد للاقتصاد في هذه الدول، وتفاقم المصروفات في غير الجهات الاستثمارية هو الذي يزيد حدة المشكلات الاقتصادية، فدول الخليج بشكل متفاوت لا تنظر إلى بناء آلة الاقتصاد، بقدر النظر في الرفاهية المادية المؤقتة والشخصية الاستهلاكية. إن هذه الدول بحاجة إلى إعادة هيكلة المؤسسات والمصروفات، وزيادة منظومة الشفافية والمساءلة ومكافحة الفساد. جدير بالذكر أن السلطنة احتلت المرتبة 64 عالميا في مؤشر الشفافية الدولية بمدركات الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية العالمية.
الخروصي: التوقعات غير مبشرة
ولا تزال أسعار النفط تتذبذب دون 50 دولار فيما يتوقع محللون اقتصاديون أن تستمر أسعار النفط على هذا المستوى لسنوات قادمة خصوصا مع دخول النفط الصخري للسوق، والذي يزيد من الفائض النفطي في الأسواق. يقول الخروصي “أكثر التوقعات تفاؤلاً للخمس سنوات القادمة لا ترى أن يزيد سعر البرميل عن ٨٥ دولار” بينما توقعات صندوق الدولي لا تتوقع أن تتعدى أسعار النفط 75 دولار في 2020 ويشكل هذا تحديا كبيرا أمام الحكومة لسد العجز في الميزانية. ويعتقد محمد الفطيسي رئيس تحرير مجلة السياسي أن استمرار انخفاض أسعار النفط “يؤثر بالسياسات الداخلية للحكومة، خصوصا التنموية والعمرانية منها رغم استمرار العمل في أغلب المشاريع والخطط والسياسات القائمة، ولكن هذا الأمر في حال استمر الانخفاض بطريقة درامية وإلى نسبة أكبر ووصل إلى ما دون ٢٥ دولار، حينها ستكون التأثيرات لا شك خطيرة للغاية”، ويتوقع صندوق النقد الدولي في أحد تقاريره أن تكون دول الخليج قادرة على الاستمرار في برامجها الاتفاقية على المدى القصير.
خبراء: مزيد من الشفافية الحكومية لتجاوز أزمة النفط
وحول الخطوات التي يجب أن تتخذها الحكومة قال الفطيسي: “من المهم للغاية أن تتعاطى الحكومة بشفافية مع الأوضاع الراهنة بهدف تقاسم حمل المسؤولية وتخفيف الحمل عن كاهلها كون الأزمة هي أزمة عالمية” ، معتبرا “أن إخفاء بعض الحقائق والمتغيرات الاقتصادية أو المالية والتعاطي معها بإيجابية مفرطة هو خطأ جسيم لا يجب أن يرتكب أبدا؛ فكيف ذلك في وقت تاريخي حساس”.
وكان البنك الدولي قد حث دول الخليج لتحويل الدعم المقدم لأسعار الوقود إلى إعانات نقدية مباشرة للمواطنين. ويرى كشوب أن الحكومة ستتجه إلى “رفع وتقنين الدعم الذي تقدمه قريبا، كذلك إلى رفع الضرائب على الدخل والخدمات العامة وكذلك توجيه الدعم للقطاع الخاص لكي يكون له الدور الفاعل وخاصة في التوظيف بدلا من الحكومة”. كما دعا إلى إصلاح المنظومة الاقتصادية عبر “إعادة تشكيل الجهاز الاقتصادي للدولة من خلال رفده بخبرات القطاع الخاص وبيوت خبره عالمية للتفكير بحلول غير تقليدية للخروج من الأزمة”، وذلك من خلال “إشراك المواطن والقطاع الخاص في الكثير من الخطوات”.
وكان الوزير المسؤول عن الشؤون المالية قد أشار في جلسة سابقة أمام مجلس الشورى إلى أن الحكومة تتجه لإجراء “مراجعة شاملة للإيرادات غير النفطية بهدف رفع مساهمتها في إجمالي الإيرادات العامة ويشمل ذلك الضرائب وإيرادات الجمارك والرسوم بمختلف أنواعها باعتبارها موارد متجددة وقابلة للنمو”، وأكد على وجود مراجعات لأسس وضوابط الدعم بما في ذلك البطاقات التموينية لضمان الدعم لمستحقيه وزيادة كفاءة وفاعلية الدعم نظرا لأنه يستنزف موارد ضخمة تثقل الخزينة العامة خاصة في ظل تزايد أعباء الإنفاق العام ومحدودية الموارد.
الخروصي: أزمة ستوجد فرصا لتحسين الواقع
على الجانب الآخر دعا الخروصي الحكومة إلى النظر للأزمة على أنها “فرصة لإحداث تحسينات جوهرية مقترنة بنتائج على الأرض في المدى المتوسط والطويل، فذلك سيدفع الحكومة لأن تقوم بتعديلات على مستويي الاقتصاد الكلي والجزئي”، مضيفا أنه إذا كانت رؤية الحكومة “للأزمة الحالية أنها مؤقتة ومدتها لا تتجاوز السنة القادمة، فستلجأ لحلول متعلقة بالسياسات المالية، والتي سيكون لها آثار مؤقتة كذلك على الحكومة والمواطن”.
بينما نبه الفطيسي إلى ضرورة أن لا ينال التقشف “كل ما يلامس بشكل مباشر أو غير مباشر حياة المواطن اليومية المعيشية ويقع على رأسها ما يؤثر في دخل الفرد، منها على سبيل المثال رواتب الموظفين ومن ثم ما يرتبط بذلك من مواد استهلاكية يومية ترتبط بحقه في الحياة والعيش الكريم”.
الفطيسي: المجتمع مراقب حساس وعلى الجهات أن تكون شفافة.
وأكد الزدجالي أن الإصلاح الاقتصادي”هو إصلاح شامل جوهري، فالتخطيط الاقتصادي في الدول هو تخطيط تنموي شامل يأخذ بحجز كل القطاعات الخدمية وغير الخدمية” ويرى أن “الدولة لا تحتاج الآن إلى الخطط بقدر حاجتها إلى تهيئة الأرضية المناسبة لمثل هذه الخطط، وتكمن هذه الأرضية في حل المشكلات الأساسية في الأداء الحكومي والتشغيل وقضايا البطالة والفساد والتعليم والصحة والبنى التحتية” معتبرا أن “الإصلاح في مسارات الاقتصاد هو إصلاح في التعليم، وفي الصحة، وفي القوى العاملة، وفي الاستثمار وتنمية الأسواق، وفي السياحة وغيرها من القطاعات أيضا”.
من جهة أخرى اعتبر الفطيسي أن “على الحكومة والجهات ذات الاختصاص أن تكون شفافة للغاية وصريحة في التعاطي مع الأزمة، فالمجتمع مراقب حساس وناقد لاذع ومتعاطٍ لا يقبل التهميش أو الإقصاء وخصوصا عندما تلامس الأوضاع والمتغيرات حياته ومعيشته ومستقبل أبنائه، لذا يجب أن تكون الحكومة بقدر المسؤولية التاريخية الراهنة”.
متابعة: بسمة البادية وهشام الإسماعيلي