نشر معهد “دول الخليج العربية في واشنطن” عبر موقعه تقريرا حول علاقة سلطنة عمان بمبادرات التطبيع الإسرائلية العربية كدعوة للرئيس الأمريكي ترامب باستغلال هذه العلاقات الاستثناية لتحقيق مسعاه في إعادة عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين والتطبيع مع الدول العربية الأخرى. أعد التقرير الباحثان سيغورد نيوباور ويوئيل غوزانسكي. تنشر مواطن التقرير مترجما للعربية مع وضع بعض التعديلات التي لا تلغي ما احتواه من مضامين.
ترجمة: محمد الفزاري
لماذا يتعين على إدارة ترامب مراجعة موقفها من سلطنة عمان
بعد الخطاب التاريخي للرئيس الأمريكي دونالد ترمب أمام القمة الأمريكية العربية الإسلامية في الرياض، عقد ترامب محادثات ثنائية مع كل رؤساء مجلس التعاون الخليجي باستثناء نائب رئيس الوزراء العماني السيد فهد آل سعيد الذي ألغى اجتماعه في اللحظة الأخيرة دون أي تفسير معلن. ورغم أن سجل السياسة الخارجية متميز في عمان، حيث سهلت الاتصالات الأمريكية الإيرانية المبكرة التي أدت في النهاية إلى الاتفاق النووي، ومساهمة نشطة في عملية السلام في الشرق الأوسط، وتدعم مفاوضات السلام اليمنية التي ترعاها الأمم المتحدة مؤخرا، بيد أن خطاب الرئيس ترامب في القمة تجاهل عمان على الرغم من أنه شكر كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي على التزاماتها بمكافحة التطرف والجماعات الإرهابية الإقليمية.
في الواقع، قد يكون من شأن طبيعة مشاركة عمان في الجهود الرامية في نزع فتيل الصراعات الإقليمية دفع إدارة ترامب إلى النظر إلى عمان بحذر، نظرا لجهود واشنطن لاستعادة العلاقات الوثيقة مع المملكة العربية السعودية. وفي هذا السياق، فإن روابط عمان الثابتة مع كل من طهران والقيادة السياسية للمتمردين الحوثيين في اليمن -التي تقدرها بشكل واضح إدارة الرئيس السابق باراك أوباما- يمكن اعتبارها الآن سببا لإبقاء عمان بعيدة عن خيارات البيت الأبيض.
وهناك دليل آخر على أن العلاقة الأميركية العمانية قد تتجه للأسوأ، حيث ألغى وزير الخارجية ريكس تيلرسون اجتماعه في الرياض مع نظيره العماني يوسف بن علوي. هذا إلى جانب أن مخطط إدارة ترمب للموازنة للسنة المالية 2018 يشير إلى خفض 35 في المئة من المساعدة العسكرية / الأمنية السنوية المقدمة إلى عمان، انخفض من 5.4 مليون $ إلى 3.5 مليون $. وكذلك تقترح على واشنطن مراجعة نهجها تجاه مسقط.
سلطنة عمان حليف استراتيجي لأمريكيا منذ قرنين تقريبا، وكانت ثاني دولة عربية بعد المغرب تقيم علاقات دبلوماسية مع واشنطن في عام 1841. وعلاوة على ذلك، فإن سلطنة عمان هي واحدة من دولتين من دول مجلس التعاون الخليجي تتمتعان باتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة. واستنادا إلى هذه الروابط التاريخية، تمكن السلطان قابوس بن سعيد، العاهل صاحب أطول فترة حكم في العالم العربي حاليا، عن طريق مهارته التي اكتسبها طوال 47 عاما من لعب دور وسيط إقليمي للمساعدة في نزع فتيل التوترات بين واشنطن وطهران، وفي الوقت نفسه ساهم بشكل فعال في الحوار الإسرائيلي العربي من خلال استضافة مركز أبحاث الشرق الأوسط لتحلية المياه (MEDRC)، وهي منظمة مقرها مسقط مكرسة لتبادل الخبرات الإسرائيلية في تقنيات تحلية المياه وإمدادات المياه العذبة النظيفة.
وبالنظر إلى أن ترامب قد تعهد لإعادة العلاقات بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي وتسريع عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين كجزء من جهد استراتيجي واضح لمواجهة نفوذ طهران الإقليمي المعادي، فإنه من المستغرب أيضا أن قابوس هو الزعيم الوحيد في مجلس التعاون الخليجي الذي لم يتصل ترامب به، لاسيما أن عمان هي الدولة الخليجية الوحيدة التي تتمتع بعلاقات مصالح عملية مع إيران وإسرائيل.
في السنوات الأخيرة، استخدمت عمان علاقاتها مع طهران والحوثيين في اليمن للإفراج عن ستة من المواطنين الأمريكيين الذين تم احتجازهم. هذه الجهود أكسبت عمان عبارات الشكر والثناء من الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما.
وقال ريتشارد شميرير السفير الأمريكي السابق لدى عمان “عمان تدرك أن الصراع الإسرائيلى الفلسطينى مصدر إزعاج للعلاقة بين الولايات المتحدة والعالم العربي ولكن وفقا لفلسفة قابوس للتعايش السلمي وحل النزاعات أراد أن يلعب دورا بناء”. وأضاف، أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لم يكن قضية رئيسية على جدول الأعمال الأمريكي العماني الثنائي خلال فترة ولايته فى مسقط.
ومع ذلك، في عام 2010، أشادت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بمركز أبحاث الشرق الأوسط لتحلية المياه (MEDRC) -وهي منظمة مقرها مسقط مكرسة لتبادل الخبرات الإسرائيلية في تقنيات تحلية المياه وإمدادات المياه العذبة النظيفة- بأنه “نموذج لصنع السلام في الشرق الأوسط”. وبعد ذلك بعام، اتصل أوباما شخصيا بقابوس ليطلب منه قيادة مبادرة النوايا الحسنة العربية -التطبيع- مع إسرائيل مقابل وقف الاستيطان.
تاريخ طويل في دعم السلام في الشرق الأوسط
وفي أعقاب معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، كانت سلطنة عمان العضو الوحيد في مجلس التعاون الخليجي الذي كان يتعاون باستمرار مع إسرائيل من خلال عدد من المبادرات الدبلوماسية غير الرسمية. وكانت سلطنة عمان واحدة من ثلاث دول عربية فقط لم تقاطع مصر بعد معاهدة السلام مع إسرائيل في الوقت الذي دعمت فيه محادثات السلام الأردنية الإسرائيلية في السنوات اللاحقة.
وبرهن قابوس التزامه بالتوصل إلى معاهدة سلام عربية إسرائيلية شاملة عندما قدم دعوة لرئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين لزيارته في مسقط عام 1994. وجاءت زيارة رابين بعد أشهر من توقيع إسرائيل والأردن معاهدة سلام شاملة. وعلى الرغم من أن الزيارة التاريخية التي قام بها رابين كانت في البداية سرية، إلا أنه تم الإعلان عنها عند عودته إلى إسرائيل.
وعلى الرغم من أن الخطاب التاريخي للرئيس المصري أنور السادات أمام الكنيست في عام 1977 ومعاهدة السلام الإسرائيلية الأردنية لعام 1994 لم تحقق التوقعات، إلا أن قابوس منح رابين والقيادة الإسرائيلية ما سعت إليه منذ تأسيس الدولة اليهودية عام 1948: الاعتراف والشرعية. وعلاوة على ذلك، يمكن القول إن دعوة قابوس علنا إلى رابين أمام الجمهور الإسرائيلي والعالم العربي على العموم هو استعداد عمان لابتعادها عن الموقف السعودي ومنح إسرائيل الاعتراف الفعلي.
وبعد اغتيال رابين أكد قابوس التزامه بعملية السلام بإرسال وزير خارجية عمان لحضور جنازة رابين. وقال علوي فى مقابلة لاحقة مع وسائل الاعلام الإسرائيلية عندما استضافه القائم بأعمال رئيس الوزراء شيمون بيريز: “سوف تقيم عمان قريبا علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وسلطنة عمان لم تكن فى حالة حرب أبدا مع إسرائيل لكي تكون هناك حاجة لاتفاقية سلام”.
وقد حققت العلاقة القصيرة بين قابوس ورابين وبيريز نتائج ملموسة وإيجابية؛ فقد حافظت سلطنة عمان بعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل منذ عام 1996 من خلال استضافة مركز أبحاث الشرق الأوسط لتحلية المياه (MEDRC). والمركز هو المنظمة الوحيدة الباقية على قيد الحياة لخمسة مبادرات إقليمية مدرجة في اتفاقات أوسلو كجزء من محاولة للتعجيل بعملية السلام. ومن خلاله، حضر مشاركون من غزة والأردن والضفة الغربية مع نظرائهم الإسرائيليين عددا من الدورات حول تحلية وإدارة مياه الصرف الصحي في تل أبيب.
وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن الدبلوماسية العمانية الهادئة مقصودة من خلال التزامها بسياسة الحياد وعدم التدخل. حيث تسعى عمان إلى الحفاظ على استقلالها واستقرارها عن طريق التنسيق الوثيق مع بريطانيا والولايات المتحدة مع موازنة العلاقات مع جيرانها الأقوياء، إيران والسعودية. غير أن القضية الإسرائيلية الفلسطينية ليست من ضمن بواعث القلق الاستراتيجية المباشرة في عمان؛ على عكس إيران، التي تشترك معها مع مضيق هرمز، فإن إسرائيل قوة بعيدة.
وبالنظر إلى سعي ترامب لصياغة اتفاق سلام عربي إسرائيلي شامل، يمكن أن تلعب عمان مرة أخرى دورا محوريا من خلال علاقات مركز أبحاث الشرق الأوسط لتحلية المياه (MEDRC). إن دعوة البيت الأبيض لنائب رئيس الوزراء للتعاون الدولي المعين حديثا، السيد أسعد بن طارق آل سعيد، قد تتيح فرصة لاستكشاف إمكانيات هذا الرجل الذي يبدو أنه على وشك أن يصبح خليفة قابوس في نهاية المطاف. حيث يبدو من المستبعد أن تعيد عمان دورها كقناة للرسائل الهادئة بين طهران وواشنطن بشأن قضايا الأمن الإقليمي كمحاولة للتخفيف من مخاطر الصراع في الوقت الراهن نظرا لرسالة ترامب الخطيرة المناهضة لإيران.
وكان آخر رئيس أمريكي يزور عمان هو بيل كلينتون فى عام 2000. بينما أرسلت إدارة جورج بوش نائب الرئيس ديك تشينى إلى مسقط فى 2002 و2005 و2006 لبحث قضية ايران وغيرها من القضايا الإقليمية. وفي الآونة الأخيرة، اعتمدت إدارة أوباما، وعلى وجه التحديد وزير خارجيتها جون كيري، على مسقط في مجموعة من المبادرات الإقليمية بدءا من إيران وسوريا واليمن. وتقديرا لجهود عمان الدبلوماسية المؤثرة، حضر جون كيري احتفال العيد الوطني العماني في 2016. وهي مبادرة غير معتادة من وزير الخارجية الأمريكي. وعلى الرغم من أن استعادة عمان مكانتها المرموقة في نظر الإدارة الأميركية الحالية لا تزال غير مؤكدة، فإن دور عمان الفريد دعما للجهود الرامية في حل بعض المشاكل الأكثر تعقيدا في الشرق الأوسط، يتعين على الإدارة الحالية أقلها فتح قنوات للتواصل.