نشرت صحيفة “ “Middle East Eye تقريرا مطوّلا عن تدريب مهني تحصلت عليه القوات الأمنية والعسكرية العمانية للتحكم في أعمال الشغب والمظاهرات وفرض النظام العام. وتفاصيل الصفقة تظهر سعي المملكة المتحدة لتعزيز الروابط الدفاعية القوية بين الدولتين، وقام بالتحقيق الصحافي جايمي ميريل. مواطن تنشر لكم ترجمة للتقرير المنشور يوم الجمعة الموافق 22 من سبتمبر 2017.
أظهر مشروع “لأمن و العدل” المثير للجدل والبالغ تكلفته 1.2 مليون دولار أن ضباطا من جهاز الشرطة البريطانية قاموا بتدريب أفراد من قوات عمان الخاصة، وشرطة عمان السلطانية والجيش السلطاني العماني على استراتيجيات ”فرض النظام العام“ منذ عام 2014. وقامت شرطة إيرلندا الشمالية بتدريبهم حول كيفية التعامل مع الإضرابات وخنق الاحتجاجات تحت مشروع ممول من وزارة الخارجية كما كشف عنه بناءً على طلب حق الحصول على المعلومة. (معمول به في المملكة المتحدة)
هذا الخبر عن البرنامج التدريبي الذي انتهى في شهر مارس، قوبل بقلق من قبل الناشطين الحقوقين العمانيين مؤكدين أن التدريب يشمل ضباطاً من كتيبة الحدود الشمالية الذين كان لهم دور في إطلاق النار على المحتجين في عام 2011 في فترة الربيع العربي .
خلفان البدواوي ناشط حقوقي عماني هرب من البلاد في عام 2013 بعد تعرضه للاحتجاز بشكل متكرر من قِبل الشرطة العمانية. أوضح البدواوي لصحيفة (MEE): “تدخل المملكة المتحدة في عمان يضرب بجذوره التاريخية عميقاً منذ بداية الحقبة الاستعمارية، و هذه الوثائق تثبت لنا أن عمان ما زالت تحت الاستعمار“. وذكر أنه كان ”مذعوراً“ من الإعلان عن هذه المعلومات عن تدريبات المملكة المتحدة لضباط عمانيين. وأضاف البدواوي: ”هذه الاتفاقيات تصل إلى حد أن المملكة المتحدة لا تقوم بتدريب نظام سلطوي على آلية قمع المواطنين فحسب، بل أيضاً تستخدم أموال دافعي الضرائب لتمويل التدريب“.
اتفاقيات السجون المثيرة للجدل
تحت قيادة السلطان قابوس بن سعيد آل سعيد منذ العام 1970، عمان دولة سلطانية شمولية وقد تم إدانتها لتقييدها لحرية التعبير من قِبل منظمة (Human Rights Watch) التي ذكرت أن السلطات في البلد ذي الموقع الاستراتيجي استهدف الناشطين السلميين ومنتقدي الحكومة. وتفاصيل التدريب المشترك بين شرطة عمان السلطانية والشرطة الإيرلندية الشمالية (PSNI) ظهرت للرأي العام البريطاني بعد سنتين من إجبار الحكومة البريطانية على الانسحاب من صفقة السجون المثيرة للجدل مع السعودية و عمان البالغ قيمتها ثمانية مليون دولار.
وتشير الوثائق التي تم الإفصاح عنها مؤخراً بأن مسؤلين عمانيين وضباطاً من الجيش والشرطة قاموا بما لا يقل عن 14 رحلة إلى شمال إيرلندا منذ عام 2014 كجزء من برنامج تم تمويله من قبل وزارة الخارجية لتدريب فنون القيادة، والسيطرة، والتحكم بالجماهير، وفرض النظام العام، واستخدام الأسلحة النارية للسيطرة على المظاهرات.
قدمت الشرطة الإيرلندية الشمالية التدريب عن طريق مؤسسة NI-CO تابعة لوكالة التنمية الإقليمية في إيرلندا الشمالية. وتدعي الشرطة الإيرلندية الشمالية أنها لا تدرب الجيوش الأجنبية، و لكنها في مقابلة أخيرة مع مجلة ” Private Eye“ اعترفت رئيسة قوات الشرطة الإيرلندية Barbara Gray: “فيما يخص التعامل مع عمان، هناك مؤسسات شريكة لنا، عليها واجب أمني في الدولة المتواجدين بها مثل عمان”.
المسؤولون والأفراد العسكريون العمانيون قاموا بما لا يقل عن 14 زيارة لشمال إيرلندا، كما أوضحت الوثائق، وقد أقاموا في فندق خمس نجوم في الوقت الذي كانوا يتلقون فيه تدريبات حول فرض النظام العام واستخدام الأسلحة النارية للسيطرة على المظاهرات، بالإضافة إلى تدريبات حول جمع المعلومات الاستخبارية والقيام بالمهام الشرطية وسلامة الطرق. التدريب استمر حتى شهر مارس الماضي في Garnerville Police College” في Belfast.
تاريخ من السيطرة
إيرلندا الشمالية هي المقاطعة الوحيدة من المملكة المتحدة حيث مازال أفراد الشرطة يحملون أسلحة نارية، ويحق لهم استخدام الرصاص المطاطي والمدافع المائية في مهامهم المعتادة. أعطى مسؤلون عمانيون العديد من ردود الفعل الإيجابية حول زياراتهم، وطالبوا أيضا بصلاحية الاطلاع على طريقة تعامل شرطة إيرلندا الشمالية مع مسيرات الموالين الطائفية في عيد الفصح عام 2016، وتمت الموافقة على الطلب.
في الوقت الذي زار فيه 100 مسؤول وضابط عماني إيرلندا الشمالية، قامت خمسة فرق من مستشاري NI-CO وشرطة إيرلندا الشمالية بزيارة عمان. مؤخراً، زار 13 مسؤول عماني إيرلندا الشمالية في شهر مارس لمهارات القيادة و السيطرة. وأهم زيارة رفيعة المستوى كانت في مارس 2015 حين قَدم ضابط عماني برتبة عالية إلى إيرلندا والتقى بـ Arlene Foster، رئيسة الحزب الديموقراطي الحالي في أحد الفنادق الفخمة في Belfast.
بسطت المملكة المتحدة سيطرتها على عمان على معظم فترات القرنين التاسع عشر والعشرين. حتى أواخر الستينات، وتلقى البلد أكثر من نصف مدخوله بشكل مباشر من لندن في الوقت الذي لعب الضباط العسكريون البريطانيين الدور الرئيسي هناك. بينما تم الاستعانة بالقوات العسكرية، من ضمنها طائرات سلاح الجو الملكي (RAF) وجنود الخطوط الجوية الإسكندانفية (SAS) لإخماد مجموعة من الثورات منذ الخمسينات حتى السبعينات. ويُزعم قيام جهاز الاستخبارات البريطاني (MI6) بالمساعدة الإطاحة بحكم السلطان المخلوع سعيد بن تيمور في عام 1970. لتنصيب السلطان الحالي –ابنه- في السلطة. معظم الوثائق المتعلقة بتلك الحقبة ستظل متحفظا عليها حتى عام 2021 تحت حماية قانون “الأسرار الرسمية”.
وقال Mark Curtis، مؤرخ ومحلل للشؤون الدولية، أن الإعلان عن تدريب القوات الأمنية العمانية كان الجزء الأخير من دعم المملكة المتحدة الدائم للسلطة في عمان. وذكر Mark لصحيفة (MEE) أن: ”الدعم البريطاني لعمان يهدف للإبقاء على السلطان في الحكم، وزيادة قدرة النظام على مواجهة المعارضة و خلق علاقات مع القادة المستقبليين المحتملين والمسؤولين العسكريين وأجهزة المخابرات التي تشتري هذه الأسلحة البريطانية، و تعزز المصالح البريطانية والغربية في المنطقة”. و يضيف Mark Curtis أن ”لا مكان” لحقوق الإنسان في حسابات الحكومة البريطانية في عمان قائلاً: ”أشك إطلاقا أن الحكومة البريطانية تعرف السياسية الداخلية العمانية، عدا بعض دواعي العلاقات العامة”.
قاعدة جديدة في شرق السويس
آخر صفقة تدريبية بين المملكة المتحدة وعمان وطدت العلاقات كثيرا. حيث هناك ما يقارب 200 شخصية عسكرية بريطانية متمركزة في عمان من ضمنهم من تم إعارتهم للقوات السلطانية المسلحة. وسوف يعقد البلدان تدريبات عسكرية مشتركة ضخمة في العام القادم، وسيكون أكبر نشر عسكري دولي للقوات البريطانية منذ اجتياح العراق في عام 2003. كما وقعت المملكة المتحدة وسلطنة عمان مؤخراً صفقة لإقامة قاعدة بحرية ولوجستية في منطقة الدقم في عمان. هذه القاعدة ستدعم حاملات الطائرات الجديدة (الملكة إليزابيث) التابعة للبحرية البريطانية الملكية حيث تنتشر في منطقة الخليج العربي وسط مزاعم بأن المملكة المتحدة تضع أولويات دفاعية وأمنية تتجاوز حقوق الإنسان.
تمثل عمان عميلاً دفاعياً هاماً للملكة المتحدة وقد اشترت مؤخراً أسطولاً مكوناً من 12 Eurofighter Typhoon jets التي عرضت لأول مرة على الحكومة في مسقط عن طريق الشركة المتخصصة في أنظمة الصناعات الجوية و الدفاعية (BAE) في شهر مايو . وقد قال متحدث عن وزارة الخارجية: ”نحن نقوم بمساعدة القوات السلطانية المسلحة للحفاظ على النظام العام وفقاً لكل اعتبارات حقوق الإنسان الدولية. كل المساعدات في التدريب تتماشى مع التزاماتنا بالمعاهدات المحلية والدولية لحقوق الإنسان”. مضيفاً بأنه: ”حين نشعر بقلق إزاء حقوق الإنسان، سنقوم بتوصليها للمسؤولين على المستويين؛ الخاص والعام. وفقط بالتعاون مع عمان سنتمكن من تحقيق التغيير الذي نتمنى رؤيته في البلد ”.