سجل التاريخ الحديث في دفاتره مجموعة واسعة من الاختراعات والإنجازات العلمية التي يعود الفضل فيها لمخترعين و علماء العرب مهدوا طريقاً مضيئاً للبشرية في شتى مناحي العلوم المختلفة، فمنهم من برع في الطب والكيمياء وآخرون في الفيزياء والرياضيات والفلك وغيرها، ليعيدوا إلى الأذهان اكتشافات ابن سيناء والخوارزمي والرازي وجابر بن حيان وابن الهيثم، وهو ما أدى بصورة كبيرة لتقدم بلاد العرب والمسلمين آنذاك.
وكانت المدن العربية من العراق وسوريا إلى مصر وبلاد المغرب العربي، منبراً علمياً يحج إليه طالبو العلم بصورة غير مسبوقة، وكانت الجامعات العربية وقتها أشبه بهارفارد وكامبريدج وأكسفورد الآن، حيث كان لـ علماء العرب قدر كبير لدى الحكام واحترام وافر لدى العامة، فكانت الحقبة ما بين القرن السابع الميلادي ونهاية القرن السادس عشر الميلادي هي الفترة التي تأسس فيها العلم على يد العرب بالصورة الحديثة التي نعرفها الآن.
وفي هذا السياق يقول المستشرق آدم متز في كتابه “الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري”: “لا يعرف التاريخ أمة اهتمت باقتناء الكتب والاعتزاز بها كما فعل المسلمون في عصور نهضتهم وازدهارهم، فقد كان في كل بيت مكتبة، وكانت الأسر الغنية تتباهى بما لديها من مخطوطات نادرة وثمينة، وكان بعض التجار يسافرون إلى أقصى بقاع الأرض لكي يحصلوا على نسخة من مخطوط نادر أو حديث، وكان الخلفاء والأثرياء يدفعون بسخاء من أجل أي مخطوط جديد”.
لقد اهتم العرب في السابق كثيرا بالعلم، لذلك امتدت الحضارة الإسلامية لقرون عديدة عرفت خلالها هذه الحضارة شتى أنواع الصناعات والتطورات العلمية، فكان الحكام يقدرون العلماء بالصورة التي تليق بهم، وهو ما تجلى في توفير البيئة المناسبة لهم ليغوصوا في بحور العلم ويستخرجوا كنوزهم التي تستفيد منها البشرية حتى وقتنا هذا.
وأدرك الغرب الدرس وفطنوا إلى أن تفوقهم لن يتحقق سوى بالتقدم العلمي التكنولوجي الذي يحدث فارقًا بينهم وبين العالم الثالث بمئات السنين الضوئية، فاستفادوا جيدًا من خبرات العرب والمسلمين وعمدوا إلى وقف تقدمهم، وعندها سيتمكنون من السيطرة على هذا العالم، ولجأوا في ذلك إلى استقطاب أبرز العلماء العرب حتى ينشغل العرب عن العلم ويتفرغوا لصراعاتهم الداخلية.
ميزانية البحث العلمي
ووفقًا لعدة إحصائيات فإن العرب ينفقون نحو ستمائة مليار دولار على الأسلحة، بينما حجم الإنفاق على البحث العلمي لا يتجاوز ستين مليون دولار في كل الوطن العربي.
وفي هذا السياق، يقول العالم منير نايفة، إن تكلفة ما صرفته الجامعات العربية على البحث العلمي طيلة خمسين سنة هو 2.5 مليار دولار، بينما صرفت جامعة إلينوي وحدها على البحث العلمي خلال عام واحد 1.5 مليار دولار.
لذلك فهناك حاجة ماسة لزيادة الميزانيات المخصصة للبحث العلمي في عالمنا العربية والاهتمام بالباحثين وتقديرهم جيدًا لفسح المجال لشباب المخترعين العرب للدراسة والبحث، بدلاً من السماح لهم بالهجرة لأوروبا وأمريكا.
عقول عربية بتمويل غربي
لم يجد الكثير من العلماء العرب في عصرنا الحديث بدا من اللجوء إلى أوروبا وأمريكا لمواصلة مشوارهم البحثي، وكانت نظرتهم واقعية لحد كبير، لأنهم لن يستطيعوا تحقيق أي إنجاز بوجودهم في بلادهم، فقد تستغرق محاولات إقناع المسؤولين بأهمية اختراعاتهم سنوات عديدة تضيع دون جدوى، فاضطروا إلى السفر سواءً في بعثات علمية أو بالهجرة، للبحث عن جهة أو هيئة تؤمن بقدراتهم وتعمل على تطويرها بالشكل الملائم، ويمكن القول إنه لولا الدعم الغربي لهؤلاء العلماء لما وجدت اكتشافاتهم النور، وسنعرض بعضها على سبيل المثال لا الحصر في السطور التالية:
“فيمتو” زويل
تمكن العالم المصري الراحل أحمد زويل، الحائز على جائزة “نوبل”من اكتشاف “الفيمتو ثانية” وهو نظام قادر على التصوير بسرعة فائقة، بواسطة الليزر، وتعتبر “الفيتمو سكند” هي وحدة زمنية يمكن خلالها التقاط الصورة الواحدة، وتقدر بجزء واحد من مليون مليار جزء من الثانية الواحدة، وتعتبر النسبة بين الثانية والفيمتو ثانية هى النسبة بين الثانية و32 مليون سنة.
وأصبح من السهل عبر “الفيمتو” رؤية تحركات الذرات كما يتم تخيلها، ويستخدم العلماء حول العالم الآن ثانية الفيمتو فى دراسة وتحليل العديد من المواد الكيميائية بمختلف أشكالها السائلة والصلبة والغازية وتفاعلاتها مع بعضها البعض.
وما كان لهذا الاكتشاف ليرى النور لولا لجوء زويل للولايات المتحدة، كما قال العالم المصري في مذكراته “رحلة عبر الزمن”: “الغربيون عباقرة.. ونحن لسنا أغبياء.. لكن الغرب يساعد الفاشل حتى ينجح.. ونحن نحارب الناجح حتى يفشل”.
“ذرات” نايفة
تحريك الذرات منفردة ذرة ذرة، وهو اكتشاف للعالم الفلسطيني منير نايفة قالت عنه صحيفة “واشنطن بوست” إنه يؤسس لفرع جديد في علم الكيمياء يدعى “كيمياء الذرة المنفردة”، والذي يمهد بدوره لطفرة طبية تساهم في علاج العديد من الأمراض، حيث يتيح هذا الإنجاز بناء أجهزة ومعدات مجهرية لا يزيد حجمها على عدة ذرات، مما يمكنها من الولوج في جسم الإنسان والسير داخل شرايينه والوصول إلى أعضائه الداخلية، كما يتيح العديد من التطبيقات في مجالات الطب والهندسة الصناعية والعسكرية والتكنولوجيات النووية.
الكويكب “شاهين 4103”
أطلقت وكالة الفضاء الامريكية “ناسا” اسم العالم اللبناني مصطفى شاهين على أحد الكويكبات، وهو الكويكب “شاهين 4103″، تكريمًا للإنجازات الكبيرة التي قام بها في مجال الفضاء، فكان لشاهين الدور الرئيسي كباحث ومصمم ومطور ومحلل في كل تجارب الاستشعار عن بعد التابعة لناسا.
نظرية القوى الأساسية الموحدة لـ”النشائي“
رغم المكانة العلمية الكبيرة التي يحظى بها عالم الفيزياء الفز ألبرت آينشتاين صاحب نظرية النسبية، إلا أن هناك عالما فيزيائيا مصريا هو الدكتور محمد النشائي، استطاع تصحيح بعض الأخطاء والمفاهيم العلمية التي حوتها نظرية آينشتاين، وقدم نظريته الشهيرة “القوى الأساسية الموحدة”، كما كان له دور كبير في تطوير نظرية يطلق عليها اصطلاحيا “الزمكان كسر كانتوري”.
بطاريات الليثيوم
مليارات الأشخاص في العالم يقومون بشحن بطاريات الليثيوم في الهواتف المحمولة ولا يعرفون أن العالم المغربي رشيد يزمي صاحب الفضل في اختراع تلك البطاريات، حيث تمكن من تغيير عملية شحن الهواتف النقالة أو لحاسوب محمول، فلولاه لكانت بطاريات الهواتف ثقيلة الوزن وكبيرة الحجم، فقد أحدث طفرة في نظام تخزين الطاقة، فأصبحت بطاريات الليثيوم الأكثر أمانًا والأطول عمرًا من خلال الشحن المتكرر، وذلك بعد أن كان العالم أسيرًا لبطاريات “النيكل كاديوم”.
جهاز نشوان باراساوند
لا تخلو مستشفى في العالم من جهاز “نشوان باراساوند”، وهو اختراع يعمل على توسيع الشرايين المتصلبة دون إجراء أي عمليات جراحية اخترعه الطبيب العربي خالد نشوان، حيث يعمل على معالجة أمراض تصلب الشرايين عبر إصدار موجات فوق صوتية، وقد يعمل الجهاز كذلك على معالجة الأوعية الدموية من الضيق والانسداد، ونال هذا الاختراع جائزة أفضل اختراع دولي من قبل لجنة التحكيم الدولية.
صافون
لخص المخترع التونسي “أنيس العويني” حال العشرات من علماء العرب عندما قال في تصريحات لإذاعة “إكسبرس إف إم” إنه “لم يلق أي اهتمام باختراعاته من قبل سلطة الإشراف في تونس، رغم أن العديد من الدول الأجنبية اقترحت عليه تبني هذه الاختراعات”.
وابتكر العالم التونسي أسلوبًا جديدًا للاستفادة من طاقة الرياح وتمكن من اختراع محول بدون مراوح أطلق عليه اسم “صافون”، فبدلاً من الدوران يعمل المحول الجديد من خلال الحركة إلى الخلف وإلى الأمام بمساعدة عقدة ثلاثية الأبعاد، تنتج الحركة ضغطًا هيدروليكيًا يمكن بعد ذلك تخزينه وتحويله إلى كهرباء.
ويتميز بأنه صديق للبيئة بدرجة أكبر من الاختراعات السابقة كما أنه مصدر منخفض التكلفة للطاقة غير الملوثة، كذلك يمكن أن يستخدم كذلك في ضخ الماء أو كمكبس لمكيفات الهواء، ويمكنه تحويل نحو 80 بالمئة من طاقة الرياح إلى كهرباء.
نظرة تفاؤلية
بالرغم من ذلك إلا أن النظرة ليست تشائمية لهذه الدرجة، لايزال هناك أجيال جديدة من العلماء العرب قادرة على استلام راية الفكر والإبداع من أجيال سبقتهم، وتقع عليهم مسؤولية مواصلة مسيرة العلم وفي الوقت ذاته العودة لأوطانهم لتقديم تلك الخبرات للشباب العربي والبحث عن السبل المثلى لإفادة أوطاننا إنجازاتهم واكتشافاتهم، وهو ما قام به على سبيل المثال العالم المصري الراحل أحمد زويل عندما قرر إنشاء مدينة للبحث العلمي تكون نواة لكل موهبة مصرية تبحث عن اكتشاف نفسها، كذلك هناك طبيب القلب العالمي مجدي يعقوب الذي لم يتردد في إنشاء مركز عالمي للقلب في أسوان للتخفيف من معاناة أفئدة المصريين غير القادرة ماديًا.