لا تشترك دول مجلس التعاون الخليجي في شكل نظام الحكم فحسب بل إنها أيضاً تشترك في طريقة تعاملها مع شعوبها وخصوصا فئة السجناء التي بات مصيرها في مهب الريح أمام الانتهاكات لحقوق الإنسان وسوء المعاملة الممارسة ضدها من قبل إدارات السجون والضباط المتجاوزين، وإن كان الوضع يتفاوت بشكل نسبي وصغير جدا بين دولةٍ والأخرى إلا أن شهادات السجناء وأهاليهم بالإضافة إلى التقارير الحقوقية تظهر مدى تجانس وتشابه الظروف التي يعيشها السجناء في هذه الدول.
وفيما يلي جزء من الانتهاكات والأوضاع الحاطة بالكرامة التي يمكن مشاهدته في السجون المركزية بدول مجلس التعاون الست:
سجن الرزين – أبوظبي، دولة الإمارات العربية المتحدة
تقع الثكنة العسكرية الملقّبة بـ “غوانتنامو الإمارات” في وسط الصحراء على بعد 110 كلم عن العاصمة أبو ظبي، تحتوي على مجموعة مبان محاطة بسور إسمنتي رفيع جداً مزود بأبراج مراقبة تم تشييدها في وقت غير معروف حيث لا يوجد تاريخ محدّد يكشف متى تم تأسيس السجن.
ويعود سبب تلقيب السجن بـ “غوانتنامو الإمارات” إلى بشاعة الممارسات غير الإنسانية ضد المعتقلين والسجناء. ولكي تسهّل على نفسها المهمة، تقوم إدارة السجن بتوظيف العشرات من الحراس النيباليين لتعذيب المعتقلين جسدياً ونفسياً، وحرمانهم من النوم والاغتسال، وتفتيشهم بشكل مهين، وتقييدهم لساعات طويلة، وعدم السماح لهم بغسل ملابسهم، ومنعهم من أداء صلاة الجماعة بالإضافة إلى منع الضوء من الدخول إليهم، ومنع الزيارة عنهم، وحبسهم في زنازين توصف بـ “التوابيت” وإطعامهم بالمواد الغذائية الفاسدة، وعندما يطالب السجناء بتحسين أوضاعهم في السجن، يعاقبون بالحبس الانفرادي. إثر ذلك، يعاني السجناء من تدهور حالتهم الصحية والنفسية.
يصف بعض المعتقلين أنفسهم بأنهم رهائن مختطفة، وليسوا سجناء لهم حقوق يحددها القانون. ولعلّ هذا ما يؤكده وكيل النيابة العامة خالد الحوسني بقوله أثناء إحدى زياراته للسجن: “هذا ما جنته أيديكم… ليس للسجين حقوق”.
يقع السجن تحت إدارة وزارة الداخلية ورقابة النيابة العامة إلا أن هذه “الرقابة” لم تحرّك ساكناً إزاء حادثة اقتحام 50 عنصرا عسكريا بقيادة الإماراتي طارق حمد المقبالي للزنازين وشنهم حملة تفتيش مشددة في الساعة الواحدة صباحاً للعثور على أدوات كتابة استخدمها مجموعة من المعتقلين لكتابة رسالة تعزية موجهة لرئيس الدولة الإمارات خليفة بن زايد آل نهيان في شهداء الإمارات باليمن. وقام الجنود أثناء المداهمة بإجبار السجناء على خلع ملابسهم والوقوف بمواجهة الحائط.
ورغم عدم وجود إحصائية رسمية لعدد السجناء السياسيين في الرزين إلا أن عدد السجناء في سجن الرزين والوثبة مجتمعةً يقدر بـ 204 سجناء (من مجموع إجمالي بقدره 11100 سجين موزع على سجون الدولة) ويواجهون أحكاماً قضائية مشددة تصل بعضها إلى المؤبد بسبب نشاطهم السياسي المنادي بالإصلاح، وأبرزهم هو الدكتور ناصر بن غيث رئيس حزب الأمة الإماراتي، وغيره من الموقعين على عريضة الإصلاح الشهيرة التي تم إطلاقها في أبريل 2011.
سجن الحائر – الرياض، المملكة العربية السعودية
افتتح سجن الحائر سنة 1983 تحت إدارة المديرية العامة للمباحث (وهو جهاز أمني تم فصله مؤخراً عن وزارة الداخلية)، كما أنه أكبر سجن سياسي في السعودية يعمل خارج أي رقابة أو إشراف من الجهات الأخرى بالدولة، علماً بأن السجن يقع على بعد 29 كيلومتراً من العاصمة الرياض وتكتظ فيه أجساد السجناء في زنازين غير مهيئة لاحتواء أعدادهم. افتتح مؤخرًا في العام 2016 سجن جنائي جديد بإسم إصلاحية الحائر وضع فيه بعض السجناء السياسيين لفصلهم عن السجناء السياسيين الآخرين.
اشتعلت اضطرابات واحتجاجات عارمة في السجن في يوليو 2012 بعد أن تعرض سجين للضرب المبرح إثر مطالبته بوجبته الخاصة التي صرفت له بأمر طبي، وأدت الحادثة إلى اشتباكات مع رجال الأمن وسيطرة السجناء على بعض مرافق السجن مطالبين بإيقاف التعذيب ومحاسبة المسؤولين وحقهم في العلاج الصحي، بعدها استدعيت قوات الطوارئ الخاصة لاقتحام السجن، وهو ما دفع أهالي السجناء للتجمهر خارج السجن للاحتجاج على القمع.
يعاني سجناء الحائر من التعذيب الممنهج في غرف مزودة بأجهزة مخصصة لهذا الغرض، يتم فيها تعريضهم إلى درجات حرارة عالية أو منخفضة جداً، وتعليقهم من اليدين والقدمين، وتعطيل إجراءات المحاكمة القضائية والإفراج عن الذين أنهوا مدة محكوميتهم، و قد تصل في بعض الحالات إلى السنوات من التأخير، ومنع الزيارات، كما يشكون من منعهم من الرعاية الصحية وعدم معرفة المحكومين بالإعدام بموعد تنفيذ الحكم.
يقبع بالحائرأبرز الشخصيات السياسية على رأسها معتقلي جمعية الحقوق المدنية والسياسية (حسم).يقدرعدد السجناء في سجن الحائر السياسي بـ 1500 سجين، أما إصلاحية الحائر الجديدة فيقدر عدد السجناء فيها بـ 7300 سجين.
السجن المركزي – الدوحة، دولة قطر
افتتح السجن المركزي الحالي في العام 1986 تحت إدارة وزارة الداخلية ليحل محل السجن القديم الواقع في قلعة الرميلة والذي أنشئ في العام 1956.
ورغم قلة المعلومات المتوفرة حول الأوضاع في السجن وغياب المؤسسات المدنية في قطر بشكل عام، إلا أنه توجد حالات مرصودة لاستخدام التعذيب وسوء المعاملة والاعتداء، والحبس الانفرادي لسنوات، ومنع الزيارات أثناء التحقيق والتوقيف والسجن. ومن أشكال التعذيب النفسي الممارسة: حرق أجزاء من الجسم بالسجائر، التجريد من الملابس، والإجبار على الزحف على الأرض، والاستهزاء بالمتهم عبر إخباره أن أفراد عائلته قد توفّوا.
ويعاني السجناء والمحتجزين في “حجز الإبعاد” بالسجن بشكل خاص من الاكتظاظ حتى أن حادث حريق حصل داخل الحجز راح ضحيته 5 من الموقوفين، بالإضافة إلى سوء المعاملة واحتجاز العديد من السجناء قسرياً دون أمر قضائي أو توجيه تهمة أو محاكمة وفي بعض الحالات يستمر الحجز لأكثر من ستة أشهر، كما أن بعضهم يتواجد داخل حجز الإبعاد بسبب قضايا مدنية أو بسبب خلافات بينهم وبين كفيل العمل.
سجن جو – جو، مملكة البحرين
اعتادت السلطات البحرينية وضع سجونها في مواقع جغرافية بعيدة عن المراكز السكنية الرئيسة وذلك بهدف قطع فرصة التواصل بين السجناء وبين العالم الخارجي قدر الإمكان وكانت في السابق تدير سجن مركزي من جزيرة جدا الواقعة شمال غرب البحرين وتبعد 17.5 كيلومتر عن العاصمة المنامة قبل إغلاق السجن في سنة 1968 ونقله إلى موقعه الحالي بالقرب من قرية جو الواقعة على الساحل الجنوبي الشرقي لجزيرة البحرين الأم.
وتعد ظاهرة انتشار السجون في البحرين ملفتة للانتباه حيث يوجد 20 سجنا رسميا تتوزع مهام إدارتها على ثلاثة جهات هي: قوة دفاع البحرين، جهاز الأمن الوطني، وزارة الداخلية، على الرغم من قلة عدد السكان وصغر المساحة الجغرافية للدولة.
تشير التقارير الحقوقية بالنسبة للأوضاع داخل السجون البحرينية بشكل عام وسجن جو بشكل خاص، إلى انتهاكات ممنهجة تشمل التعذيب الجسدي والنفسي بالضرب والصعق الكهربائي والتهديد بالاغتصاب، بالإضافة إلى الإهمال الطبي الشديد حيث يعاني العديد من السجناء من أمراض مزمنة مثل السرطان والسكري ومرض فقر الدم المنجلي ولا يحصلون على العلاج المناسب، كما يتم التضييق على الزيارات العائلية وتواصل السجناء مع بعضهم البعض ويتم الحدّ من حرياتهم الدينية في إقامة خطب صلاة الجمعة.
وباتت الأوضاع في السجن مؤخراً مضطربة وخصوصاً بعد أحداث 10 مارس 2015 حين وقعت اشتباكات أمنية بين السجناء والحراس إثر احتجاج السجناء على سوء المعاملة أثناء الزيارات وهو الذي أدى لاحقاً إلى تطور الأحداث ودخول قوات مكافحة الشغب إلى السجن للسيطرة على الوضع. وبعد ذلك زاد التضييق والانتهاكات ضد السجناء حيث تم إجبارهم على النوم في خيم في الساحة الخارجية للسجن في فصل الشتاء وسكب المياه الباردة عليهم دون اعتبار لمشاركة السجين في الاحتجاجات من عدمها.
يبلغ عدد السجناء في سجن جو أكثر من 2460 نزيلاً حسب الإحصائيات الرسمية الأخيرة (يقدر نصفهم سجناء سياسيون) وهو ما يفوق الطاقة الاستيعابية للسجن بأكثر من 300 سجين.
سجن سمائل – سمائل، سلطنة عمان
حين افتتح سجن سمائل سنة 2005 (يبعد 50 كيلومتراً عن العاصمة مسقط) ليحل محل سجن الرميس القديم، روّج له في الإعلام الخليجي والدولي أنه بمثابة “فندق خمس نجوم” وتم استعراض صور لزنازين جديدة مهيأة بأحدث مستلزمات الحياة العصرية، إلا أن ذلك فقط جزء من الرواية.
لا يأخذ القانون مجراه الصحيح في بعض الأحيان حيث يعاني السجين السياسي المحتجز في سجون جهاز الأمن الداخلي السرية، قبل نقله إلى مكان الاحتجاز القانوني، من الاعتداء الجسدي واللفظي، والإخضاع لدرجات حرارة عالية والموسيقى الصاخبة لفترات طويلة أثناء التحقيق، وتغطية الرأس، والحرمان من النوم، ويقدم له المواد الغذائية المخلوطة مع الديدان، ويوضع في الحبس الانفرادي لفترات تصل إلى عدة أشهر، إذ تحصل جميع هذه الانتهاكات خارج مرأى الأجهزة القضائية والرقابية.
وبالنسبة إلى سجن سمائل نفسه تشير شهادات سجناء سابقين والتقارير الحقوقية إلى إهمال إداري واضح سمح لانتشار المخدرات وحتى صناعتها داخل السجن، كما تقوم إدارة السجن بوضع المرضى النفسيين بزنازين انفرادية لمدة 24 ساعة.
دخل سجن سمائل عدد كبير من قيادات الحركة الاحتجاجية في 2011 والنشطاء في مجال حقوق الإنسان، بالإضافة إلى صحفيي جريدة الزمن التي أغلقت بقرار من وزارة الإعلام ثم تبع هذا القرار حكم المحكمة العليا بإغلاق الصحيفة نهائيا.
السجن المركزي–الكويت، دولة الكويت
يعتبر السجن المركزي بالكويت من أقدم سجونها وأكبرها، ويقع تحت إدارة الإدارة العامة للمؤسسات الإصلاحية بوزارة الداخلية، يحوي على 2900 سجين وسجينة متهمين ومحكومين تحت مختلف القضايا الجنائية والسياسية.
وكما هو الحال في باقي سجون دول مجلس التعاون ، سجناء الكويت، وخصوصاً المتهمين بقضايا أمن الدولة والمعتقلين السياسيين، يعانون من التعذيب البدني والنفسي وسوء المعاملة بغرض انتزاع الاعترافات وقد أدت هذه الممارسات في بعض الأحيان إلى فقدان الوعي وحتى الموت. ومن الممارسات الأخرى الحاطة بالكرامة الإنسانية حلق الوجه والشارب ونشر الصور الشخصية بطرق مهينة، والإجبار على القيام بتمارين رياضية قاسية، وتعليق اليدين والإخضاع لدرجات حرارة باردة، وتهديد المعتقلين بتعذيب أسرهم أمام أعينهم وفصلهم من أعمالهم.
وحسب ما ورد في تقرير لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان البرلمانية توجد مشاكل كبيرة في السجن منها انتشار تجارة المخدرات وسوء النظافة وسلامة المواد الغذائية ونزع الحراس أسماءهم عن الزي العسكري مما يسهل استغلال السجين وإهانته، بالإضافة إلى تكدس السجناء بأعداد كبيرة في زنازين ضيقة مما يجبر بعضهم على النوم في الممرات، وتفريقهم من قبل الإدارة بشكل عنصري حسب الأصول والأسماء، ومنعهم من أداء صلاة الفجر في جماعة. بالإضافة إلى ذلك، أشارت التقارير إلى تطور اضطرابات نفسية في بعض السجناء بسبب استخدام سياسة الحبس الانفرادي.