الحديث عن شيعة العرب مسألة حساسة لا يفضل المسلمون مناقشتها، ويرى الكثير من السنة وحتى الشيعة أنفسهم أنه من الأفضل تجاهلها، لأنها تثير تساؤلات مثيرة للقلق حول التاريخ والهوية العربية، ومن الواضح أن الشيعة يمثلون أزمة لم تحل في الأنظمة السياسية العربية والإسلامية، وبالتالي يمكن أن تسبب تأثيرًا عميقًا في طبيعة التكوين المجتمعي في العالم العربي، حيث لا يزال بعض الشيعة العرب يعانون من سياسية التمييز الطائفي.
وتعد الطائفة الشيعية من أكبر الطوائف الإسلامية بعد الأغلبية السنية، ويمثلون أكثرية في بلدان عديدة من العالم وأقليات في دول أخرى، ويتواجدون بكثرة في قارة آسيا وأماكن أخرى في أنحاء المعمورة، إلا أن التواجد الأكبر لهم في إيران وباكستان والهند، وعربيًا ينتشرون في العراق واليمن ولبنان، وتتواجد نسب قليلة منهم في دول الخليج العربي ومصر.
وتتنوع مذاهب الشيعة ويعد المذهب الاثنا عشري أو ما يطلق عليه (الجعفري)، أكثر المذاهب التي ينتمي إليه الشيعة، كذلك هناك الزيدية والإسماعيلية، وكان للشيعة مساهمات في التاريخ الإسلامي لعقود، من أبرزها حقبة الدولة الفاطمية.
لا توجد إحصائية دقيقة ترصد عدد الشيعة في الوطن العربي، إلا أن أعدادهم وفقًا لأرقام تقديرية تتراوح ما بين 40 إلى 50 مليون نسمة أي بنسبة 15 % تقريبًا من إجمالي سكان العالم العربي، بصورة تجعلهم أقلية بين الغالبية السنية، لكن يعاني معظم أفراد المذهب الشيعي من عقدة الاضطهاد في البلدان التي يعيشون فيها، ويعتبرون أنهم من المهمشين سياسيًا ويشتكون من القمع الديني، لا سيما في البلدان التي يشكلون فيها أقلية مذهبية.
وفي السطور التالية تلقي‘‘مواطن‘‘ الضوء على التواجد الشيعي في بعض الدول العربية وتحديدًا في الخليج العربي ومصر، للاطلاع على أبرز الأزمات التي يعانون منها، وهل تمارس السلطات في هذه الدول انتهاكات بحق تلك الأقليات المذهبية أم أنهم يتمتعون بكافة حقوقهم الدينية والدستورية.
الشيعة في السعودية.. إقصاء متعمد
تتهم بعض مراكز حقوق الإنسان في الغرب كمنظمة ‘‘هيومن رايتس ووتش‘‘ المختصة بحقوق الإنسان في العالم بعض دول الخليج العربي بممارسة الانتهاكات تجاه الأقليات ومن بينها الشيعة، ويعود ذلك لعدة أسباب أهمها على الإطلاق عداء تلك الدول الصريح لإيران التي تستغل هذه الأقليات من أجل زعزعة الاستقرار السياسي الداخلي لهذه الدول، باعتبار أن مرجعية الشيعة في العالم تعود لنظام الملالي في إيران.
وتطالب الأقلية الشيعية في السعودية المتركزة في المنطقة الشرقية وتحديدًا في محافظتي القطيف والدمام، بمزيد من الإصلاحات السياسية والاجتماعية، بصورة متساوية لما يتمع به الأغلبية السنية بالمملكة، حيث إنهم يعانون -وفقًا لتقارير صدرت عن منظمات دولية وعربية- من سياسة الحكومة التي تفتقد لحرية التعبير والمعتقد، بالإضافة إلى بعض القيود المفروضة على التظاهر السلمي والإنترنت، ويعود ذلك كما ذكرنا لحالة العداء الشديدة بين المملكة السعودية وإيران التي وصلت لحد الحروب بالوكالة، خاصةً تلك التي تشنها طهران.
وقد أصدرت ‘‘رايتس ووتش‘‘، تقريرًا يشير إلى معاناة تصل إلى الاضطهاد للطائفة الشيعية في الحياة العامة سواءً في المساجد أو المؤسسات التعليمية والعامة بل ويصل للاعتقال في بعض الأحيان، وبحسب التقرير فإن هذا التمييز الممارس ضد الشيعة يتطرق إلى الإقصاء من بعض الوظائف العامة في البلاد، كذلك رأى بعضهم أن إعدام رجل الدين الشيعي، نمر النمر، بتهم تتعلق بالإرهاب كان بمثابة ضربة موجهة ضد المذهب الشيعي في المملكة العربية السعودية.
وفي سياق آخر، يرفض البعض هذه الاتهامات الموجهة إلى المملكة بشأن الشيعة، وهو ما عبر عنه الكاتب الصحفي السعودي جاسر عبد العزيز الجاسر، إذ أعرب عن استغرابه من تلك التهم، ورأى أن الواقع على الأرض يدحض تلك المزاعم، مضيفًا أن معتنقي المذهب الاثنا عشري يلتحقون بمناصب حكومية رفيعة في البلاد، واتهم الذين يلصقون تلك التهم إلى المملكة بتبني أجندات خارجية.
شيعة عمان.. حقوق ومزايا
ينقسم أبناء المذهب الشيعي في سلطنة عمان إلى ثلاث طوائف، هي: اللوانية أو الخوجية والبحرانيون والعجم، وبالرغم من أنهم يشكلون أقلية داخل السلطنة إلا أنهم يتمتعون بنفوذ سياسي يسمح لهم بتولي بعض الحقائب الوزارية، ونفوذ اقتصادي تمثل في امتلاكهم مشروعات اقتصادية ضخمة، بل ويسهمون في تنفيذ المشروعات القومية في البلاد.
ولعل ذلك يعود إلى العلاقات القوية والاستراتيجية بين عمان وإيران، وهو ما ظهر سابقًا في تمثيل السلطنة للمصالح الإيرانية في بريطانيا بعد إغلاق السفارة الإيرانية في لندن عام 2011، وكذلك وساطة عمان عام 2011 من أجل الإفراج عن أمريكيين اعتقلا في إيران لعامين بتهمة التجسس، فضلاً عن العلاقات الاقتصادية ومذكرات التفاهم الموقعة بين البلدين في مجالات عدة، وهو ما جعل بعضهم يتهم عمان بأنها باتت تغرد خارج السرب العربي عامة والخليجي خاصة.
كذلك يتمتع شيعة عمان بالحرية في ممارسة الشعائر الدينية، ولهم العديد من المساجد والحسينيات الخاصة بهم، واستطاعوا أن يندمجوا بصورة إيجابية مع الشعب العماني كونه شعبا متسامحا بطبعه لاسيما على المستوى الديني والمذهبي.
شيعة البحرين.. أغلبية وهمية
في البحرين يختلف الأمر قليلاً، حيث إن الشيعة يمثلون غالبية سكانية، وبالرغم من ذلك فهم يعتبرون أقلية على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، حيث يفتقدون التمثيل المناسب في السلطات الحاكمة أو الهيئات والمؤسسات الحكومية، وفي بعض الأحيان يُمارس ضدهم تمييز واضح بصورة تجعلهم يشعرون باضطهاد ممنهج وباستهداف مقصود.
ويشير تقرير صادر عن منظمة سلام الحقوقية البحرينية لرصد ما يجري في البحرين من تمييز ضد الشيعة من قبل السلطة الحاكمة، أن السلطات البحرينية لا تقدم أرقامًا وإحصائيات عن التعداد السكاني، ويعتقد أن السبب في ذلك يعود إلى مشروع التجنيس السياسي الذي باتت ملامحه واضحة، وأيضًا ما يثار عن محاولة التلاعب بالدوائر الانتخابية والكتلة الانتخابية المتصلة بكل دائرة، لذلك فإن الأرقام الرسمية غير متوفرة.
ووفقًا للتقرير، فإن نسبة تمثيل الشيعة في السلطة التنفيذية في مملكة البحرين لا تتجاوز 15 % والسلطة القضائية 12 %، وتقل في المؤسسات الحكومية لتصل إلى 10 %، أما الحرس الملكي والديوان الملكي فوفقًا للتقرير لا يتجاوز نسبتهم 1 %.
والتمييز الصارخ الذي يعاني منه شيعة البحرين يتمثل في عدم تواجدهم في مؤسسات الجيش والشرطة والحرس الوطني، ما يجعلهم يشعرون باضطهاد يولد لديهم مشاعر الحقد والكراهية تجاه السلطات البحرينية، ويجعلهم يشعرون بتفرقة بينهم وبين أهل السنة.
الشيعة في الكويت.. نشاط بارز
وعلى العكس من البحرين يشكل شيعة الكويت أقلية سكانية بنسبة 20 % من إجمالي السكان، إلا أنهم يحظون بنشاط اقتصادي وسياسي من قبل النظام الحاكم في الكويت، وتمثل ذلك في تواجدهم بصورة جيدة في مؤسسات الجيش والشرطة والحكومة، وفوزهم بنسب معقولة من مقاعد مجلس الأمة الكويتي، كذلك فيسمح لهم بممارسة الشعائر الدينية بحرية.
ورغم ما سبق إلا أنهم يشتكون من بعض الأمور مثل صعوبة الحصول على تصاريح لبناء المساجد، ويطالبون كذلك بجعل يوم عاشوراء، إجازة رسمية، والمطالبة بإدخال المذهب الاثنا عشري في المدارس وكليات الشريعة للسنة والشيعة على السواء، وتغيير نوعي لبعض المناهج الدراسية التي تشير بصورة سلبية عن الشيعة، وتتواجد الغالبية الشيعية في دولة الكويت بالعاصمة والمناطق المجاورة لها، مثل الرميثية والشرق والدسمة ودسمان والقادسية والجابرية وحولي.
الأقلية الشيعية في مصر
وبعيدًا عن دول الخليج العربي فإن الشيعة المتواجدين في مصر يعانون من العديد من الانتهاكات التي تمارس ضدهم، حيث رصد تقرير صادر عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية 70 واقعة تتعلق بانتهاكات ضد الشيعة في مصر خلال الفترة منذ عام 2011 حتى عام 2016.
وتمثلت تلك الانتهاكات بالحق في الحياة والسلامة الجسدية والخصوصية واتخاذ دور للعبادة وممارسة الشعائر الدينية وعدم التمييز والمحاكمة العادلة وحرية التعبير والاعتقاد، وتتيح بعض مواد الدستور المصري محاكمة الشيعة أو غيرهم حتى من المذاهب أو المعتقدات الأخرى، تحت تهمة ازدراء الأديان.
الشيعة والأمن القومي العربي
رغم ما يعانيه بعض الشيعة من اضطهاد، لكنهم يُتهمون بإثارة الفتن والأزمات والنعرات السياسية، ويتهمهم بعضهم بتنفيذ أجندة إيران في المنطقة العربية عبر أذرعها من الطائفة الشيعية في المنطقة مثل حزب الله في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن، والأحزاب الشيعية في العراق وغيرها.
وهو ما صرح به الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، عندما قال إن ميليشيات الحوثي تتلقى الدعم المالي والعسكري من إيران، وأن إيران عملت على دعم جماعات متطرفة لنشر الفوضى.
وكذلك أشارت “نيويورك تايمز”، إلى أن حزب الله بات أحد أهم أدوات إيران -الراعي الأول له- فى سعيها الحثيث إلى السيادة بالشرق الأوسط، وأضافت أن حزب الله، منخرط فى كل قتال تقريبا يهم إيران، والأهم أنه ساعد في تجنيد وتدريب وتسليح طيف من المليشيات المسلحة الجديدة التى تخدم أيضا أجندة إيران فى المنطقة.