دخل الاحتلال الإسرائيلي مرحلة جديدة في الصراع مع الفلسطينيين -أصحاب الحق والأرض- تجاوزت هذه المرة الخلافات السياسية القائمة كافة، ووصلت لباب القومية والعنصرية التي باتت تستهدف وجودهم وحياتهم على أرضهم المحتلة.
حيث تواصل دولة الاحتلال عجرفتها المعهودة وعنصريتها -التي لا مثيل لها- من خلال سن قوانين تفتك بحقوق الشعب الفلسطيني وتعمل على سرقة المزيد من أرضيه وتهويدها، والتي كان آخرها قانون القومية العنصري الذي تمت المصادقة عليه في البرلمان الإسرائيلي “الكنيست” بالقراءتين التمهدية والأولى.
فقد صادق الكنيست الصهيوني في أول مايو بالقراءتين التمهدية والأولى على ما يسمى قانون (القومية) وهو يعرف بقانون أساس (إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي)، حيث صوت لجانب القانون 64 نائب صهيوني مقابل معارضة 50 بانتظار القراءة الأخيرة والإقرار النهائي؛ وبموجب هذا القانون فإن أرض فلسطين ستكون دولة يهودية خالصة مع مواصلة العمل على إنهاء وجود الفلسطينيين على أرضهم وتحويل كافة القوانين والتشريعات إلى (اليهودية) بدلًا عن القوانين التي يعمل بها الاحتلال الإسرائيلي حاليًا.
وبموجب صيغة مشروع القانون الجديدة، سيتم جعل المحكمة العليا تفضل الطابع اليهودي للدولة على القيم الديمقراطية عندما يحصل تناقض بينهما، بيد أن كلمة ديمقراطية لا تظهر حاليًّا في مشروع القانون الذي سيدخل عليها تعديلات قبل التصويت عليها بالقراءة الثانية.
ويتضمن مشروع القانون بندًا يسمح بإقامة بلدات لليهود فقط، ومنع غير اليهود من السكن فيها، كما يعطي القانون الجديد مكانة عليا للغة العبرية، بداعي أنها “لغة الدولة”، أما اللغة العربية فسيكون لها “مكانة خاصة” ولمتحدثي هذه اللغة حق تحدثها في المؤسسات الخدماتية في دولة الاحتلال.
كان الكنيست الإسرائيلي، قد أقر بالقراءة التمهيدية في مايو 2017، مشروع «قانون القومية»، الذي يعتبر «إسرائيل الوطن القومي لليهود والقدس عاصمة إسرائيل»، والذي يعده الفلسطينيون طمسًا للهوية الفلسطينية في الأراضي المحتلة.
وينتشر اعتقاد خاطئ في وسائل الإعلام من حيث مقارنة هذا القانون بقانون يهودية إسرائيل. فهناك منذ عشرات السنيين قانون أساسي يسمي إسرائيل “دولة يهودية وديمقراطية”. لكن مشروع القانون الجديد في حال تم سنه في الكنيست سيقدم إسرائيل كـ”دولة قومية للشعب اليهودي” بدلًا من “دولة يهودية وديمقراطية”، وهذا انتهاك لحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه. كما تنص مسودة مشروع القانون هذا على أن تقرير المصير في فلسطين التاريخية هو حق لليهود فقط. وهو تلاعب بمصير فلسطين.
مزاعم إسرائيلية
وشدد عضو الكنيست الصهيوني (آفي ديخير) رئيس جهاز الشاباك الأسبق، ومقدم القانون، على أن الكيان يجب أن يكون دولة قومية لليهود، زاعمًا أن هذا القانون هو شهادة التأمين للأجيال القادم في الكيان، وذلك لأن الفلسطينيين يعتبرون بحسب “ديختر” أقلية في هذه الدولة، حسبما ذكرت «القناة السابعة» الإسرائيلية.
ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» زعم وزير السياحة في الكيان ياريف ليفين أن “قانون القومية يعبر بطريقة راقية عن رؤية مؤسس الكيان (هرتسل) بأن دولة إسرائيل أولًا وقبل كل شيء، تعد الدولة القومية للشعب اليهودي”.
وزعمت وزيرة القضاء «أييلت شاقيد» أن القانون يعد فرصة تاريخية، ووصفه عضو الكنيست «أمير أوحانا» (عن حزب هاليكود) بأنه يحافظ على حقوق الأقلية، لكنه يقرر بوضوح أن الحقوق القومية هي لليهود وحدهم، وفقًا لصحيفة “هآرتس”.
انتقادات داخلية وإسرائيلية للقانون
وحاولت مجلة «مواطن» الوقوف على رأي المسؤولين والمحللين داخل إسرائيل وخارجها، بعدما لقي قانون القومية اليهودية اعتراضًا شديدًا، فالرئيس الإسرائيلي «رؤفين ريفلين» عارضه قائلًا: “لا أفهم ما الفائدة منه”.
كما وجد القانون معارضة شديدة من جانب الرئيس الإسرائيلي السابق «شيمون بيريز»، وقاضي المحكمة العليا «سليم جبران» الذي أكد أن المواطنين العرب يعانون من التمييز العنصري، كذلك المستشار القانوني للحكومة، ووزير العدل الليكودي السابق “دان مريدور”، حسبما نقلت وكالة الأنباء الفلسطينية عن وسائل إعلام إسرائيلية.
وانتقد عضو الكنيست بني بيجن بشكل حاد الصياغة التي طُرحت للتصويت، قائلًا إن «هذا الاقتراح خاطئ». وانتقد الشرط الذي يسمح بـ«تأسيس مستوطنات لأفراد من دين واحد أو جنسية واحدة»، مشيرًا إلى أنه قبل سبع سنوات، وبدعم من حزب «ليكود»، أقر الكنيست قانونًا يمنع لجان القبول من رفض قبول مرشح لأسباب وطنية، إضافة إلى سلسلة قيود إضافية وفق ما ذكرته «القناة الإسرائيلية السابعة».
وبحسب موقع «سيحاه مقوميت الإسرائيلي» اعتبر «يتسحاق هرتسوج» زعيم المعارضة بالكنيست وعضو تكتل «المعسكر الصهيوني» أن اليمين الحكومي يصر على إشعال النار التي ستحرق إسرائيل بتقديمه هذا القانون، وهاجمت «تسيبي ليفني» هي الأخرى مشروع القانون، معتبرة إياه خرقًا لمبادئ حزب الليكود نفسه، وهو الحزب التي كانت تنتمي له في السابق.
ويعتقد “إسحق هرتسوج”، رئيس حزب المعسكر الصهيوني، “أن القانون محاولة لتعميق الشرخ والتوتر والتمييز بين المواطنين”.
ويرى “آدم كلير”، المتحدث باسم كتلة “السلام الآن”: “أن البنود المتعلقة بيهودية الدولة و”الوطن القومي للشعب اليهودي” مدونة في “وثيقة الاستقلال” و”قانون العودة”، ولا مبرر لقانون جديد من شأنه أن يسهم في تعزيز الخوف والكراهية والعنصرية في إسرائيل”.
واعتبر أن القانون سيؤجج أيضًا الصراع الداخلي بين اليهود حيال فرض التعاليم الدينية اليهودية على نظام الحكم، ويأتي طرحه بهذه الصيغة والتوقيت لدوافع، حسبما نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلي.
وفي خطابه في الهيئة العامة للكنيست باسم القائمة المشتركة، هاجم النائب الدكتور يوسف جبارين بشدة قانون القومية، وقام بشكل احتجاجي بتمزيق أوراق القانون على منبر الكنيست قائلًا إن هذا القانون هو من أخطر القوانين التي تعمل هذه الحكومة على تشريعها، وأن القانون يعمّق الفوقية اليهودية في القانون والممارسة على حساب أصحاب البلاد الأصليين، ولذلك فهو يكّرس الأبرتهايد.
وقال جبارين موجهًا حديثه الى أعضاء الائتلاف الحكومي: «كيف يمكننا كأصحاب البلاد القبول بقوانين تنظر إلينا كمواطنين من درجة ثانية ودرجة ثالثة في وطننا؟ نحن لم نهاجر إلى البلاد بل نحن أصحابها الأصليون ولن نقبل بهذا التمييز العنصري ونرفض هذا المس الخطير بحقوقنا وبمكانتنا وسنواصل التصدي لهذا القانون وغيره من التشريعات العنصرية»، بحسب «موقع عرب 48».
وانتقد النائب أحمد الطيبي، قائلًا: «نحن اليوم أمام هذه الحكومة الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل نواجه غول العنصرية وسيل التشريعات والقوانين التي لا تنقطع وآخرها قانون القومية. مؤكدًا أنها قمة العنصرية التي بدأت في النكبة عام 1948 وما زالت في أوجه وأشكال أخرى حتى اليوم.
وأضاف الطيبي: لا يمكننا إطلاقًا أن نقبل بيهودية الدولة التي تلغي كيان وحقوق خمس السكان من غير اليهود وخاصة أننا سكان حقيقيون لم نهاجر إلى هذا الوطن بل ولدنا فيه.. لم نأتِ إلى هنا لا بسفينة ولا بطائرة ونطرح مبدأ الديمقراطية كقيمة أساس ونطورها وننتقدها، نصبو إليها لأنها غائبة في معناها الحقيقي.. وقيمتها الأساس: المساواة»، وفق وكالة الأنباء الفلسطينية «وفا».
بينما وصف جمال زحالقة رئيس الكتلة البرلمانية للقائمة المشتركة في “الكنيست” مشروع “قانون القومية” بأنه أخطر القوانين العنصرية التي طرحت في الكنيست منذ عشرات السنين، حيث ينص القانون على أنه فوق كل القوانين وهي تخضع له ولمضمونه بالكامل.
وأضاف زحالقة: “لن نخضع لهذه العنصرية ولن نتكيّف مع نظامها، وإذا كان النظام القائم عاجزًا عن توفير مواطنة متساوية للجميع فيجب تفكيكه من أساسه وإقامة نظام دولة لكل المواطنين”، مضيفًا: “لسنا أمام عنصرية فقط بل تحديدًا عنصرية استعمارية، والقانون المقترح يؤكد ذلك من خلال بند يتيح إقامة مستوطنات لمجموعات من دين واحد أو قومية واحدة، والهدف واضح وهو فصل عنصري بالقانون”.
من جهتها, قالت النائب العربية حنين زعبي إن مشروع القانون يثبت اعتراف الكنيست نفسه بأنه لا إمكانية واقعية لدولة يهودية وديمقراطية في نفس الوقت، مضيفة إن على الاحتلال أن يختار، وقد اختار طوال السبعين عامًا أن تكون دولة يهودية وليس ديمقراطية، حسبما نقلت وكالة «الأناضول».
وفي بيان صادر عن “أكرم حسون”، العضو بالكنيست عن حزب “كلنا” الإسرائيلي” نقلته صحيفة القدس العربي، قال «قانون القومية يجعل من المواطنين غير اليهود غير متساوين بالحقوق، ويزيد ويعمق الثغرة بين اليهود والعرب، وكذلك الطائفة الدرزية التي ترى بنفسها أول المتضررين من هذا القانون العنصري، كونها تقوم بواجباتها وهي قسم من حلف الدم وحلف الحياة».
وأضاف “حسون”: “هذا القانون صفعة للطائفة الدرزية وكذلك المواطنين العرب الذين هم مواطنين ولهم حقوق في إسرائيل”، مؤكدًا أنه “سيعمل كل ما بوسعه للتصدي لهذا القانون بشتى الوسائل!”.
وتسعى لجنة خاصة مناقشات مستفيضة في محاولة للتوصل إلى اتفاقات وتسويات حول بعض البنود محل الجدل بالقانون قبل عرضه على الكنيست للتصديق النهائي عليه بالقراءتين الثانية والثالثة ليصبح بعدها نافذًا.
ولكن وفقًا للتفاهمات والاتفاق بين الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي، فإن الصياغة التي تمت الموافقة عليها، ستوضع جانبًا ولن يتم ترشيحها على الأرجح لقراءات ثانية وثالثة في الكنيست، بسبب معارضة كتلة «كولانو» التي يرأسها وزير المال موشيه كحلون، وكتلة «إسرائيل بيتنا» التي يرأسها وزير الدفاع أفيجدور ليبرمان، والأحزاب الحريدية (اليهود المتدينون).
انتقادات دولية وعالمية
فضلًا عن ذلك، تعرض القانون لانتقادات على المستوى الدولي وخاصةً من الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد أن قام وفد لجنة العلاقات الدولية في القائمة المشتركة بعرض مخاطر القانون أمام المسؤولين الأوروبيين.
وفي تعقيبها على القانون الإسرائيلي العنصري قالت منظمة العفو الدولية في بيان: “قانون القومية يصادر مفهوم الدولة التي في صلبها ملك لجميع مواطنيها، ويحول الدولة إلى بيت قومي للشعب اليهودي فقط”.
وأضافت المنظمة الدولية “ليس جديدًا على “إسرائيل” سياسة الفصل العنصري ضد المواطنين غير اليهود بشكل عام والفلسطينيين مواطني “إسرائيل” بشكل خاص، الجديد في هذه الحالة هو تقنين وتشريع سياسة الفصل العنصري ضد الفلسطينيين في “إسرائيل” لتصل إلى التجمعات السكانية واللغة وهوية والمواطنة. في حين ترى صحيفة «نيويورك تايمز» أن هذا القانون يعتبر قانونًا عنصريًا له انعكاسات مشابهة لقوانين العبودية التي كانت سائدة في الولايات المتحدة.
الوزراء الفلسطيني يدين القانون
وأدان مجلس الوزراء الفلسطيني، في جلسته الأسبوعية في رام الله، مصادقة الكنيست بالقراءة الأولى على ما يسمى مشروع “قانون القومية” العنصري، مطالبًا كافة المؤسسات الدولية الإنسانية والحقوقية لسرعة التحرك، ووقف سياسة التجاهل والتخاذل تجاه جرائم الاحتلال الإسرائيلي، واتخاذ إجراءات رادعة وعقابية بحقه ومحاسبته ومساءلته على جرائمه وانتهاكاته المستمرة، وتحمل مسؤولياته تجاه سلسلة القوانين العنصرية الإسرائيلية التي تنتهك بشكل فاضح كل القيم الإنسانية وكافة المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية ومبادئ حقوق الإنسان.
ويعتبر القانون من أخطر القوانين العنصرية التي تشرعها دولة الاحتلال، وكأنه جاء ليلتف على مطلب الحكومة الإسرائيلية من الفلسطينيين، الاعتراف بيهودية الدولة، واختراع “قومية يهودية” غير مدرج في جميع أدبيات اليهود والحركة الصهيونية، فقد كانوا يعتبرون بأن الصهيونية هي حركة التحرر القومي للشعب اليهودي، لكن تغيير المواقف سمة سائدة في العقلية الإسرائيلية، فحكومات إسرائيل المتعاقبة، وخاصة في عهد “نتنياهو” استكلبت واستفحلت في تشريع مسلسل من القوانين العنصرية، وتسابق نواب الكنيست مع بعضهم البعض، بتقديم القوانين العنصرية، للحصول على شعبية الشارع الإسرائيلي المتطرف، فقد أصبح التطرف عنوانًا للتنافس على الشعبية، تمهيدًا للانتخابات، والوصول إلى نيابة الكنيست.
ويتناقض القانون مع المبادئ القائمة في صلب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 الصادر يوم 29 نوفمبر لعام 1947 بشأن تقسيم فلسطين الانتدابية إلى دولتين، فهو القرار الذي دعا إلى تبنّي “دستور ديمقراطي”، يضمن عدم “التمييز بين السكان بأي شكل من الأشكال، بسبب الأصل أو الدين أو اللغة أو الجنس”، وكذلك يضمن “لجميع الأشخاص الحق في الحماية القانونية المتساوية”، وبالتالي فليس هذا بقانون أساس، وإنما قانون فوق الأساس”.