في الرابع من يونيو 2018، كتب أوغان ماكغير مراسل صحيفة CNN البريطانية تقريراً عن مدينة الدقم والمخططات الاقتصادية الهائلة المفترض العمل بها بسبب ميزاتها الجغرافية، ومميزات عمان كدولة محايدة مسالمة مع جيرانها الأمر الذي يجعل منها ممراً آمناً للتجار البحريين الراغبين في الوصول لشبه الجزيرة العربية. وأوضح ماكغير أن هذه المشاريع الضخمة المقرر إنشاؤها في الدقم ستمثل تحولاً كبيراً في اقتصاد السلطنة بأكملها إن سارت حسب المخطط. حيث تأمل عمان في تنويع اقتصاد هذه المدينة الريفية عن طريق مشاريع ضخمة. تنشر مواطن التقرير مترجما إلى العربية:
ترجمة: الزهراء عزازي
كانت مدينة الدقم في وقت ما مدينة هادئة تقع على الساحل الشرقي الرئيسي لسلطنة عمان، إذ كانت البلدة التي تبعد 330 ميل تقريباً عن العاصمة الرئيسية مسقط، موطناً للصيادين وعائلاتهم لأجيال. لكن الأمور تتغير سريعاً.
يقول فيجاي هاندا، المدير العام لسلسلة فنادق سيتي هوتل دقم (فندق المدينة) ، وهو فندق من ثلاث سلاسل فندقية جديدة تستقبل أعداداً كبيرة من رجال الأعمال الوافدين للمدينة، “هذه البلدة نمت كثيراً…. خاصة في العام الماضي”. وأضاف هاندا: “ستشهد الأربع أو الخمس سنوات القادمة، توافد أعداد أكبر من الناس، مع تزايد البناء وبالتالي زيادة الفرص”.
خُصصت مدينة الدقم كموقع لمشروع يضم ميناء ضخم جديد، ومصفاة نفطية، ومدينة صناعية، والتي من المؤمل أن تساعد البلاد في الاعتماد على مصادر دخل أهم من عائدات النفط. يشمل المخطط الرئيسي لبلدة الدقم، والذي أُطلق عام 2011، عدة عناصر أساسية منها بناء مطار دولي جديد، ومنتجع سياحي، وميناء لصيد الأسماك، ومنطقة سكنية تتسع لـ 11 ألف شخص.
يصعب الحصول على إحصاءات سكانية للبلدة، لكن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات في عمان أفاد أن عدد سكان ولاية الدقم ذات الكثافة المنخفضة، والتي تضم المدينة، ازداد من 6000 نسمة في 2011 ليصل إلى أقل بقليل من 12000 نسمة في 2017.
ووفقاً لستيفن توماس، المدير التنفيذي لشركة إدارة المرافق العمانية رينيسانس سيرفيسز،- والتي افتتحت مؤخراً منشأة سكانية في مدينة الدقم قيمتها 197 مليون دولار ولها القدرة على استيعاب 16900 عامل- فإن الدقم ستصبح “مدينة عظيمة”. مضيفاً “يمكنك أن ترى الزخم قادماً بالفعل، كما يمكنك أن ترى مخطط تصميم تلك المدينة”.
تعمل شركة دايو لبناء السفن والهندسة البحرية، ومقرها كوريا الجنوبية، منذ عام 2012 على تشغيل رصيف جاف يمكن فيه إصلاح السفن والناقلات في الدقم. ويهدف التحالف الصيني “وانفانج عمان” لاستثمار 10.7 مليار دولار في منطقة قريبة خُصصت لتصبح منطقة صناعية، لتطوير سلسلة من المشاريع تشمل محطة للطاقة ومحطة لتصنيع السيارات. كما تم بدء العمل على بناء مصفاة نفطية بتمويل عماني كويتي مشترك في أبريل من هذا العام.
قال المتحدث الرسمي عن إدارة منطقة الدقم الاقتصادية الخاصة لـ CNN أن 230 شركة استثمرت بالفعل في مدينة الدقم منذ 2012 وبالتالي خُلقت الآلاف من فرص العمل الجديدة.
قم ببناء المدينة وسوف يأتون للدقم
لا تصنف عمان عادة على أنها واحدة من أبرز الدول العربية إنتاجاً للنفط، إذ تحتفظ بكميات متواضعة نسبياً من احتياطي النفط قدّرته وكالة النفط والطاقة الأمريكية بأنه يصل إلى 5.4 مليار برميل من النفط الخام تقريباً.
ورغم أن هذا الرقم يعد رقماً ضئيلاً جداً مقارنة بـ 266 مليار برميل في السعودية، و158 مليار برميل في إيران، إلا أن قطاع النفط العماني يمثل 46% من إجمالي ناتجها المحلي، وفقاً لكتاب حقائق العالم الخاص بوكالة المخابرات المركزية. وتهدف عمان إلى خفض هذه النسبة 9% من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2020.
تعد الصناعات التحويلية واللوجستية والسياحة من بين القطاعات الرئيسية التي حددتها عمان في مرحلة ما بعد النفط. إذ خُصص أكثر من 300،000 كيلو مربع (حوالي 11،500 ميل) من الأراضي المتاخمة للبلاد كمحميات طبيعية للحفاظ على الحياة البرية للمساعدة في جذب السياح الصديقين للبيئة.
تعتبر عمان أن جغرافيتها الطبيعية ميزة رئيسية لخططها في الدقم. إذ تسوق الدقم نفسها كموقع مناسب لطرق الملاحة الرئيسية التي تربط الاقتصادات النامية في الهند، وشرق أفريقيا، وغيرها.
ويرى المخططون الدقم، بسبب متاخمة السعودية والإمارات العربية المتحدة لحدود عمان الغربية، على أنها نقطة دخول وخروج بديلة للمنطقة إذا تعرضت الطرق في مضيق هرمز للخطر.
إذ شهد هذا المضيق المائي الضيق الموجود عند مصب الخليج العربي – والذي يمر من خلاله 18.5% من إمدادات النفط الخام العالمية بحسب إدارة معلومات الطاقة- سلسلة من الحوادث المتوترة بين الولايات المتحدة والبحرية الإيرانية في السنوات الأخيرة. وبالتالي فإن أي تصعيد للتوترات بين إيران وخصومها الإقليميين السعودية وإسرائيل يمكن أن يؤثر على التجارة.
دبي جديدة؟
رغم هذه المميزات الجغرافية إلا أن الدقم قد تستغرق وقتاً قبل أن تصل إلى ما تعتبره السلطات العمانية طاقتها الكاملة، نظراً إلى الحجم الهائل للمشاريع المخطط لها. إذ من المتوقع أن تبدأ المرحلة الثانية من تطوير الميناء، والتي من المقرر أن تشتمل على المزيد من محطات الحاويات، في العمل بين عامي 2025 و2030.
تبقى هناك أيضاً العديد من التحديات
أُجلت الخطط الأولية لبناء خط سكة حديدية يربط بين الدقم والسعودية والإمارات بسبب انهيار أسعار النفط في 2014. ولأن عمان تعتبر الأقل في الثروة النفطية بين جيرانها فإن معظم التمويل المادي لمشروع الدقم الهائل يجب أن يأتي أيضاً عن طريق إيجاد المستثمرين الدوليين، وجذبهم لا يبدو أنه يمثل أي مشكلة حتى الآن.
يقول جورجيو كافيرو، المدير التنفيذي ومؤسس شركة Gulf State Analytics للاستشارات ومقرها واشنطن العاصمة، إنه يجب على سلطنة عمان أن تهتم أيضًا بشحذ “المهارات التقنية” للصناعات المتخصصة التي ستستضيفها الدقم. وهذا سيتطلب المزيد من الاستثمارات في التعليم والتدريب للعديد من العمانيين. ويضيف كافييرو أن سمعة عمان كدولة مستقرة، ومسالمة تُبقي على علاقات جيدة مع جيرانها يجعل منها نقطة دخول (جذابة لشبه الجزيرة العربية) بالنسبة للتجار البحريين.
وبالنسبة لتوماس، الذي اشترت شركته رينيسانس سيرفيسز بالفعل أراضيَ إضافية ليبقى لديها خيار توسيع تواجدها في الدقم، فإن إمكانيات الدقم تبقى غير محدودة. إذ يتوقع أنها ستكون “تحولاً لعمان” وشيئًا سيمكّن البلاد من “التنافس على الخدمات اللوجيستية على نطاق عالمي”.
وعندما سُئل عما إذا كان يتوقع أن تنافس الدقم لتصبح شبيهة بـ دبي ، التي يوجد بها ميناء جبل علي التجاري الضخم والتي تحولت إلى مدينة ضخمة جداً على مدى الأربعين سنة الماضية، فإن توماس لا يستبعد الفكرة.
إذ قال: ” لن يحدث ذلك أثناء وجودي، لكنني أحب حقيقة أن هذا هو ما يطمحون له (بناء مدينة عظيمة). لم لا نطمح للمعالي ونحاول أن نحقق أمراً عظيماً؟”.