حرب إلكترونية هنا وأخرى إعلامية هناك، اتهامات سياسية تارة وخروقات جوية تارة أخرى، شهدتها دول الخليج العربي طوال عام كامل مضى، منذ اندلاع الأزمة الخليجية بين قطر من جهة والسعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة أخرى، فشلت معها كل الوساطات لإيجاد مخرج لها، في ظل تعنت كل طرف، لتكتب سطور مسلسل فشل عربي جديد في حل الخلافات العربية – العربية.
عام تحولت فيه منصات التواصل الاجتماعي إلى ساحات للهجوم والتصريحات النارية التي يسعى فيها كل طرف لإحراج الآخر وإضعاف موقفه أمام الرأي العام العربي والعالمي أيضا.
مجلة “مواطن” تلقي الضوء على الأزمة الخليجية بعد مرور عام، وكيف أثرت في دولة قطر، وما هي السيناريوهات المتوقعة لها.
بداية الأزمة
بدأت فصول الأزمة في مايو من عام 2017 إثر تسريب تصريحات منسوبة لأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عبر الوكالة الرسمية للبلاد، يشيد فيها بأهمية إيران وثقلها الإقليمي والإسلامي، إلا أن قطر نفت عبر الجهات الرسمية الممثلة في وزارة الخارجية هذه التصريحات جملة وتفصيلا وادعت أن موقع وكالة أنبائها تعرض للاختراق.
وبعد ظهر يوم الخامس من يونيو أعلنت السعودية والإمارات والبحرين ومعهما مصر قطع علاقتهم الدبلوماسية مع قطر بعد اتهامها بدعم الإرهاب، وأغلقت المنافذ البرية والبحرية والجوية معها، وانسحب قطر من التحالف العربي في اليمن، وبدأ مسلسل العقوبات والاتهامات المتبادلة، وفرضت الدول الأربع على قطر لائحة من 13 مطلبًا أبرزها: إغلاق قناة الجزيرة، وإنهاء وجود قاعدة عسكرية تركية، وقطع العلاقات مع حركة الإخوان المسلمين، وتقليص الروابط مع إيران، وأُمهِلت قطر عشرة أيام للرد على قائمة المطالب، لتبدأ من ذلك الوقت الشرارة الأولى للأزمة الخليجية وعلى إثرها انطلقت المعارك السياسية والدبلوماسية والإعلامية، التي لم تهدأ برغم محاولات التهدئة والوساطات العربية والدولية.
فعلى سبيل المثال أعلنت السعودية تدشين مشروع قناة سلوى في محاولة منها لعزل قطر، كذلك فقد طالبت مصر قطر بمبلغ 100 مليار دولار كتعويض عن الأضرار التي لحقت بها نتيجة تمويل الدوحة للإرهاب على حسب تعبير القاهرة، في حين ردت قطر بفرض حظر على استيراد المنتجات الغذائية والبضائع من الدول الأربع المقاطعة لها.
وعلى صعيد الاختراقات الجوية تبادلت الإمارات وقطر الاتهامات حول الخروقات الجوية حيث اتهمت الإمارات الدوحة باعتراض مقاتلات قطرية لطائرة ركاب مدنية إماراتية أثناء توجهها إلى البحرين، وهو ما نفته الدوحة، وجاء ذلك في أعقاب شكوى تقدمت بها قطر في مجلس الأمن ضد ما قالت إنه اختراق طائرات عسكرية إماراتية لمجالها الجوي.
في واقع الأمر توتر العلاقات بين قطر والدول الخليجية له خلفيات سابقة تعود إلى العام 2011 مع اندلاع ثورات الربيع العربي التي ساندتها قطر، ووقفت منها دول الخليج في الجهة المقابلة، وزاد التوتر حتى شهر مارس عام 2014، حيث استدعت السعودية والإمارات والبحرين سفراءها لدى الدوحة، بحجة تدخل قطر في شؤونها الداخلية واستضافة الدوحة لشخصيات تعتبرها الدول الثلاث إرهابية.
وساطة كويتية
ومع تفاقم الأزمة بين الأشقاء غاب دور الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي عن الساحة العربية، وبدا موقفهمها سلبيا وكأنهما غير معنيين بالمسألة، لعبت الكويت دور الوساطة بين الطرفين وبذلت جهودًا حثيثة لرأب الصدع الخليجي ولكنها لم تثمر عن أي تقدم حتى اللحظة.
وبالرغم من التباين الملحوظ في وجهات النظر بين أطراف الأزمة وتصاعدها بوتيرة سريعة، تواصل الكويت محاولة التوصل لطرف خيط يمكنها من خلاله إنهاء القطيعة واللجوء إلى الحوار كسبيل وحيد لحل الخلافات السياسية، التي من الواضح أنها ستكون عميقة وبعيدة المدى.
وقام أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح بدور بارز في الأزمة حيث أجرى عدة زيارات عقب اندلاع الأزمة، كان من بينها الرياض والدوحة وأبوظبي والمنامة، في محاولة لتقريب وجهات النظر، من أجل احتواء الأزمة ومحاولة إقناع الطرفين بإتاحة الفرصة للحلول الدبلوماسية عبر الحوار، وهو ما دعا إليه أمير الكويت في افتتاح القمة الخليجية الـ38 التي استضافتها بلاده، في ديسمبر الماضي، إلى إيجاد آلية لفض المنازعات في مجلس التعاون الخليجي.
وقد لعبت الولايات المتحدة دورًا في الأزمة الخليجية على استحياء، حيث توجهت الوفود الأمريكية رفيعة المستوى تحاول إقناع الدول للعودة إلى صف موحد في مواجهة العدو الأساسي الذي يتدخل في شؤونهم ويزرع الفتنة بينهم والحديث هنا عن إيران.
وقد تغير الموقف الأمريكي تجاه هذه الأزمة، فكان في بادئ الأمر ضد قطر التي رأت الإدارة الأمريكية أنها تساند الإرهاب، وأيدت الموقف السعودي ولكن سرعان ما تبدل موقفها، حيث وصف ترامب أمير قطر خلال لقائه معه بالصديق والمحترم.
كيف تأثرت قطر بالأزمة الخليجية
عام مر على بداية التشتت الخليجي العربي، ولا تلوح في الأفق أي بوادر للحلحلة، وهو ما يترتب عليه استمرارها لعام آخر، وبطبيعة الحال كان لقرارات الدول الأربع نتائج على الصعيد السياسي والاقتصادي على مستوى المنطقة ككل، ولا سيما دولة قطر المعنية في المقام الأول من تلك الإجراءات.
وقد انعكست هذه الأزمة على وسائل الإعلام، ففي الوقت الذي قلل فيه الإعلام القطري من أثر هذه القرارات في الاقتصاد القطري، تحدث إعلام الدول المقاطعة عن انهيار اقتصاد الدوحة وتأثر قطاعات السياحة والبنوك والأعمال بصورة كبيرة.
الجانبان كان لهما أذرعه الإعلامية التي جندت عددًا كبيرًا من النشطاء والكتاب والمسؤولين أيضا للدفاع عن موقفهما، سواء عبر وسائل الإعلام المختلفة أو مواقع التواصل الاجتماعي، ففي الوقت الذي تسمى قطر ما حدث بأنه حصار، رأت الدول الأربع الأخرى أنها مجرد مقاطعة.
الإعلام القطري يقلل من أثر “الحصار”
إعلام قطر تحدث عن مكاسب جراء المقاطعة، حيث شرعت الدوحة في البحث عن سبل الاكتفاء الذاتي على مستويات عدة أهما الزراعي، فقامت بسلسلة من الخطوات والمبادرات التي تضمن لها سد حاجتها من العجز -لا سيما في السلع الاستهلاكية- الذي قد ينتج عن مقاطعة الدول الخليجية لها.
ولعل أبرز ما قامت به الدوحة استكمال المشروعات الكبرى ومنها استكمال استعداد البلاد لاستضافة مونديال 2022، كذلك تدشين ميناء حمد الذي رُبط بموانئ إقليمية وعالمية، لتأمين احتياجتها دون الحاجة لموانئ وسيطة.
ورفعت قطر حسبما ذكرت وسائل إعلام قطرية وتيرة الشراكة مع بلدان أخرى عقب الأزمة من بينها سلطنة عمان والكويت وتركيا وإيران ودول أخرى، حيث وصل الاحتياطي النقدي القطري وفقا للإعلام القطري إلى 340 مليار دولار أمريكي، وبلغ إجمالي الاستثمارات في قطر أكثر من 200 مليار دولار.
وأشارت وسائل إعلام قطرية إلى عدد من الأرقام تتعلق بالاقتصاد القطري يمكن عرضها على النحو التالي:
وفقا لبيانات صادرة عن صندوق النقد الدولي في 30 مايو الماضي، فإن آفاق النمو لاقتصاد قطر إيجابية على المدى البعيد، ومن المتوقع أن يصل الناتج المحلي لـ 2.6 % العام الحالي، مقابل 2.1 لعام 2017.
تراجع العجز في المالية العام إلى نسبة 6 % في 2017، مقابل 9.2 من إجمالي الناتج المحلي في 2016.
ارتفاع الناتج المحلي لقطر بمعدل 2 مليار دولار ليصل إلى 220 مليار دولار، بعد أن كان 218 مليار دولار في 2016، ليبلغ معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة 2 %.
وفي تقرير آخر صادر عن البنك الدولي، توقعت المؤسسة الدولية أن ينمو الاقتصاد القطري بنسبة 2.8 % مع نهاية العام الجاري، ليواصل تفوقه بين دول المنطقة.
ووفقا للتقرير سجلت البنوك القطرية في نهاية سبتمبر 2017 مستويات مرتفعة من الرسملة وهي نسبة كفاية رأس المال بنسبة 15.4 %، أما الربحية وهي التي تتعلق بالعائد على الأصول بنسبة 1.6 % ، في حين سجلت البنوك مستويات منخفضة من القروض المتعثرة بنسبة قدرها 1.5%، وظلت مستويات السيولة فيها مريحة بوجه عام، رغم تراجع الاحتياطات منذ 2015، حيث بلغت نسبة الأصول السائلة إلى إجمالي الأصول 27.3%.
أما على صعيد مؤشرات نمو القطاع المصرفي، أكد تقرير أعدته مؤسسة الأبحاث “كابيتال إيكونوميكس”، نشر في صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، ارتفاع ودائع الأجانب لدى البنوك القطرية بشكل كبير، وكان ذلك بعد مرور 10 أشهر من بداية الأزمة الخليجية.
إعلام دول “المقاطعة”: هكذا خسرت قطر
وعلى النقيض تماما تحدثت وسائل إعلام دول المقاطعة بصورة سلبية عن الاقتصاد القطري بأنه تعرض لحالة من الانهيار وضرب في مقتل، وسط تراجع في البورصة والقطاع المصرفي وقطاع الساحة والبنوك. واستندت وسائل إعلام تلك الدول إلى بعض البيانات الصادرة من بعض المؤسسات الدولية نعرضها فيما يلي:
أشارت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني، إلى النظرة المستقبلية السلبية للاقتصاد القطري، بفعل ارتفاع ديون الحكومة المستحقة عليها لمصلحة البنوك المحلية إلى 91 مليار دولار، وكذلك انخفاض رصيد احتياطات النقد الأجنبي بنسبة 13.7 % إلى 37.5 مليار دولار.
تراجع الاحتياطي الدولي والسيولة النقدية الأجنبية لدى بنك قطر المركزي بنسبة 13.7 % خلال العام 2017، حيث أعلن بنك قطر المركزي خسارة سنوية بمعدل 74 مليون دولار. الحديث عن إغلاق أكثر من 400 شركة نشاطها التجاري في قطر مع بداية العام.
ونقل إعلام الدول المقاطعة عن شركة “كابيتال إيكونوميكس” في تقرير لها أن قطاع السياحة في قطر تأثر بشدة، حيث انخفض عدد الزوار، وهو ما أدى إلى تراجع كبير في إشغالات الفنادق، فضلا عن تراجع السياحة الخليجية بنسبة 84 %، والعربية الوافدة إلى قطر بنسبة تخطت الـ50% مقارنة مع السنة الماضية.
قطاع الاتصالات القطري، كان من بين القطاعات التي هوت إذ تراجعت الأرباح السنوية لمجموعة “أوريدو” القطرية للاتصالات بنسبة 10 %، وتراجعت إيرادات المجموعة بفعل انخفاض قيمة الريال القطري في بعض الأسواق، وذلك وفقا لتقرير نشرته صحيفة “البيان” الإماراتية.
الأزمة إلى أين؟
ما أحدثته الأزمة من خلخلة في البناء النفسي والاجتماعي للكتلة السكانية الخليجية، لم يعد معها الخليج خليجًا واحدًا، وقد تقطعت أواصره فقد انكفت دول الخليج على ذاتها وتبخرت أحلام مواطنيها في الوحدة الخليجية وتحول مجلس تعاونها إلى مجرد شاهد. وهنا يجب أن يطرح تساؤل حول مدى جدوى مجلس التعاون الخليجي، الذي ربما يشهد هذه الفترة موتا إكلينيكيا، لعدم قدرته على رأب الصدع الخليجي حتى الآن.
ولم تنتبه الدول الخليجية الثلاث إلى أن تاريخ قراراتها جاء في 5 يونيو حزيران الذي يتوافق مع ذكرى نكسة العرب أمام الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، وهو ما اعتبر نكسة عربية أخرى يزداد بها العرب ضعفًا على ضعف. ويبدو جليا من خلال المعطيات الحالية أنه من المستبعد أن ينتهي الأمر في المنظور القريب، فبحسب تقرير نشرته صحيفة “لوموند” الفرنسية أن هناك حالة من انعدام الثقة بين الأطراف الخليجية، ما يؤكد عمق الهوة ومدى الشرخ الكبير بين الفرقاء.
وبطبيعة الحال فإن الأزمة أصبحت أمرًا واقعًا على الساحة السياسية في الخليج العربي، وعليه تحولت منظمة مجلس التعاون الخليجي إلى منظمة شكلية مثلها مثل جامعة الدول العربية، ويبدو أن السعودية والإمارات تدفعان في هذا الاتجاه.
أما السيناريو الآخر الذي يصب في اتجاه حل الأزمة وأن تنجح المساعي الكويتية في لم الشمل، فقد يبدو بعيد المدى نظرا لما أحدثته الأزمة من تبديد لأواصر الثقة بين دول مجلس التعاون الخليجي، في ضوء إصرار دول المقاطعة على مطالبها الـ13، ورفض قطر الاستجابة لهذه المطالب التي تعتبرها انتهاكا لسيادتها.