أحمد حرقان، ناشط ومثقف مصري من مواليد مدينة الإسكندرية عروس البحر الأبيض المتوسط، سافر مع عائلته “السلفية أبًا وأمًا” إلى مدينة مكة في المملكة العربية السعودية في سن مبكرة، وبدأ يدرس ما يسمى “العلوم الشرعية” حتى تخصص في أصول الفقه، وبدأ رحلته بين الفرق الإسلامية في وقت مبكّر أيضًا، وتقلب بين هذه الفرق بحثًا عن الفرقة الناجية حتى بلغ من العمر ٢٧ عامًا كاملة.
خلص في نهاية رحلته الشاقة هذه إلى أن “العيب ليس في الأشخاص الذين يحاولون جاهدين أن يكونوا على “الحق” فيتنازعون ويتقاتلون بل العيب في الأديان ذاتها”، ومن هنا أدار ظهره للأديان ولم يلتفت من يومها إلى الوراء، كان ذلك في منتصف عام ٢٠١٠.
مجلة «مواطن» التقت الناشط أحمد حرقان للتعرف منه على مواقفه وآرائه حول الأديان والأفكار والحريات سواء في مصر أو الوطن العربي، وموقفه من الجماعات والحركات الإسلامية وكيف تخطى الإسلام المعتدل في أطار تحولاته الفكرية من الإسلام المتشدد لنبذ فكرة الأديان بالكلية.
حوار: عبدالرحمن سعد
- الأديان إلى زوال.. والإرهابيون والمتطرفون ضحايا للجمود والقوالب الدينية
- نشأت سلفيًا ولازمت كبار الدعاة وحججت سبع مرات وخطاب القرآن لا يسمح بغير الإسلام
- حان وقت المناداة بالعلمانية والأديان اكتسبت احترامًا غير مستحق بالقمع وإرهاب النقاد
- الديانات الإبراهيمية الثلاث خربوا كل بلد دخلوه وأفقروه وأدخلوا أهله في نزاعات لا تنتهي
- نعيش ثورة فكرية بين الشباب ستسفر عن نهضة شاملة خلال سنوات قليلة
- الدول العربية تتذيل القائمة العالمية في حريتي الرأي والتعبير وتونس الأفضل بالمنطقة
- قوانين ازدراء الأديان مثيرة للسخرية.. والإصلاح بنشر التنوير بين العامة لا بيد السياسيين
- “الإسلام السياسي” يهدف لإقامة الفاشية الدينية ويجب إيقافه وتجفيف مصادر تمويله
- الثورات ليست مثالية ولكنها تدفع المجتمعات خارج مستنقعات الركود والجهل
- البشر مساكين لوقوعهم بين مطرقة الحضارة المعاصرة وسندان النصوص الدينية
- لا أخشى القتل ومتصالح مع الموت وسنعود شئنا أم أبينا لحالة كنا عليها قبل الحياة
- الممارسات العنيفة لها أصل في القرآن والسنة وآيات القتال والكراهية لغير الإسلام لا تحصى
فإلى نص الحوار:
النشأة والتحول
1- حدثنا عن تجربتك الفكرية من اعتناق الفكر السلفي إلى الخروج من عباءة الموروثات الدينية؟
في الواقع أبي وأمي كلاهما كانا سلفيين في أقصى درجات التشدد الوهابي، ولعل من المناسب هنا أن أشير إلى أن للسلفية ذاتها مستويات متعددة، وفي سن مبكرة جدًا حفظت القرآن كاملًا وصحيح البخاري، والعديد من المتون المتعلقة بالعقيدة والمصطلح والفقه، أذكر أنني في الرابعة عشرة من عمري تحديدًا قرأت مصنفًا لأحد رموز التيار السلفي ووجدته يختلف كثيرًا عن الذي لُقنت إياه من والدي، وهنا بدأت أبحث مستقلًا عن والدي عن “الفرقة الناجية” بين كل هذه الفرق داخل التيار السلفي ذاته!، إلى أن وصلت لدرجة من التشدد واعتزلت أسرتي واعتكفت في المسجد الحرام، فكنت أصوم معظم الأيام وأفطر على التمر واللبن المجفف وأقضي وقتي في قراءة كتب العقيدة تحديدًا بالإضافة للطواف وقيام الليل.
وعندما شارفت على العشرين سنة من عمري، كانت زيارتي الأولى لمصر، وقد تعرفت فيها على مشايخ الدعوة السلفية بمدينة الإسكندرية وأعجبت بهم كثيرًا خصوصًا الشيخ ياسر برهامي، محمد إسماعيل المقدم، وظللت على نهج هذه الجماعة، التي أدركت مع الوقت أنها تنظيم إسلامي يسعى إلى إقامة الخلافة ولكن بطريق صبور لا يعرف الاستعجال.
لازمت الشيخ ياسر مدة من الزمن وحتى عندما عدت إلى السعودية بعد سنوات كنت أقابله في مكة عندما كان يعتمر أو يحج، وبالمناسبة فأنا حججت ٧ مرات.
بسبب الخلافات بين المذاهب، وبسبب القسوة التي لاحظتها بين المسلمين وانحدار الأخلاق وغياب القيم الإنسانية التي ينادي بها العالم المتحضر، وقد كنت مواكبا للأحداث العالمية والأنشطة الإنسانية في كل أنحاء المعمورة، فكرت مليًا في أن رسالة الإسلام ذاتها ونبي الإسلام شخصيًا يجب أن ينظر بعناية في أمرهم دون خوف، وقد عانيت صراعًا شديدًا مع نفسي حتى أخذت القرار بوضع الإسلام تحت الفحص. ولم يمض غير وقت قليل مُذ بدأت التفكير الحر حول النبي ورسالته حتى أدركت تمامًا بأنها بشرية ولا علاقة لها بقوى خارج هذا العالم. وعندها لجأت إلى الدعاء والتوسل بمنتهى الذل والتواضع لله إن كان موجودًا أن ينقذ إيماني، وكنت أقول له إذا لم تتدخل الآن وتنقذ يقيني فمتى؟.
حتى وصلت إلى مرحلة أني عندما أقف للصلاة أقف مذهولًا لا أستطيع هضم ما يتلى من القرآن أو ما أردده من أذكار، إلى أن كنت أصلي المغرب ذات ليلة في المسجد مع الجماعة، ولم أستطع إكمال الصلاة فتركت الصلاة في وسطها وغادرت المسجد وتركت الإسلام ولم أذكر أني نظرت بعد ذلك إلى الوراء أبدًا.
2- الطبيعي أن تتحول من الإسلام المتشدد أو الإسلام السياسي إلى المعتدل لكن أن تتحول إلى الإلحاد فهذه فكرة عليها علامات استفهام حدثنا عن هذا التحول؟
نعم كنت من أنصار الإسلام السياسي طيلة اعتناقي للإسلام ذاته، ومن كثرة ما قرأت كتب سيد قطب وأبو الأعلى المودودي، صرت أحفظ كثيرًا فقرات هذه الكتب. عندما انهار إيماني بالإسلام انقلبت تماما بالطبع إلى عدو لدود لتيار الإسلامي السياسي لمعرفتي به وبأنه يسعى إلى السيطرة على العالم وإلزام الناس بما بت أعتقد أنه مجرد خرافات.
ومن أسباب نشاطي ضد هذه التيارات معرفتي بطرقها في التوغل والانتشار داخل المجتمع، والعمل السري، والنزعة العنيفة عند أفراد هذه التنظيمات، والاعتزاز بأمجاد مقطعي الرؤوس وفالقي الهامات.
3- ماذا عن موقفك من التيارات الإسلامية وما يسمى الإسلام السياسي؟
الجماعات الإسلامية المنظمة كلها عبارة عن مشاريع إجرامية، تهدد العالم كله، داعش مثلاً هي حركة سلفية، مولها السلفيون وأمدوها بالشباب من كل أقطار الدنيا، حين التقيت بالشيخ ياسر برهامي من مدة واجهته بهذه الحقيقة، أن الدعوة السلفية أسهمت في صناعة داعش.
4- هل تخشى التهديدات بالقتل أو إباحة الدم التي تأتيك أو تصلك من وقت لآخر، ما ردك على هؤلاء؟
لا تقلقني التهديدات بالقتل، فكلنا سنموت قريبًا جدًا، الأعمار قصيرة للغاية، وأنا متصالح مع فكرة الموت، سنعود شئنا أم أبينا للحالة التي كنا عليها قبل أن تدب فينا الحياة.
الأفكار وازدراء الأديان
5- ماذا عن مصادرة الفكر والحجر على الأفكار الغريبة والجديدة في الشرق الأوسط؟
الذين يصادرون الفكر الحر هم الذين يتمسكون بتعاليم القرآن والسنة والتراث، فـ خطاب القرآن لا يسمح بدين غير الإسلام، ولا يُؤْمِن بحرية التعبير، ولا يرضى حتى بإضمار الرفض للدين وإظهار الامتثال له فرقًا من إقامة حد الردة أو غيره من الوسائل التي استخدمها (النبي) في الانتقام من مخالفيه.
فالشرق الأوسط إذن ضحية الإسلام في كل شيء، وحرية التعبير وحرية الفكر المفقودين في هذه البلاد جزء من الرزايا التي نكبنا بها بسبب الإسلام ذاته.
فضلا عن أن السياسيين يتملقون في كل أنحاء العالم الرأي العام الطاغي، خوفًا من الثورات أو رغبة في الأصوات في الانتخابات، ومن هنا أرى أنه لا ينبغي التعويل في الإصلاح على السياسيين، وإنما التصدي لنشر التنوير بين العامة بكل الوسائل الممكنة.
لذلك فأنا أتبنى رؤية يعدها البعض متطرفة، وأراها أنا في منتهى الإنصاف، وهي أن الديانات الإبراهيمية الثلاث بالذات لم يدخلوا بلدًا إلا وخربوه وأفقروه وأدخلوا أهله في الحروب والنزاعات التي لا تنتهي.
6- ماذا عن قانون ازدراء الأديان وتعامل الدول العربية مع ظاهرة الإلحاد؟
قوانين ازدراء الأديان هي قوانين مثيرة للسخرية والاستهجان، فالأديان كلها تزدري بعضها، ولو طبقت قوانين الازدراء هذه للزم من ذلك حبس المشايخ والقسس والحاخامات قبل غيرهم، لأن ألسنتهم جميعًا لا تكف عن ازدراء العقائد المخالفة. أنني أزدري هذه الأديان ليس لأنها لا تروق لي، وإنما لأنهم سبب للخراب على نطاق واسع في هذه الأرض.
7- برأيك.. كيف يكون الرد الأمثل على المتجاوزين بالسب والشتم والتطاول في حقوق الأديان أو المقدسات بعيدًا عن الحبس والتنكيل؟
يجب أن نفرق بين إهانة الأشخاص الذين نتعامل معهم وإهانة ما يسمى بالمقدسات، الأفكار التي تطرح علانية يمكن التعامل معها بأي وسيلة من وسائل النقد بما في ذلك النقد الساخر، حتى لو كانت أديانًا. فالأديان اكتسبت احترامًا غير مستحق عن طريق القمع وإرهاب النقاد.
مشروع النهضة العربية
8- يقال إنه كانت هناك بوادر نهضة عربية في القرن العشرين ثم تلاشت.. ما رأيك؟
كانت بوادر النهضة العربية ظاهرة منذ منتصف القرن الثامن عشر، وصلت إلى ذروتها في القرن العشرين، ثم حدثت انتكاسة بعد ما يعرف بالصحوة الإسلامية التي واكبت ثورة الخميني في إيران، لكننا نعيش الآن ثورة فكرية بين الشباب ستسفر بلا شك عن واقع مختلف تماماً ونهضة شاملة خلال سنوات قليلة.
9- ما أهم المعوقات أمام إحداث النهضة العربية وما السبل المثلى لتحقيقها؟
أبرز المعوقات هو تملق الساسة لأصحاب الأصوات العالية الملوحين بالتمرد العام والغضب للدين، وخفوت صوت التنويريين حتى لو كانوا بالملايين خوفًا من الإرهاب الإسلامي تحديدًا، ومن المعوقات أيضًا في معظم البلاد العربية ضعف الاقتصاد والذي يجعل الإحباط سائدًا بين معظم أفراد المجتمع.
ومن العقبات كذلك رجال الدين المتربحون والذين يستغلون كافة المنابر لنشر الرجعية والكراهية في كل مكان. من وجهة نظري يجب أن يركز التنويريون على التواصل مع اليافعين بصفة خاصة لأنهم أكثر قابلية للوعي والتدقيق والتمرد على الموروثات، وأن يعملوا من خلال السلطة والأحزاب على إصلاح التعليم، والثقافة.
10- ما رأيك في المناداة بالعلمانية داخل بعض الأقطار العربية؟.. الإمارات والسعودية نموذجًا؟
هذا الوقت بالفعل هو وقت المناداة بالعلمانية في كل أقطار المعمورة، وتجد الدعوات للعلمانية صدى كبيرًا في كل مكان، وليست هناك دولة في العالم مستثناة من ذلك بحسب علمي، بما في ذلك السعودية. في السعودية والإمارات والكويت مثلًا أعرف الكثير من الكتاب العلمانيين الذين يصرحون بحتمية تطبيق العلمانية في بلادهم.
الحريات
11- أين الدول العربية من حريات الرأي والتعبير والاعتقاد، وما المساحات المتروكة للاختلاف الفكري والديني في الأقطار العربية؟
الدول العربية في ذيل القائمة العالمية في مجال حريتي الفكر والتعبير، تونس الأفضل عربيًا في هذا المجال حسب علمي، لكن أمامنا الكثير لكي نوسع المساحات الخاصة بالاختلاف الفكري والديني حيث إنها ضئيلة جدًا الآن إلى حد خنق الأصوات المخالفة للسائد، بعض المفكرين تعرضوا للسجن، بعض الشباب تم تصفيتهم كما رأينا مع عُمر باطويل الشاب اليمني الذي قتل بالرصاص قرب بيته، وناهض حتر أيضاً، وقبل ذلك المفكر والتنويري المصري فرج فودة والقائمة طويلة.
12- ما رأيك في المثلية الجنسية والإباحة المطلقة للعلاقات الحميمة بين الجنسين كحق مشروع، أم أن تنظيمها بالزواج يضمن لها النجاح؟
المثلية الجنسية مثلها مثل الغيرية الجنسية، كل إنسان يجب أن تُحترم ميوله وتفضيلاته الجنسية ما دام لا يؤذي أو يتحرش بغيره.
أنا من الذين يقدسون الأسرة ويدعمون الارتباط بين فردين في علاقة طويلة، لا أحبذ ولا أفهم العلاقات القصيرة أو المتعددة، ولا أتدخل في ما يختاره الناس لأنفسهم، ما داموا لا يتعدون على أحد. أنا اعتقد أن كل حبيبين قررا العيش معًا هما في حالة زواج سواءً وثقوا ذلك أم لا.
إذا انفصمت عرى المحبة بين أي اثنين فإن زواجهما قد انتهى فعليًا حتى لو كانا على الورق زوجين. فالزواج الذي ينتهي بالطلاق لم يكن زواجًا، الزواج الحقيقي لا ينتهي بهذه الكارثة، فالطلاق كارثة!.
الديمقراطية والربيع العربي
13- إن وجدت.. حدثنا عن التجارب الديمقراطية الناشئة التي تكونت في دول عربية بعد ثورات ما يعرف بالربيع العربي؟
لم تصنع الثورات العربية ديمقراطيات حقيقية، لكنها وضعت الأساس باعتقادي لمناخ أكثر ديمقراطية، وكسرت كثيرا من التابوهات. فالثورة الفرنسية (أيقونة الثورات) ذاتها لم تكن مثالية، بل أسلمت فرنسا إلى ديكتاتورية نابليون بونابرت وحاشيته، ولا يكاد يختلف أحد من الباحثين على أنها أهم الثورات على الإطلاق نظرًا للقيم التي رسختها وأشاعتها في العالم بأسره.
14- كيف ترى الخلاف بين قطر ودول الرباعي العربي (السعودية، مصر، الإمارات، البحرين)؟
الاختلاف مع قطر لا يقتصر على هذه الدول الأربعة خصوصًا في مسألة دعم الإخوان، وتمويل بعض المجموعات الإرهابية، لكن هذه الدول الأربعة هي التي أخذت موقفًا حادًا وواضحًا من قطر بغية إجبارها على تغيير سياساتها تجاه هذه الملفات، ومرة أخرى أعود إلى موضوع الإسلام السياسي، هذا العمل المنظم الساعي لإقامة الفاشية الدينية يجب إيقافه وتجفيف مصادر تموله.
الرسالات ونصوص الدين
15- حدثنا عن الإساءات الفكرية والمادية التي خلفها المتشددون للعالم.. جراء ممارسات أو أفكار أو تفسير خاطئ للدين؟
المشكلة في الدين ذاته، فالأشخاص الذين يمارسون الكراهية والإرهاب هم ضحايا التعاليم الدينية الصريحة، لكن المنطق معكوس هنا، ومرة أخرى تحاول الأديان حماية نفسها على حساب معتنقيها، لكن وعي الشابات والشبان اللادينيين قوي بحيث يستهجنون فعلًا فكرة أن العيب ليس في النصوص بل في فهم الناس للنصوص. مساكين الناس على طول الخط بين رحى النصوص وسندان الحضارة.
قدمنا للبشرية الخوف، ونشرنا الكراهية في كل مكان، وفعلنا بهم كل ما نقدر عليه، حتى لجأ البعض إلى دهس الناس في الشوارع إذ عدموا السلاح والقنابل، وللأسف كل هذه الممارسات لها أصل في القرآن والسنة. فآيات القتال لا حصر لها في القرآن ومثلها آيات الكراهية لكل من يبتغي غير الإسلام دينًا.
16- ما رأيك في مدعي النبوة أيًا كان الذي يظهر من آن لآخر؟
محمد آخر مدعي النبوة الذين كتب لدعوتهم النجاح على نطاق واسع، وفي عصرنا الحديث أصبح ادعاء النبوة هو أقصر طريق إلى المصحات النفسية.
17- هل توجد مثالية في الثورات.. مثلًا قيل عن 23 يوليو إنها ثورة بيضاء بلا دماء وحققت المطلوب بإسقاط الملكية والإقطاع، كيف تتحقق النجاحات المنشودة في الثورات؟
الثورات ليست مثالية، كما كل النشاطات الإنسانية، ميزة الثورات أنها تحرك الماء الراكد، وتدفع المجتمعات نحو التغيير، وتوقف النسخ والتكرار.
مشروع معرفي
18- وماذا عن مشروعك الفكري والمعرفي، وما الذي تستهدفه منه؟
مشروعي الفكري والمعرفي يتمثل في تعلم كل ما يفيد المجتمع ومن ثم تبسيطه ونشره على أوسع نطاق ممكن.
19- قلت إن الإسلام تم تحريفه من بعد عهد النبي.. ماذا تقصد؟
من خلال تتبعي لمسيرة تدوين القرآن والسنة ونشوء ما عرف بعلم مصطلح الحديث، أنا على يقين بأن نصوصًا كثيرة أضيفت على لسان (النبي) بعد موته، لا يعرف عنها شيئًا، لقد اختُلِقت آلاف الأحاديث لنصرة المذاهب المختلفة، واختلقت أحاديث أيضًا لخدمة السلطة، واختلقت أحاديث لوصف “الفتن” التي وقعت بين المسلمين بعد وقوعها في حقيقة الأمر، وهذا موضوع يطول شرحه ويحسن بالقارئ أن يبحث فيه بنفسه.
20- الإيمان الأعمى يدمر الفرد والمجتمع ويستطيع أن يحيل الحياة إلى جحيم.. كيف ذلك؟
الإيمان بأن هناك حقيقة مطلقة يمتلكها أفراد يمنحهم الشعور بأن من حقهم فرضها بالقوة، وبالتالي يعيثون في الأرض فسادًا كما نرى، ونسمع.
21- الفكر لا يواجه إلا بالفكر.. مدى صحة هذه المقولة وتطبيقها في الوطن العربي؟
عند معظم الناس في أوطاننا أن الفكر المخالف يجب أن تكسر يديه ورجليه لتجنب انتشاره. الفكر يجب أن يواجه بالفكر، وهذا ما يجب أن نعلمه لأطفالنا منذ نعومة أظافرهم.
التعددية والأقليات
22- حدثنا عن التعددية الفكرية لدى العرب.. هل تراها مطلقة أم محسوبة ومرتبطة بأجندات وموائمات سياسية من جانب الأنظمة الحاكمة؟
تعود العرب منذ مدة طويلة على القمع، وعاشوا في مناخ يقتل التعددية، ولا يرضى سوى بالصوت الواحد وهو صوت الحاكم، الآن بدأ هذا يتغير بعد أن أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي فرصة التعبير عن الرأي للجميع.
ما زالت النظم العربية تتدخل في كل صغيرة وكبيرة، وبالتالي حتى الحركة الفكرية في مجتمعنا لم تسلم من الاستغلال ومحاولة التوجيه.
23- كيف ترى حقوق الأقليات الدينية في الشرق الأوسط وحقوق العبادة لديهم في دول مصر والبحرين ولبنان والعراق؟
في هذه البلدان أقليات دينية معترف بها، تحاول السلطات جاهدة نزع فتيل أي فتنة بينها، وهناك أقلية ليست صغيرة تتمثل في اللادينيين بأنواعهم تتعرض للتجاهل والقمع.
24- أخيرًا، كلمة تقولها في الدين والسياسة والفكر؟
في نهاية المطاف لن يصح إلا الصحيح، هكذا تمضي الأمور، سوف يأتي الأفضل، إن لم يكن اليوم فغدًا أو بعد غد. لنتحلى بالشجاعة الأخلاقية جميعًا ونواجه الحقائق بدلًا من الالتفاف عليها ومحاولة الهروب مما لا مفر منه. فالأديان إلى زوال كلها، ليس لدي أدنى شك في هذا.