وقعت بريطانيا معاهدة “مساعدة” مع عمان في عام 1798. في عام 2017 تم الكشف عن تدريب بريطانيا لسلطنة عمان في “كيفية التعامل مع الإضرابات وقمع الاحتجاجات”. يعرض الصحافي IAN SINCLAIR في هذا المقال العلاقة الإستعمارية الطويلة جدًا بين بريطانيا وعمان. نشر المقال تاريخ 28 يناير 2019 في صحيفة Morning Star . تنشر مواطن المقال مترجمًا إلى العربية.
ترجمة: خلفان البدواوي
في كتابه الجديد الأنجلو-عرب: لماذا ثروات الخليج تهم بريطانيا؟، يلاحظ الدكتور ديفيد ويرينغ أن “القوة البريطانية تعتبر عاملًا مهمًا – ضمن عوامل أخرى – في تعزيز وحفظ الحكم الملكي” في الخليج العربي. والصحفي الاستقصائي فيل ميلر من صحيفةMorning Star نشر مؤخرًا عدة مقالات تفضح تورط المملكة المتحدة العسكري في عمان. لذلك من المهم أن نستكشف بعمق العلاقة الواسعة للحكومة البريطانية مع ما يسمى بـ”السلطنة النائمة” بمزيد من التفصيل.
منذ توقيع معاهدة “مساعدة” مع عمان في عام 1798 – وهي الأولى في المنطقة – لعبت بريطانيا دور المشرف الإمبريالي على البلاد. ويشير المؤرخ البريطاني مارك كورتيس إلى أن النظام “القمعي للغاية” للسلطان سعيد بن تيمور من عام 1932 إلى 1970 كان في “واقع الأمر يديره البريطانيون”. خدم البريطانيون في عمان كقادة للقوات المسلحة، ووزراء للشؤون المالية، والشؤون الخارجية، وشؤون البترول. وأيضًا عملوا كمدراء للاستخبارات كما يشير كورتيس في كتابه الذي نشر عام 2003 بعنوان “شبكة من الخداع: دور بريطانيا الحقيقي في العالم”.
لكن في خضم الحرب الأهلية التي عاشتها البلاد آنذاك، بحلول عام 1970 بات يُنظر للسلطان سعيد من قبل البريطانيون بأنه حاكم لا يمكن الاعتماد عليه وضعيف في الحكم، ولذلك ساعدوا للإطاحة به في انقلاب القصر. وعلى إثر ذلك فقد تم نفيه إلى بريطانيا وأقام في فندق دورتشستر في لندن إلى أن توفي بعد عامين من ذلك. تم تنصيب ابنه قابوس الأكثر انفتاحًا في مكانه، والذي ما زال يحكم عمان بعد 49 سنة من ذلك التاريخ مما يجعله أقدم حاكم في العالم العربي.
وكما تشير هذه المدة الطويلة من الحكم، فإن نظام الحكم في عمان هو نظام حكم ملكي مطلق حيث “تتمركز السلطة كلها تقريبًا بيد السلطان” وفقًا لما قاله الدكتور مارك فاليري الخبير في الشؤون العمانية من جامعة إكستر. كما يشير فاليري في تقرير صادر عن مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي عام 2015: “يشغل قابوس في نفس الوقت مناصب عدة مثل رئيس الوزراء، والقائد الأعلى للقوات المسلحة، ورئيس البنك المركزي، ووزير الدفاع والخارجية والمالية”.
الأحزاب السياسية محظورة وحرية الصحافة مقيدة بشدة. ومع تقديم قابوس لعمان كواحة مستقرة في منطقة مضطربة، قدم أحد المثقفين العمانيين سياقًا هامًا مختلفًا عندما أجرى فاليري مقابلة معه في عام 2012: “العمانيون ليسوا صامتين باختيارهم، بل تم إسكاتهم من قبل النظام. المواطنون العمانيون هادئون جدًا بسبب القمع والخوف. لا تتحدث عن السياسة أو سوف يتم أخذك إلى ما وراء الشمس!”.
وممكن أن يفهم من تلك المقابلات، أن العلاقة بين الحاكم والمحكومين بدأت بالتغيير في السنوات الأخيرة مع تزايد عدد العمانيين الذين ينتقدون حكومتهم علنًا؛ حيث يشير فاليري: في عام 2010 تم تقديم عريضة على الإنترنت إلى قابوس من أجل “إصلاحات واسعة النطاق مثل دستور جديد من شأنه أن يؤدي إلى ملكية دستورية”. وفي أوائل عام 2011، وقعت مظاهرات (سلمية إلى حد كبير) في عدة مدن عمانية استوحيت من احتجاجات الربيع العربي التي هزت أرجاء العالم العربي.
على الرغم من تركز المطالب الرئيسة للمتظاهرين في تحسين فرص العمل، وزيادة الأجور، ووضع حد للفساد المستشري، كانت هناك أيضًا دعوات للإصلاح السياسي بما في ذلك إعطاء مزيد من الصلاحيات لمجلس الشورى المنتخب، وزيادة استقلال القضاء، والمطالبة بإعلام حر ومفتوح. ومع أن حجم التظاهرات في عمان صغير مقارنة بالعديد من الدول العربية الأخرى، إلا أنه أجبر النظام على تقديم تنازلات وإن كانت محدودة مثل: زيادة الحد الأدنى للأجور، وخلق خمسين ألف وظيفة، وإقالة العديد من الوزراء، وزيادة محدودة في صلاحيات مجلس الشورى.
ويشير فاليري، بالإضافة إلى ذلك وجنبًا إلى جنب مع الجزرة، قام قابوس أيضًا بإستخدام العصا جيدًا؛ حيث “تم اعتقال عدة مئات من المتظاهرين والصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان في جميع أنحاء البلاد”. ويضيف إلى أنه بعد عام 2011 إزداد القمع بشكل ملحوظ كما لخصته هيومان رايتس ووتش على موقعها على الإنترنت: “إن قوانين عمان الواسعة للغاية تقيد من حريات التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات، وتقوم السلطات باستهداف النشطاء السلميين والمدونين المطالبين بالإصلاح ومنتقدي الحكومة الذي تقوم باعتقالهم واستخدام أشكال مختلفة من المضايقات والاعتقالات القصيرة المدى.
على صعيد آخر، فإن الحكومة البريطانية التي تحرص على تسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان التي تقوم بها حكومات “معادية” مثل ليبيا وسوريا، كانت كما أذكر صامتة تمامًا بشأن الاحتجاجات والقمع الحكومي في عمان.
كيف أعرف ذلك؟ بعد بحث غير مثمر على موقعها على شبكة الإنترنت، طلبت من مكتب الإعلام التابع لوزارة الخارجية والكومنولث البريطانية تأكيد ما إذا كانت الحكومة البريطانية قد أصدرت أي بيانات عامة حول حقوق الإنسان في عمان منذ عام 2010. رد المكتب لم يتمكن من الإشارة إلى أي بيان من هذا القبيل مدعيًا أن هناك العديد من البيانات التي تصدرها الحكومة التي يجب البحث عنها من أجل الرد على مثل هذا السؤال.
هذا الصمت لا يثير الدهشة عندما ينظر المرء إلى المصالح الاستراتيجية الجغرافية والاقتصادية العميقة لبريطانيا في الحفاظ على الوضع الراهن في عمان. فإلى جانب إيران، تقع عمان إلى جانب “أهم نقطة مرور في العالم من أجل النفط – مضيق هرمز – الذي يمر عبره أكثرمن أربعين في المائة من النفط الخام المستخدم على الصعيد الدولي حسب ما ذكرته بلومبرغ في الأونة الأخيرة.
أعلنت بريطانيا مؤخرا عن افتتاح قاعدتين عسكريتين جديدتين في سلطنة عمان، هما مجمع ميناء الدقم البحري والقاعدة البرية للتدريب المشترك الذي أعلن عنها وزير الدفاع البريطاني جافين ويليامسون في نوفمبر الماضي في عمان. ومع قدرة القاعدة البحرية البريطانية الجديدة في عمان على استيعاب الغواصات وحاملات الطائرات الجديدة، مما يسمح لبريطانيا بمزيد من الفعالية لعرض قوتها العسكرية في منطقة غنية بالموارد. وعلى سبيل المثال، أثناء الغزو الغربي لأفغانستان عام 2001 بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، يذكر مارك كورتيس أن عمان قامت “بتوفير الخدمات اللوجستية ومرافقها العسكرية للقوات البريطانية المشاركة بالغزو”.
ولدينا المخبر الأمريكي إدوارد سنودن الذي نشكره على كشف سبب آخر في اهتمام بريطانيا الدائم لعمان وذلك عبر الملفات التي تسربت في عام 2013 والتي تظهر أن بريطانيا لديها شبكة سرية من ثلاث قواعد للتجسس في سلطنة عمان والتي تستغل كابلات الألياف البصرية تحت البحر التي تمر عبر مضيق هرمز. هذه القواعد الاستخباراتية “تعترض وتحلل كميات هائلة من رسائل البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية وحركة المرور عبر شبكة الإنترنت”. وتقوم بمشاركة هذه المعلومات مع “وكالة الأمن القومي في الولايات المتحدة” كما أوضح كورتيس في مقال له لهافينغتون بوست عام 2016.
ويشعر العمانيون بقلق حول العلاقة الوثيقة بين حكومتهم وبريطانيا والولايات المتحدة. ويشير فاليري إلى “الناشطين عبر الإنترنت الذين انتقدوا علانية ممارسات السلطان وعلاقته مع المصالح البريطانية والأمريكية؛ حيث تم القبض عليهم بسرعة وإدانتهم بالسجن” بعد احتجاجات عام 2011.
أما في الواقع، وفق ما نشرته مجلة ميدل إيست آي في عام 2017، فإن بريطانيا تشارك مباشرة في قمع المعارضة الداخلية في عمان؛ حيث قام “ضباط الشرطة البريطانية بتدريب أعضاء من القوات الخاصة والشرطة والجيش العمانيين على تكتيكات حفظ النظام العام منذ عام 2014 كجزء من مشروع أمني مثير للجدل بقيمة مليون ونصف جنية إسترليني”. واتضح أن دائرة الشرطة في إيرلندا الشمالية كانت توجه وتدرب السلطات العمانية في “كيفية التعامل مع الإضرابات وقمع الاحتجاجات في إطار مشروع ممول من قبل وزارة الخارجية البريطاني”.
خلفان البدواوي الناشط العماني في مجال حقوق الإنسان الذي فرَّ من سلطنة عمان في عام 2013 بعد اعتقاله مرارًا، ذكر لصحيفة ميدل إيست آي أن “علاقة بريطانيا العسكرية مع عمان هي عقبة رئيسية أمام نشطاء حقوق الإنسان في عمان بسبب الدعم العسكري والاستخباراتي من قبل لندن التي تدعم ديكتاتورية السلطان”.
نبهان الحنشي الذي فرَّ من عمان في عام 2012 ويدير منظمة مهتمة بحقوق الإنسان في بلده الأم، يتفق مع هذا الرأي. “نحن في المركز العماني لحقوق الإنسان نعتقد أن الإهمال البريطاني لأوضاع حقوق الإنسان في عمان يشجع الحكومة العمانية على ارتكاب المزيد من الانتهاكات”.
ومع عدم رغبة وسائل الإعلام الرئيسة البريطانية في نشر تقارير عن هذه القضية، فإن اليسار في بريطانيا يملك دورًا رئيسًا في تسليط الضوء على الصداقة البريطانية المخفية مع النظام السلطوي في عمان. فعلى غرار الحركة المناهضة للحرب في العراق وأفغانستان، يحتاج النشطاء التقدميون إلى إقامة روابط متماسكة مع النشطاء والمنظمات المؤيدة للديمقراطية في عمان وبقية دول الخليج الملكية.
ومع الدعم القوي للحكومة البريطانية لحكم قابوس الديكتاتوري كما كان دائمًا، فإن التضامن بين الشعوب هو أحد الطرق الفاعلة التي يمكن للبريطانيين أن يساعدوا بها في بناء دولة ديمقراطية حرة وعادلة في عمان والتي ظل الكثير من العمانيين يعملون من أجلها منذ فترة طويلة.