ما الأصلح للأمة في الظروف الراهنة؟ هل عقل مستبد يحاول فرض العلمانية رغم الاستبداد أم عقل مؤدلج بالإسلام السياسي يدعو للديمقراطية؟ بات من الصعب الاختيار بين مثقف أو سياسي يدعو للعلمانية ويؤيد الاستبداد، ومثقف أو سياسي يدعو للديمقراطية وهو مؤدلج بالإسلام السياسي. من الصعب الاختيار في ظل انحسار الأفراد والجماعات الداعية للعلمانية، و في الوقت ذاته رافعة راية الديمقراطية ومعارضة للأنظمة الاستبدادية.
لكن لو تحدثنا عن ممثل الإسلام السياسي الأبرز “الإخوان المسلمون” والذي عاث في الأرض العربية فسادا وخرابا عن طريق برغماتيتهم السياسية تحت عباءة الدين؛ فكل أرض يحلون بها تحترق بنار صراعات لا تنتهي. وللأسف، التاريخ يقول: تم استخدامهم واستغفالهم من قبل السلطات المستبدة في الوطن العربي بطرق شتى. تارة للعب دور الكومبارس كمعارضة سياسية، وتارة لتمرير بعض القرارات المستبدة باسم الدين، وتارة تم استخدامهم كجماعة الحشاشين للاغتيالات السياسية، وتارة أخرى كما حدث في الربيع المصري، تم استخدامهم كجسر عبور ودرع ليتلقى كل الضربات حتى تستقر الظروف ثم تم التخلص منهم و رميهم مثل الكلاب بكل سهولة
كل هذا الإخفاق المتوالي لهذه الجماعة أراه طبيعيا جدا في ظل الفلسفة الحالية، وعدم وجود مجددين لأدبيات الجماعة تواكب متطلبات واحتجاجات الواقع، كما حدث ويحدث مع إخوان تونس الذين أصبحوا أقرب للرؤية العلمانية في فهمهم لشكل إدارة الدولة والمجتمع و يبتعدون يوميا عن تنظيرات الإسلام السياسي غير الواقعية التي أثبتت فشلها.
لو يريد حقا قادة الإخوان الخير لهذه الأمة فلم يعد أي خيار آخر إلا أن يحلوا الجماعة ويكفوا الأمة العربية من شرها وخيرها. ومن ثم يحق لمن أراد منهم الاستمرار في مزاولة العمل السياسي تأسيس أحزاب سياسية لأغراض سياسية بحتة كما فعل رجب أردوغان عندما انشق عن استاذه نجم الدين أربيكان وحزبه، وأسس حزب العدالة و التنمية العلماني الوطني.
لكن هل العلمانية وحدها تكفي في ظل غياب المناخ الديمقراطية الحقيقي، وليست الديمقراطية الشكلية المحصورة في صندوق، والتي يمكن أن نرى انعكاساتها في الممارسة اليومية بين المواطن والمواطن الآخر وبين المواطن و حكومته، وفي ظل غياب أبسط مفاهيم الليبرالية في تقبل الاختلاف و الفردانية؟ أعود من جديد لسؤالي الأول: ما الأصلح للأمة في الظروف الراهنة في ظل انحسار الأفراد والجماعات الداعية للعلمانية والليبرالية، وفي الوقت ذاته رافعة راية الديمقراطية ومعارضة للأنظمة الاستبدادية في المنطقة؟