دأب الروائي المصري علاء الأسواني في فترته الأخيرة في بعض مقالاته وندواته ترديد عبارة (المواطن المستقر) التي سكها الفيلسوف الفرنسي اتييان دولابواسييه في كتابه ”العبودية الاختيارية”. وفي هذه الندوات والمقالات يحاول الأسواني عمل مقاربة وفهم للحالة المصرية المتردية وما آلت إليه خاصة ما بعد الثورة، ونجاح الثورات المضادة. وبجانب سيطرة وحكم العسكر والدولة العميقة بكل تفرعاتها وامتداداتها، يرى الأسواني أن هناك فئة من الناس لا يقل تأثيرها السلبي على الحالة المصرية السيئة وأطلق عليهم في البداية “حزب الكنبة” ثم فيما بعد استعار مصطلح دولابواسييه في توصيفه لهذه الفئة من الناس. ويقول دولابواسييه في كتابه معرفا هذه الفئة: “عندما يتعرض بلد ما لقمع طويل تنشأ أجيال من الناس لا تحتاج إلى الحرية وتتواءم مع الاستبداد ويظهر فيه ما يمكن أن نسميه المواطن المستقر”.
في مقالة سابقة، لمن أراد الرجوع لها، ذكرت عدة ظواهر مجتمعية أسهم الاستبداد في خلقها وكانت النتيجة أن هذه الظواهر أسهمت، ولا زالت، بشكل كبير في إطالة عمره واستمراره. من ضمن تلك الظواهر ظاهرة (المواطن الكلب) كما وصفها بعضهم في مواقع التواصل الاجتماعي. في الحقيقة لا يوجد اختلاف عميق بين المصطلحين؛ فكلاهما ينبعان من شخصية واحدة لم تتعرف يوما على معنى الحرية وممارستها وتبعاتها ونتائجها. ولدت هذه الشخصية في بيئة مستبدة على مستوى كل تقسيماتها الأفقية سياسيا ودينيا واجتماعيا وتعلميا. المواطن الكلب ما هو إلا نسخة متنمرة من المواطن المستقر انساق لها إراديا و قد يكون لا إراديا أيضا. فقد يتنمر لا إراديا لفهمه الخاطئ لمفهوم المواطنة فيتنمر على كل من يخالفه في فهم المواطنة دفاعا مخلصا عن الوطن، ويتنمر إراديا رغم معرفته وإيمانه بخطأ ما يقوم به إلا أنه يقدم مصلحته الخاصة على مصلحة الوطن للوصول إلى أهدافه عن طريق التزلف للسلطة بتنمره المستمر المستميت.
بشكل عام المواطن المستقر لا يدرك مفهوم المواطنة ومقتضياتها لأنه تربى على شكل آخر من العلاقة بين السلطة والمواطنين أقرب لمفهوم المساكنة. المواطن المستقر في كل تحركاته وتعبيراته وسلوكياته وردوده يكرس لمفهوم المساكنة بدفاعه عن المستبد والتبرير عن فشله بشكل دائم، ومجابهته لأي دعوة إصلاحية ومحاربته لأي صوت مختلف عن البروبوجاندا السلطوية. ولهذا أفضّل أن أطلق عليه “الساكن المستقر” لأنه بعيد كل البعد عن مفهوم المواطنة إدراكا وسلوكا، وكذلك قانونيا خاصة في دول الخليج العربية. يجيب الأسواني في أحد مقالاته حول السبب كره الساكن المستقر للثورة: “أولا لأنها تعطل مشروع حياته ولا تقدم بديلا فوريا، ثانيا لأنه تأقلم مع الاستبداد فلم يعد النضال من أجل الحرية من أولوياته، ثالثا: لأن وجود شباب الثورة الذين يموتون من أجل مبادئهم يحرجه أمام نفسه لأنه عاش يعتبر الجبن عين العقل والإذعان منتهى الحكمة”.
إن من تبعات الثورة عدم الاستقرار والمناخ الحر، وتبعات أخرى كثيرة لم يتعود عليها الساكن الذي ألف الاستقرار ولو كان في مناخ سيئ لا يليق بأدنى مستوى الإنسانية ولا يحقق أدنى متطلبات المواطنة. مصطلحات مثل الحرية والكرامة والديموقراطية وغيرها من المفاهيم التي باتت جزءا لا يتجزأ من مفهوم المواطنة والإنسانية بشكل عام ترهب الساكن المستقر ولا يستطيع التعامل معها لأنها ستخرجه من دائرة الروتين المستقر ودوامة الحياة اليومية التي قد تكون لا تختلف كثيرا عن الحياة البهيمية من حيث الاهتمام في المأكل والمشرب والنوم والتكاثر؛ فهو لا يريد ولا يسعى لأكثر من ذلك.
اسباب ما نحن فيه موقف المواطن المستقر