مارك كورتيس هو مؤرخ بريطاني له عدة كتب ومقالات تهتم بالسياسة الإمبريالية البريطانية وتأثيرها في دول العالم. كتب في السابق عدة مقالات تاريخية عن الدور البريطاني الإمبريالي في عمان. نشر مارك يوم الإثنين بتاريخ 17 يونيو 2019، مقالة في موقع (الميدل إيست آي) تزامنا مع زيارة رئيس أركان الجيش البريطاني لعمان في الذكرى الستين لانتهاء حرب الجبل الأخضر بين نظام الإمامة في عمان الداخل والنظام السلطاني المدعوم من بريطانيا في مسقط في عام 1959. ويؤكد مارك أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، سيدفع الحكومة البريطانية إلى البحث عن علاقات أوثق مع حلفائها القدامى في الخليج، وهذا سيظل على حساب تشجيع التغيير السياسي والاقتصادي الإيجابي في المنطقة.
ترجمة: خلفان البدواوي
قبل ستين عامًا، ربحت بريطانيا حربًا منسية منذ أمد بعيد في عُمان، إذ قامت بتعميق علاقة خاصة بين البلدين التي لا تزال في تطور حتى اليوم. الذكرى السنوية لتلك الحرب المنسية توافقت مع زيارة رئيس أركان الجيش البريطاني لسلطنة عمان مؤخرًا، حيث وقع البلدان “إعلانًا مشتركًا شاملاً حول الصداقة الدائمة“واتفاقية دفاع مشترك جديدة. كما تعاون البَلَدان العام الماضي في تنفيذ أكبر مناورات بريطانية عسكرية في الشرق الأوسط منذ 20 عامًا.
دعم المملكة المتحدة المتزايد لحاكم عُمان، السلطان قابوس، واسع النطاق، ويصحبه تجاهل في وسائل الإعلام البريطانية. لكن السؤال الأساسي الذي يلوح في الأفق: من سيخلف السلطان –قابوس– بعد وفاته، وهل ستواصل لندن هذه العلاقة الخاصة؟
ليس هناك قدر كبير من الأمل
حرب 1957-1959 في وسط عمان كانت لدحر انتفاضة هددت حكم السلطان سعيد بن تيمور، أحد أكثر الأنظمة القمعية التي شهدها الشرق الأوسط على الإطلاق. تُظهر الملفات التي رفعت عنها السرية كبير الدبلوماسيين البريطانيين في المنطقة، جورج ميدلتون، معترفًا بأن: “حالة الناس بائسة، السلطان غير محبوب، لا توجد إدارة مركزية… وفي ظل النظام الحالي، لا يوجد أمل كبير في المستقبل“.
لكن ذلك لم يمنع بريطانيا من المجيء لتقديم العون للسلطان، الذي حينها كان يملك مئات العبيد في قصره في صلالة، ونشر القوات الجوية الملكية البريطانية (RAF) لقصف المتمردين من الجو وذلك “لإظهار قوة الأسلحة التي تحت تصرفنا” ولإقناعهم بأن “المقاومة ستكون غير مثمرة ولن تؤدي إلا إلى المتاعب“،كما أظهرت الملفات.
وافق رئيس الوزراء السابق هارولد ماكميلان على قصف إمدادات المياه والأراضي الزراعية –وهي أهداف مدنية تشكل جرائم حرب– “لردع القرى المنشقة عن جمع محاصيلها” ولتعزيز “حرمانها من إمدادات المياه عن طريق القصف الجوي“. تم نشر الفرقة الجوية الخاصة (SAS) أيضًا في أواخر عام 1958 التي استولت على معقل المتمردين الأخير في العام التالي.
كما أن التمرد الذي اندلع بعد بضع سنوات في محافظة ظفار في جنوب عمان دفع أيضًا إلى التدخل البريطاني. كانت انتفاضة ظفار “تمردًا أصليًا ضد قمع السلطان وإهماله“، كما ذكرت وزارة الخارجية في مخاطباتها الخاصة. بالكاد توجد أي مدارس أو منشآت صحية في البلاد، حتى عام 1970 كان التدخين ممنوعًا في الأماكن العامة أو لعب كرة القدم أو ارتداء النظارات أو التحدث إلى أي شخص لأكثر من 15 دقيقة. كان رد السلطان على الانتفاضة هو استخدام قوة أكبر – معظمها من الضباط البريطانيين الذين كانوا يسيطرون على الجيش العماني.
قاعدة بريطانية عملاقة
عندما أدرك البريطانيون أن السلطان قد لا يفوز في حرب ظفار، قام مستشاروه العسكريون البريطانيون في مسقط بالإطاحة به في انقلاب القصر عام 1970 وتنصيب ابنه قابوس على العرش، الذي بقي في الحكم منذ ذلك الحين. في الواقع، أصبحت عمان قاعدة عسكرية واستخباراتية بريطانية عملاقة.
أظهرت الملفات التي سربها إدوارد سنودن أن مؤسسة الاتصالات الحكومية الاستخباراتية البريطانية (GCHQ) لديها شبكة من ثلاث قواعد للتجسس في سلطنة عمان –تحمل الأسماء “تيمباني” و“غيتار” و“كلارينيت“– والتي تستفيد من العديد من كابلات الألياف البحرية التي تمر عبر مضيق هرمز إلى الخليج العربي. هذه القواعد تقوم باعتراض ومعالجة كميات هائلة من رسائل البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية وحركة المرور على شبكة الإنترنت في المنطقة. ثم يتم مشاركة المعلومات مع وكالة الأمن القومي الأمريكية.
مؤخرا، أنشأت بريطانيا قاعدة عسكرية كبيرة جديدة في مجمع ميناء الدقم بوسط عمان، وستتمكن القاعدة الجديدة من احتضان حاملتي طائرات جديدة تزن كل واحدة منهما 65 ألف طن يتم تشييدهما للبحرية الملكية البريطانية. سيوفر ذلك “قاعدة بحرية مهمة ودائمة من الناحية الاستراتيجية شرق السويس، ولكن خارج الخليج” و“كنقطة انطلاق لنشر مجموعة حاملة الطائرات الهجومية البريطانية عبر المحيط الهندي“.
كما أنشئت منطقة تدريب عمانية – بريطانية جديدة في عمان هذا العام لتسهيل وجود دائم للجيش البريطاني في المنطقة. وتم تعزيز العلاقة، كما كانت دائمًا، من خلال صادرات الأسلحة: استوردت عمان أسلحة بقيمة 2.4 مليار دولار خلال الفترة 2014-2018، والتي كانت المملكة المتحدة أكبر مورد لها.
المصالح الاقتصادية
إن المصالح التجارية البريطانية في سلطنة عمان آخذة في النمو، خاصة في مجال النفط والغاز، الذي يمثل 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لسلطنة عمان. تمتلك شركة شل حصة 34 في المائة في شركة تنمية نفط عمان، التي تدير النفط في البلاد، بينما تمتلك شركة بريتيش بتروليوم حصة 60 في المائة في مشروع خزان الضخم للغاز، الذي استثمرت فيه 16 مليار دولار.
هذه المصالح لا تزال تربط المملكة المتحدة بنظام السلطان بشكل أعمق، وهو نظام استبدادي وقمعي حتى بالمعايير الخليجية. الأحزاب السياسية محظورة ومن المحتمل جدا أن تؤدي الاجتماعات السياسية إلى اعتقالات. على الرغم من أن عمان لديها انتخابات لمجلس الشورى، إلا أن المجلس إلى حد كبير بلا أسنان. يشغل السلطان قابوس بشكل رسمي مناصب رئيس الوزراء والقائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس البنك المركزي ووزير الدفاع والشؤون الخارجية والمالية.
بينما أحرزت عُمان تقدماً اقتصادياً كبيراً في العقود الأخيرة، فإن تصويرها كدكتاتورية حميدة هو أمر مضلل. في عام 2014، وصف مقرر خاص الأمم المتحدة –للتجمع السلمي والجمعيات– “ثقافة الصمت والخوف المتفشية التي تؤثر على أي شخص يريد التحدث والعمل من أجل الإصلاحات في عمان“. في العام الماضي –يناير 2018-، قامت عُمان بتعديل قانونها الجزائي ليشمل عقوباتٍ قاسيةً ضد حرية التعبير وغيرها من الحقوق، ويعطي صلاحياتٍ واسعةً للسلطات. ينص القانون الجديد على سجن أي شخص ينشر مواد تشكل “تحديا لحقوق السلطان وصلاحياته، أو تشوه شخصيته” أو “تقوض من مكانة الدولة“.
انتهاكات حقوق الإنسان
تم تأكيد دعم بريطانيا النشط لنظام السلطان في عام 2017، عندما كشفت مجلة “ميدل إيست أي“أن دائرة الشرطة في أيرلندا الشمالية تدير برامجا لتدريب قوات الشرطة والجيش والقوات الخاصة العمانية على كيفية إدارة الإضرابات والاحتجاجات.
تظل لندن صامتة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في عُمان، مع التشديد على “علاقتها الوثيقة بشكل استثنائي“.في الواقع، عندما كان وزير الدفاع البريطاني الذي أُقيل مؤخرًا، جافين ويليامسون، في عمان في فبراير 2019، قام بمدح السلطان والإشادة بـ“رجل الدولة ومعرفته وحكمته“، حتى أنه وصفه بأنه “صاحب رؤية“.
ألان دنكان، وزير الدولة في وزارة الخارجية البريطاني، ضيف منتظم للسلطان، وقد زار عُمان عشرات المرات منذ عام 2000، وفقًا لسجل المصالح المالية في البرلمان البريطاني. وقد تم دفع هذه الرحلات بشكل رئيسي من قبل السلطنة؛ ثلاث زيارات تمت منذ تولي دنكان منصب وزير الدولة في يوليو 2016.
لكن هل ستحافظ بريطانيا على علاقتها الخاصة عندما يموت السلطان الحالي؟ قابوس، البالغ من العمر 78 عامًا ويعاني من سرطان القولون منذ عام 2014، ليس له ورثة ولم يعين خلفًا له رسميًا. ينص القانون الأساسي في سلطنة عمان على أن يكون السلطان القادم من الذكور من سلالة السيد تركي بن سعيد بن سلطان، سلطان مسقط وعمان من 1871-1888. أبرز المرشحين هما اثنان من أبناء عم قابوس، السيد أسعد بن طارق آل سعيد، وابنه تيمور.
العمل كالعادة
أسعد، نائب رئيس مجلس الوزراء، يجتمع بانتظام مع الدبلوماسيين الأجانب نيابة عن قابوس ويعتقد أنه الخلف الأكثر ترجيحًا. أسعد مثل قابوس، تدرب في مركز التدريب العسكري البريطاني في ساندهيرست في سبعينيات القرن الماضي قبل أن يصبح قائداً لكتيبة في الجيش العماني.
تيمور، البالغ من العمر 39 عامًا، تم وصفه في برقية لوزارة الخارجية الأمريكية، والتي كشفت عنها ويكيليكس، بأنه “أنيق ولطيف وغير رسمي“.درس لمدة أربع سنوات في المملكة المتحدة، في برايتون وغاليشيل في إسكتلندا ولندن.
ستستخدم المملكة المتحدة علاقاتها مع البطانة المحيطة برجلها الحالي في مسقط لضمان بقاء نفس العلاقة الوطيده عند وفاة قابوس.وسيدفع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الحكومة البريطانية إلى البحث عن علاقات أوثق مع حلفائها القدامى في الخليج، وهذا سيظل على حساب تشجيع التغيير السياسي والاقتصادي الإيجابي في المنطقة.