في 26 من أغسطس 2019، نشرت المحامية وناشطة حقوق الإنسان والأمن القومي Irina Tsukerman في“فورن بوليسي نيوز” تقريرا مفصلا حول قضية قبيلة الشحوح ومحافظة مسندم بشكل عام. ركز التقرير على المطالبات الحقوقية والسياسية-التاريخية لدى قبيلة الشحوح وأهم أسبابها، كما أعطى التقرير خلفية حول المعقلين الستة من قبيلة الشحوح الذين يقضون أحكاما جائرة كما يراها التقرير بناء على ادعاءات أهاليهم والمنظمات الدولية. تنشر مواطن التقرير مترجما إلى العربية مع مراعاة بعض الأخطاء التي وقعت فيها الصحفية دون الإخلال في مضمون التقرير وأهم تفاصيله.
سلطنة عمان، التي تشتهر بعاصمتها وبوابتها الخلابة والشاعرية مسقط التي تعانق الجبال والصحراء وخليج عمان، تبدو هادئة وممتعة ومكان مثالي للزيارة. عمان أحد أعضاء مجلس التعاون الخليجي التي تعد أقلها دراما ودعاية سيئة في الداخل والخارج. في عمان يمكن للزوار الاستمتاع بالهندسة المعمارية الرائعة والأسواق الصاخبة المليئة بالحرف التقليدية ومراكز التسوق الحديثة والحصون التاريخية والشواطئ والمأكولات البحرية اللذيذة. علاوة على ذلك، في الأشهر الأخيرة، يبدو أنعمان باتت في طليعة السياسة الخارجية بفضل الاتصالات رفيعة المستوى مع المسؤولين الإسرائيليين. وتصف الحكومة العمانية نفسها بأنها حكومة “التسامح والسلام”.
قد يختلف سكان محافظة مسندم -وهي شبه جزيرة عمانية جبلية محاطة بمضيق هرمز الاستراتيجي، وتفصلها دولة الإمارات العربية المتحدة عن بقية البلاد- عن تصور السلطنة لهم كقصة خيالية في العصر الحديث.
الأهمية الاستراتيجية لمسندم
يمنح موقع مسندم سلطنة عمان -بالاشتراك مع إيران- سيطرة جزئية على المضيق، ويمر من خلاله ما يقرب من خمس إمدادات العالم. بالنسبة لبعض دول الخليج، فإن مضيق هرمز هو الخيار الواقعي الوحيد لنقل النفط إلى عملائهم. هذه المنطقة يمكن الوصول إليها فقط عن طريق البر من دولة الإمارات العربية المتحدة. كما أنها تثير المنافسة بين الإمارات وعمان، والتي تستغلها أطراف ثالثة، مثل إيران. تحافظ سلطنة عمان على علاقات وثيقة مع إيران، في حين انضمت الإمارات إلى معارضة الرياض لطموحات الهيمنة الإقليمية الإيرانية. في الآونة الأخيرة، منعت عمان المواطنين غير العمانيين من امتلاك الأراضي في المناطق الحدودية، بما في ذلك مسندم. التي تعتبر أكثر المناطق القريبة من عمان إلى إيران.
في أبريل 2019، حكمت عمان على خلية تجسس إماراتية “مزعومة” تتألف من خمسة عمانيين ومواطن إماراتي، وتقوم عمان بقمع شبكات التجسس المزعومة هذه منذ عام 2011، إذ تم القبض على أول مجموعة من هذا النوع في عام 2017. ادعى العمانيون أن الإمارات العربية المتحدة كانت تسترق السمع على هاتف الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية العماني، يوسف بن علوي بن عبد الله.
تشتهر مسندم بتهريب الأسلحة والمهربات المختلفة التي يتم نقلها بعد ذلك إلى الحوثيين الانفصاليين المدعومين من إيران في اليمن القريب. في ضوء هذه القضية، يمكن اعتبار اعتقالات خلايا التجسس وغيرها من الإجراءات التي اتخذتها السلطنة مجرد رد فعل على الانتهاكات المحتملة من جانب دولة الإمارات العربية المتحدة على نشاطها الإقليمي، ولكنها وسيلة لتقليل الضغط على انتهاكاتها ذات صلة بغض الطرف عن الأنشطة الإيرانية، خاصة في ضوء الهجمات الأخيرة على ناقلات النفط.
علاوة على ذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت”خلايا التجسس” منخرطة بالفعل في أي تجمع استخباراتي. في عام 2018، اعتقلت عمان 6 من نشطاء حقوق الإنسان في مسندم من قبيلة الشحوح وحكمت عليهم بالسجن المؤبد بعد مزاعم بتعرضهم للتعذيب والحرمان من الزيارات العائلية والاحتفال بالأعياد الدينية وعدم إمكانية الوصول إلى محام. وقد احتجزوا جميعا لأشهر بتهم غامضة للأمن القومي قبل اتهامهم أخيرا بأفعال من شأنها أن تعرض السيادة الوطنية العمانية للخطر.
من هم قبيلة الشحوح؟
يبلغ عدد سكان مسندم حوالي 31.425 نسمة. في الجزء الشمالي من هذه المحافظة، يتحدث فئة قليلة من السكان المحليين الكمزارية، وهي لغة جنوب غرب إيرانية تتعلق بلاريستاني ولوري. ويبدو أن اللغة العربية القديمة التي يتم التحدث بها في المنطقة هي حوار مميز قد يكون نتج عن عزلة السكان عن بقية العالم العربي. يتكون مجتمع الشحوح الذين يسكنون قسما مغلقا بشكل خاص من المحافظة في الشمال، من عدة قبائل، ذات أصول قحطانية يعتقد بعض الباحثين أنهم قد يكونوا من السكان الأصليين في شبه الجزيرة العربية تعُرف باسم” أهل الجبال” لأنهم يعيشون في منطقة جبلية وعرة، والتي كانت دائما صعبة للغاية للغزو.لدى قبيلة الشحوح وجيرانهم الظهوريين ثقافة وتقاليد مميزة.على عكس البدو، الذين ينحدرون من العديد من القبائل الأخرى في سلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة، فإنهم ليسوا من البدو الرحل، لكنهم مارسوا معظم تاريخهم في الزراعة وصيد الأسماك.وتشكل قرى الصيد المميزة التابعة لها جزءا كبيرا من المناظر الطبيعية في مسندم الشمالية.ويقضي الشحي السنة مهاجرا بين الجبال والسواحل، حيث يزرعون خلال فصل الشتاء، ويصطادون الأسماك خلال فصل الصيف. ونتيجة لذلك، فقد طوروا سمة مميزة تتمثل في امتلاك منطقتين قبليتين وموطنين، على عكس الآخرين من حولهم. كما أنهم يرتدون ملابس وسمات مميزة أخرى.
تاريخيا، كان من الصعب حكمهم، خاصة من قبل القوى الخارجية، إذ إن العديد من القرى الشمالية كانت انفصالية وكانت في صراع مع القبائل الإماراتية، لكنهم يضعون جانبا النزاعات الداخلية لتوحيد القوى ضد السلطة المركزية في الشارقة القريبة. وعلى الرغم من أن السكان كانوا يعتبرون عمانيين وكانوا في كثير من الأحيان أكثر ارتباطا بسيادة مسقط على معاقل الإماراتيين القريبة، إلا أنهم قاموا بأعمال تجارية وممتلكات في الأراضي الإماراتية وكان لديهم في كثير من الأحيان مصالح مشتركة أخرى. كانت كل هذه الاشتباكات مصدرا للإحباط الشديد للبريطانيين، الذين قاموا في نهاية المطاف بضم أراضيهم إلى عمان في عام 1970. ومنذ ذلك الحين، عانوا من الاضطهاد والممارسات التمييزية وتدمير تراثهم وثقافتهم من قبل السلطنة التي اتخذت موقفا قاسيا ضد أي نشاط مؤيد للحكم الذاتي من قبل القبيلة.
اعتقال نشطاء القبيلة
في عام 2018، قبُض على ستة أشخاص ينتمون إلى قبيلة الشحوح، واعتُقل خمسة منهم فيُعمان (كان أحدهمُيعبر الحدود بعد عودته من رحلة العمرة إلى المملكة العربية السعودية)، وألقي القبض على شخص واحد في دبي حيث كان يقيم وكان نشطا لسنوات عديدة، بناء على طلب من السلطنة، تم تسليمه إلى السلطات العمانية. احتجز خمسة من هؤلاء الناشطين في البداية بمعزل عن العالم الخارجي في أعقاب سلسلة من الاعتقالات التعسفية، حيث لم يتم الإعلان عن تهم رسمية، ولم تتوفر لهم إمكانية الوصول إلى محام، ولم يتم إصدار أي مذكرات اعتقال بحقهم.سمح لكل من محمد سليمان محمد مزيود الشحي، محمد عبد لله أحمد بن رحمة الشحي، راشد سعيد الصلاحي الشحي، علي محمد علي المزيود الشحي، علي أحمد رجب العبيدي الشحي بمكالمة واحدة لإخطار ذويهم بالاعتقال، والتي لم يتمكنوا خلالها من التحدث بحرية، وإلا فلن يتمكنوا من الاتصال بأسرهم أو محاميهم. واعتُبر عبد لله الشحي سجين رأي من قبل المركز الأوروبي للديمقراطية وحقوق الإنسان.
بعد أشهر من الضرب وأشكال مختلفة من التعذيب وسوء المعاملة، أدُين المحتجزون في محاكمة وصفت بأنها “محاكمة جائرة للغاية”. ولم يتمكن المعتقلون من الوصول لمحام إلا بعد توجه التهم إليهم. لم تعقد سوى ثلاث جلسات للمحكمة بين اعتقالهم في أبريل 2018وإدانتهم في 24 سبتمبر. ولم يتمكن الدفاع من التحدث إلى موكليهم أو استقبال أو مراجعة أي مستندات متعلقة بالقضية قبل بدء المحاكمة. هذا يعني أن الدفاع لم يكن لديه وقت للإعداد المناسب وكان محروما بشكل كبير. ووفقا لإفادة أحد أفراد أسرة سجين، ويقيم خارجُعمان، الذي كان على اتصال بأفراد أسر المحتجزين الذين التقوا مباشرة مع المحامي، فإن التهم تشمل توزيع ونشر المعلومات التي تسيء إلى السلطات والتواصل مع مجموعات دولية من أجل تقويض استقلال الدولة. ووفقا لعائلات المعتقلين، وإلى الموقع الإلكتروني للمركز العماني لحقوق الإنسان، على الرغم من أن السجناء كانوا يعملون نحو الحكم الذاتي لمنطقتهم، لم تكن هناك حركة انفصالية أو أي أنشطة تهدف إلى تقويض الدولة أو سيادتها.
بحلول نوفمبر 2018، حكم على ستة سجناء بالسجن مدى الحياة بتهم غامضة تتعلق بالأمن القومي، بعد مشاركتهم في نشاط سلمي. لم يتم تقديم معظم التهم والأدلة إلى منظمات حقوق الإنسان، مثل منظمة العفو الدولية. أربعة من السجناء يحملون الجنسية العمانية في حين أن إثنين آخرين كانوا إماراتيين. كما حددت القضية عددا من المشتبه بهم الإماراتيين أو المشاركين المزعومين، لكن لم يتم اعتقالهم.
تقارير حقوق الإنسان تؤكد مزاعم وجود أسباب سياسية للاعتقالات والإدانات
وفقا لمنظمة العفو الدولية، استندت الإدانات الموجهة إلى محمد عبدالله الشحي والمتهمين الآخرين إلى المادة 125 من قانون العقوبات، التي تفرض عقوبة السجن مدى الحياة أو عقوبة الإعدام على “أي شخص يرتكب عمدا فعلا يؤدي إلى انتهاك سيادة الدولة واستقلال أو وحدة أو حرمة أراضيها”، والمادة19 من قانون مكافحة جرائم تكنولوجيا المعلومات، التي تجرم مواد الإنترنت “التعدي على القيم الدينية أو النظام العام”. كان محمد الشحي مدفوعا للتحدث والكتابة عن وضع مسندم من انتهاكات حقوق الإنسان بما في ذلك هدم المنازل والظروف الاجتماعية والاقتصادية السيئة في المحافظة.
وكانت هناك موجات من الاعتقالات التعسفية لسكان مسندم الذين يدافعون عن التاريخ والثقافة المحلية في المنطقة منذ عام 2015، وتقارير موثوقة عن الاحتجاز التعسفي لأفراد قبيلة الشحوح في مسندم التي يعود تاريخها إلى عام 1991 على الأقل. بالإضافة إلى ذلك، قامت الحكومة مرارا وتكرارا بهدم المنازل بحجة أنها تنتهك قوانين البناء. وغالبا ما صادرت السلطات أراضي لاستخدامها من قبل الدولة بعد هدم المنازل المبنية عليها. منذ سبتمبر 2014، أعلن” فريق الإزالة الفورية “التابع لوزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه عن الهدم الوشيك أو التام للمساكن وغيرها من الهياكل المحلية في بلديات دبا وخصب وبخا في مسندم في 15 مناسبة على الأقل. أصبح محمد الشحي ناشطا في عام 2016 في الاجتماعات والكتابة على الإنترنت لمواجهة المظالم نظرا لمعاملة الحكومة المركزية لمسندم، حيث كان يعيش ويعمل في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة.
نص الحكم على أنه في عام 2013 أو 2014، التقى الشحي بمحام فرنسي لمعرفة المزيد عن الخيارات القانونية لمسندم بموجب القانون الدولي، وأنه أثناء رحلة إلى لندن في عام 2016، حاول الاتصال بمنظمة العفو الدولية.وفي5 مايو 2018، احتجزه مسؤولو الأمن الإماراتيون في منزله بدبي وسلموه إلى الحكومة العمانية، وظل في السجن منذ ذلك الوقت.اعتقُل المتهمون الخمسة الآخرون فيُعمان (في إحدى الحالات، على الحدود) خلال فصلي الربيع والصيف 2018. وكانت إجراءات المحكمة ضد الشحي موجزة وشابتها اتهاكات متعددة للحق في محاكمة عادلة.”
في النهاية، تلقى جميع أفراد القبيلة الستة أحكاما بالسجن المؤبد على أساس المادة 125 من قانون العقوبات، التي تقضي بالسجن مدى الحياة أو الإعدام لأي شخص يرتكب عمدا فعلا يؤدي إلى انتهاك استقلال البلد أو وحدته أو حرمته أراضيه، والمادة 19 من قانون مكافحة جرائم تكنولوجيا المعلومات، التي تجرم نشر (أو حتى حيازة) مواد الإنترنت “تنتهك القيم الدينية أو النظام العام”.
بعد الإدانات، نُقل المتهمون إلى سجن سمائل في الجبال الواقعة غرب مسقط والمعروف بظروفه السيئة. واحتجز العديد من السجناء في الحبس الانفرادي لأسابيع، ثم نُقلوا إلى مبنى يضم 220 سجينا تم احتجازهم جميعا معا.وقدمنع السجناء الستة جميعهم من رؤية أسرهم لأسابيع في يناير وفي يونيو، ومنعت السلطات السجناء من التحدث إلى أسرهم خلال عيد الفطر. نظرا لأن جميع الطعون قد استنفدت، فإن وضعهم في الوقت الحالي يائس إلى حد ما. ولكن لماذا هؤلاء الأفراد الستة يخاطرون بكل شيء، بما في ذلك -في حالة واحدة- من أمَّن العيش في دبي، من أجل المشاركة في مناصرة منطقتهم؟
حملة قمعية على الحريات بعد ثورة الربيع العربي
اتخذت السلطنة موقفا متشددا بشأن أي مستوى من الحكم الذاتي لقبيلة الشحوح وفقا للمركز العماني لحقوق الإنسان. قامت السلطات بحملة على حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات في جميع أنحاء البلاد بشكل عام منذ عام2011 في ذروة انتفاضات الربيع العربي. أصبحت الاعتقالات ضد المعارضين، بما في ذلك الأقليات مثل الشحوح، شائعة في السنوات القليلة التالية.
في أحد تقارير منظمة (فريدوم هاوس)، حكم على ستة بالسجن بسبب انتقادهم للحكومة على الإنترنت. في حالة أخرى، حكم على مجموعة من الأشخاص بالسجن لمدة عام بتهمة “التجمع غير القانوني. “لكن في حالة أخرى، حكم على أربعة أشخاص بالسجن بعد أن نشر أحدهم قصيدة على الإنترنت، بزعم انتقاد السلطان قابوس. تم إلقاء القبض على مجموعة كاملة من المدافعين عن حقوق الإنسان، بما في ذلك الشعراء والصحفيين والمدونين، في موجة من الاعتقالات. وسجلت عمان باستمرار انخفاضا في حرية الصحافة والحريات المدنية الأخرى. وفقا لمنظمة العفو الدولية، خلقتعمان بيئة غير حرة داخل البلاد، إذ ذهبت السلطات إلى أبعد من مضايقة أفراد أسر المدافعين عن حقوق الإنسان. وعلى الرغم من سمعتها باعتبارها واحة للسلام في منطقة مضطربة، فإن هجمات عمان على الصحافة تنافس، وربما تجاوزت، معظم البلدان القمعية الأخر؛ فلدى السلطنة صحيفة رسمية واحدة، تم إغلاق معظم الصحف الخاصة، والمنشورات والمجلات على الإنترنت التي تعرضت إما للضغوط للإغلاق من قبل أجهزة الأمن أو تم حظر مواقعها على شبكة الإنترنت.
وفقا للمركز العماني لحقوق الإنسان، أعطت المادة 20 من المرسوم السلطاني وزارة الداخلية السلطة المطلقة لسحب جنسية أي شخص تثبت إدانته بالعمل لدى حزب أو دولة تتعارض مع مصالح عمان. ومع ذلك، فإن المادة صيغت بطريقة فضفاضة، ووفقا لتحليل المركز العماني لحقوق الإنسان، تُستخدم هذه المادة ضد أي جزء من الصحافة يتضمن انتقادات للسياسات الحكومية أو الكشف عن الفساد.
قمع الخطب والتجمع والتعبير في جميع أنحاء البلاد
ويبدو أن المشتبه الرئيسي في هذه التحقيقات هو دولة الإمارات. في الواقع، أي مسألة خلاف مع السلطة أو أي انتقاد لها قد يواجه بحجج مرتبطة بانتهاك الأمن القومي أو اتهام بالتجسس من نوع ما، والتي تسمح بالاحتجاز إلى أجل غير مسمى، ومحاكمات سرية. وبالتأكيد هذا يؤدي إلى عدم القدرة على النشر أو التعبير عن الآراء التي تنتقد أي جانب من الحكم داخل السلطنة. وهناك مقالات على نفس خط السلطة تنتقد كل من يختلف مع السلطة وينتقد الفساد. لكن لماذا هناك الكثير من الانتقادات على الفساد؟ على الرغم من الثروة الهائلة في الموارد الطبيعية، فإن البلاد غارقة في الفقر حيث يستفيد المسؤولون الحكوميون والعائلة المالكة من النفط، في حين أن معظم أنحاء البلاد تعاني من البطالة وتدني الرواتب والاعتماد المفرط للبلاد على النفط، والذي يعني عدم وجود تنوع اقتصادي.
علاوة على ذلك، وفي انتهاك صريح للمادة 20 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، قامت السلطنة بقمع التجمعات السلمية للأفراد، ربما خشية أن تؤدي أي مظاهرة أو مسيرة إلى احتجاجات جماعية وأعمال شغب مثل ما حدث في مصر وغيرها من الأماكن في المنطقة. في الواقع، نص المادة 121 من قانون العقوبات العماني المنقح صراحة على أن التجمعات العامة، سواء كانت سلمية أو غير ذلك، تشكل جريمة يعاقب عليها جميع المشاركين. وما يعنيه هذا في الممارسة العملية هو أنه حتى بعض الأفراد لا يمكنهم التجمع لمناقشة أي شيء لفترة طويلة من الزمن خوفا من السجن لمدة عام.
تطبق أحكام السجن على مختلف الانتهاكات بصرامة. فمن وفاة دبلوماسي سابق، تحول إلى ناشط، في السجن بعد الحكم عليه بتهمة الإلحاد وإهانة السلطان، إلى الحكم على مجموعة من النشطاء والصحفيين والمدونين الآخرين بالسجن والغرامات بسبب مجموعة من الجرائم المشبوهة تتراوح بين التجديف إلى نشر المنشورات على شبكة الإنترنت. وواصل أعضاء قبيلة الشحوح المدانون بمختلف الانتهاكات التواصل مع منظمات حقوق الإنسان المختلفة كل أنواع القمع على ثقافتهم منذ توحيد السلطنة في عام 1970، وتم ضم مسندم إليها، وكذلك نشروا على موقعهم الإلكتروني الذي أغلقته الحكومة.
اضطهاد خاص ضد قبيلة الشحي
بالإضافة إلى أنواع الانتهاكات المرتكبة ضد الحريات المدنية الشائعة في جميع أنحاء البلاد، تعمل سلطنة عمان بشكل منهجي لقمع ثقافة وهوية الشحوح الأصليين. لقد وثقت وزارة الخارجية الأمريكية باستمرار مزاعم التمييز وسوء المعاملة والمضايقة على أيدي السلطات في حق أعضاء الشحوح الذين اشتكوا من ظروفهم. وشملت هذه القضايا:
- هدم القلاع والحصون والآثار التاريخية، وقد تم ذلك بهدف خلق مظهر متجانس للثقافة العمانية، حيث هدم قلعة دبا القديمة في عام 1985 لتحل محلها نسخة حديثة المظهر.
- مصادرة أراضي وممتلكات السكان الأصليين، يرتبط بعض ذلك بمضايقة بعض أفراد القبيلة الذين يحملون الجنسية الإماراتية. والسبب الآخر يشبه سياسة إيران في محافظة خوزستان المهمة استراتيجيا من حيث تهجير السكان ومصادرة أراضيهم التي جل سكانها من العرب الأحوازيين ويتركز فيها معظم النفط الإيران، وبالمثل تقع مسندم في موقع إستراتيجي هام بالقرب من مضيق هرمز، وتسكنها قبيلة من المحتمل أن تكون متمردة أو غير متماسكة أو معرضة للتعاطف مع دولة الإمارات العربية المتحدة الذي يعرض السلطنة على خطر السيطرة على مجالها، وبالطبع أيضا توجد بها نقاط تهريب لإيران.
- اتباع سياسة المضايقة والقمع لإجبار المواطنين على مغادرة أماكنهم وتهجير السكان من المنطقة، نفسهاتلك السياسة المتعلقة بالتغيير السكاني المذكورة أعلاه من أجل الحفاظ على السيطرة المتصورة.
- القضاء على الهوية الوطنية من خلال تجريم الالتزام بالأعراف والتقاليد ولبس الزي المحلي وفرض عليهم تلك المستوردة الأجنبية -يشبه هذا ما تقوم به إيران في قمع الهويات الثقافية للقوميات غير الفارسية، والغرض من ذلك هو ضمان امتثال مجموعة الأقليات للحكومة وكذلك لإيجاد شعور بالعداء من القبائل الأخرى ضد ثقافة فريدة من نوعها التي يمكن إلقاء كل اللوم عليها في كل المظالم- كذلك تسعى عمان بشكل أساسي إٕلى فرض قومية ثقافية مركزية على حساب ثقافات ما قبل السلطنة.
- إنشاء القواعد والمراكز العسكرية والأمنية بما يكبح جماح السكان ومصادرة مساحات شاسعة من الأرضي، وترتبط هذه الأهداف بالسيطرة العسكرية على المنطقة بسبب أهمية مضيق هرمز وإيصال الأسلحة ونقاط التهريب من قبل إيران. نظرا لأن العديد من أفراد القبيلة قد انتقلوا إلى الإمارات العربية المتحدة، التي انضمت إلى المملكة العربية السعودية في معارضة دعم إيران للحوثيين في اليمن، وهناك قلق متزايد من أن أقاربهم الباقين سينقلون المعلومات الإستخباراتية المتعلقة بعمليات التسليم إلى الإماراتيين أو تسبيب قلاقل.
- سن قانون دكتاتوري ومطلق على أساس مصادرة الممتلكات للمصلحة العامة لمصادرة الأراضي والممتلكات من السكان لغرض الاستغلال الأمني أو لخدمة السلطات فقط، والعائلات التي فقدت أراضيها نتيجة لذلك لا يتم تعويضها ولا يحق لها استئناف عمليات المصادرة هذه، إذ تشير الحكومة إلى أسباب أمنية أو قانونية غامضة.
- إهمال البنى التحتية الصحية والتعليمية حيث يتلقى أطفال المنطقة معظم علاجهم في الإمارات. ترك السكان دون أي كلية أو جامعة ولهذا عليهم أن يعانوا من مشكلة السفر لمسافة 400 كيلومتر إلى مسقط للدراسة، على الرغم من قدرة السلطات على بناء مراكز وقواعد عسكرية.لا تعتبر السلطنة أن الشحوح قبيلة مهمة أو قوية من بين قبائل السلطنة.فهم مجرد مزارعون وصيادون لا حول لهم ولا قوة ولا يضاهون سلطة الحكومة. علاوة على ذلك، فإنهم سنيون على عكس الحكومة الأباضية، وعلى الرغم من السماح لهم بممارسة دينهم، فبفضل تقارب عمان المتزايد مع إيران، أصبح التمييز الديني مشكلة. علاوة على ذلك، لا ترغب الحكومة في أن تزدهر القبيلة أو أن تكون متعلمة أو قوية للغاية بسبب تاريخها في الحكم المستقل والمتمرد وعلاقاتها الأسرية الوثيقة مع الإمارات العربية المتحدة.
- إغلاق العديد من المناطق التي تمنع السكان من الدخول بحجة “إنها منطقة عسكرية مغلقة”. ينتاب السلطنة هاجس مواجهة الجواسيس الإماراتيين وهو هاجس وهمي إلى حد كبير، والتي يبدو أنها تتربص في كل مكان في المحافظة على الرغم من السيطرة المشددة. جزء من أسباب ذلك، بالطبع هو القرب الحدودي للبلدين، وبالطبع الروابط العائلية بين القبيلة في عمان وبين نظرائهم الإماراتيين. وهناك مسألة أخرى هي انتشار المهربين الإيرانيين، ومن الناحية النظرية سيساعد في تسلسل الجواسيس من خلفيات مختلفة للتطفل على جميع أنحاء المنطقة. ومع ذلك، فهي أيضا وسيلة لزيادة اضطهاد السكان ومنح المسؤولين الحكوميين الفاسدين والمقربين أراضي في المنطقة.
- تزوير تاريخ المنطقة وتشويه الحقائق لخدمة مصالح ذاتية؛ السلطنة تحتاج إلى سبب لحرمان القبيلة من أي تاريخ يدل على الحكم الذاتي وجميع جوانب ثقافتهم الفريدة، والعلاقات مع الإمارات. لا ترغب سلطنة عمان في الوصول إلى موقف يؤدي إلى المطالبات الإقليمية المحتملة من جانب دولة الإمارات العربية المتحدة بسبب تعاونها الوثيق مع إيران مما يعرض أمن دولة الإمارات للخطر، ولا إلى استخدام جزء من سكانها ضد سيادتها وسياساتها.
- مصادرة جميع المعالم الأثرية والممتلكات التاريخية الهامة ووضعها في متاحف مسقط. ترغب الحكومة في أن تكون السلطة المركزية المسؤولة عن التاريخ، وهذه هي إحدى الطرق لتمجيد وتوسيع قوتها. علاوة على ذلك، فإن مسقط هي مركز هذه القوة، ومنذ توحيدها، كان التركيز الأساسي لجميع مشاريع الترميم والاقتصاد على مسقط.
- حرمان السكان من مياه الشرب النظيفة؛ يشتري السكان كل احتياجاتهم من المياه الصالحة للشرب من محطات المياه في الإمارات العربية المتحدة على نفقتهم الخاصة. بالنسبة للحكومة، فإن المحافظة ذات أهمية عسكرية وأمنية للحكومة، ونسبة الشحوح صغيرة جدا من إجمالي عدد السكان السلطنة، وبالتالي لا تحتاج الاهتمام الكبير من حيث الحقوق الإنسانية. على العكس من ذلك، تجد السلطنة أنه من الأفضل قمع القبائل التي كان لها تاريخ من التمرد من أجل السيطرة عليها.
- الإهمال المتعمد لتلوث المياهفي اليابسة وفي البحر. تعكس هذه الاستراتيجية الجهود المماثلة التي تبذلها إيران لقمع سكانها إلى حد كبير من غير الفُرس من خلال السدود المتعمدة لتحويل الأنهار وغيرها من السياسات غير السليمة بيئيا التي أسهمت في الجفاف والعديد من الكوارث الإنسانية والفيضانات المميتة والمدمرة وتدهور مهنة الصيد وتغير المناخ. جزء من ذلك هو الازدراء العرقي، وجزء منه هو بذل جهد متعمد لممارسة الهيمنة والسيطرة على المنطقة بجعلها غير قابلة للسكن لأولئك الذين يقطنونها. هذا جزء من استراتيجية إزالة سكان مسندم وجعلها نقطة تهريب أسهل.
- إنشاء كسارات الأحجار في المناطق البحرية التي يعتمد عليها السكان في صيد الأسماك من أجل كسب الرزق وتلويث المنطقة بالغبار والتفجيرات المستمرة المزعجة لصالح أحد وزراء الحكومة، وليس الحكومة. ويشبه هذا التعامل ما قامت به طهران في خوزستان عام 2019، عندما تم تحويل مياه الفيضان عن عمد إلى مزارع أهواز عربية لتجنب إغراق منصات النفط التي تسيطر عليها الصين. وبالمثل يتم التضحية بالناس العاديين لأسباب فاسدة لإنقاذ ممتلكات المسؤولين الحكوميين.
- تعريض حياة سكان المنطقة للخطر من خلال عدم حماية الحدود البحرية مع إيران، مما أدى إلى دخول المهربين (المخدرات والأسلحة) مما أسفر عن جرائم القتل والسطو المسلح على أيدي العصابات وتبادل إطلاق النار بالقرب من الشواطئ. ومن وجهة نظر السلطنة، فمن الأفضل لو لم يكن للسكان المحليين وجود على الإطلاق ما داموا لا يرغبون في التغاضي عن عمليات التهريب وتجاهلها.
- هدم وإزالة منازل سكان المناطق الجبلية التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين والتي حافظ عليها أصحابها لغرض الاستمرار في العيش هناك بتقديم ذرائع غير صحيحة، وأسباب ذلك هي نفسها المذكورة أعلاه: تهجير السكان، والتشويه والسيطرة على التاريخ، واستخدام المناطق الجبلية للتهريب والعمليات المختلفة.
- سياسة خطف واعتقال ومصادرة آراء كل من يحاول توضيح وجهة نظره، قد تصل العقوبات المفروضة إلى أكثر من خمس سنوات؛ العديد من سكان المنطقة سجناء رأي ولا يزالون في السجون ومعسكرات الاحتجاز العمانية. لقد عوملوا في السنوات الأخيرة معاملة أقسى في هذا الجانب من بقية الشعب بسبب الصلات المتصورة بالإمارات العربية المتحدة. هذه طريقة لإرسال الرسالة إلى المجتمع الدولي وجيران سلطنة عمان بعدم التدخل أو التعدي على ما تعتبره سيادتها.
ومع ذلك، لم تعد هذه الانتهاكات موجودة باللغة الإنجليزية بعد أن حرصت الحكومة على إزالة أي إشارات إلى هذه القضايا التي رصدها نشطاء حقوق الإنسان الموجودون الآن في السجن. ولهذا ستبقى قضية الشحوح مجهولة إلى حد كبير دون اللجوء إلى المجتمع الدولي للإغاثة القانونية والسياسية والإنسانية.
توصيات للحكومات الغربية والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الأكاديمية
- الضغط على السلطنة لقبول الزيارات الإنسانية لأفراد القبيلة المدانين.
- تشجيع الدراسات الأكاديمية في التاريخ والثقافة واللغة والقضايا السياسية وحقوق الإنسان المتعلقة بقبيلة الشحوح من أجل الحفاظ على سماتهم الفريدة، وكذلك الدفاع عن حقوقهم.
- لا ينبغي لرؤساء الحكومات الغربية والمدافعين عن حقوق الإنسان أن يكتفوا بهذه الإدانات غير المعقولة، بل يجب أن يضغطوا علىعمان لتعليق الأحكام المتبقية، والإفراج عن جميع الشحوح وغيرهم من سجناء الرأي فورا، وإلغاء جميع الأحكام الصادرة بحقهم، والسماح بإجراء اتصالات مع مدافعي حقوق الإنسان، والاستماع لمظالمهم.
- يجب إخضاع مسؤولي الحكومة العمانية الفاسدين والمتورطين في الإساءة والاحتجاز التعسفي، وأحكام السجن على المدافعين عن حقوق الإنسان، بما في ذلك الشحوح، لعقوبات تحت قانون ماغنيتسكيMagnitsky-type sanctions في البلدان التي تنفذ فيها هذا القانون، وغيرها من العقوبات ذات الصلة بحقوق الإنسان.
- علاوة على ذلك، فإن اضطهاد الحكومة لقبيلة لا حيلة لها وعلى الأنشطة السلمية لا يعزز أمنها الداخلي. إن أهم ما يؤدي إلى الاضطرابات ليس حرية التعبير بل الفساد الجامح الذي يسهم في التمليك والقوانين التعسفية للغاية والتعاون الوثيق مع إيران ومختلف العصابات الإجرامية التي أسهمت في تصاعد الجريمة وإراقة الدماء في المناطق المعرضة للخطر.
- كانت التغطية الإعلامية الحكومة لقاضيا الشحوح غير موضوعية؛ إذ يجب على المراسلين والصحفيين النظر في الادعاءات المتعلقة بالدمار البيئي والتلوث، كما يجب على المنظمات التي تدافع عن حرية الصحافة أن تدافع عن حقوق الصحفيين والمدونين والكتاب والناشطين الذين عانوا أثناء تزويد السكان بمعلومات دقيقة أو انتقاد سياسات الحكومة سلميا.
- يجب التحقيق في الخطر الذي يتعرض له السكان المحليون في مسندم من المهربين الإيرانيين والعصابات الإجرامية. إن انتهاكات حقوق الإنسان هذه تمكن في نهاية المطاف الإرهاب الإيراني والحوثي في المنطقة وترتبط ارتباطا وثيقا بالمخاوف والاعتبارات الأمنية الدولية.