في ضوء الأوامر السامية في 22 ديسمبر 2013 والتي نصت على “إعداد الرؤية المستقبلية 2040 وبلورتها وصياغتها بإتقان ودقة عالية في ضوء توافق مجتمعي واسع ومشاركة فئات المجتمع المختلفة، حيث تكون مستوعبة للواقع الاقتصادي والاجتماعي ومستشرفة للمستقبل بموضوعية ليتم الاعتداد بها كدليل ومرجع أساسي لأعمال التخطيط في العقدين القادمين” أقيم المؤتمر الوطني لرؤية عمان 2040 في السادس والعشرين من شهر يناير الماضي. بهدف وضع رؤية اقتصادية واجتماعية تستشرف مستقبل الدولة والمجتمع العماني علي أسس واقعية.
شارك في المؤتمر الوطني والذي انعقد على مدار يومين جموع كبيرة تمثل أغلب قطاعات وشرائح المجتمع من أجل مناقشة الوثيقة الأولية لرؤية عمان 2040 ترسيخا لمبدأ التشاركية في صياغة رؤية المستقبل. كما شارك مجموعة كبيرة من الخبراء الاقتصاديين والسياسيين ورواد الأعمال الدوليين من بينهم ريكاردو هوسمان كبير خبراء الاقتصاد لدى البنك الأمريكي للتنمية سابقًا، وأستاذ ممارسات التنمية الاقتصادية في جامعة هارفارد، ومدير مركز التنمية الدولية، وميشيل اليوت ماري دبلوماسية فرنسية تحمل عدة حقائب وزارية، وباسل النحلاوي المدير العام لمنطقة الخليج في شركة كريم، وستيفان فيرهولست المؤسس المشارك ورئيس قسم الأبحاث والتطوير(GovLab)، وكيشور ماهبوباني كبير المستشارين (الجامعة والعلاقات العالمية) وأستاذ في ممارسة السياسة العامة في جامعة سنغافورة الوطنية، وفيكي هولوب الرئيس والمدير التنفيذي لشركة “أوكسيدنتال بتروليوم، بالإضافة إلى خوليو سافيدرا مستشار سياسات (متعاقد) بمكتب مستشار الدراسات والبحوث بديوان البلاط السلطاني، وكيكو هوندا نائبة الرئيس التنفيذي لوكالة ضمان الاستثمار متعددة الأطراف”ميجا”، ومايكل خولي مؤلف ومفكر عالمي ومتحدث ومستشار وأحد مؤسسي جمعية الشرق الأوسط للقيادة، وغيرهم.
وبحسب المسودة المنشورة في 11 سبتمبر 2019 لوثيقة الرؤية، كانت الأولويات الوطنية التي تعمل عليها الرؤية هي إعادة تشكيل العلاقة والأدوار بين القطاعين الحكومي والخاص ومؤسسات المجتمع المدني، مع ضمان إدارة اقتصادية فعالة واقتصاد عماني متطور ومتنوع ومستدام، مع مراعاة التوزيع العادل لمقدرات التنمية بين المحافظات وحماية الموارد الطبيعية. وانطلاق تلك الأولويات من ثوابت المواطنة والهوية العمانية الأصيلة؛ لتحديث منظومة التعليم ودعم البحث العلمي والابتكار، وتطوير الأنظمة والخدمات الصحية، ومكونات الرفاه المجتمعي وخدماته الأساسية، لجميع فئات المجتمع وشرائحه. إضافة لقضايا الحوكمة وموضوعاتها كأولوية لما تملكه من تأثير على الأولويات الوطنية. من حيث تفعيل الرقابة والاستخدام الفاعل للموارد الوطنية وتحقيق مبادئ النزاهة والعدالة والشفافية والمحاسبة والمساءلة؛ بما يعزز الثقة في الاقتصاد الوطني ويدعم تنافسية جميع القطاعات في ظل سيادة القانون.
تشتمل رؤية عمان 2040 على أربعة محاور ويشمل كل محور عدة ركائز
- محور الإنسان والمجتمع
ويرتكز على تعزيز الرفاه الاجتماعي عن طريق إرساء مبدأ العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع العُماني، بحيث ينعمون بالرعاية الاجتماعية ويكونون قادرين على التعامل مع المجتمعات الأخرى. ويولي اهتماما خاصا بدعم المرأة والاهتمام بالشباب وذوي الإعاقة والمسنين. إضافة لتمكين مؤسسات المجتمع المدني. كما يرتكز هذا المحور على المحافظة على الهوية العمانية والتراث العماني إضافة للارتكاز على تطوير الكفاءات والقدرات الوطنية عن طريق إعلاء قدر المواطنين من الكفاءة العلمية والعملية عن طريق إكسابهم المهارات المطلوبة للمستقبل
- محور الاقتصاد والتنمية
ويرتكز على تحقيق الثروة من خلال اقتصاد متنوع مع تمكين القطاع الخاص، بهدف بناء اقتصاد متنوع وديناميكي ومتفاعل مع معطيات العولمة يكون قادرا على المنافسة الدولية وتلبية احتياجات المواطنين في الحاضر والمستقبل على أن يكون للقطاع الخاص دور بارز في الاقتصاد. كما تهدف إلى تحقيق التنويع الاقتصادي بما يضمن استمرار معدلات النمو الاقتصادي المقبلة مع انخفاض الطلب على النفط كمصدر أساسي للطاقة في المستقبل. إضافة لركيزة أخرى وهي تحقيق تنمية متوازنة للمحافظات بهدف تذويب أي فجوة تنموية بين المحافظات المختلفة. مع الارتكاز على المحافظة على البيئة وإنشاء بنية أساسية حديثة ونظام عمراني متكامل.
- محور الحوكمة والأداء المؤسسي
ويرتكز على تحسين فعالية الحوكمة والأداء المؤسسي وسيادة القانون
تهدف هذه الركيزة إلى تعزيز فعالية الحوكمة وسيادة القانون، إضافة لرفع كفاءة الأجهزة الحكومية وزيادة درجة التنسيق بينها وتعزيز ثقة المواطن فيها، وذلك من خلال إطار مؤسسي يعمل على تفعيل القوانين والممارسات التي تحدد الصلات والتفاعلات بين ذوي العلاقة، ويساعد في إيجاد نظام مساءلة فاعل وشفاف، ويحدد أولويات التوزيع الأمثل والعادل للموارد
خرجت رؤية عمان 2014 بثلاث عشرة أولوية وطنية
تستهدف تعليما وتعلما شاملا ومستداما، وبحثا علميا يقود إلى مجتمع معرفي ذي قدرات وطنية منافسة، ونظاما صحيا رائدا بمعايير عالمية، تعزيزا من قيمة المواطنة والفخر بالهوية الوطنية، الرفاه والحماية الاجتماعية وتحقيق حياة كريمة ومستدامة للجميع، قيادة وإدارة اقتصادية ديناميكية بكفاءات متجددة تعمل في إطار مؤسسي متكامل، الاقتصاد المتنوع والمستدام القائم على المعرفة والابتكار والمستوعب للثورات الصناعية والذي يحقق الاستدامة المالية، إنشاء سوق عمل جاذب للكفاءات ومتفاعل مع التغيرات الديموغرافية والاقتصادية والتقنية، قطاعا خاصا ممكّن يقود اقتصادا تنافسيا ومندمجا مع الاقتصاد العالمي، تنمية شاملة جغرافيا تتبع نهجاً لامركزيا وتطور عددا محدودا من المراكز الحضرية الرئيسة، واستخداما أمثل ومستداما للأراضي، استخداما أمثل ومتوازن للموارد الطبيعية واستدامتها دعما لأمن الطاقة والاقتصاد الوطني،
منظومة تشريعية تشاركية، ونظاما قضائيا مستقلا متخصصا وناجزا، ورقابة فاعلة وشفافة، شراكة متوازنة ومتكاملة بين القطاعين الخاص والحكومي، ودورا تنظيميا فاعلا للحكومة، وخلق جهاز حكومي مرن مبتكر وصانع للمستقبل قائم على مبادئ الحوكمة الرشيدة
على الصعيد المجتمعي في السلطنة تباينت ردود الفعل على المؤتمر وعلى وثيقة الرؤية. ففي ثلاثة مقالات متتابعة كتب الصحافي مرتضى بن حسن بن علي في شؤون عمانية، متسائلا عن الرؤية المستقبلية وعوامل نجاحها. متسائلا حول مدى إمكانية تحقيق أهداف ومؤشرات الرؤية واصفا إياها بالرؤية الطموحة جدا وربما بعضها تتسم بالعمومية، مبررا تلك الشكوك والتساؤلات بما يراه البعض من فشل السلطنة على تنفيذ ما خطط سابقا ابتداءً من الخطة الخمسية الأولى ١٩٧٦-١٩٨٠ ومرورا بوثيقة “عمان ٢٠٢٠” ووصولا إلى الخطة الخمسية التاسعة ٢٠١٦ -٢٠٢٠، لاسيما في مجال تنويع مصادر الدخل و التعليم. كما ركز في المقال الأول على وضع بعض التعريفات المهمة لمصطلحات كالهدف والاستراتيجية طارحا خمسة متطلبات يراها مهمة لتحقيق أي سياسة تنموية ورؤى مستقبلية وهي:
1-أن تكون هناك أهداف عامة مرغوب فيها ومطلوب تحقيقها، وتكون هذه الرغبة وهذا الطلب موضع اقتناع وإجماع من جميع وحدات السلطة التنفيذية وأغلبية وطنية، مقتنعة بها، أو يجري إقناعها، لكي تصبح كل الأطراف على استعداد للعمل من أجلها والبذل في سبيلها وتحمل الآثار الجانبية المصاحبة.
2-أن يكون الهدف واضحا ومحددا، لأنه ليس أخطر في السياسة من الرؤى الغائمة والحركات التي لا ترى لنفسها مقصدا واضحا تركز عليه بصرها باستمرار.
3-أن يكون لهذا الهدف إمكانية فعلية أو مضمونة أو على الاقل محتملة بنسبة عالية تسمح بتحقيقه، فليس هناك فائدة من أهداف مهما كانت واضحة ومحددة إذا كانت الوسائل والأدوات الضرورية لنيلها ليست موجودة وليست محتملة أو غارقة في الشكليات والعموميات.
4-أن تتكفل الحياة العامة بأن تعطي لإدارتها أصلح وأنضج العناصر المهيئة لتحمل المسؤولية، وطنية كانت أو دولية مشهودة، بما يوفر درجة معقولة من الكفاءة يحقق للهدف حدا مأمونا ومضمونا من فرص النجاح.
5-من الضروري أن يتم التعبير عن أي هدف من أهداف الرؤية، بمقادير كمية ونوعية قابلة للمتابعة والتحقق من قبل جهات رقابية كفؤة ومستقلة ويكون من حقها الرقابة على إدارة العملية التنفيذية في مجملها، ومراقبة اية صعوبات أو إنحرافات قد تحصل.
كما طرح في المقال الثالث بعض التساؤلات المهمة حول الرؤية المستقبلية عمان 2040 وكان من أبرزها أن الهدف الأول والأهم وهو تنويع مصادر الدخل القومي لتقف إلى جوار الإيرادات النفطية وتحل محلها مستقبلا تضمنته خطة 1976-1980 وكل الخطط الخمسية التالية بعد ذلك، ويحق أن نتساءل هنا ما الآليات التي تضمن عدم تكرار فشل تحقيق تلك الأهداف في رؤية 2040 مشيرا إلى أن الخطط والقرارات السابقة لم تصل إلى عمق جذور مشاكل عدم القدرة على الوصول لتلك الأهداف.
ويتساءل هل بعض الإدارات لم تكن مدركة لعمق المشاكل التي تواجه عمان أم كانت تواجه صعوبات في تنفيذ القرارات والتوصيات لسبب ما، ومن تلك التي قد تكون كامنة في داخل النظام الإداري للدولة؟ أم أن الإطارات اللازمة لتنفيذ تلك الخطط والأهداف لم تكن متوفرة أو غير مهيئة؟
علي وسائل التواصل الاجتماعي تباينت ردود الأفعال والتساؤلات حول الرؤية وآليات تطبيقها أيضا.
على موقع تويتر غرد السعد: السؤال الشاغل.. ولم يجد المواطن بالاجابة الواضحه كيف ننتقل إلى رؤية عٌمان 2040 ورؤية 2020 لم تر النور..هل هناك مسؤول رشيد يستجيب لنا..
كما غرد عدنان أمبوسعيدي مرفقة صورة تجمع بيل جيتس ومارك زوكربيرج قائلا: رؤية ٢٠٤٠ محتاجة فقط هؤلاء الاثنين وسوف يتم تحقيق الرؤية خلال عام واحد، عندهم ثروة توازي ثروة عمان لعشرين عام قادمة فهم يملكون ثروة تقدر ب (١٧٥) مليار دولار.
وغرد محمد المردوف أبوعبد الله: التغيير أمر حيوي والتجديد أكثر حيوية لذا أرى أنه من الضرورة بمكان أن تكون هناك رئاسة جديدة للشورى المرحلة القادمة مرحلة بناء نهضة جديدة للسلطنة عبر رؤية عمان 2040 وتحتاج دماء جديدة على كافة الأصعدة.
وغرد يوسف الحسني: علينا أن نسعى لتحقيق أفضل النتائج من خلال التعليم والتدريب الفعال ويجب أن نفهم لماذا نحن متأخرون بالارتباك وحالات الضعف في كافة القطاعات الاقتصادية تتطلب إعادة النظر في كل ما فات وخاصة رؤية عمان ٢٠٢٠ وعلى القائمين في رؤية عمان ٢٠٤٠تقييم الرؤية السابقة وأخذ الدروس والعبر.
وقال بدر: هل وجهة عمان لعام ٢٠٤٠ واضحة، هل توظف كل الباحثين، هل ستكون شواغر عمل، الأمس واليوم تخرجت دفعات من الشباب، هذه قضية حارة، حارة حارة.
رؤية عمان 2040 باتت هي القضية الأهم في عمان، وضعت في الأساس كخطة طموحه ، وبين مؤيد لتلك الخطة ومتخوف من طموحها الزائد، باتت هي القضية الأهم التي تشغل الرأي العام العماني. ويتم ربط كل حدث بمدى فائدته أو ضرره للرؤية المستقبلية. فتحت وثيقة الرؤية مجال النقاش حول المستقبل ويبدو أنه سيستمر.