يروي أحد الجنود البريطانيين أحداث انقلاب السلطان قابوس بن سعيد على أبيه السلطان سعيد بن تيمور عام 1970، بدايةً من مجيء الأوامر إليهم وكيف قاموا بتمويه الانقلاب بإضافة الجنود العُمانيين العرب إليه حتى لا يبدو وكأنه انقلاب بريطاني على السلطان، كما يروي الأحداث الأخيرة في عهد السلطان سعيد وكيف وقّع على وثيقة التنازل.
نشرت صحيفة TheTimes البريطانية بتاريخ 19 يناير، مقالًا به مقتطف من كتاب إلكتروني كتبه الضابط السابق بالقوات المسلحة السلطانية، راي كان، والذي يحمل عنوان “انقلاب عمان أو Coup d’Etat Oman”. تنشر مواطن المقال مترجمًا إلى العربية:
ساعدت سلطان عُمان في الاستيلاء على السلطة
منذ 50 عامًا تقريبًا، عندما كان عمري 25، كنت في قلب الانقلاب الوحيد الذي نفذه جنود الجيش البريطاني في الذاكرة الحية. إذ قام السلطان قابوس بن سعيد، حاكم عُمان الذي تلقى تدريبه في ساندهورست، والذي توفي الأسبوع الماضي، بخلع والده السلطان سعيد بن تيمور في 23 يوليو عام 1970. ولم يكن بالضبط الانقلاب الأبيض الذي تم بدون إراقة دماء كما يروج له التاريخ الآن في غالبية الأحيان.
كنتُ رائدًا في كتيبة فوج الصحراء التابعة للقوات المسلحة السلطانية عندما جاءتنا الأوامر في قاعدتنا في صلالة. إذ قال لنا قائدنا تيدي تورنيل: “يا سادة، لقد تلقيت الآن خطابًا من ابن السلطان”، وتابع تيدي الأوامر قائلًا: “أمنوا قصر الحصن واحتجزوا السلطان”.
كانت لدينا ساعة لجمع 30 جنديًا غريبًا، كانوا مزيجًا من العرب العمانيين والباكستانيين البلوشيين، لإطلاعهم على هذه الأوامر والإغارة على القصر، الذي كان يبعد 4 أميال، و”مؤمنًا تأمينًا شديدًا”. انضم إلينا قسم آخر من كتيبة فوج الصحراء كله من العرب العمانيين، لتمويه ما كان يمكن أن يعتبر انقلابًا بريطانيًا إن لم ينضموا إلينا. كانت ستدور رحى المعركة بين 140 شخصًا من كتيبة فوج الصحراء ضد قوة معادية محتملة مكونة من 950 شخصًا.
هل أخبر الرجال بأننا ذاهبون لإقصاء الرئيس؟ الشخص الذي أقسموا له بالولاء؟ كذبتُ على الرجال قائلًا: “هناك مشكلة في قصر الحصن والسلطان طلب مساعدتنا”، عندها سأل قائد فصيلة عربية ببساطة: “هل سنعود في الوقت المناسب لتناول العشاء؟”.
عندما وصلنا للقصر لم يكن هناك أي شخص على مد البصر. تخليت عن فكرتي بإطلاق صواريخ على الأبواب، وقدت الرجال ونحن نهرول باعتدال في خط واحد لعبور ما كان يمكن أن يكون ساحة قتال. وصلتُ إلى القصر وطرقت الباب.
قام شاب مسلح ناعم اللحية بدس رأسه عبر المدخل النصف مفتوح، فضربته بعقب بندقيتي في وجهه.
بعد ذلك، وصل حوالي 15 حارسًا متفاجئًا ليجدوا بنادق مصوبة إلى رؤوسهم. وفي وقت قصير كنا قد تغلبنا عليهم ودخلنا للقصر، لم ترق أي قطرة دماء إلا ما سقط من أنف نازفة أو شفاه مجروحة. عنصر المفاجأة أنجز الكثير أيضًا، أو هكذا ظننت.
نزلنا في خطوط متعرجة للأروقة غير المضاءة وتحركنا في الأركان المظلمة حتى سمعنا دوي الرصاص فوق رؤوسنا. السلطان وجدنا، وكنا هدفًا سهلًا. أطلقتُ مخزن بندقيتي ثم أمسكت بسلاحي الآلي، وأطلقت نحو 50 رصاصة بشكل دائري. وتم إلقاء قنبلة يدوية.
انطلقت مع مجموعة صغيرة، تاركًا معظم رجالنا مع الرقيب أول، مررتُ بجسدٍ غارقٍ في بركة من الدماء، بعدها بقليل كنا في غرفة أعلى غرفة السلطان، وكان يطلق النار في السقف، لقد حاصرناه.
قفزت إلى الفناء في الأسفل، وكان السلطان خلف باب زجاجي مغلق ومضاد للرصاص، أخذت قنبلة فسفورية من حقيبتي وطلبت من زميلي، الضابط ريتشارد وود، أن يوجه رصاص سلاحه الآلي إلى الباب. كنت بحاجة إلى ثقب عرضه 3 بوصات، ليكون كبيرًا بما يكفي لإلقاء قنبلتي اليدوية من خلاله.
محتميًا خلف ركن في موقع أدنى، أمرني تورنيل أن أنسحب، كان ينتوي التفاوض مع السلطان. قلت في نفسي: “تبًا لذلك”.
أخبرتُ السلطان، مستخدمًا اسمه – سعيد- كما لو كنا زملاء دراسة، أنني أمتلك قنبلة يدوية وأمرته بالاستسلام. كنت آمل، أنه سيظن الأسوأ بي ويفترض أنني سألقيها. لحسن الحظ، ظن الأسوأ بالفعل، وبإنجليزية سليمة، وبنبرة هادئة وبضبط نفس، عرض الاستسلام.
وقف السلطان بدشداشته الملطخة بالدماء محاطًا بحراسه المصابين، أحدهم وهو يسلّم مسدسه خرجت منه رصاصة أصابت الأرض وارتدت في عضلة ساقي اليسرى.
وُضع السلطان على نقالة كان قماشها ملطخًا بالدماء وعولجت جروحه. لكنه رفض التوقيع على وثيقة تنازل قدمها له تورنيل، قائلًا: “لا أرغب في أن أعيش في عوز لبقية حياتي”.
أصر تورنيل قائلًا: “سعيد، لقد اكتفيت من هذا الأمر، وقد أصيب أحد ضباطي للتو، وقّع الآن”.
محاطًا بمن كانوا حتى وقت قريب قواته المسلحة البريطانية، وقّع سعيد وكان جاهزًا لنقله للمشفى. حمل النقالة أربعة رجال، رجل لكل زاوية، وفي إهانة أخيرة، تمزق قماش النقالة من جانب واحد.
عاش السلطان سعيد بن تيمور بترف لعامين آخرين في فندق دورشيستر بلندن. وتوفي الرجل الذي تصرّف كمحارب شجاع خلال الانقلاب في أكتوبر عام 1972. دُفن في ووكينغ لكن رفاته نُقل إلى مسقط في وقت لاحق.
بينما كنت أعرج وأنا أهبط درجات سلم القصر المزخرفة مررت بالسلطان الجديد، قابوس، الذي كان يبلغ من العمر وقتها 29 عامًا، وكان متسلحًا بمسدس من العيار الصغير. وكانت هذه هي بداية ما أسماه العمانيون عصر “النهضة المباركة”.