في مطلع العام الجاري 2020 تولى السلطان هيثم بن طارق مقاليد الأمور في البلاد بعد وفاة السلطان قابوس بن سعيد. جرى انتقال السلطة سلميا، لم ينتظر مجلس العائلة المهلة القانونية لاختيار خليفة للسلطان قابوس وقرروا الموافقة على من اختاره هو في وصيته، بعد تولي السلطان هيثم بن طارق، وكأي لحظة فارقة من لحظات التغيير، تتطلع النفوس إلى تغيير جذري للوضع القائم. فبين أزمة البطالة، والأزمة الاقتصادية وغروب عصر النفط وبين آمال وتطلعات رؤية عمان 2040 يبحث الجميع عن مستقبل أفضل لهم و لأولادهم. في هذا الصدد التقت مواطن كلا من د. جاسم حسين المستشار الاقتصادي، الأستاذ أنور الرشيد رئيس المنتدى الخليجي لمؤسسات المجتمع المدني والناشط الحقوقي نبهان الحنشي مدير المركز العماني لحقوق الإنسان في محاولة لاستشراف آمال المستقبل وتحديات الواقع العماني والخليجي.
متابعة: محمد هلال
الانتقال السلمي للسلطة
يرى أنور الرشيد أن الانتقال السلمي للسلطة بحد ذاته أمر رائع. هذا جانب، أما على الجانب الآخر فإن الذي يرجوه أن تتطور، آلية انتقال السلطة، بحكم تطورات الواقع المعاصر، لتشمل إرادة الشعب وليس فقط إرادة الأسرة الحاكمة.
أما نبهان الحنشي فيقول: حسب ما ظهر في الشاشات التلفزيونية كان الانتقال سلميا، لكن ما هو مفهوم الانتقال السلمي؟ لأنه في الأخير المجلس العسكري كان القائم المشرف على عملية انتقال السلطة، إضافة لانتشار المدرعات والآليات العسكرية في شوارع عمان وقت الإعلان عن وفاة قابوس . ولا يعرف أحد اسم الموصى به في وصيته، فهل السلطان هيثم بن طارق هو المذكور في وصية قابوس أم أنه المرشح المناسب الملائم للأجندات الداخلية والخارجية.
أما د. جاسم حسين فيرى أنه من الأفضل تهيئة ولي العهد حتى يتسنى له معرفة الملفات وبالتالي تقدير التحديات والحلول المناسبة فضلا عن الوقوف على ظروف الناس وإرساء العلاقات الدولية اللازمة.
وعن التحديات التي تواجهها السلطنة
يرى د. جاسم أن التطورات العالمية المتسارعة ورغبة مختلف الدول في تحقيق مستويات نمو تتناسب وحجم التحديات من قبيل إيجاد فرص عمل للمواطنين لا تسمح لعمان رفاهية التأخر في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المنشودة. كغيرها من الدول، تواجه السلطنة ظروفا دولية بالغة التعقيد. رغم ذلك ولحسن الحظ، تمتلك السلطنة مقومات نوعية تؤهلها لتحقيق قفزات اقتصادية من قبيل الثروة البشرية المحلية والإمكانيات السياحية لكن بشرط التوظيف الصحيح للإمكانيات دونما تأخير غير ضروري.
ويحذر د. جاسم أنه لابد من التأكيد بأن إيجاد فرص عمل للمواطنين يجب ألا يكون على حساب القدرة التنافسية لاقتصاد السلطنة. بمعنى آخر، المطلوب تحاشي السياسات الاقتصادية الطاردة للاستثمارات المحلية والإقليمية والدولية. نعيش في عصر العولمة حيث بمقدور الاستثمارات الانتقال من بلد لآخر
من جانب حقوقي يرى نبهان أن أهم التحديات التي تواجهها السلطنة هي تغيير القوانين التي تمثل انتهاكا لحقوق الإنسان، إضافة لتحدي الإصلاح السياسي للسلطة ، فلازالت السلطة مطلقة في يد رجل واحد ولابد من إصلاح سياسي يشمل فصل السلطات وتوزيع السلطة وإنشاء دستور جديد مع إلغاء كافة القوانين التي تمنع إنشاء الأحزاب السياسية والمنظمات المدنية.
من جانبه يعتقد أنور الرشيد أن التحدي الأبرز والأهم هو تطوير المنهجية التي تُدار بها السلطة، فكل دول العالم اليوم تطورت بشكل أو بآخر وانتقلت للنظام الديمقراطي فمن يُشاهد خارطة دول العالم سيُشاهد كل الأنظمة في العالم سواء في أمريكا اللاتينية أو القارة الأفريقية أو الآسيوية جميعها تحولت لأنظمة ديمقراطية وهذا الذي يُفترض أن تكون عليه سلطنة عمان الحالية والمستقبلية لأنها من أكثر مجتمعات منطقتنا قدرة على التحول للنظام الملكي الدستوري على غرار النظام البريطاني.
رؤية عمان 2040
يعتقد أنور الرشيد أن أي نظام يتطلع للمستقبل ما لم تكن الشفافية والحرية والديمقراطية هي أسس لرؤيته المستقبلية فإن تلك الرؤية تكون ناقصة وفي احتياج لتدعيم ديمقراطي حقيقي وآلية محاسبة ومساءلة واضحة ونظام مكافأة وعقاب كي تنجح تلك الرؤية، ولقد لاحظت بأن كل دول الخليج قد وضعت لنفسها رؤية مستقبلية، لكن تلك الرؤى لوضعت بعيدا عن الشعب وحساب مصالحه وليس لصالح نخبة مجتمعية فقط، فلن يكتب لها النجاح
من جانبه يعتقد نبهان الحنشي أن الحديث عن رؤية عمان 2040 سيكون غير دقيق، ويجب ألا ننسي فشل خطة 2020 ، والتي كانت من أهم أهدافها إلغاء الاعتماد على النفط وإنهاء البطالة إلى جانب عديد من الأهداف التي لم تتحقق. وأن العديد من المسؤولين ركزوا على إنشاء المدارس ورصف الشوارع وإنشاء المستشفيات لإلهاء الشعب عن الأهداف الأساسية لتلك الرؤية. ولكي تنجح أي رؤية مستقبلية لابد من إنشاء لجنة مستقلة فاعلة تامة الصلاحيات للرقابة والمساءلة والمحاسبة من خلال بوابة البرلمان أو مجلس الشورى بعد أعطائه الصلاحيات المناسبة ليكون مجلسا تشريعيا لا مجلسا استشاريا كما هو حاله الآن.
بينما ينصح المستشار الاقتصادي د.جاسم حسين بأن على السلطنة ألا تتغاضى عن الأمور الاقتصادية الجارية في الدول الإقليمية على وجه التحديد. وأن تلتفت للتقرير الصادر من صندوق النقد الدولي حول ضرورة تعزيز إيرادات المالية العامة لأن البديل عبارة عن السحب من الاحتياطي العام. حقيقة القول، لا تتمتع عمان باحتياطي مالي ضخم قياسًا ببعض الدول الاخرى في مجلس التعاون ما يضيف التحدي الذي يواجه صناع القرار في السلطنة.
ويشير إلى أن معايير النجاح الاقتصادي تتضمن تحسن الملاءة المالية ومعدلات الفائدة المفروضة على التسهيلات المالية المقدمة لعمان وارتياح صندوق النقد الدولي من النجاحات والقضاء على تحدي المالية العامة؛ معالجة عجز الموازنة تتطلب خطوات مثل التفكير بشكل جدي بإعادة تسعير الخدمات الحكومية مع فرض الضرائب كما الحال مع بعض الاقتصاديات الإقليمية، كل ذلك في ظل محدودية البدائل الأخرى أمام السلطنة.
حول ضرورة التغيير السياسي والإداري في عمان
يرى نبهان باحتياج السلطنة إلى التحول من شكل السلطة المطلقة والتي يكون فيها الشعب بعيدا تماما عن القرار السياسي إلى نظام حكم ديمقراطي بمجالس تشريعية منتخبة لا مجالس استشارية كما هو الحال الآن
من جانبه يرى أنور الرشيد أن على السلطات في الخليج وليس فقط في عمان، عليهم أن ينتبهوا لعصر التكنولوجيا والجيل الجديد من الشباب القادر على الوصول للمعلومة وتداولها. وأن شكل ونمط وآليات الحكم القديمة لن تناسب هذا الجيل الشاب.
محاولات الإصلاح والتحديث في دول الخليج
يرى أنور الرشيد أن مجموعة دول الخليج حقيقةً تمر بمأزق حضاري وإنساني فهي تُريد أن تحكم شعوب الخليج بعقلية رجل القبيلة بينما الشعوب تشعر بأن ذلك النوع من الأحكام لم يعد له وجود في الحاضر ناهيك عن المستقبل،
ويرى أن الأنظمة الخليجية يجب أن تفكر بنظرية “الكل رابح” والتي تتلخص في تحول الأسر الحاكمة الخليجية لأسر مالكة على غرار الأسر الملكية الأوروبية. ويرجو أن تتبنى شعوب الخليج هذه النظرية وننتقل لمرحلة تاريخية بكل سلاسة وحضارة.
ويرى نبهان الحنشي أن الوضع الخليجي من سيئ لأسوأ، الكويت مثلا منذ عقدين كانت منارة للحريات والحقوق والعمل السياسي البرلماني لكن للأسف تراجعت وصارت وكرا للانتهاكات الحقوقية ضد الناشطين على حد قوله أما السعودية فتستغل الدعاية الاعلامية الاقتصادية للترويج لنفسها وللتغطية على الانتهاكات الحقوقية التي تحدث مع الناشطين داخل السعودية والتي تعتبر من أسوأ دول الخليج في مجال حقوق الإنسان وفيما يتعلق بالنظام السياسي يعتقد نبهان أن الناشطين في السعودية أمامهم شوط كبير جدا يقطعونه من أجل أن يصلوا لمرحلة يتم فيها احترام الحقوق والحريات وتقديم نموذج سياسي مثالي أو شبه مثالي بما يتلاءم مع ظروف المنطقة. وتتشابه باقي دول الخليج لتشابه أنظمة الحكم فيها، السلطة المطلقة، فالحال في قطر والبحرين وعمان لا يفرق كثيرا عن حال السعودية.
وبالسؤال عن إمكانية أن تمتد محاولات التحديث لتشمل إصلاحات في اتجاه الديمقراطية
يقول أنور الرشيد إنه لايعتقد ذلك، فكل مانسمعه من إصلاحات فهي إصلاحات قشرية لاتلامس الجوهر، بالطبع هناك بعض الآراء التي تؤيد تلك الإصلاحات وأقول ليكن ذلك، فهناك انفتاح اجتماعي واقتصادي على الاقل ولاحقاً سوف يكون هناك إصلاح سياسي، أي حُريات و ديمقراطية وتداول سلطة وأحزاب مدنية، بطبيعة الحال، مثل تلك الآمال، لن تحدث بالقريب العاجل وإنما يحتاج الأمر لأجيال، وستستمر الأجيال في تقديم التضحيات، سواء معتقلين بالسجون أو مُهجرين أو طالبي لجوء سياسي، اليوم لا يستطيع أحد أن يُنكر وجود لاجئين سياسيين خليجين في دول أوربا وأمريكا؟
لذلك التطور الحقيقي هو تطور بكافة المجالات لانستطيع أن نقبل بمصادرة حرية شعب بحجة انفتاح اجتماعي واقتصادي فحرية الشعوب حزمة واحدة لا يمكن تجزئتها لحزمة اجتماعية واقتصادية وأفصل عنها السياسية.
أما نبهان الحنشي فيقول حينما نتحدث في هذا الشأن علينا أن نفرق بين الجانب الاقتصادي والجانب الحقوقي والسياسي ، فرغم محاولة تقديم نموذج عصري بقوانين اقتصادية عصرية تشبه قوانين الدول الأوروبية والآسيوية إلا أنه يبقى ممارسة العملية الاقتصادية محصورة حول أشخاص معينين ملتفين حول السلطة وهم المنتفعون الرئيسيون أما المنافسة الاقتصادية فغير موجودة.
هل التحول الديمقراطي حتمية عربية أم من الممكن أن تسير الأمور مستقبلا بنفس شكل أنظمة الحكم الحالية؟
يعتقد أنور الرشيد أن التحول الديمقراطي حتمية تاريخية، فاليوم كل المجتمعات البشرية تحولت لأنظمة ديمقراطية ماعدا الدول العربية وإيران وكوريا الشمالية أما باقي دول العالم فقد تحولت لأنظمة ديمقراطية وما يحصل اليوم في منطقتنا هو مقاومة لذلك التحول، لذلك نشاهد ندوب تنزف دماء بمنطقتنا وصراعا ليس بين أنظمة وأخرى وإنما بين الأنظمة والشعوب، اليوم أنظمة المنطقة العربية تتصادم مع شعوبها وهذا ماحصل ولازال يحصل.
ويرى نبهان الحنشي أن مسألة التغيير لا تتعلق بالدول العربية فقط، المجتمعات حول العالم في تغير، اليوم نشهد تغيرا اجتماعيا كبيرا وهذا يستلزم وجود أنظمة سياسية تتلاءم مع هذا التغير، ودول الخليج العربي، بسبب الأنظمة القمعية المستبدة فيها، أصبح تصنيفها تحت بند الدول المتخلفة، بسبب غياب صوت الشعوب عن المساهمة في القرار السياسي، وأعتقد أنه إذا لم تسارع دول الخليج والدول العربية اليوم إلى عملية إصلاح سياسي حقيقي وتأسيس قوانين وأنظمة تحمي الحقوق والحريات فأعتقد أن المستقبل سيشهد نوعا من الأزمات المتصاعدة والتي قد تؤثر أيضا في الاستقرار السلمي داخل أي بلد عربي وأي بلد خليجي.