كعادتها منذ نعومة أظافرها وفي عنفوان شبابها وكهولتها النشِطة وشيخوختها المتقدة اعتادت أن تشهق جدلاً وتزفر تمرداً. جادة في تعاملاتها الصحفية ولقاءاتها وجلساتها حتى مع ذاتها وما أقل هؤلاء؟!. تمشي على خطِ فكريّ لا تحيد عنه قيد أنملة، ومنهجها الفكري بتعقيداته هو الأنبوب الذي يضخ الدم في عروقها وأحد أهم أسباب استمرارها. د. نوال السعداوي اسم إذا تضمنته أي عبارة أو جملة لا يمكن وأن تنتهي بنقطة عادية أو ينتهي عندها السطر بشكل اعتيادي؛ وإنما تجد العبارة والجملة وقد تزين آخرها بعلامة تعجب (!) أو استفهام (؟). ومن هنا كانت قيمة هذا اللقاء الذي تنفرد به “مواطن” مع د. نوال السعداوي، خاصة مع قلة ظهورها مؤخرا في الصحف والإعلام بسبب حالتها الصحية المتراجعة على نحو ما، وسط إهمال كبير من الدولة المصرية وصمت وانزواء النخبة الفكريةالعلمانية التنويرية في مصر، حينما عرفت د. نوال وابنتها الشاعرة د. منى حلمي بأمر اللقاء والقائمين عليه خاصة من شباب الوطن العربي الشاهد على التجربة الفريدة التي تمثلها “مواطن” ومن يتابعونها من جمهور الوطن العربي وشبابه المثقف المستنير الواعد الذي كان يوجه قسطاً كبيرا من اهتماماته إلى مُلتقى نوال السعداوي الذي كان يعقد بمحافظات مصر منذ أعوامٍ قلائل، رحبتا باللقاء والرد على الأسئلة التي أعدتها مجلة مواطن.. وكان معها هذا اللقاء.
حاورها : محمد هشام
• من الصعب أن أجد جملة أو كلمة يمكنها أن تحتوي مشواري الأدبي والفكري الذي أعتز وأفتخر به كثيرا
• أتعرض لإهمال طبى جسيم، ولا اهتمام بصحتي ولم يهاتفني أي مسؤول أو يعرض مساعدة.
• سقطت الأقنعة عن العديد من المشايخ ورجال الدين ممن يدعون الفضيلة اللانهائية المطلقة
• نحتاج لنخبة تعمل من أجل تشجيع الأفكار والإبداع لا تقوم فقط بالاهتمام بتأسيس الطرق وتمهيدها
• أزمة الحركات النسائية الحالية هي الفصل بين قضايا الفكر والفقر والإبداع والتعليم واضطهاد العمال خاصة من النساء
نص الحوار:
1- د. نوال بداية ما سر هذا الاختفاء الكبير خاصة باللقاءات الفكرية التي اعتدتم القيام بها وكذا اللقاءات التليفزيونية؟
مرضي الأخير وحالتي الصحية المتراجعة هي التي تحول بين قيامي باللقاءات التي كنت أعتاد عليها وكذا الجلسات التي كان يحضرها المثقفون والمفكرون والشباب، وكذلك ملتقى نوال السعداوي. أتلقى العديد من الدعوت شبه اليومية للاستمرار لانعقاد ملتقى نوال السعداوي بالقاهرة والمحافظات؛ ولكنني كذي العادة أعتذر عنها، إذ لا طاقة والصحة لا تساعد كبادئ الأمر، وآمل أن يعود الموضوع قريبا، أعتقد من أجل الشباب الذي يهاتفني ويشتاق وكله توق لمثل هذه اللقاءات.
2- د. نوال السعداوي دون الخوض في أسئلة تقليدية تخص نشأتكم ومشواركم الذي يعرفه كل عيان، إذا أردنا أن نلخص مسيرة نوال السعداوي في جملة فماذا ستكون؟
ألفت كثيراً ودرست في عدة جامعات ومئات اللقاءات والمحاضرات وكُرمت من زعماء ورؤساء العالم ومن جامعاتها ومن أفخم المؤسسات الفكرية والإبداعية في العالم وحللت ضيفةً في المحافل الثقافية والإبداعية الفكرية في شرق الأرض وغربها. ولذلك لا أرى جدوى من الإجابة على مثل هذا السؤال، فمن الصعب أن أجد جملة أو كلمة يمكنها أن تحتوي ذلك المشوار الأدبي والفكري الذي أعتز وأفتخر به كثيرا.
3- بخصوص الحالة الصحية لـ د. نوال السعداوي، هل من الممكن أن تطمئني كافة قرائك ومحبينك لاسيما وسط انتشار العديد من الشائعات؟
ما زلت أعاني من أزمة صحية، لكنني أتحسن بشكل منتظم مع جلسات العلاج الطبيعي وتناول الأدوية التي يصفها الطبيب المعالج لي.
4- تحدث كثيرون عن الإهمال الطبي والصحي الذي تتعرض له قيمة فكرية وقامة علمية كبيرة بحجم نوال السعداوي فما صحة هذا الكلام؟
نعم أتعرض لإهمال طبى جسيم، ولا اهتمام بصحتي ولم يهاتفني أي مسؤول أو يعرض مساعدة واهتمام الدولة بحالتي كما يحدث مع كثيرين ممن أثروا في الحياة المصرية على مدار سنين، وهو أمر غريب ويثير الدهشة! عانيت مؤخرا من عدة مضاعفات إثر عملية المياة البيضاء التي قمت بإجرائها في مصر.
5- ملتقى د. نوال السعداوي أو المنتدى الفكري الشهري لنوال السعداوي أحد أهم أبرز الأحداث الثقافية والفكرية في مصر في العشر سنوات الأخيرة، في رأيك ما السبب الذي أدى إلى انتشار فكرة الملتقى وتعلق الشباب بحضوره؟ وما أسباب توقفه؟
نعم حقق ملتقى نوال السعداوي نجاحا كبيراً في مصر وذاع صيته بالوطن العربي عموما، لم يتوقع أحد نجاحه، حتى أنني أيضاً لم أكن أتخيل وصول الملتقى ونجاحه بهذا الشكل. انتشر الملتقى الفكري بين الشباب من الجنسين، وأتخيل السبب الرئيس وراء هذا هو حرص الشباب على قراءة الأعمال والمؤلفات التي قمت بإنتاجها على مدار عشرات السنين، وقمت بالحديث فيها بلغة تلائم الشباب، وبالشكل الذي يصل إلى القارئ مهما كان مستوى تعليمه وثقافته، ومن هنا لم يجد الشباب الصعوبة في استيعاب هذه المؤلفات وما تحويه من أفكار رغم احتوائها على ما يصدم عقولهم من أفكار وآراء غير اعتيادية تحث على التمرد والنقد والاستقراء والشك والجدل. علاوة على شمول وتنوع المؤلفات والكتب بين الدراسات النفسية والاجتماعية حول وضع المرأة فى مصر وفي العالم أجمع وتاريخ الأديان وعلاقات الرجل والمرأة وتشريح المجتمعات والسلطة الأبوية ..إلخ. كتبت أكثر من ثمانين مؤلفا وكنت أفاجأ في كل ندوة وكل جلسة للملتقى بوجود كثير من الرجل والنساء والشباب ممن قرأوا الكثير من مؤلفاتي.
6- هل لديك أمل كبير في انتشار تيار النقد الفكري والديني والاجتماعي وسط الشباب خاصة بالنسبة إلى المعايير الاجتماعية والثقافية التي تغيرت بعد ثورات الربيع العربي لدى الشباب، هل سيستطيع هؤلاء الشباب في التغلب على التيارات الظلامية والمتطرفة؟
نعم يمكن للشباب من الجنسين بالوعي وعدم فقدان الأمل واستمرار وتجدد العلم والمعرفة. حينما يعيد الشباب قراءة التاريخ سيجد أن مثل هذه التيارات ومثل هذه الأفكار تحفر قبورها بأياديها، كما أن أفكارها تحوي نقائضها، وحينما يقوم الفرد العادي بدراسة هذه الأفكار بميزان الوعي والواقع سيجد أن لا مكان لتطبيق مثل هذه الأفكار وحُكم وتسيير أمور الناس بها هو محض خيال وضرب من الخرافة وعدم الواقعية والدليل على ذلك التصدي لأدعياء وممثلي هذه التيارات من قبل الشباب وسقوط الأقنعة عن العديد من المشايخ ورجال الدين ممن يدعون الفضيلة اللانهائية المطلقة، فقد اكتشف الشباب بالقراءة وممارسة النقد أنهم كاذبون ومنافقون، ونعم لعبت منصات التواصل الاجتماعي والحركات والتيارات التي تبلورت بعد ثورة 25 ينايروثورات الربيع العربي دورا محوريا في فضح وكشف هذه التيارات، ولذلك أرى أن مثل هذه الصيحات التي ظهرت في الأعوام الأخيرة هي محاريث ستقوم باقتلاع واجتثاث جذور التطرف والإرهاب والأفكار الرجعية والظلامية.
7- متى تصبح مصر وباقي دول المنطقة العربية دولا علمانية ومدنية لا أثر فيها لكلمة رجال الدين وللخزعبلات وتسود بها تيارات الفكر والعلم فقط؟
للسؤال محاور إجاباته متعددة، ويمكن أن يكتب فيها مجلدات، ولكن هناك نقطة رئيسية في وجهة نظري يمكن أن تنتشل مصر والمنطقة العربية من أزمتها الفكرية والثقافية، ومن الممكن أن تكون الشرارة الأولى لأن تتقدم مصر سياسيا وثقافيا واجتماعيا في كافة المجالات وذلك عندما تتبدل وتتغير النُخَب في بلادنا، ويأتي غيرها نخبة تعمل من أجل تشجيع الأفكار والإبداع لا تقوم فقط بالاهتمام بتأسيس الطرق وتمهيدها مع كافة السًلطات والمؤسسات الحاكمة، وتعمل فقط من أجل نفسها، وتنسى رسالاتها ودورها وواجبها نحو الشباب وإيقاظ العقول وتشجيعها على التمرد والإبداع والابتكار، حينما يحدث العكس وتأتي هذه النخبة التي نأملها، حتما ستتغير مصر والمنطقة العربية وستتحول إلى دول مدنية وديمقراطية.
8- في الآونة الحالية هل من الممكن أن تتبلور حركات نسائية جديدة قائمة على الأفكار الجادة التي طرحتها نوال السعداوي في مؤلفاتها إلى كيانات فاعلة على ارض الواقع؟
الأجيال الجديدة من الحركات النسائية تحتاج إلى المزيد من الوعي والإخلاص لقضايا النساء. وأرى إمكان تبلور وظهور حركات أكثر قوة وتأثيرا حينما يتوافر عنصران: الأول هو عدم القيام بتجزئة قضايا النساء وفصلها عن كافة القضايا الأخرى خاصة الاجتماعية والسياسية والفكرية، أزمة الحركات النسائية الحالية هي الفصل بين قضايا الفكر والفقر والإبداع والتعليم واضطهاد العمال خاصة من النساء. كل هذه القضايا لا يمكن أن تنفرد في الدفاع عن نفسها والعرض لنفسها على حِدة وأتمنى أن تتعلم النساء هذا الدرس الذي ما زال يقع فيه الكثيرون من الرواد والمفكرون والنخبة. والعنصر الآخر، عدم الانتباه لدراسة التيارات النسائية في العالم وعدم التضامن معهم، في حين أن القضية واحدة وتقريبا تنادي كل منهم على حدة بنفس الحقوق التي تعد مسلوبة ومنتهكة في كافة المجتمعات وفي كافة العوالم، ومن هنا أقول دائماً، حينما يتعلق الأمر بقضايا النساء فلا يوجد عالم أول وثان وثالث، فالنساء مضهدات في كل عالم. ومن هنا أصبح تضامن كافة نساءات وحركات المرأة في العالم شيء واجب وضروري إذا أردن تحقيق نتائج إيجابية وفاعلة وإحداث التغيير الجدي على أرض الواقع.
9- هل من الممكن أن نشهد قريبا حركة فكرية شبابية برعاية نوال السعداوي على غرار ملتقى نوال السعداوي السابق الذي شهد نجاحا كبيرا؟
لا أستبعد تماما هذا الأمر، وقد صرحت في أكثر من لقاء وكتبت في أكثر من مُؤِلَف أنا لا أغلق الباب لأي شيء، وبالطبع يمكن أن تتجدد هذه اللقاءات ولكن تتحسن حالتي الصحية وهو شرط الاستمرار.
10- ماذا عن المؤلف القادم لنوال السعداوي؟ وهل كتبت نوال السعداوي الكتاب الذي صرحت سابقا أنها لم تكتب المُؤَلَف الذي تستطيع أن تناقش فيه كافة أفكارها بجرأة شديدة؟
بالطبع لا، لم أكتب الكتاب الذى أحلم بكتابته والذى يتمتع بجرأة أكثر فى النقد واستخدام مناهج أخرى في تفنيد آليات التغيير وتحدى المناطق المحرمة فى التفكير التي يخاف الناس الاقتراب منها، وكذلك وإثارة الأسئلة المحظورة في كافة المجالات.