اجتاح وباء كورونا الكثير من الدول على مستوى العالم ، بغض النظر عن قوة اقتصادها وتقدمها، وكشف عن مدى استعداد المواطنين ورجال الأعمال كل على حد سواء في مساندة وطنهم وقت الأزمات، وعن أهمية المواطن لدى الدولة. تبرع عدة رجال أعمال بمبالغ طائلة للمساهمة في حل الأزمة مثل مصمم الأزياء الشهير جورجيو أرماني في إيطاليا، وتنازل عدة ملاك عقارات عن الإيجار لمدة شهرين مساهمةً منهم في تخفيف وطء الأزمة التي طالت الجميع، وأنشأت بعض الدول صناديق تبرعات لدعم القطاع الطبي، حتى المافيا الإيطالية والبرازيلية ساهمت بدور إيجابي، وغير متوقع، لدعم بلادهما، لكن ما حدث في سلطنة عُمان، وفقًا لمراقبون، فاق التوقعات، إذ قامت عدة شركات خاصة بإصدار قرارات لاستقطاع رواتب الموظفين بنسب تراوحت بين 25% لـ 50% الأمر الذي تسبب في موجة انتقادات واسعة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر.
بدأ الحديث عن مشكلة استقطاع الرواتب عندما نشر الناشط الاجتماعي يوسف الزدجالي تغريدة بها صورة لقرار شركتين باستقطاع الرواتب حسب الدرجة المالية، معلنةً عن تقديرها “للتضحيات التي يقوم بها الجميع في ظل هذه الأزمة”، إذ قال الزدجالي في تغريدته التي لاقت تفاعلًا واسعًا: “مجموعة بهوان العالمية والمؤسسة التجارية العمانية OTE تفاصيل خصومات الموظفين حسب الدرجات ويقول لك: نقدر التضحيات التي يقوم بها كل فرد، على أساس أن الشركة معيشة العمانيين في جنة. أذكركم بعدد الشباب العمانيين الذين تم تسريحهم بين يوم وليلة قبل كم شهر؟ #عمان_جسد_واحد“.
أكد الاستقطاع عدد من العاملين في هذه الشركات إذ قال أحدهم ردًا على تغريدة الزدجالي: “للأسف اليوم نزلت الرواتب وتم استقطاع ١٨٠ ريال من ٤٠٠ وخصم البنك ١٨٠ ريال ولم يبقى الا ٤٠ ريال حسبي الله ونعم الوكيل”.
استنكر هذا القرار الكثير من المغردين باختلاف طوائفهم، وأصيح هاشتاج #استقطاع_رواتب_القطاع_الخاص الأعلى تداولًا، وكان من بين المنتقدين للقرار، الإعلامي الرياضي، خميس البلوشي، والذي قال في تغريدة له: “طوال السنوات الماضية ينهلون من خيرات الوطن ويجمعون الأرباح ويجدون كل التسهيلات وأمورهم في السليم ، وعند أول اختبار بسيط وفِي بداياته أظهروا الوجه القبيح وبدأوا في استقطاع رواتب موظفيهم المواطنين وكأنهم خسروا كل ما جمعوه!!!!معقولة خسرتوا بهذه السرعة؟!#استقطاع_رواتب_القطاع_الخاص“.
أكد الاتحاد العام للعمال بالسلطنة عن رصده لعدة انتهاكات للعمال في القطاع الخاص، والتي وُصفت بأنها جاءت “تحت ذريعة الإجراءات والتدابير المتخذة لمكافحة انتشار فيروس كورونا”، وأكد الاتحاد أن هذه الانتهاكات تمثلت في “الإخطار بإنهاء الخدمة والخصم من الأجور والإجبار على الخروج في إجازات غير مدفوعة” كما جاء في التغريدة المنشورة على الحساب الرسمي للاتحاد على تويتر.
اعتبر عدة مغردين أن استقطاع رواتب العاملين في القطاع الخاص جاء بسبب “عدم قدرة هذه الشركات على تصور نقصان أرباحها في شهر أو شهرين عن رقم معين” وأن هذا يعبر عن “نظرة مادية بحتة” رغم الظروف الاستثنائية، كما جاء في تغريدة عضو هيئة الفتوى إبراهيم الصوافي التي لاقت تفاعلًا واسعًا، إذ قال: “#استقطاع_رواتب_القطاع_الخاص يكشف مبادىء الشركات القائم -للأسف الشديد-على النظرة المالية البحتة حتى في الظروف الاستثنائية. فهي لا تستطيع تصور نقصان أرباحها في شهر أو شهرين عن رقم معين!! والتدخل الحكومي لمساءلة هذه الشركات أولا ثم لإلزامها بدفع أجرة العمال كاملة ضروري فيما أرى”.
قارن آخرون بين شركات “عملاقة يرأسها وافدون” استقطعت رواتب العاملين بها وشركات أخرى “صغيرة” لم تُقدم على هذا الفعل لأن إدارتها من “أبناء البلد”، إذ قال أحد المغردين وهو يقارن بين قرار كلتا الشركتين في تغريدة له: “هنا يظهر الفرق بين شركة عملاقة وشركة صغيرة. #استقطاع_رواتب_القطاع_الخاص“، كما أوضح بعض المغردين أن سبب عزوف المواطنين العمانيين عن العمل في هذه القطاع الخاص هو أنه “يتهالك” أمام الأزمات إذ قال أحد المغردين في تغريدة له: “تبين لنا اليوم بأن ذلك القطاع المشدود به الظهر يتهالك ويتهاوى أمام آزمة #كورونا والتي لم تكمل حتى الشهر !! عرفتم اليوم لماذا الناس غير راضيه في ان تنطم وتعمل في هذا القطاع ؟؟ عرفتم ما هي المعاناة الحقيقية فيه؟ هل سمعتم أن تم إستقطاع رواتب الموظف الحكومي #استقطاع_رواتب_القطاع_الخاص”.
أعلنت وزارة القوى العاملة بعد هذه الموجة الواسعة من الانتقادات أنها “اجتمعت بالشركات التي استقطعت رواتب موظفيها” وأكدت أن هذه الشركات “تراجعت عن قرارها” حسب ما نشره الحساب الرسمي الخاص بالقوى العاملة في تغريدة له تحمل صورة القرار، والتي جاء فيها: “وزارة القوى العاملة تؤكد تجاوب مؤسسات وشركات القطاع بالتراجع عن تخفيض الأجور بشأن ما تم تدواله حول قيامها بإستقطاع جزء من رواتب موظفيها. #عمان_تواجه_كورونا“، لكن بعض المغردين طالبوا بمعرفة الإجراءات المتبعة حال مخالفة الشركات لهذا القرار واستقطعت رواتب العمال بالإجبار، كما جاء في تغريدة أحد المواطنين الذي قال: “خطوة طيبة .. لكن سنشاهد عدة تجاوزات لاحقاً كما حدث الأن وسابقاً دون رادع حقيقي ضدها، هذه المؤسسات تنعمت من خيرات الوطن لسنوات طويلة جدا، لابد من فرض قوانين حازمها وقوية تجاه أمثال هذه المؤسسات كاجراء دائم وليس مؤقت! وكما قيل من آمن العقوبة أساء الفعل. #استقطاع_رواتب_القطاع_الخاص”. كما أكد أحد المواطنين في تغريدة له أن إحدى الشركات التي أصدرت قرار الاستقطاع أجبرت موظفيها على “التوقيع على قرار الاستقطاع” إذ قال: “أطرح عليكم سؤال ما هي الإجراءات التي تتخذ بحق الشركة إذا خالفت هالقرار وقامت بقطع راتب الموظف إجبارًا؟؟” وتابع في رد على تغريدته: “لأنه بعد إصدار هذا القرار شركة النبع تابعه لشركة التسنيم أجبرت الموظفين على توقيع و اختيار إحدى قراراتها الثلاث السابقة والدور جاي ع باقي الأفرع!! يا فرحة ماتمت”.
تجدر الإشارة إلى أن آثار أزمة فيروس كورونا طالت اقتصادات العالم أجمع، وأجبرت عدة دول عظمى على إغلاق مجالاتها الجوية، وعرقلة التبادل التجاري، وإخضع عدة دول للحجر الصحي وأخرى لحظر التجول، وأصابت قطاعات كبرى مثل السياحة والطيران والتجارة بخسائر فادحة.