في عالم يحوم الوباء فيه حول الجميع، ودعوات التباعد الاجتماعي تسيطر على الخطاب الرسمي والعام، ونرى الفردانية الغربية تهتز أمام فايروس، والشمولية الشرقية تدعي أنها متماسكة نوعًا ما، يقف الجميع من دول وأجهزة ومؤسسات وأفراد في مواجهة عدو مجهول، متى ينقضي؟ كم سيبقى يهدد حياة الناس؟ متى يكتشف العالم مصلا وقائيا؟ أشياء من درب المجهول، ولكن يبقى للتعب الجسدي علاج، بينما يقف الملل من دون دواء، ربما يكمن دواء الملل والخوف في الفلسفة ـ التي نلجأ لها علنا نصل لتصور ما عن عالمنا ما بعد كورونا. في هذا الصدد التقت مجلة مواطن بالفيلسوف المصري حسن حماد ، العميد الأسبق لكلية الآداب جامعة الزقازيق، وأستاذ كرسي الفلسفة لليونسكو بالزقازيق، الفيلسوف صاحب كتاب الإنسان المغترب عن إيريك فروم، والكتاب العمدة “ذهنية التكفير: الأصوليات الإسلامية والعنف المقدس” وقصة الصراع بين الفلسفة والسلطة وعدد آخر من الكتب الفلسفية في مجالات الفن والنقد الأدبي ومفاهيم الاغتراب الإنساني. وكان معه هذا الحوار:
• جائحة كورونا لابد وأن تخلق أسئلة فلسفية جديدة، أو تستدعي أسئلة قديمة مثل المعنى، المصير،الإيمان.
• الخطاب الديني الإسلامي يستدعي كافة الحيل والألاعيب القديمة ليوظفها من أجل تديين أو أسلمة الحدث.
• وصل الشطط والخبل ببعض السلفيين إلى تشبيه هذا الفيروس أو وصفه بأنه جند من جنود الله.
• كان الإنسان سيدًا للكون ومتحكمًا في مصيره أصبح مذعورًا مثل فأرة صغيرة محاصرة داخل غرفة مغلقة.
• أن الخوف الشديد أو الهلع سينتج المزيد من العبيد، وربما قد تصبح فكرة الحرية مجرد حدث تذكاري.
• لابد من مواجهة المعاناة: معاناتنا ومعاناة الآخرين بالفن والحب وهما في رأيي الخلاص الممكن للإنسان من أنانيته.
• الوباء حرمنا من أبسط وأرخص أنواع الحرية حرية أن تخرج أن تتجول في الطرقات، أن تسهر في إحدى المقاهي.
حوار: محمد سميح
إلى نص الحوار مع د. حسن حماد :
1- تاريخيًا هل هناك فلسفة للكوارث مثلما هناك فلسفة للفن أو السياسة أو الدين؟
تاريخيًا يوجد فلسفات للعلم، للأخلاق، للقيم، للدين، للسياسة، للتاريخ، للحضارة. ولكن لا يوجد فرع في الفلسفة يمكن أن أُسميه بطريقة مُحددة فلسفة الكوارث، أو فلسفة الأوبئة. ومع ذلك فإن الفلسفة تعرضت لموضوع الكوارث والأوبئة على مستويات متعددة وداخل مباحث فلسفية مثل الشر، العدالة الكونية، الصراع مع الطبيعة، وغيرها من الموضوعات التي ترتبط بالبُعد المأساوي في التجربة الإنسانية، كالحرب والموت والإرهاب والعدوانية… وهذه قضايا تدخل في نطاق فلسفة الأخلاق والقيم، أو تدخل في مجال فلسفة الفن خاصة الموضوعات التي تتعرض لها التراجيديا المسرحية. من جانب آخر نجد أن الفلسفة عادة ما تزدهر وقت الأزمات وفي اللحظات التاريخية الحرجة، وقد تنبه إلى ذلك هيجل الفيلسوف الألماني الكبير، ولذلك فقد كان يقول: أن بومة منيرفا لا تظهر إلا حينما يُرخي الليل سدوله. ومنيرفا هي إلهة الحكمة عند الإغريق.
ومعنى عبارة هيجل أن الفلسفة لا تزدهر إلا عندما يسود العالم اليأس، وعندما نشعر أن كل الدروب صارت مسدودة. ولذلك ظهرت فلسفة النهضة والتنوير عقب سقوط مملكة الظلام في العصور الوسطى، وظهرت الوجودية كرد فعل للأحداث الدامية للحربين العالميتين الأولى والثانية، ومن ثَم فقد أظهرت الوجودية البُعد المأساوي في التجربة الإنسانية واهتمت بقضايا مثل الموت، العدم، السأم، الاغتراب، القلق، الغثيان، الخوف، الإلحاد، العبث… الخ. وجائحة كورونا لابد وأن تخلق أسئلة فلسفية جديدة، أو تستدعي أسئلة قديمة مثل المعنى، المصير، الخلاص، السعادة، الإيمان، العناية الإلهية، الخير، الشر، الموت، الحياة، الألم، الآخر … الخ. وحتى لو كانت هذه الأسئلة ليست بالجديدة فمما لا شك فيه أن المأساة التي يعيشها الكوكب البشري كله لابد من أن تُفجر دلالات مغايرة لهذه الأسئلة، وتقدم إجابات جديدة ومختلفة.
2- هل يمكن لخطاب الوعي المستند لآليات المنطق أن يلعب دورًا إيجابيًا في مواجهة الأوبئة، أم أنه يتراجع أمام خطابات رجال الدين والسياسة والاقتصاد والأمن؟
لا شك أن خطابات رجال السياسة والاقتصاد عادة ما تكون أكثر واقعية وعقلانية ومنطقية، وأحيانًا ما تكون قاسية خاصة إذا ارتبطت بنوع من المعاقبة والمراقبة والضبط، ويفترض في هذه الخطابات أنها لا تكون عاطفية ولا تُفسح مجالًا للجوانب الوجدانية والإنسانية والأخلاقية إلا قليلًا، ولذلك فليس مستغربًا أن يقترح بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا حلًا لا إنسانيًا يُسميه بـــ “مناعة القطيع” أو العلاج بالعدوى، وهو شكل جديد من أشكال الداروينية الاجتماعية يتم بمقتضاه التخلص من الضعفاء وكبار السن والمتقاعدين، خاصة في الدول التي تتبنى سياسة الرأسمالية المتوحشة كالولايات المتحدة ومعظم دول الاتحاد الأوروبي. أما الخطاب الديني، فهو بطبيعته يقوم على تزييف الوعي وهو خطاب تبريري يحاول الالتفاف على الشر الموجود في العالم من خلال إلقاء المسؤولية على عاتق الإنسان، الذي ابتعد عن الله، وأفسد في الأرض، ولم يتبع السُنن والقوانين الإلهية وفضل عليها القوانين الوضعية، فكان هذا هو جزاءه. وبهذا يتم تفسير الوباء عبر افتراضات غيبية وأمور ميتافيزيقية كالانتقام أو الغضب الإلهي، وعبر إيقاظ وإثارة مشاعر الإحساس بالذنب أو الخطيئة لدى جمهور المتدينين. والخطاب الديني الإسلامي يستدعي كافة الحيل والألاعيب القديمة ليوظفها من أجل تديين أو أسلمة الحدث، بل وجدنا البعض من المتأسلمين يفتئت على القرآن الكريم، ويحاول أن يستخرج من آياته الكريمة ما يتوائم مع الظاهرة، خاصة الآيات التي تتحدث عن الأمراض والأوبئة والكوارث وأهوال يوم القيامة. ووصل الشطط والخبل ببعض السلفيين إلى تشبيه هذا الفيروس أو وصفه بأنه جند من جنود الله، أنزله الله على تلك القرية الظالمة التي تُسمى بالأرض من أجل الانتقام من عباده الظالمين والفاسقين! ولا شك في أن هذا الخطاب لا يُقدم، وإنما يؤخر مواجهة الوباء، لأن من شأنه أن يزيد الأمر سوءًا نتيجة ركون البعض إلى الاستسلام لفكرة القضاء والقدر، والإحجام عن فكرة النضال ضد هذا الخطر. فضلًا عن أن الخطاب الإسلامي هو خطاب مُعاد للفكر العلمي ومُنكر لقيمة العلم وجدواه، وإذا حدث وتوصل العلماء إلى علاج للوباء فسيقول هؤلاء الأغبياء بكل ثقة وهم مستلقون على أرائكهم أن الله قد سخر لهم هؤلاء الكفاء مثلما سخر لهم البحر والبر والطائرات والسيارات وكافة النعم والمسرات!
3- ما الآثار النفسية والسياسية والاقتصادية عالميًا ومحليًا؟
لنعترف أن ما يحدث الآن يُمثل صدمة شاملة للإنسانية كلها بكل أطيافها ومستوياتها الفكرية والاقتصادية والسلطوية، وحتى لو افترضنا أن ما يحدث هو مؤامرة، وأن طرفًا ما قد تورط في تلك الكارثة فإن هذا الطرف لن ينجو من هذه الصدمة ومن نتائجها الكارثية سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، فالصدمة تطال الجميع والكارثة كونية. ولا ريب أن هذه الصدمة قد زعزعت وزلزلت الوعي الإنساني المستريح والمطمئن إما في واحة الإيمان والعقائد الراسخة، وإما في ساحة الفضاء العولمي والطوباويات الكونية الحالمة، الكل استيقظ من سُباته الطويل واسترخائه المريح على كائن لا مرئي يصطاد ضحاياه مثل عنكبوت أسطوري يصطاد الذباب، وبعد أن كان الإنسان سيدًا للكون ومتحكمًا في مصيره أصبح مذعورًا مثل فأرة صغيرة محاصرة داخل غرفة مغلقة ومرعبة تُسمى بالكرة الأرضية!
صدمة كورونا – في رأيي – هي صدمة ضد كل المركزيات:
• مركزية الحضارة الأوربية التي صنعت من أوربا نقطة الانفجار العظيم لكل تقدم أو تطور أو حداثة.
• المركزية الكونية أو مركزية العولمة التي جعلت من العالم قرية صغيرة، تلك المركزية تحولت الآن من عولمة الحضارة إلى عولمة الخوف.
• مركزية العقل، والتي جعلت من الإنسان سيدًا لكل الكائنات، لأنه يمتلك أرقى جهاز عصبي وأرقى عقل على وجه الأرض، فجأة أصبح هذا العبقري يواجه كائنًا مجهريًا دقيقًا لديه قدرة خارقة على التشكل والتحول بصورة تفوق كل ما عرفه الإنسان من قبل من سحر أو علم !
• مركزية المقدس، وهي المركزية القائمة على سلطة الله المطلقة في الكون والذي شاءت إرادته في لحظة زمنية معينة أن يخلق الإنسان على صورته وعلى هيئته وفَضله بالعقل والقدرة على الاختيار على جميع الكائنات ومنها الملائكة وفقًا للتصور الإبراهيمي لقصة الخلق. هذه المركزية تترنح وتهتز عروشها اليقينية أمام هذا اللامرئي الذي استطاع أن يُغلق كل بيوت الرب أمام عباده، وتمكن من طردهم من رحمته ومن ملكوته مثلما استطاع إبليس من قبل طبقًا للقصة التوراتية.
الفيروس أسقط الإنسان من عرشه الذي اعتصم به في كبرياء، بوصفه خليفة الله على الأرض إلى كينونته الوجودية البيولوجية بوصفه مجرد خلية حية تصارع خلية أخرى. إن الكائن الذي وصل إلى الفضاء يعود مرة أخرى إلى القاع ليهبط إلى مستوى الطحالب وديدان الأرض واليرقات وكل الكائنات التي تصارع من أجل البقاء. ولم يكن الفيروس فقط هو ضربة قاضية للمركزيات الحضارية والعقلية والكونية واللاهوتية، بل إنه كان صادمًا أيضًا لكل الحالمين بالنهايات السعيدة: نهاية التاريخ، نهاية الأيديولوجيات، نهاية الصراع، نهاية القطبية، نهاية الدولة القمعية والشمولية، نهاية الإمبراطوريات. إن كل النهايات التي تصورها بعض الحالمين والأيديولوجيين من أمثال “فوكو ياما” النبي الجديد المُبشر بالليبرالية الجديدة بوصفها خاتمة التاريخ ونهاية الأيديولوجيات، كل هذه الأحلام تتبخر وتتلاشى بفعل كائن لا مرئي يعصف بكل تلك الأحلام الوردية! أما التصورات الما بعدية مثل ما بعد الحداثة، ما بعد البنيوية ما بعد التفكيكية، ما بعد العبثية، ما بعد الرقمية… كل هذه التصورات يأتي هذا الزومبي الجديد ليُعيدها إلى ما قبل. كل ما بعد أصبح ما قبل. كورونا نقلتنا من المابعد إلى الماقبل فكل مُنجزات الحضارة الغربية بكل طموحاتها وغرورها وكبريائها وعنجهيتها وصلفها وجبروتها وأدواتها ومخترعاتها ومكتشفاتها… كلها تقف مذعورة ومقهورة أمام هذا العدو الجديد !
4- هل كوفيد 19 ضربة للحريات الفردية، وخطوة نحو الشمولية؟
إن الأمر في رأيي يتوقف على المدى الزمني الذي سيستغرقه بقاء واستمرار هذا الوباء. وأتصور أن الدول التي ستكون أكثر تأثرًا هي الدول الأكثر حرية والأكثر ديموقراطية مثل الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية على وجه الخصوص، وربما تتأثر قلعة الرأسمالية المتوحشة وأعني بها الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من أي دولة أخرى، فالدول ذات الطابع الإمبراطوري مثلها مثل الديناصورات هي أكثر الدول عرضة للانقراض، والولايات المتحدة دول عملاقة، ولكنها غير متجانسة من ناحية التركيبة السكانية فهي تتشكل من عدة ولايات وعدة أعراق أو جنسيات، مما يجعلها أكثر قابلية للتفكك، خاصة إذا ما واجهت أزمة اقتصادية طاحنة أو ضعفًا في القدرة العسكرية. وأنا أرى أن أمريكا أصبحت إمبراطورية مترهلة وأصابتها الشيخوخة، وإذا كان أول ضحايا الكورونا هم الضعفاء وكبار السن فأنا أتوقع أن تكون أمريكا هي الأكثر تأثرًا لهذا السبب. وإلى جانب توقعاتي بانهيار أمريكا، أتوقع أن تنهار بعض الدول التي تعتمد في وجودها الاقتصادي على عوائد النفط ومثلها دول الخليج. أما الدول التي ستصمد أمام الوباء هي الدول التي تمتلك ثلاثة عناصر متداخلة: حكومة قوية ومتماسكة، قوة اقتصادية، سلطة معرفية (العلم). وأظن أن الخوف الشديد أو الهلع سينتج المزيد من العبيد، وربما قد تصبح فكرة الحرية مجرد حدث تذكاري، إذ سيصبح الناس كائنات طيعة ومُروضة، أشبه بالروبوت الصيني، فإذا كان الإنسان الحر والمبدع والمتأمل والحالم هو نموذج حقبة العصر الحداثي في عصري النهضة والتنوير وما بعدهما فإن الإنسان الروبوت، الآلي، الفقير في مشاعره وأحاسيسه، والمُحب للعبودية هو نموذج الإنسان في مرحلة ما بعد كورونا.
5- هل فترة الحجر المنزلي في ظل الوباء تكون أكثر ملائمة للإنسان المغترب المُحب للعزلة، ووبالًا على الإنسان المتمثل الذي لا يُطيق العزلة؟
العزلة الاختيارية تختلف عن العزلة الإجبارية. كل شيء يستند إلى قاعدة الحرية أو الاختيار الحر يكون مقبولًا، أما الحجر المنزلي خاصة لحامل الوباء هو نوع من الإقصاء والنفي. والهجر والنبذ والشعور الذي لا يُطاق بأن المرء قد أصبح موبوءًا وموسومًا بالعار. إن هذا العار لهو أشد من عار الفضائح الجنسية والأخلاقية. إن الشخص الموبوء ليس خطرًا على الأخلاق، ولكنه خطر على الحياة. المسألة الأخلاقية في معظمها فردية، أما خطر الوباء فهو خطر يُهدد الآخرين بالموت ونذير شؤم وفناء.
6- هل يُمثل الفن عزاءً ومخرجًا للتنفيس عن الإنسان أثناء معاناة الوباء؟
لا شك أن الفن هو أحد الأسلحة التي بها يواجه الإنسان إحساسه بالهلع وخوفه من الموت، الفن كما قال أرسطو يمكن أن يُطهرنا من الكثير من المشاعر السلبية ويُفجر بأعماقنا طاقة إيجابية تسعى إلى خلق الجمال في داخل عالمنا المنهار. لن أنسى هذه الجماهير التي خرجت في شرفات إيطاليا أثناء الحجر الصحي لتعزف وترقص قتلًا للصمت وهروبًا من الإحساس المضنى بالعزلة، أو لنتذكر المشهد الأخير من فيلم تيتانك، فرغم الموت والفناء وكل هذا القبح يظل الفن والحب هما أجمل المخترعات البشرية. لابد من مواجهة المعاناة: معاناتنا ومعاناة الآخرين بالفن والحب وهما في رأيي الخلاص الممكن للإنسان من أنانيته. ليس الحب بمعنى الحب الجنسي فقط، ولكن لابد من أن نُحب الطبيعة، بكل كائناتها، وبكل تقلباتها، وألا نُسيء إليها حتى لا تُسيء إلينا. الحب يُوقظ فينا الإنسان، والفن يوقظ فينا الإحسان بروعة الحياة وبهاء الوجود.
7- هل أظهر الوباء مدى هشاشة وترف بعض مشاعرنا و انطباعاتنا القديمة عن الحياة بوصفها مملة وتتسم بالرتابة والفتور ..الخ. بمعنى أن الهلع والإحساس الرهيب بالخطر قد تجاوز تلك الرفاهية القديمة؟
إننا لا ندرك قيمة الأشياء إلا حينما نفقدها: الوطن، الصحة، المال، المأوى، الحبيب، دفء الأسرة، الحرية بكل أنماطها حرية الانتقال، حرية الكلام، حرية العقيدة، حرية التعبير عن الرأي، الحرية السياسية. الوباء حرمنا من أبسط وأرخص أنواع الحرية حرية أن تخرج أن تتجول في الطرقات، أن تسهر في إحدى المقاهي أو البارات، أن تذهب وقتما شئت وتعود إلى بيتك وقتما تشاء، أن نُقابل الرفاق والأصدقاء فنصافحهم ونُقبلهم ونحتضنهم ونعانقهم … ونقترب منهم ويقتربون منا. كل ذلك صار محظورًا، ازدادت المسافات بيننا وبين الآخرين وارتفعت الجدران التي تفصلنا عن هؤلاء ممن كنا نحبهم ونشتاقهم ونتلهف للقائهم. صارت كل هذه الأشياء عزيزة ومحظورة وخطيرة. صرنا نخاف من كل شيء وأي شيء، من الآخر، من أنفسنا، من ذواتنا، من جلدنا صار كل شيء مُلوثًا ويحمل إمكانية الوباء، إمكانية الموت والفناء.