كثرت المقالات التي تتحدث عن حقيقة التسامح كمصطلح عالمي بدأ في القرنين 16 و17 وتحدث كثيرون عن أهميته كخلق يجب توافره في الشعوب التي تطلب الحرية ، وثار الجدل في عمان بالتحديد حوله كمصطلح وحول تطبيقه كمفهوم لكن نادرا ما يظهر أحد ويقف موقف الناقد الحيادي لهذا المصطلح ويدرسه دراسة متأنية بعيدة عن كل تحيز أو تعصب وفي الحقيقة شدتني مقابلة أجراها الكاتب والمفكر بدر العبري مع باحثة غربية أمريكية (إيميلي جوشي) وسؤاله لها عن حقيقة التسامح في عمان (مقابلة موجودة في اليوتيوب بعنوان حوار حول أطروحة الإباضية وحول المواطنة والتعايش)، وكان رد الباحثة أن التسامح في عمان تسامح سطحي، لا يرقى أن يكون تسامحا عميقا، ودعونا بهذا الصدد نعرج على مقالة قالها الدكتور سيف الهادي في أحد محاضراته (التي عرضت في قناة الاستقامة بعنوان أنتم لستم متسامحين) قائلا: “نحن شعب متعايش وليس متسامحا”، وحقيقة -حتى أكون حيادية في دراسة ظاهرة التسامح في سلطنة عمان- فلقد قرأت كتبا قليلة في التاريخ وخاصة تاريخ الصحابة والتابعين والخلفاء الراشدين فمعرفة تاريخ التسامح جزء من الإجابة على السؤال، وقرأت جزءا ليس قليلا من سيرة الرسول لابن هشام، وقرأت لأحد الفلاسفة السياسيين الذي أرسوا دعائم التسامح في الغرب في القرنين 16 و17 وهو جون لوك في كتابه (رسالة التسامح)، وبحثت قليلا في مواقع البحث حول ما كتب عن التسامح في الإسلام، وحقيقة وجدت أنه لم يَرِدْ ذكر لفظة التسامح ولا مرة واحدة لا في القرآن ولا في السنة ولا حتى كمصطلح في كتب السلف الصالحين، وهذا مصطلح غربي دخيل علينا ونشأته ترجع للصراع الديني الذي كان بين البروتستانت والكاثوليك فجاء الفلاسفة في إنجلترا ووضعوا هذا المصطلح لإجبار الناس على احترام آراء الآخرين الدينية والفكرية وإن كانت خلاف معتقداتنا، ثم تطور هذا المصطلح سياسيا ليتمثل كما ذكر جون لوك في كتابه (رسالة في التسامح) في فصل السياسة عن الدين، وقال بالحرف الواحد إن التسامح لا يكون حتى يتم فصل الدين عن الدولة، وعلى الرغم أن الفعل الجذر لكلمة تسامح يعطي معنى مغايرا لمعناها الذي حدده الفلاسفة فإن الفلاسفة بحد ذاتهم اختلفوا في وضع تعريف للتسامح، ولعلني أرى أن هؤلاء الفلاسفة فرقوا في تعاريفهم بين نوع التسامح من تسامح ديني أو عرقي أو سياسي، وعندما نتكلم عن تسامح الإسلام ككل فأننا نجد أن الإسلام يتألف من قسمين:عقائد وعبادات، ومعاملات، وإذا جئنا للعقائد فإن الإسلام لا يوالي الكفار، وتزخر كتب الإباضية بمصطلحات من الولاية والبراءة، وأن البراءة تتضمن على حد قولهم بغض وكره واستنكار للفريق الآخر ولو كانوا كتابيين، وهذا الكره والبغض يتطلب عدم موالاتهم أو اتخاذهم بطانة من دون المسلمين وعدم الثقة فيهم، فكيف يكون تسامح الإباضية مع الديانات الأخرى وهم يؤمنون أن البراءة من قواعد الدين؟!،والدليل على أن التسامح مصطلح دخيل لدى الإباضية هو موقفهم من الملحدين متمثلا في الكتاب الذي صدر عن شيخهم الخليلي بعنوان مصرع الإلحاد يوضح أن الملحد مريض نفسي ويصفه بأقبح الألفاظ، فأين التسامح الذي نزعمه في عقيدتنا الإسلامية؟ هذا مجرد إبرة في كومة قش، ويكفينا هذا الدليل على عدم وجود التسامح العقدي الذي يظنونه مباحا في دينهم، أما إذا أتينا إلى تسامح المعاملات فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما موقف الشيخ مسعود المقبالي الإباضي من ترشح المحامية بسمة الكيومي السافرة المقلدة للغرب في لباسها، ما موقفه من ترشحها لدخول قبة البرلمان، وهو الذي ظهر يحذر ويزبد ويرعد من خطر ترشيحها لأنها لا تمثل الشعب العماني! ولو تتبعنا موقف الشارع والساحة العمانية المتمثلة في الشعب العماني لوجدنا حجم التعصب الهائل في المعاملات الدينية لدى البعض وذلك نابع من خوفهم على مستقبل هذا الدين ومكانته في قلوب الناشئة منهم.
ولو عرجنا على بعض الأحاديث التي ذكرها الرسول لوجدناها تزيد من حيرة بحثنا وتتطلب منا التعمق العظيم في دراسة هذه الظاهرة كما قالت الباحثة الأمريكية بعمق وليس بصورة سطحية لا ترضي أصحاب العقول الباحثة عن الحقيقة، أليس الرسول هو القائل: “لا يجتمع في الجزيرة العربية دينان”؟ -مصدر الحديث كتاب أحمد أمين بعنوان يوم الإسلام-، أليس الرسول هو من أباح دم شاعر فاجر لأنه هجاه؟ هل لابد أن نزج بديننا الإسلامي ونلصق به مصطلحات دخيلة من أجل فقط التوضيح أنه دين مدني يواكب التطور؟ الدين الإسلامي كما قال الدكتور سيف الهادي ليس دينا متسامحا بل دينا متعايشا، فالتسامح لين وذل ودنيئة في الدين والنفس والعرض والوطن، والإسلام دين عال، والله القائل فيه: “كنتم خير أمة أخرجت للناس”، وقوله: “قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله”، ويقول:”ولا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون”. هذا فيما يتعلق بالتسامح في معناه الديني، ولكن لو جئنا لمعنى التسامح في العرف السياسي فهل يوجد تسامح في عمان سياسيا، لابد أن نركز أن الشعب حتى يوصف متسامح سياسيا لابد من أن تكون هناك قوانين سياسية تكفل هذه الحرية وتحترمها ومقر بها دوليا وعالميا لأننا لسنا من وضعنا مصطلح التسامح لدينا حتى نفسره على هوانا وما يمليه علينا واقعنا، وعمان بإمكاننا القول إنها تسن كل القوانين والأنظمة التي تكفل حرية المعتقد واحترامها، وتسن عقوبات رادعة لكل من تسول له نفسه الإضرار بغيره دينيا وفكريا وتحمي حقوق الكل ويعمل فيها الجميع دون تميز لعرقه أو دينه أو ثقافته، لذلك فإنه بإمكاننا القول إن التسامح السياسي ينطبق في بعض أركانه على سلطنة عمان، هذا ويبقى السؤال هو: حينما نتحدث عن عمان وتسامحها فأي نوع من التسامح نقصد؟ ذلك التسامح العقدي الذي لا وجود له، أم التسامح السياسي الذي تحميه القوانين والأنظمة محليا ودوليا؟ وعليه يكون كما قيل إنه لا وجود للتسامح بمعناه المطلق في جزيرة العرب الإسلامية، وعليه يكون السؤال: طالما أن التسامح مصطلح دخيل علينا وجاء بكل معانيه ودخائله علينا فهل من النقيصة أن نصف شعبا مسلما أنه شعب غير متسامح؟ والإجابة تكون أن الإسلام قد يكون متسامحا سياسيا، وفي بعض معاملاته مع خصومه، ولكنه لا ينطبق عليه التعريف الكلي الذي وضع من أجله، فالإسلام لا يؤيد فصل الدين عن الدولة، والتسامح في معناه الغربي لا يكون إلا كما قال جون لوك بفصل الدين عن الدولة، وكما أن الإسلام به بعض من أسس الرأسمالية والشيوعية فهو ليس شيوعيا ولا رأسماليا، فهو يؤيد على السواء حق الفرد في التملك، كما يؤيد حق الجماعة أيضا، لذلك فإن الإسلام وإن كان به بعض من التسامح فهو ليس متسامحا كليا، وهذه ليست نقيصة ولا عيبا، لأن التسامح بإطلاقه ليس معنى إيجابيا في كل تعاريفه.
للاسف فهمكم الضيق عن الدين ودراستكم له من مراجع سلفية تفسير النصوص الدينية وعدم الأخذ بتفسيرات رجال الدين القدامى للقرآن والسنة، حيث يرون أن الإسلام بعد تنقيته من هذه الآراء والتفسيرات فإنه يحقق الحرية للأفراد خاصة فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير وحرية الاعتقاد. أنصح بأن تتعرفوا على مؤلفات جمال البنا